سياستها مبنية على خلق التوتر والفوضى..

قمة "بيروت إنستيتيوت": إيران لا تتقن لغة الحوار والتواصل السلمي

هذه لغة إيران

أبوظبي

منذ أن دخلت التطورات في منطقة الشرق الأوسط منعرج الصراعات العسكرية، الذي ارتبط بتسويق غربي لنظرية الفتنة الطائفية وحصر أسباب الصراع في كونه تنافسا على “الزعامة” بين إيران والسعودية، تتعالى الأصوات من أجل فتح أبواب الحوار بين الطرفين.

لكن بقي صوت الحرب أعلى من الدعوات التي نادت بها دول تؤسس علاقتها الإقليمية على مبدأ حسن الجوار، على غرار السعودية والإمارات، التي جددت هذا الأسبوع الحديث عن أهمية الحوار لنزع فتيل الحرب في الخليج العربي، من خلال منصة “قمة بيروت إنستيتيوت” في نسختها الثالثة، بأبوظبي.

ووجه باحثون ومسؤولون وخبراء وروّاد المجتمع المدني من مختلف أنحاء العالم تحذيرات من تصاعد العنف في هذه المنطقة الإستراتيجية، مشيرين إلى أن التوتر تغذيه الأعمال العدائية الإيرانية عبر استهداف سفن ومنشآت نفطية، والحل في الحوار السعودي الإيراني.

وتساءل السفير الأميركي السابق روبرت بلاكويل في إحدى الجلسات الحوارية “كيف يمكن أن تصل السعودية وإيران إلى حافة المواجهة العسكرية، ولا تتحدثان إلى بعضهما تلقائيا بعد ذلك؟”. وحذر الدبلوماسي المخضرم من أنه “في غياب الحوار، تندلع الحروب”. وأشار إلى أن هناك “أقلية تريد الدفع باتجاه الدبلوماسية مع إيران”.

التوتر في الخليج العربي تغذيه الأعمال العدائية الإيرانية، والحل في الحوار السعودي الإيراني

ورغم صحة ما طرحه الدبلوماسي الأميركي إلا أن سؤاله يبقى ناقصا طالما يتعامل مع الموضوع من نفس الزاوية التي تتناوله من البداية على أساس صراع ثنائي دون النظر إلى الأبعاد الأخرى والتي يظهر فيها بوضوح كيف أن إيران لا تتقن لغة الحوار لأنها لا تملك الحجة المقنعة من جهة، ولأن وجودها مبني على دعم ميليشياتها في العراق وسوريا واليمن ولبنان.

وفي مناسبات كثيرة، أبدت طهران استعدادا ظاهريا للحوار، لكن كلما اقترب الأمر من التحقق تلجأ إلى سياسة الهروب إلى الإمام بالتصعيد، إما بالتصريحات العدائية وإما بتحريك إحدى أذرعها، بما يكشف عدم جديتها بشأن الحرص على علاقات حسن الجوار مع جيرانها.

وتأتي الاعتداءات الأخيرة على المنشآت نفطية سعودية والتصعيد في مضيق هرمز ليبقي على منسوب عدم الثقة عاليا في علاقاتها بدول الخليج العربي؛ لذلك استبعد الرئيس السابق للاستخبارات السعودية الأمير تركي الفيصل أي حوار قريب.

وتساءل الأمير تركي الفيصل، الذي شغل أيضا منصب سفير المملكة في بريطانيا والولايات المتحدة “كيف نتحاور مع نظام يعلن صراحة أنّه عدونا؟ كيف تتواصل مع شخص ينوي لك الزوال؟”.

وأشار إلى أن “المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية ورئيس الحرس الثوري يطالبان علنا بقلب النظام في السعودية ويفتخران بذلك ما يعني أن هذه النزعة هي نزعة عدائية”، لافتا إلى أن “دول مجلس التعاون الخليجي أرسلت خطابا لإيران حول كيفية نزع فتيل الخلافات وحتى الساعة لم يرد منها أي جواب”.

وقال “إذا أرادت إيران أن تلعب دورا بنّاء فيجب عليها أن تتّبع سياسات بنّاءة وأن تولي اهتماما للمصالح المشتركة في المنطقة”. وأشار إلى أن “التعدي على خطوط الجار والمنشآت النفطية في المملكة لا يُعتبر عنصرا بنّاء”.

توتر متصاعد

شهدت العلاقات بين السعودية وإيران توترا منذ صعود الجمهورية الإسلامية سنة 1979 مع سعي رجال الدين الصاعدين إلى الحكم إلى تصدير الثورة إلى خارج حدود إيران، والنبش في تاريخ الطائفية في العالم الإسلامي.

وكانت مهاجمة السفارة السعودية في طهران بداية 2016 إثر تنفيذ الرياض حكم الإعدام بحق رجل الدين الشيعي نمر النمر، حدثا فاصلا أدى إلى قطع العلاقات بين البلدين. ثم دخل الصراع خلال الأشهر الخمسة الأخيرة مرحلة جديدة، إذ بدا البلدان على وشك الانخراط في مواجهة عسكرية مباشرة، مع استهداف ناقلات نفط في مياه الخليج والبحر الأحمر، وصولا إلى مهاجمة منشآت نفطية سعودية قبل شهر.

