ارتداد على التاريخ..

هل أسقطت قضية الرهائن بريطانيا في فخ الابتزاز الإيراني؟

لندن لا تساير مواقف واشنطن من طهران

لندن

توقّف المراقبون عند موقف الحكومة البريطانية من التصعيد الأميركي تجاه إيران، متسائلين عن مغزى قيام لندن، بمنابرها السياسية والعسكرية، بأخذ مسافة من الولايات المتحدة، إلى درجة التشكيك بالرواية الأميركية حول أخطار إيرانية وشيكة ضد المصالح والمواقع الأميركية في المنطقة.

ورأى هؤلاء أن الموقف البريطاني يأتي متناقضا مع العلاقات التاريخية الدائمة التي ربطت المملكة المتحدة بالولايات المتحدة، من حيث انسجام لندن مع تحركات واشنطن الدولية، ومن حيث تميّز موقف المملكة المتحدة عن بقية دول الاتحاد الأوروبي لصالح الموقف الأميركي دائما.

وحذّر وزير الخارجية البريطاني جيريمي هانت، الاثنين، من خطر اندلاع نزاع “عن طريق الخطأ” في الخليج مع تصاعد التوتر بين الولايات المتحدة وإيران، وذلك بعد تعرّض عدة سفن لأعمال تخريبية قبالة سواحل الإمارات.

وأكد هانت على هامش اجتماع لوزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في بروكسل وقبل اجتماع له مع وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو “نحن قلقون من خطر نزاع يندلع عن طريق الخطأ، بسبب تصعيد غير مقصود من قبل كلا الطرفين”.

وتضاربت التحليلات حول ما يقصده هانت بـ”الخطأ” بعد ساعات من الإعلان عن تعرّض سفن شحن لاعتداءات تخريبية بالقرب من شواطئ عجمان في الإمارات، وعمّا إذا كان في توصيفه يتهم إيران بارتكاب هذا الخطأ أم يشكك بتقارير أميركية بدأت ترجّح وقوف إيران وراء هذه العمليات.

واستغرب المراقبون أن تصدر من لندن مواقف لا تتوافق خطاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب حيال إيران، في وقت تعوّل فيه الحكومة البريطانية على دعم وتأييد الإدارة الأميركية في المسائل المتعلقة بالبريكست ومستقبل بريطانيا مع العالم بعد الخروج من الاتحاد الأوروبي.


ونشرت الإندبندنت، الأربعاء، تقريرا لمراسلها أندرو بانكومب بعنوان “جنرال بريطاني يرفض اتهام الولايات المتحدة لإيران بأنها تشكّل خطرا على قوات التحالف في الشرق الأوسط”.

ويقول بانكومب إن اللواء البريطاني كريس جيكا، وهو الثاني في التراتبية العسكرية لسلسة قيادة قوات التحالف، نفى أن تكون إيران تشكل تهديدا لقواته في الشرق الأوسط. وقال للمراسلين في مقرّ وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) “إنه ليس هناك دليل على ذلك”.


ويأتي موقف المصدر العسكري البريطاني مخالفا لتقييم وزارة الدفاع الأميركية، فيما يأتي موقف وزير الخارجية البريطاني على نقيض مما نشرته وسائل الإعلام الأميركية من اتهام إيران بالمسؤولية عن الهجوم الذي طال 4 سفن تجارية في الخليج قبل أيام، لكن طهران ردت بالتنصل من الأمر متهمة واشنطن بالسعي إلى دفعها إلى حرب لا تريد خوضها.

وقالت الجريدة البريطانية إن مسؤولي البنتاغون أكدوا لها أنهم في انتظار توضيح من اللواء البريطاني بشأن تصريحاته، مرجّحين أن السؤال ربما التبس عليه، مضيفة أن القيادة المركزية الأميركية قررت بعد ساعات من التصريحات عدم الأخذ بها، وزيادة مؤشر التهديد لقوات التحالف في سوريا والعراق.

