دولة الاقاليم الستة..

تحليل: اليمن الاتحادية.. حل قضية الجنوب أم ضرب مشروعيتها

حكومة أحمد عبيد بن دغر..

صالح أبوعوذل
كاتب وباحث وسياسي مستقل، رئيس مؤسسة اليوم الثامن للإعلام والدراسات، ومقرها العاصمة عدن

دخلت جنوب اليمن المحررة من الحوثيين في أزمة جديدة جراء تدهور الحياة المعيشية وغلاء الأسعار وانهيار العملة المحلية، وسط تظاهرات واعتصامات واجهتها حكومة الرئيس الانتقالي عبدربه منصور بوعود "دولة اتحادية من ستة أقاليم"، قال هادي انها كفيلة بحل المشاكل الرئيسة التي عجز اليمن عن تحقيقها للناس منذ الستينات.

وتواصلت الاعتصامات والاحتجاجات الشعبية في عدن ومحافظات الجنوب الأخرى، وسط غياب أي إجراءات حكومية للحيلولة دون المزيد من التدهور في الأوضاع المعيشية وتدهور العملة في الجنوب المحرر من الحوثيين، فيما أعتبر الرئيس اليمني الانتقالي عبدربه منصور هادي أن خيار "الدولة الاتحادية المكونة من ستة أقاليم"، تعد شرطا أساسيا للنهوض بالأوضاع المعيشية للسكان وتوفير متطلبات الحياة الأساسية، وهي الكهرباء والمياه والصحة والتعليم والطريق، والتي قال ان حكام اليمن فشلوا في توفيرها للناس منذ استقلال الجنوب عن بريطانيا في ستينات القرن الماضي.

 

وتسعى حكومة هادي إلى فرض دولة اتحادية مكونة من ستة أقاليم، اثنين منها في الجنوب الذي يطالب باستعادة دولته السابقة، التي يقول جنوبيون إنه تم الانقلاب عليها بالحرب عقب وحدة هشة مع الجارة العربية اليمنية في منتصف تسعينات القرن الماضي.

وأقر هادي الدولة الاتحادية عقب حوارات بين أحزاب يمنية، فيما تقول بعض التقارير ان "شكل الدولة"، جاء كمقترح قطري على مدير مكتب الرئيس هادي السابق والسفير الحالي في واشنطن أحمد عوض بن مبارك.

ولم يتفق المتحاورون في حوار صنعاء الذي انعقد بين عامي 2013م و2014م، على شكل الدولة التي كان الهدف منها معالجة قضية الجنوب.

وانسحب الفريق الجنوبي الذي شارك في المؤتمر برئاسة محمد علي أحمد، عقب رفض هادي القبول بمقترح تم التوافق عليه قبل بدء الحوار والذي أقر تحويل اليمن الى دولة اتحادية من إقليمين قائمة على حدود البلدين قبل مايو 1990م، بناء على مخرجات مؤتمر جنوبي عقد في القاهرة في اعقاب الازمة التي نشبت في اليمن جراء انتفاضة الربيع العربي في العام 2011م.

 

وقال أحمد في مؤتمر صحفي حينها إن "هادي انقلب على ما تم التوافق عليه قبل بدء الحوار"، لكن هادي أصدر قرارا بتحويل اليمن الى دولة اتحادية من ستة أقاليم، قسمت الجنوب إلى عدن وحضرموت، فيما قسمت الشمال اليمني على أساس طائفي وعرقي، يقول يمنيون إنه قد يؤسس لحروب طويلة.. فيما برر الحوثيون الموالون لإيران حربهم على البلاد بأنها رفضا لمحاولة عزل الهضبة الزيدية عن الحكم.

 

وعلى الرغم من فشل القوى المتحالفة مع حكومة هادي في تحقيق أي انتصار في شمال اليمن، إلا أن تلك القوى تصر على تقسيم الجنوب، في سعي يقول جنوبيون إن الهدف منه هو ضرب مشروعية القضية الجنوبية القائمة على حق استعادة دولة انقلب عليها بالحرب عقب وحدة هشة.

