البعد بين الزوجين..

غربة الأزواج تؤجج مشاعرهم أم تعرضها إلى الفتور

وحدة لا تعوضها مواقع التواصل الإجتماعي

سعاد محفوظ

تبدو الحاجة إلى تجديد مشاعر الحب في العلاقة الزوجية أمرا مهما جدا خاصة بالنسبة للأزواج الذين يمارسون حياتهم بنوع من الروتين الصارم، مما يؤدي إلى فتور المشاعر نتيجة التكرار وغياب التشويق، لذا ينصح بعض خبراء العلاقات الأسرية بأهمية ابتعاد الزوجين عن بعضهما البعض، بغرض تأجيج العاطفة والأحاسيس في ما بينهما، إلا أنه في المقابل قد يأتي بنتائج عكسية، حيث يؤدي ابتعاد الشريكين عن بعضهما إلى حدوث نوع من الفتور والجفاء بينهما، وهو ما يزيد الوضع سوءا، وربما يهدد العلاقة الزوجية بأكملها.

أكد خبراء العلاقات الزوجية أن البعد بين الزوجين لأي سبب يؤثر على الشكل الطبيعي للعلاقة الزوجية؛ فالتعريف العام للزواج هو قرار الطرفين بأن يعيشا سويا بنفس المكان، وأن تكون هناك حياة واهتمامات يومية مشتركة، وبالتالي عند سفر الزوج لأي سبب فإن ذلك يؤثر بشكل كبير على الحياة الزوجية.

وأشاروا إلى أنه إذا كان غياب الزوج أسبوعيا مثلا فقد يزيد من الاشتياق بين الطرفين، إلا أن زيادة فترة البعد عن أسبوع مثلا تعتبر محنة حقيقية، تُسبب في وجود فجوة بين الزوجين، وقد يُسبب ذلك بعدا حقيقيا بينهما مما يجعل الزوجة تشعر بالغربة حتى في وجود الزوج.

نظام و تنسيق
أشار الخبراء إلى أن بعض السيدات قد يجدن الموضوع أكثر صعوبة من غيرهن نتيجة تكوينهن النفسي والذي قد يكون مائلا أكثر للقلق، وبالتالي يجعل تحمل مثل ذلك الأمر غير هين عليهن، كما أن التكوين النفسي للزوج أيضا مهم، فهناك بعض الأزواج لا يتحملوا ترك الأسرة والغياب لأي فترة كانت.

وأوضح المختصون أن سفر الأزواج دون زوجاتهم لا بد أن يحكمه نظام وتنسيق بين الطرفين، مبينين أن بعد الزوجين عن بعضهما البعض يوما في الأسبوع أو فترة من السنة يمكن أن يكون فرصة لتجديد العلاقة بينهما وبث روح جديدة في علاقتهما، وشددوا على ضرورة أن تتوفر الثقة المتبادلة بين الطرفين.

وأفادوا أن المشكلة ليست في السفر وإنما في مفهوم الناس للسفر، فليس كل زوج مغترب خائنا وليس كل من لا يسافر أمينا، المهم أن يقوم الرجل بتعويض الأسرة عن الأوقات التي قضاها بعيدا عنها وأن يعوّد أبناءه على تحمل المسؤولية في حالة غيابه.

وأوضح سليم جمال، استشاري العلاقات الأسرية في مصر، أن البعد الجغرافي المؤقت بين الزوجين يُنمي الشعور بالحرمان ولكنه في الوقت نفسه يكشف عمق الحب الذي يجمع بينهما، لكن إذا طالت فترة الغياب بين الطرفين يحدث شرخ في العلاقة التي أكسبها العيش المشترك متانة وعمقا وصلابة حتى لو تم اللجوء إلى تبادل الرسائل والاتصالات الهاتفية، فهذه الوسائل الإلكترونية لا تملأ الفراغ ولا تُغني عن الحياة تحت سقف واحد وتقاسم هموم الحياة اليومية التي من شأنها أن تكسب العلاقة صلابة، وتبني الثقة المتبادلة بين الطرفين، وتنمي الثقة بالنفس.

القدرة على التواصل من خلال الهاتف أو الإنترنت لا تعوض حضور الزوج

وتابع قائلا “في بداية أي علاقة عاطفية يسعى الطرفان إلى قضاء كل لحظة مع بعضهما البعض، ولكن مع مرور الوقت وتسلل الروتين إلى حياتهما يصاب الطرفان بالملل، ويقل الحماس الذي كان في بداية العلاقة إلى أن يصل إلى الملل العاطفي، لذا يعتبر خلق المسافة بين الأزواج من شأنها أن تزيد الألفة والاتصال والرضا بينهم، وتوجد مجالا لتجديد العلاقة بينهما وإعادة ترتيبها مرة أخرى، والتخلص من الضيق النفسي والاكتئاب والقلق والخوف من الاستمرار، وإدراك حجم هذا الشخص في قلبك وماذا يعني لك؟ مما يزيل التوتر العاطفي بينهما، مؤكدا أن القليل من الغياب يكون مفيدا لإشعال القلب، ولكن خلق مساحة كبيرة جدا في علاقة يبقى خطأ، حيث إنه يعطي مفهوما عكسيا سيئا لأنه كلما زاد الشيء عن حده انقلب إلى ضده”.