وتبنّى الحوثيون، المدعومين من إيران، عملية الاستهداف بالصواريخ والطائرات المسيّرة. إلا أنّ المملكة، أحد أكبر مشتري السلاح في العالم، لم تتبن الموقف الأميركي القائل بأنّ الهجمات انطلقت من الأراضي الإيرانية، وليس من اليمن، واعدة بالكشف عن نتائج تحقيق تجريه بمشاركة دول غربية.

ويوحي التحفظ السعودي بأن المملكة تتجنّب اتهام إيران مباشرة كونه قد يتوجب على ذلك الرد عسكريا على إيران، نظرا إلى تداعيات ذلك على المنطقة في هذه المرحلة الحرجة، والتي تشهد حروبا متصاعدة خاصة في سوريا واليمن، فيما يبقى الوضع في العراق هشّا. وكان ولي عهد السعودية ووزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان جدد على أهمية التحاور بدل الحرب في حوار أجرته معه نهاية شهر سبتمبر الماضي.

وقال خلال مقابلة خاصة مع برنامج “60 دقيقة” على قناة “سي.بي.أس” الأميركية، المملكة العربية السعودية تخيّر الحلّ السياسي على الحل العسكري في التعامل مع التجاوزات الإيرانية. وأشار إلى أن الرياض “تأمل في ألاّ يكون الرد العسكري ضروريا والحل السياسي أفضل بكثير”، لأن اندلاع حرب بين المملكة وإيران سيؤدي إلى انهيار الاقتصاد العالمي.

وبينما تفضّل الرياض تفادي مواجهة عسكرية مع جارتها، يبدو أن طهران تخشى أن يؤدي أي حوار مع السعودية إلى تفاوض حول حجم نفوذها في المنطقة، حيث تتمتع بثقل سياسي وعسكري كبيرين بفضل الجماعات المسلحة الموالية لها في اليمن والعراق وسوريا ولبنان.

تجاهل المجتمع الدولي

شدّدت وزيرة الدولة اللبنانية للتنمية الإدارية، مؤسسة ورئيسة “مؤسّسة مي شدياق” الدكتورة مي شدياق، على أنّ “إيران استطاعت أن تمدّ يدها إلى عدد من الدول العربية كلبنان وسوريا والعراق واليمن”. واستغربت “عدم رد المجتمع الدولي على استهداف إيران لمنشآت النفط السعودية على الرغم من أنها رسالة واضحة تريد إيران توجيهها إلى المنطقة”.

وقال نائب وزير الخارجية الروسي السابق أندريه فيديروف، في مداخلته في جلسة “قمة بيروت إنستيتيوت”، “لن تقبل إيران أبدا بأن تحاصر داخل حدودها. إيران تحاول استغلال الوضع الحالي لتعزيز نفوذها”.

وفي وقت يواجه الحوار طريقا مسدودا، دعا بلاكويل الولايات المتحدة وروسيا والدول الكبرى الأخرى للتدخل والتوسط بين إيران والسعودية من أجل الجلوس إلى طاولة واحدة وتفادي “سنوات من النزاعات”.

وبينما لم تلتفت روسيا والولايات المتحدة لمثل هذه الدعوة، تقدمت باكستان كطرف يعمل على تقريب وجهات النظر بين حليفيها. وأعلنت وزارة الخارجية الباكستانية الثلاثاء أنّ المباحثات التي أجراها رئيس الوزراء عمران خان في طهران والرياض هذا الأسبوع كانت “مشجعة”.

لكن أستاذ العلاقات الدولية في جامعة شهيد بهشتي الإيرانية محمود سريع القلم لا يرى “أي فرصة لحل النزاع بين إيران وجاراتها”. واقترح الأكاديمي الإيراني خلال “قمة بيروت إنستيتيوت” “التركيز على إدارة الصراع” للحد من تداعياته.

لكن، الحد من تداعيات هذا الصراع يحتاج أولا، وفق الخبراء، التعامل مع إيران يتطلب إستراتيجية جديدة رادعة تجاه ثلاث قضايا رئيسة تمارسها إيران وهي: تطوير سلاحها النووي، التدخل في شؤون دول المنطقة والهيمنة الملاحية.

وهنا، تبرز عقبة رئيسية وهو مأزق الازدواجية في السياسة الإيرانية، فمن جهة هناك الرئيس حسن روحاني ووزير خارجيته، وهما محسوبان على التيار المعتدل ويؤيدان ضمنيا فكرة الحوار، إذا كان حاميا للاتفاق النووي، ومن جهة أخرى هناك المرشد الأعلى والمحافظون الذين لا يؤمنون بسياسة الحوار وحسن الجوار.

كما شدّد المشاركون على أن المشكلة الرئيسة للتفاهم مع إيران والجلوس إلى طاولة مفاوضات معها هي وجود ازدواجية في السلطة الإيرانية، موضحين أن الدبلوماسية الإيرانية في جانب وما ترتكبه إيران من جرائم في الدول المحيطة في جانب آخر.