ويسيطر الحوثيون الموالون لإيران على معظم مدن شمال اليمن باستثناء مأرب الخاضعة لسيطرة تنظيم الإخوان المسلمين المتحالف مع قطر، لكن هذه القوى تصر على تقسيم الجنوب.

وتسيطر مأرب - العاصمة الإخوانية -على أجزاء واسعة من حضرموت وشبوة التي أقرتهما حكومة هادي إقليما منفصلا، حيث تفرض قوات موالية لنائب الرئيس اليمني علي محسن الأحمر سيطرتها على منفذ "الوديعة" الذي تذهب إيراداته إلى بنك مأرب المركزي، فيما تسيطر قوات أخرى على وادي حضرموت وأجزاء من المهرة وشبوة.

ويؤكد مسؤولون في حكومة منصور هادي أن دولا إقليمية أبرزها قطر قدمت دعما ماليا ضخما لفرض تقسيم الجنوب، فيما يسعى الأحمر إلى تقسيم محافظة حضرموت إلى محافظتين "ساحل ووادي"، وهو إجراء يخالف التوجهات المعلنة للحكومة اليمنية.

ويعتقد مهتمون "ان القوى السياسية المتحالفة مع الرئيس هادي تسعى لتفتيت الجنوب وضرب مشروع الاستقلال الذي تتبناه القوى الجنوبية وأبرزها المجلس الانتقالي الجنوبي".

وموّلت قطر حملة إعلامية كبيرة ضد المجلس الانتقالي الجنوبي الذي يسعى لتحقيق تطلعات الجنوبيين في نيل الاستقلال عقب وحدة واحتلال عسكري داما أكثر من ربع قرن.

ويشكل الانتقالي الجنوبي حجر عثرة أمام تطلعات الإخوان في اليمن الذين يسعون للسيطرة على الجنوب عقب تقسيمه إلى تكوينات صغيرة يصعب بعد ذلك محاولة توحيدها.

وعلى الرغم من إقرار إدارة هادي محافظات حضرموت والمهرة وشبوة (اقليما) ومحافظات (عدن العاصمة ولحج وأبين والضالع)، إقليما أخر، الا ان مسودة دستور الدولة الاتحادية أكد ان عدن ستكون اقليما منفصلا عن بقية المحافظات الواقعة في اطاره، وهي عاصمة ومدينة حرة تحكمها إدارة محلية بعيدا عن إدارة الإقليم التي لا تتدخل في أي من أي شيء.

 

ويطمح الإخوان في اليمن ومن خلفهم قطر وتركيا في السيطرة على الجنوب- الغني بالثروات النفطية- لكن القوى الجنوبية التي تطالب بالاستقلال تحول دون تحقيق ذلك.

وأزاحت حكومة هادي، التي يتحكم فيها نائب الرئيس اليمني والزعيم الإخواني علي محسن الأحمر، القيادات الجنوبية وتلك التي لا تتوافق وتوجهات الإخوان، حيث أزاحت الحكومة اليمنية القيادات الجنوبية من الحكومة والسلطات المحلية، فيما تؤكد مصادر رفيعة في الرئاسة اليمنية أن مدير مكتب الرئيس، عبدالله العليمي، اشترط على قيادات جنوبية قبولها بمناصب قيادية مقابل تخليها عن أي مشاريع جنوبية والتمسك بالدولة الاتحادية المكونة من ستة أقاليم.

وأنقلب القيادي الجنوبي حيدر أبو بكر العطاس، مستشار الرئيس هادي، على مخرجات "مؤتمر القاهرة" الذي أقر دولة اتحادية من إقليمين بين شمال اليمن وجنوبه على الحدود السابقة.