ويعتقد مراقبون خليجيون أن بريطانيا تبحث عن دور لها في المنطقة بعد أن عجزت بأن تكون رقماً مرجحا في العراق. ورأى هؤلاء أن بريطانيا لا تملك أن يغيّر موقفها شيئا في المسارات الراهنة للتوتر مع إيران، وأن موقف لندن عرضي وربما انتهازي، يسعى إلى التخاطب مع واشنطن أكثر من كونه موقفا مؤيدا لإيران.

ولفتت المصادر الخليجية إلى أن عواصم المنطقة كانت رصدت أجندة بريطانية في مقاربة العلاقة مع إيران من خلال الأزمة في اليمن.

ولفتت إلى أن لندن تحاول أن تجرّب قدراتها، بما في ذلك من خلال المبعوث الدولي إلى اليمن، مارتن غريفيث، بريطاني الجنسية، معوّلة على أن لها خبرة في التعامل تاريخيا مع منطقة معقدة وشائكة كاليمن لا تبدو الولايات المتحدة مهتمة بها كثيرا إلا بحدود محاربة الإرهاب.

وخلصت المصادر إلى أن بريطانيا تخاطبت مع إيران من الباب اليمني لإظهار بوادر حسن النية لطهران، وقد التقطت إيران الرسالة وتشتغل على أساسها.

ورصدت مصادر دبلوماسية سلسلة تصريحات لا يفهم منها إلا التعبير عن امتعاض بريطاني معيّن من الإدارة الأميركية في ملفات قد لا يكون لها علاقة بالملف الإيراني، خصوصا وأن موقف لندن الذي اعتبر ودودا من طهران يأتي على النقيض من موقف طهران التي تعتقل مواطنين بريطانيين
وتتهمهم بالتجسس لصالح المخابرات البريطانية.

وفيما بررت بعض المصادر الموقف البريطاني بأنه مرتبط فعلا بملف المعتقلين البريطانيين والمفاوضات الجارية بين لندن وطهران بشأن الإفراج عنهم. انتقدت أوساط سياسية بريطانية إذعان لندن للابتزاز “الناجح” الذي تمارسه إيران من خلال “رهائن” تعتقلهم طهران في صفوف مواطنيها الحاملين للجنسية البريطانية، والذين قاموا وسيقومون مستقبلاً بزيارة إيران.

غير أن مصادر بريطانية مراقبة قالت إن بريطانيا تسعى إلى التميّز في مقاربة ملف الأزمة مع إيران على نحو مختلف عن بقية الدول الموقّعة على الاتفاق النووي الموقع في فيينا عام 2015. وتعتقد المصادر أن لندن تعتبر أن لا حرب قادمة بين إيران والولايات المتحدة، وأنها، كما بقية الشركاء في اتفاق الـ5+1، متخوفة من سعي واشنطن، بموافقة طهران، إلى التفاوض حول صفقة الـ1+1 التي تحوّل الاتفاق الجماعي إلى تفاهم ثنائي بين البلدين يتم فرضه على القوى الدولية الكبرى.

وترجّح المصادر أن يكون الموقف البريطاني يرسل إشارات إلى إيران حول إمكانية تموضع بريطانيا داخل خندق مختلف عن الخندق الأميركي، مقابل امتيازات مستقبلية تمنحها طهران للندن.

وتعتبر المصادر أن إعلان الولايات المتحدة أن لا نيّة لها بشن حرب ضد إيران ولا خطط لإسقاط نظامها، عزز لدى بريطانيا، كما لدى بقية العواصم المعنية، قناعة أنه من المفيد استباق التفاهم مع إيران وقيادتها الحالية، حتى لو استدعى الأمر موقفا مشككا على شاكلة ما يصدر عن لندن، والذي لا يمكن إلا اعتباره عدائيا ضد واشنطن، منحازا للموقف الإيراني.إلا أن بعض خبراء الشؤون البريطانية اعتبروا أن الموقف البريطاني ليس موقفا استراتيجيا وأنه لا يعدو كونه مطاطا لأغراض آنية، وأن لندن ستكون أول الواقفين إلى جانب واشنطن في حال اندلعت مواجهات عسكرية ضد إيران.

ويقول هؤلاء إن لندن تسلف طهران مواقف ودودة داعمة ستعود إليها مستقبلا مع إيران حتى لو تغيّر موقفها خلال الأيام المقبلة.