د. سامي خاطر يكتب لـ(اليوم الثامن):
إيران عند نقطة الانفجار.. مأزق النظام يتعمّق والمقاومة المنظمة تطرح بديلها
تجد إيران نفسها اليوم في أكثر لحظات نظام ولاية الفقيه هشاشة منذ تأسيسه قبل 45 عامًا، وسط تراكم أزمات سياسية واقتصادية واجتماعية وأمنية لم تعد أدوات القمع التقليدية قادرة على احتوائها. وتصف مصادر سياسية ودبلوماسية الوضع في طهران بأنه "مأزق متعدد الطبقات"، يتقاطع فيه تراجع الشرعية الداخلية مع ضغوط دولية متصاعدة، فيما تواصل المعارضة المنظمة، وعلى رأسها المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية ومنظمة مجاهدي خلق، طرح نفسها كبديل سياسي قادر على إدارة مرحلة انتقالية محتملة. ويشير مراقبون إلى أن الشرخ بين الدولة والمجتمع بلغ مستويات غير مسبوقة، مع استمرار الاحتجاجات الشعبية واتساع الفجوة الاقتصادية وغياب مؤشرات ملموسة على قدرة النظام على الاستجابة لمطالب جيل شاب يشعر بأنه محروم من الفرص والحقوق الأساسية.
وبحسب تقارير اقتصادية دولية، تواجه إيران واحدة من أسوأ الأزمات التضخمية منذ الثمانينيات، فيما تسببت العقوبات وتراجع العملة في انهيار القدرة الشرائية لشرائح واسعة من السكان. ويقول محللون إن السياسات الإقليمية للنظام وبرنامجه النووي المثير للجدل استنزفا موارد ضخمة من دون تحقيق مكاسب للداخل، ما أدى إلى اتساع رقعة الاستياء الشعبي. ورغم محاولات الأجنحة المختلفة داخل النظام طرح إصلاحات محدودة، إلا أن معظم المبادرات اصطدمت بعقبات مؤسساتية وهيكلية، وانتهت بالعودة إلى القمع، وهو ما يصفه باحثون بأنه "دورة مغلقة تفاقم الأزمة ولا تعالجها".
ومنذ عام 2017، شهدت البلاد موجات احتجاج متكررة، تصاعدت ذروتها في انتفاضة 2022 التي لعبت فيها النساء والشباب دورًا محوريًا. ورفعت تلك الاحتجاجات شعارات تجاوزت المطالب الاقتصادية إلى الدعوة لتغيير النظام، وهو ما اعتبره مراقبون نقطة تحول في طبيعة المعارضة داخل الشارع الإيراني. ويقول دبلوماسيون غربيون إن أساليب التعامل الأمني مع الاحتجاجات، بما في ذلك الإعدامات السريعة والاعتقالات الواسعة، لم تنجح في وقف الزخم الشعبي، بل أسهمت في زيادة حدة المواجهة بين المجتمع وأجهزة الدولة. وتعتبر المعارضة المنظمة أن الانتفاضات الأخيرة ليست أحداثًا معزولة، بل جزء من "مسار تراكمي" يعكس انتهاء صلاحية النظام الحالي وفقدانه القدرة على إنتاج حلول.
وتشير تقديرات منظمات حقوقية إلى أن الإعدامات ارتفعت بشكل حاد خلال السنوات الثلاث الماضية، في وقت تُتهم فيه السلطات بارتكاب انتهاكات مثل الإخفاء القسري، وتقييد الحريات المدنية، وتعطيل مؤسسات المجتمع المدني. ويرى خبراء في الشأن الإيراني أن الاعتماد المتزايد على القوة الأمنية يعكس محدودية الخيارات المتاحة أمام القيادة السياسية التي تجد نفسها أمام أزمة شرعية داخلية وأزمة ثقة خارجية، خصوصًا بعد تعثر المفاوضات النووية وازدياد الضغوط الأوروبية والأمريكية.