وأيد العطاس، في تصريحات متلفزة، الدولة الاتحادية، فيما قالت مصادر مقربة من الرجل إنه يطمح لخلافة بن دغر في رئاسة الحكومة اليمنية.

وأقرّ "مؤتمر القاهرة" الذي نظمه الرئيسان علي ناصر محمد وحيدر أبو بكر العطاس، إقامة دولة اتحادية من إقليمين يعقبها استفتاء للجنوبيين في البقاء في إطار تلك الدولة أو العودة إلى جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية.

وتؤكد مصادر قريبة من العطاس، أنه ربما يخلف رئيس الحكومة الحالي أحمد عبيد بن دغر المتهم بالتورط في قضايا فساد كبيرة من بينها نهب المال العام واستخدامه في الصراع السياسي مع القوى الجنوبية، ناهيك عن فشله في إدارة المدن الجنوبية المحررة.

ويطالب محتجون في الجنوب بضرورة إقالة حكومة بن دغر، فيما يؤكد انقلاب العطاس على مخرجات "مؤتمر القاهرة"، والموافقة على الدولة الاتحادية المكونة من ستة أقاليم، ربما قبوله بالشروط التي قدمت له مقابل تكليفه بتشكيل حكومة بديلة لحكومة أحمد عبيد بن دغر.

ويبدو أمرا صعبا تطبيق الدولة الاتحادية في شمال اليمن، لكن هذا قد لا يرغب الإخوان المتحكمون في الشرعية مناقشته، ما لم يكن في الأول تحقيق تطلعاتهم في السيطرة على الجنوب عقب تفتيته.

 

المهمة ليست إخوانية فحسب، فقطر وتركيا ومن خلفهما إيران يسعيان للسيطرة على الجنوب صاحب الموقع الاستراتيجي الهام في جنوب الجزيرة العربية والمطل على باب المندب وشريط البحر العربي الممتد حتى الحدود مع عمان التي تتحالف سريا مع المعسكر المضاد للتحالف العربي.

فقطر تسعى للانتقام من جيرانها بالتحالف مع تركيا التي تسعى لإقامة ما تطلق عليه "دولة الخلافة الإسلامية"، بدعم حلفاء الدولتين في السيطرة على الجنوب واقصاء الأطراف الجنوبية الحليفة للتحالف العربي والتي حققت وتحقق الانتصارات ضد الانقلابيين في الحديدة وصعدة.

وقد يطول الصراع في الجنوب، لكن لا خيار أمام دول التحالف العربي سوى المحافظة على وحدة الجنوب المحرر، ووقف التدخلات التي بدأت للعيان مستغلة الانتفاضة الجنوبية ضد فساد الحكومة الشرعية ومحاولة فرض مشاريع التقسيم.

واستغل حلفاء قطر وإيران في الجنوب الانتفاضة الشعبية وحاولوا حرف مسارها بهتافات مناوئة للتحالف العربي، فيما طالب مسؤولون في الحكومة الشرعية دول التحالف العربي بقيادة السعودية بدعم مشروع الدولة الاتحادية، التي يعني القبول بها الإقرار بالسيطرة القطرية التركية الإيرانية على الجنوب.

تطبيق مشروع الدولة الاتحادية في شمال اليمن، تبدو صعبة ان لم تكن مستحيلة في ظل عجز حلفاء الحلفاء المناهضون للحوثيين في تحقيق أي انتصار على مليشيات الحوثي الانقلابية

لكن الاتجاه صوب الجنوب للسيطرة عليه، أمر يؤكد ان الدولة الاتحادية ربما تكون ذريعة أخرى للسيطرة على الجنوب بعد ان فشل الحوثيون في احتلاله عسكريا كما حصل في منتصف تسعينات القرن الماضي، حينما تم السيطرة على الجنوب عسكريا جراء حرب تحالفت فيها كل القوى الشمالية بما في ذلك الجماعات الإرهابية التي قاتلت في صف القوات الشمالية حينها..