حمامة الصنوي تكتب لـ(اليوم الثامن):
المرأة المستقلة والكوتا النسائية..!
في خضم الحديث عن نظام الحصص (الكوتا) المخصصة للمرأة، تبرز معضلة شائكة تتعلق بالمرأة المستقلة غير المنتمية لأي حزب أو تيار سياسي، فبينما يفترض أن الكوتا وجدت لتعزيز المشاركة النسائية وتمكين النساء من الوصول إلى مواقع صنع القرار، تتحول في كثير من الأحيان إلى أداة حصرية تدار عبر القنوات الحزبية، فتقصى المرأة المستقلة من المشهد التمثيلي، لا لضعف كفاءتها، بل لأنها اختارت أن تمشي بخطى حرة خارج سرب الاصطفافات السياسية.
الكوتا في جوهرها تمثل فكرة نبيلة، تقوم على تخصيص مقاعد محددة للنساء؛ لضمان حضورهن في المجالس المنتخبة وتضييق فجوة التمثيل السياسي. لكنها في الواقع العملي كثيرًا ما تفرغ من مضمونها، إذ تمنح هذه المقاعد غالبًا لنساء يتم اختيارهن وفق اعتبارات حزبية، لا وفقًا لكفاءاتهن أو التزامهن الحقيقي بقضايا المرأة.
وهكذا، تتحول الكوتا من وسيلة لتصحيح الاختلال إلى وسيلة لتعزيز النفوذ الحزبي وترسيخ الولاءات، وتكريس النخب النسائية المحسوبة على مراكز القوى.
المرأة المستقلة، في هذا السياق، تجد نفسها أمام فرصة ذهبية مهدورة.
تسأل إحداهن بمرارة: "ما جدوى تخصيص مقاعد للنساء إن كانت تمنح لمن يمثلن الأحزاب لا من يمثلن قضايا النساء؟" وتُعدُّ أخريات أن الكوتا، بدلًا من أن تكون بابًا مفتوحًا أمام الجميع، أُغلقت في وجوههن لمجرد أنهن اخترن طريق الاستقلال عن أجندات التنظيمات السياسية.
وتتسع دائرة الإقصاء لتتجاوز كوتا التمثيل النيابي أو المحلي، إلى غياب شبه كامل للمرأة المستقلة عن مواقع صنع القرار في السلطة التنفيذية، فلا نصيب لها في تشكيل الحكومات، ولا حضور في الهيئات العليا للدولة، ولا فرصة في المجالس الاستشارية، وكأن الاستقلالية باتت عيبًا سياسيًا يعاقب عليه صاحبه بالتهميش والتجاهل.
صحيح أن المرأة مظلومة في العموم داخل منظوماتنا السياسية، لكن المرأة المستقلة هي الأشد عرضة للظلم، والأكثر تعرضًا للإقصاء والتهميش.
لكن هذه الصورة القاتمة ليست مطلقة، ففي بعض الدول جرى تطوير نماذج أكثر شمولًا للكوتا، راعت خصوصية النساء المستقلات ومنحتهن فرصًا أكثر عدالة في الوصول والتمثيل. تمثّل ذلك في تخصيص نسبة من المقاعد تشغل بآليات لا تعتمد على الانتماء الحزبي، أو من خلال إنشاء دوائر انتخابية خاصة بالنساء، تتنافس فيها المرشحات على قدم المساواة، بعيدًا عن تحكم الأحزاب والنخب السياسية.
وسط هذا الواقع، تواجه المرأة المستقلة معضلة وجودية، إذ كيف تطالب بحقها في التمثيل دون أن تضطر إلى تبني خطاب لا يشبهها أو أجندة لا تعبر عنها؟ وهل يمكن للكوتا أن تعيد تعريف نفسها لتكون أداة حقيقية للتمكين، أم ستظل مجرد غطاء لتدوير الوجوه ذاتها باسم التنوع والشمول الزائف؟
في نهاية المطاف، ليست الإشكالية في الكوتا ذاتها، بل في الطريقة التي تصمم وتطبق بها.
المرأة غير المنتمية لا تطالب بامتيازات، بل تطالب بعدالة تكفل لها الحق في التقدير، وفي أن تقيَّم على أساس أفكارها وإمكاناتها، لا على أساس ولاءاتها السياسية أو موقعها في خارطة القوى.
وحين تصغي هذه العدالة إلى صوت المرأة المستقلة، وتمنح حقها الكامل في التمثيل والمشاركة، عندها فقط يمكن للكوتا أن تكون جسرًا حقيقيًا للتمكين، لا مجرد أداة لتجميل مشهد سياسي باهت.