وفي ظل هذا المشهد، تطرح المقاومة الإيرانية خارطة طريق تعتبرها "الخيار الوحيد لتجنب انهيار الدولة والدخول في مرحلة فوضى". وتبني المقاومة رؤيتها على إسقاط النظام بالكامل وتأسيس جمهورية ديمقراطية علمانية، مدعومة بانتخابات حرة وفصل بين السلطات وضمان لحقوق الأقليات والمساواة بين الجنسين. ووفق تصريحات قادة المعارضة، فإن تجربة "معاقل الانتفاضة" التي يقودها شباب داخل المدن الإيرانية أثبتت قدرتها على إضعاف منظومة القمع عبر عمليات رمزية وميدانية تستهدف مراكز النفوذ الأمني، وتساهم في رفع كلفة استمرار النظام.
ويؤكد المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية أنه يمتلك برنامجًا سياسيًا وإداريًا لمرحلة ما بعد النظام، يشمل تشكيل حكومة انتقالية، وصياغة دستور جديد، وتطبيع العلاقات مع المجتمع الدولي. ويقول خبراء مطلعون على نشاط المعارضة إن ما يمنحها وزناً حقيقياً ليس فقط التنظيم الممتد منذ عقود، بل قدرتها على الاستفادة من حركة الاحتجاجات على الأرض، في وقت فقد فيه النظام القدرة على خلق سردية وطنية مقنعة. ويشير أكاديميون إلى أن الأزمة الاقتصادية وضعف البنية المؤسسية للدولة قد يجعلان أي تغيير محتمل سريعاً ومفاجئاً، ما يرفع أهمية وجود إطار سياسي جاهز لإدارة الانتقال.
وتبرز في هذا السياق تحذيرات دولية من أن استمرار الوضع الحالي قد يؤدي إلى اضطرابات واسعة يصعب التنبؤ بنتائجها. وتقول مصادر أوروبية إن غياب الأفق السياسي، وتزايد الضغوط الاجتماعية، قد يدفعان البلاد إلى سيناريوهات أكثر تعقيداً ما لم تُطرح حلول قابلة للتطبيق. ووفق محللين، فإن أي انتقال في إيران سيكون له تأثير مباشر على ملفات إقليمية مثل العراق وسوريا ولبنان واليمن، نظراً لدور طهران في هذه الساحات، وهو ما يجعل مستقبل النظام الإيراني مسألة ذات انعكاسات دولية وليست محلية فقط.
ويرى مراقبون أن أحد العناصر الحاسمة في المشهد هو الدور المتنامي للشباب والنساء الذين يمثلون الشريحة الأكبر من المجتمع. ومع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي واتساع نطاق المعلومات، أصبحت قدرة الدولة على السيطرة على تدفق الأخبار محدودة، ما عزز قدرة الاحتجاجات على التنظيم واتساع رقعتها. وتشير تقارير إلى أن الجيل الجديد لم يعد مقتنعاً بفكرة الإصلاح التدريجي، وأن خطاب المعارضة المنظمة يلقى قبولاً أكبر لدى الفئات التي تنظر إلى مستقبل خارج إطار النظام الحالي.
ويخلص أكاديميون متخصصون بالشأن الإيراني إلى أن المأزق الذي يواجهه النظام ليس ظرفيًا أو مرحليًا، بل متجذر في بنيته الأيديولوجية والسياسية. ويقول د. سامي خاطر إن مستقبل إيران مرتبط بحجم التماسك الشعبي والإرادة الوطنية لإنهاء الحقبة الحالية، وبقدرة المجتمع الدولي على التعامل مع الأزمة بوصفها تهديدًا للأمن الإقليمي والدولي. ويضيف أن استمرار حكم ولاية الفقيه يفاقم التوترات في المنطقة، وأن الاعتراف بحق الشعب الإيراني في إقامة جمهورية ديمقراطية مستقرة هو المدخل الوحيد لتحقيق السلام.


