عبدالرزاق الزرزور يكتب لـ(اليوم الثامن):

أزمات النظام الإيراني الداخلية.. علامات الانهيار وانتفاضات شعبية واسعة

يعاني النظام الاستبدادي الحاكم في إيران من تحديات عميقة هزت أسس حكمه خلال السنوات الأخيرة منذ ثورة 1979، ولقد حاول النظام الحفاظ على الوحدة الداخلية عبر الاعتماد على أيديولوجية رجعية ودكتاتورية ولاية الفقيه لكن علامات واضحة على انقسامات عميقة بدأت تظهر بين النخب الحاكمة.. هذه الانقسامات لا تقتصر على القادة الكبار مثل الولي الفقيه ومقربيه بل تمتد إلى المؤسسات الرئيسية مثل قوات الحرس، الجهاز القضائي والسلطة التنفيذية، في الوقت نفسه تصاعدت موجة الاحتجاجات الشعبية من مختلف فئات المجتمع بما في ذلك الشباب، النساء، العمال، والأقليات العرقية مما زاد من حدة الأزمة ووضع النظام في موقف دفاعي.. كما تلعب شبكات الشباب المنظمة والقوى الثورية دورًا حاسمًا في تنظيم الاحتجاجات مبرزةً نقاط ضعف النظام ومؤشرةً على تفكك أسس سلطته.

انقسامات السلطة والتنافس على الموارد

في قلب النظام تحولت المنافسات الخفية إلى مواجهات علنية.. وتتحدث تقارير الإعلام الموالي للنظام مثل الصحف الحكومية والمواقع الإخبارية باستمرار عن الخلافات بين الشخصيات البارزة، وعلى سبيل المثال التوتر بين رئيس البرلمان، القضاء، وحكومة الرئيس الجديد.. ويعكس ذلك صراعًا من أجل السيطرة على الموارد المالية والاقتصادية في ظل العقوبات الدولية التي شلت الاقتصاد، وتتبادل هذه المؤسسات الاتهامات بالفساد والعجز؛ الحرس الثوري بصفته الذراع الاقتصادية والعسكرية للنظام يسيطر على شركات ضخمة ويتصارع مع الحكومة على الميزانيات المحدودة.. هذا الوضع المتجذر في أزمة إدارية أضعف الهيكلية العامة للنظام وخلق بيئة مواتية للاحتجاجات الشعبية.

دور البرلمان والإعلام في كشف الأزمة

تحولت السلطة التشريعية في إيران إلى ساحة للتكشف السياسي.. إذ يواجه النواب الذين ينتمون إلى فصائل مختلفة بعضهم البعض في جلسات علنية ويلقون باللوم على خصومهم في المشكلات الاقتصادية مثل التضخم الجامح، البطالة الواسعة، وانخفاض قيمة الريال لسنوات، وقد نجح النظام في إخفاء هذه الخلافات عبر التركيز على التهديدات الخارجية؛ لكن بعد الانتفاضات الشعبية خاصة في عام 2022 لم يعد التستر ممكنًا حيث أُجبرت وسائل الإعلام الرسمية على تغطية الانتقادات الداخلية مما أضعف شرعية النظام، وفي الوقت ذاته زادت الاحتجاجات المستمرة من الطلاب، العمال، والنساء بدعم من وحدات المقاومة من الضغط على النظام مما أجبره على ردود فعل قمعية أثارت غضب الشعب أكثر.

اقتصاد على وشك الانهيار وتأثيره على المجتمع

يعاني الاقتصاد الإيراني من العقوبات، وسوء الإدارة والفساد المنهجي مما جعله على حافة الانهيار.. ومعدل التضخم الذي يتجاوز 40%، وانخفاض القوة الشرائية ونقص السلع الأساسية أربك حياة الملايين من الإيرانيين.. أما المؤسسات الاقتصادية التابعة لقوات حرس النظام والمؤسسات الدينية التي تحتكر الموارد فقد زادت من حدة الصراع بينما تقلصت إيرادات النفط بسبب القيود العالمية.. وقد تحول مفهوم "الاقتصاد المقاوم" الذي يروج له المرشد إلى أداة لتبرير الفشل وفقد مصداقيته حتى بين الموالين؛ هذه الأزمة الاقتصادية عمقت الفجوة بين النظام والشعب، وأدت إلى احتجاجات واسعة من المزارعين، والمتقاعدين وفئات أخرى.. وتلعب القوى الثورية دورًا حيويًا في تحويل هذا السخط إلى حركات منظمة مما يضع النظام أمام تحديات خطيرة.

المعارضة والديناميكيات الدولية

في مواجهة هذا الاضطراب الداخلي برزت قوى المعارضة خاصة المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية ومنظمة مجاهدي خلق الإيرانية كقوة متماسكة إذ نجحت هذه الجماعات في لفت انتباه المجتمع الدولي عبر كشف تفاصيل الأزمات الداخلية، ووجدت تقاريرهم صدى في وسائل الإعلام العالمية.. وتستمر الأنشطة المقاومة داخل البلاد رغم القمع الشديد، وتُنظم احتجاجات العمال والطلاب، وبعد تجارب الانتفاضات السابقة أصبح الشعب الإيراني أكثر أملاً بالتغيير الجذري.

على الصعيد الدولي حظيت المقاومة الإيرانية بدعم واسع.. وقد تعزز ذلك من خلال مشاهد تنظيم مظاهرات حاشدة تضم عشرات الآلاف في بروكسل وآلافًا آخرين في نيويورك؛ هذه الأحداث لا تعكس فقط إرادة الشعب للتغيير فحسب بل تبرز التنسيق بين القوى الداخلية والخارجية.. ومع تصاعد الضغوط الدولية تجد المعارضة فرصًا أكبر لكسب الدعم ووضع النظام تحت الضغط.

آفاق المستقبل.. من الأزمة إلى التحول

يقف نظام ولاية الفقيه عند نقطة حرجة حيث تهدد عوامل "الصراعات الداخلية، والأزمة الاقتصادية، فقدان الثقة العامة وعجزه عن السيطرة على الاحتجاجات مستقبله"، وقد فشلت محاولات خامنئي للحفاظ على مظهر الوحدة، وغرق النظام في أزمة عميقة.. في المقابل تستغل المعارضة هذا الضعف بمشاركتها الفعالة لتمهيد الطريق لتغيير كلي، وتقف إيران اليوم على مفترق طرق تاريخي.. إما استمرار الوضع الراهن المصحوب بأزمات متفاقمة أو الانتقال نحو نظام جديد يقوم على مبادئ الديمقراطية، وحقوق الإنسان، والمساواة بين الجنسين، وفصل الدين عن السياسة.. هذا النهج يتجلى بوضوح في رؤية قائدة المعارضة السيدة مريم رجوي من خلال برنامجها المكون من عشر نقاط، ويقدم هذا البرنامج الذي يركز على تشكيل حكومة مؤقتة خريطة طريق لتحقيق الحرية، والعدالة والكرامة لجميع الإيرانيين، ويبشر بنظام ديمقراطي تعددي يحترم حقوق الأفراد والأقليات، ويعزز السلام والاستقرار في المنطقة.. وقيادة السيدة رجوي بتفانيها الثابت في القيم الإنسانية والديمقراطية تزرع الأمل وتشعل شرارة التغيير نحو إيران حرة ومزدهرة.

عبدالرزاق الزرزور محامي وناشط سياسي سوري