د. عيد النعيمات يكتب لـ(اليوم الثامن):
إيران تُعيد تسليح الحلفاء.. استمرار استراتيجية الوكلاء وسط جمود المفاوضات مع واشنطن
تشهد منطقة الشرق الأوسط في المرحلة الراهنة تصعيداً لافتاً في أنشطة الجماعات المسلحة المدعومة من إيران في ظل جهود إيرانية لترميم نفوذها الإقليمي الذي تعرض لاهتزاز واسع خلال العامين الماضيين جراء الحملات العسكرية الإسرائيلية العنيفة وسقوط كوادر عسكرية بارزة من الحرس الثوري في ضربات دقيقة.. غير أن ما يبرز في المشهد بحسب التقارير الغربية ومصادر في المنطقة هو تمسك طهران باستراتيجيتها القائمة على دعم شبكة معقدة من الحلفاء المسلحين؛ على الرغم من المصاعب المتزايدة والضغوط الدولية.
تصعيد الدعم والرهان على المجموعات التابعة
في اليمن استؤنفت الهجمات الموجهة من قبل جماعة أنصار الله الحوثية ضد السفن التجارية في البحر الأحمر بعد فترة من الهدوء النسبي مثيرةً بذلك قلقاً دولياً بشأن أمن الممرات المائية الاستراتيجية، وثمة تقارير موثوقة من مصادر عسكرية أمريكية أشارت إلى اعتراض أكبر شحنة أسلحة إيرانية متجهة للحوثيين منذ بدء النزاع، وتضمنت مئات الصواريخ ومعدات متطورة للطائرات المسيّرة، وهو ما نفته طهران واعتبرته “حملة تضليل أمريكية”، وتعكس هذه الواقعة إلى جانب الضغوط التي تمارسها الميليشيات في العراق - والتي تتهم بعرقلة إنتاج النفط في إقليم كردستان واستهداف منشآت حيوية عبر هجمات بالطائرات المسيّرة – تعكس إصرار إيران على المحافظة على خطوط نفوذها الاستراتيجي في نقاط التماس الحيوية بالمنطقة؛ حتى ولو كان ذلك مقابل تكلفة باهظة بحسب تقديرات بعض الباحثين.
حزب الله ولبنان.. تراجع النفوذ أم إعادة التموضع؟
شكّلت المواجهة المفتوحة بين حماس وإسرائيل في أكتوبر 2023 وما تلاها من تصاعد عمليات حزب الله في جنوب لبنان نقطة تحول في معادلة الردع الإيرانية.. فمع استمرار الضربات الإسرائيلية شبه اليومية وفقدان الحزب لبعض قيادييه الأساسيين بالإضافة إلى الضغوط الداخلية والخارجية، بدأ الحديث عن تراجع ملموس في قدرة الحزب على التأثير في الساحة اللبنانية، وأكدت مصادر محلية وإقليمية أن إيران تسعى لتعزيز التسلّح عبر قنوات سورية وعراقية لتعويض الخسائر.. إلا أن الإنجاز يبقى محدوداً وفقاً لمذكرة بعض المسؤولين الإقليميين.
سوريا.. حواجز جديدة في وجه تدفق السلاح
وبحسب مصادر رسمية سورية فقد تم إحباط عدة محاولات لتهريب صواريخ وأسلحة نوعية إلى حزب الله عبر الحدود على خلفية الموقف الجديد للسلطة في دمشق التي تظهر عداءً واضحاً ضد التمدد الإيراني.. يُشير مسؤول سوري رفيع إلى تزايد وتيرة ضبط شحنات إيرانية صغيرة الحجم يُعتقد أنها مخصصة لفصائل مسلحة في لبنان، بجانب رصد حركة تحويل أموال عبر العراق نحو الشبكات السورية الموالية لطهران.
دوافع إيران وسيناريوهات المستقبل
من جانبهم يؤكد المحللون الغربيون والإقليميون أن طهران رغم عزوفها العلني عن الدخول في تسويات استراتيجية مع الولايات المتحدة في الوقت الحالي وتدهور وضع حلفائها العسكريين.. ماضية في إظهار قدرتها على تحريك الساحة الإقليمية كورقة ضغط تفاوضي، ويُعلق الباحث مايكل
نايتس من معهد واشنطن بأن هدف إيران اليوم هو إرسال رسالة مفادها: “لا زلنا هنا، وباقون رغم كل شيء”.، ويرجح مراقبون أن استمرار إيران في سياسة دعم الوكلاء مع الاكتفاء بجرعات محسوبة من التصعيد يُمكّنها من الحفاظ على هامش مناورة قبيل أي مفاوضات قادمة مع واشنطن حول الملفات الحساسة وعلى رأسها البرنامج النووي والدور الإقليمي.
في الختام.. تُظهر التطورات الأخيرة أن إيران رغم خسائرها البشرية والمادية وضغوط حلفائها المتعاظمة لا تزال تعتبر الساحة الإقليمية ونفوذها عبر الجماعات الوكيلة عنصراً مركزياً في معادلة الردع، وتبقى الأسئلة مفتوحة حول مدى قدرة هذه الاستراتيجية على الصمود مع ازدياد الحملات الأمنية الدولية، وتعاظم التحديات الميدانية في كل من اليمن والعراق ولبنان وسوريا، ومع استمرار حالة الجمود في قنوات التواصل مع الولايات المتحدة.
د. عيد النعيمات / نائب برلماني أردني سابق