عبدالرزاق الزرزور يكتب لـ(اليوم الثامن):

النظام الإيراني نحو السقوط.. والمقاومة بديلا ديمقراطياً لمستقبل إيران

إيران في قلب التحولات العالمية.. والنظام يئن من وطأة المقاومة الشعبية والعقوبات 

  الدورة الثمانون للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك؛ جعلت إيران مرة أخرى محورًا رئيسيًا للحوارات العالمية.. وبينما استعد رئيس الولايات المتحدة لإلقاء خطابه واللقاء مع قادة العالم يركز الاهتمام الدولي على برنامج الأسلحة النووية الإيراني، والسياسات القمعية الداخلية، ودور هذا البلد في عدم الاستقرار الإقليمي.. في الوقت نفسه يرسل الحضور الواسع لآلاف الآلاف من الإيرانيين المنفيين وداعمي المقاومة الإيرانية بقيادة السيدة مريم رجوي أمام مقر الأمم المتحدة رسالة واضحة إلى العالم مفادها أن: الشعب الإيراني يريد تغيير النظام وإقامة الديمقراطية وفق إرادته ورؤيته.

عودة عقوبات الأمم المتحدة وتأثيراتها

صوت مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة مؤخرًا بالإجماع على إعادة فرض العقوبات السابقة على إيران.. وهذه العقوبات التي تم فرضها بين عامي 2006 و2015 في إطار ست قرارات كانت قد توقفت بعد اتفاقية النووي 2015 (البرنامج النووي الشامل المشترك).. لكن مع تفعيل آلية "الزناد" ستصبح هذه العقوبات سارية المفعول مرة أخرى اعتبارًا من 27 سبتمبر 2025، ويحد هذا القرار من الموارد المالية للنظام الإيراني ويطرح تحديًا لشرعيته الدولية.. إذ تركز العقوبات بشكل خاص على برنامج الأسلحة النووية والصواريخ والطائرات الإيرانية بدون طيار بالإضافة إلى الأنشطة الاقتصادية للحرس الثوري.

يأتي هذا الإجراء في ظروف شهدت فيها إيران منذ عام 2018 ثماني جولات من الانتفاضات الشعبية، وتعكس هذه الاحتجاجات الواسعة عدم الرضا العميق للشعب تجاه النظام الحاكم الذي رد عليها بقمع شديد، وإعدامات واسعة، وانتهاكات منهجية لحقوق الإنسان.، وفي الأسبوع الماضي وحده في إيران تم إعدام 50 شخصًا بما في ذلك امرأتان.. هذه الإحصائيات تضع إيران في مقدمة الدول التي لديها أعلى معدلات لعمليات الإعدام في العالم.

المقاومة المنظمة ودور مريم رجوي

في مواجهة هذا الوضع تبرز حركة المقاومة الإيرانية بقيادة المجلس الوطني للمقاومة والسيدة مريم رجوي، كبديل ديمقراطي للنظام الحالي، وقد حظي برنامج مريم رجوي المكون من عشر نقاط والذي يشمل فصل الدين عن السلطة، والمساواة بين الجنسين، واقتصاد سوق حر، وإقامة جمهورية ديمقراطية غير نووية مبنية على تصويت الشعب بدعم واسع داخل إيران وخارجها، وهناك أكثر من 4000 نائب برلماني من جميع أنحاء العالم دعموا هذا البرنامج الأمر الذي يدل على قبول عالمي لهذه الحركة.

اجتمع آلاف من الإيرانيين المنفيين وداعمي المقاومة أمام الأمم المتحدة في يوم خطاب رئيس الولايات المتحدة في الجمعية العامة.. اجتمعوا ليطالبوا بالاعتراف بحق شعب إيران في إسقاط وتغيير النظام، وليؤكدوا أن تغيير النظام لا يحتاج إلى تدخل عسكري أو مساعدة مالية خارجية؛ ويكفي أن يسقط المجتمع الدولي الشرعية الدولية لهذا النظام غير الشرعي ونزع موارده المالية ودعم إرادة الشعب الإيراني.

الاحتجاجات الواسعة في نيويورك

لأهميتها من حيث التوقيت والحجم والتنظيم والرسائل؛ غطت وكالات الأنباء مثل رويترز وأسوشيتد برس تظاهرات الإيرانيين في نيويورك.. تلك التظاهرات التي عكست غضب الإيرانيين الجماعي وإرادتهم للتغيير، ورفع المحتجون شعارات الحرية وصور ضحايا النظام، وأدانوا حضور مسعود بزشكيان رئيس إيران في اجتماع الأمم المتحدة.. وأكدوا أن بزشكيان ليس ممثلاً حقيقيًا لشعب إيران، وأن مقعد إيران في الأمم المتحدة يجب أن يُخصص لممثل عن المقاومة الشعبية.. هذه الاحتجاجات التي نُظِمت في 23 و24 سبتمبر 2025 تعكس أيضاً عزم الإيرانيين الراسخ على إنهاء 47 عامًا من انتهاكات حقوق الإنسان، والفقر والقمع.

