هل تتذكرون النقد والنقد الذاتي؟!
قد لا يعرف كثيرون ، خاصة من جيل اليوم، ما هو النقد والنقد الذاتي؟!!..بل وقد يستغربون أنه كان في مراحل سابقة فقرة هامة لا تخلو منها جداول أو نقاط أي اجتماع رسمي أو تنظيمي.. ويقصد به ذلك المبدأ التقييمي الذي كان متبعاً في كثير من اجتماعات الهيئات والمؤسسات الحكومية والمنظمات الجماهيرية أو الحزبية وغيرها، حيث يمارس النقد بغرض تصحيح وتصويب الأخطاء وتجنب النواقص أو الهفوات في النشاط والعمل ..وعادة ما يوجه النقد إلى الشخص المعني عن تقصير أو خطأ بدر من جانبه بغرض تنبيهه لتصحيحه وعدم تكراره، وهذا هو النقد. أما النَّقد الذَّاتيّ فهو إقدام الشخص بنقد نفسه لأخطائه أو نقاط ضَعْفه بهدف تحسينها.
ولا شك أن الكثير من ابناء جيلي وجيل ما قبل الوحدة المغدورة قد أدرك ذلك ومارس النقد أو النقد الذاتي في أي من اجتماعات الهيئات أو المنظمات التي كان عضوا فيها أو كان هدفا للنقد ذاته، ومن ذلك النقد المكتوب الذي تعرضت له شخصياً لغيابي اجتماعين من اجتماعات الهيئة الإدارية للاتحاد الوطني العام لطلبة اليمن (انظر الرسالة المرفقة) والسبب إنني كنت رئيساً للاتحاد في المديرية الغربية الغربية (يافع) من المحافظة الثالثة (أبين) حينما كنت طالباً في المرحلة الإعدادية، وكنت عضواً في الهيئة الإدارية، وكان السفر شهرياً لحضور الاجتماعات مشقة بذاتها ويستغرق عدة أيام ذهابا وإياباً لعدم تيسر المواصلات حسب الطلب وصعوبة الطريق في الوصول إلى عاصمة المحافظة زنجبار، وبالمثل كان زميلي عبدالله عمر البطر يأتي من لودر لحضور هذه الاجتماعات..ومع ذلك تقبلنا النقد الذي وجه لنا من الهيئة الإدارية، عبر مسئول المؤسسات الجماهيرية، بصدر رحب،وحرصنا على عدم الغياب لاحقاً التزاماً لضوابط ونظم العمل داخل اتحادنا كأعضاء قياديين فيه، واتذكر هنا بكل تقدير وعرفان المساعدة التي كان يقدمها لنا مأمور المديرية حينها الأخ حسين ناجي محمد (أبو علي) لانجاح نشاطاتنا الطلابية المتنوعة بما في ذلك تهيئة الامكانيات لإصدار مجلة شهرية كنا نطبعها بآلة (الاستنسيل) وكذا حرصه على توفير سيارة أحياناً تقلنا لحضور الاجتماعات في عاصمة المحافظة مع نثريات النزول كدعم من قبله لنشاط الاتحاد الطلابي.
ورغم أهمية مبدأ النقد في تقويم وتصحيح الأخطاء، إلاّ أن البعض كان ينتقد لمجرد النقد..وأتذكر حكاية من طرائف النقد والنقد الذاتي حدثت في أحد الاجتماعات..كان بطلها ثرثار يعجبه الكلام ويتحدث في كل موضوع، ومع ذلك يتخلل كلامه غير المترابط كثير من الكلمات الدخيلة والزائدة التي لا معنى لها، مثل : طبعاً..يعني..مثلا..مثلما تقول..سمعت مني..الخ..وعند الوصول إلى نقطة النقد والنقد الذاتي التي كانت تحتل آخر نقطة في جدول الاجتماع، استغل ذلك الثرثار صمت أحد الأعضاء الذي هو بطبعه قليل الكلام ولا يتحدث إلا حين يرى ضرورة لذلك كطرح رأي أو مقترح أو نقاش هادف، ولأنه لم يتحدث في ذلك الاجتماع فقد صوب الثرثار إليه سهام نقده قائلا:" أنتقد الرفيق علي عبدالرحمن لكون موقفه سلبي حيث لم يشارك في النقاش في أي موضوع طوال الاجتماع"..
وكان على المستهدف بالنقد أن يرد على النقد الموجه إليه، فجاء رده بطريقة ساخره بقوله:" لو نخلنا كلام الرفيق المنتقد (..) لوجدنا ثلاثة أرباعه .. يعني.. برضه..مثلما تقول..سمعت مني..الخ.. ولذا كان السكوت أفضل من ثرثرته".. وضج الحاضرون بالضحك مع انفضاض الاجتماع، وارتد سهم النقد إلى نحر الثرثار..
ختاماً.. كم نحتاج اليوم لممارسة النقد..وعلى الأخص النقد الذاتي لتقويم أنفسنا قبل أن يقومنا الغير ..ودمتم بألف خير.