تحديات النظام الداخلية والخارجية

لا يواجه النظام الإيراني ضغوطًا دولية فحسب بل يعاني داخليًا أيضًا من أزمات متعددة.. وقد أفادت وكالة الأنباء الرسمية الإيرانية (إيرنا) أن السدود حول طهران تواجه انخفاضًا حادًا في احتياطيات المياه. سدود ماملو ولطيان ولار التي تغذي شرق طهران تحتوي فقط على 41 مليون متر مكعب من المياه أي أقل بنسبة 48% عن العام الماضي.. كما تواجه سدود أمير كبير وطالقان انخفاضًا بنسبة 73% و43% في احتياطيات المياه؛ هذه الأزمة تحمل خطر "يوم الصفر المائي" للعاصمة وتزيد من عدم الرضا العام.

في مجال السياسة الخارجية جاءت زيارة بزشكيان إلى نيويورك في ظروف يفتقر فيها النظام الإيراني إلى استراتيجية واضحة لمواجهة العقوبات أو التفاوض مع القوى العالمية، وقد زادت تصريحات الولي الفقيه علي خامنئي الرافضة لأي تعليق لبرنامج تخصيب اليورانيوم والتفاوض مع أمريكا من التوترات القائمة.. كما أكد علي لاريجاني أمين المجلس الأعلى للأمن القومي على رفض اقتراح تقليص مدى الصواريخ الإيرانية إلى أقل من 500 كيلومتر مما يؤكد على تدهور المسار الدبلوماسي للنظام.

الجبهة العالمية المتحدة ضد النظام

خطاب رئيس الولايات المتحدة في الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي ركز على منع إيران من الحصول على سلاح نووي ودعم حق شعب إيران في تحديد مصيره يعكس تغير المناخ الدولي ضد النظام الإيراني.. حتى الدول التي كانت تتبع سياسة المهادنة مع إيران سابقًا انضمت الآن إلى الإجماع العالمي لفرض العقوبات.. كما أدى فشل الجماعات الوكيلة للنظام في المنطقة بما في ذلك سقوط نظام بشار الأسد في سوريا إلى إضعاف موقف النظام أكثر فأكثر.

مستقبل إيران ودور الشعب

تحولت حركة المقاومة الإيرانية التي لها جذور في الكفاح ضد الدكتاتوريات السابقة والقائمة (نظام الشاه وجهاز السافاك الإجرامي – ونظام الملالي وحرسه ومؤسساته الإجرامية الأخرى).. تحولت إلى قوة قوية من خلال كشف مواقع أسرار نووية إيرانية.. ونجاحاتها الدبلوماسية، والتأييد الدولي الواسع لها حيث أكد المتحدثون في تظاهرات نيويورك ومن بينهم ليندا شافيز أن التغيير في إيران سيتم فقط من خلال إرادة شعب هذا البلد.. وطالبوا المجتمع الدولي بمنح شعب إيران فرصة الاختيار الخاص به بدلاً من دعم النظام ومسايرته.

سام براونباك أحد المتحدثين الآخرين أعرب عن أمله في مستقبل مشرق لإيران بعد إسقاط النظام قائلاً إن العالم سيشهد إعادة بناء إيران على يد شعبها؛ هذه الرسالة التي ترددت وسط شعارات المحتجين في نيويورك تؤكد على أن شعب إيران وبدعم من المقاومة المنظمة مستعد لرسم مستقبل ديمقراطي وسلمي لإيران والمنطقة.

خلاصة القول.. تمر إيران بمرحلةٍ حساسةٍ من تاريخها.. فالعقوبات الدولية، والاحتجاجات الشعبية، والضغوط العالمية قد وضعت النظام في موقف هش، وفي المقابل يتعاظم نجم المقاومة الإيرانية المنظمة بقيادة مريم رجوي من خلال برنامجها ورؤيتها الواضحتين للمستقبل، وقدرات هذه المقاومة المتنوعة على كافة الأصعدة بالإضافة إلى مصداقيتها وحجم تضحياتها التاريخية أمراً يبعث على الأمل المتجدد في قلوب الإيرانيين.. وقد دل الحضور الواسع للإيرانيين في نيويورك ورسائلهم الحاسمة الموجهة إلى قادة العالم.. قد دل على عزم راسخ للشعب باتجاه التغيير.. ويواجه المجتمع الدولي الآن اختبارًا تاريخيًا حقيقياً: فإما دعم شعب إيران للوصول إلى الحرية والديمقراطية أو الاستمرار في المهادنة مع نظام يشكل تهديدًا للسلام العالمي.

عبدالرزاق الزرزور - محامي وناشط سياسي سوري