ومن جانبها، أشارت دعاء راجح، أخصائية العلاقات الاجتماعية والأسرية‏، إلى أنه “عندما يبتعد الزوج عن زوجته يبدأ في تذكر جميع اللحظات الجميلة التي قضياها معا، وأسعد المواقف التي مرت بينهما، لكن مع زيادة الفجوة وطول المسافة يقل الحماس شيئا فشيئا، ويبدأ في السؤال ماذا يعطيه كل هذا الاهتمام رغم بُعده؟ وتأتي بعدها مرحلة تذكر سلبيات شريك الحياة وما كان يعاني منه في شخصيته”.

وحذرت من الكبرياء في التعبير عن المشاعر، لأنه من أهم الأسباب في خسارة شريك الحياة، والتي تقود إلى اثنين من الغرباء يعيشان تحت سقف واحد دون إحساس كل طرف بالآخر، مشيرة إلى أن هناك اثنين من الاحتياجات الأساسية في العلاقة بين الزوجين هما العلاقة الحميمية والعلاقة العاطفية، وفي حالة حدوث خلل في هذه الاحتياجات أو عدم تحقق إحدى العلاقتين، فمن هنا تبدأ العلاقة بينهما بمرحلة الفشل على نطاق واسع، لافتة إلى أنه يجب على الشريك معرفة الخيط الرفيع بين المساحة المثالية والغياب الطويل في العلاقة، لأنه الجزء الأصعب والذي يحقق التوازن المطلوب. ومن جانبها أوضحت منى شرباتي، أخصائية الطب النفسي أن غياب الرجل عن المنزل أهون من غياب المرأة، وأهون من غياب الطرفين، لأن غياب الطرفين يولد معاناة شديدة للأبناء لفقدان الجو العائلي المستقر، مؤكدة أن الحب يتغذى على العلاقة اليومية بين الطرفين وبالدعم النفسي والعاطفي لكي يستمر ويستقر ولا يصاب بالانهيار، لذلك لا يجب أن يكون الغياب لفترات طويلة، لأنه تكون له انعكاسات نفسية، منها الإحباط والبرود العاطفي سواء لدى المرأة أو الرجل.

كما نبهت إلى أن البعد بين الزوجين يخلق نوعا من الجمود في العلاقة الحميمية، لافتة إلى أنه حتى وإن كان كل منهما بعيدا عن الآخر فإن محاولة خلق جو رومانسي والتقرب من بعضهما البعض وقضاء يوم واحد في الأسبوع دون الحديث عن المشاكل والخلافات يمكن أن يبقي العلاقة أكثر رومانسية وعلى قيد الحياة، ويقلل من حدة التوتر والملل، كما أن العلاقة العاطفية بين الطرفين تضمن تواصل الحياة واستمرارية العلاقة، وغيابها يؤدي بالعلاقة الزوجية إلى القطيعة ويسبب انهيار الأسرة.

توتر نفسي
أظهرت دراسة قام بها البنك الدولي أن السفر المتكرر يتسبب في تعريض الأزواج لأمراض نفسية، إذ أظهرت الإحصائيات ارتفاع معدلات الإصابة بهذه الأمراض بين أزواج من يسافرون باستمرار بالمقارنة مع أزواج غير المسافرين. وكشفت الدراسة أن مستوى التعرض للضغوط النفسية والمشاكل النفسية قد ازداد حدّة بين هؤلاء بنسبة ثلاثة أضعاف مقارنة بغيرهم.

وقال الباحثون إن النتائج التي توصلوا إليها تكشف الحالة الحرجة التي بلغتها معادلة الحياة والمنزل، إذ أصبح السفر المتكرر يؤثر على حياة المسافر ومن يبقى في المنزل. ودرس الباحثون مطالب التأمين الصحي التي قدمها أزواج الموظفين في البنك الدولي خلال فترة اثني عشر عاما.

ووجد الباحثون أن 16 في المئة ممن طالبوا بتعويض من التأمين الصحي للعلاج كانوا ممن يسافر أزواجهم إلى الخارج باستمرار. بينما عانى أزواج المسافرين من مشاكل نفسية تصل إلى ضعف ما عاناه أزواج المستقرين.

وعندما ازداد عدد الرحلات على أربع رحلات في العام، ازداد عدد المطالب من التأمين الصحي بسبب الضغوط النفسية والأمراض الأخرى المشابهة، بثلاثة أضعاف. كما أظهرت الدراسة أن عدد المصابين بين النساء أكثر بكثير من الرجال، إلا أن السبب في ذلك هو أن المسافرين هم من الرجال في الغالب.

ونبهت الدراسة إلى أن الرحلات المتكررة والمتقطعة تترك أثرا أسوأ على الناس من الرحلات الطويلة التي فصلت بينها فترات غير منتظمة. وقد يعود السبب في ذلك إلى أن الرحلات القصيرة المتكررة تعطل وتفسد رتابة الحياة العائلية وتقضي على فرص التعود على ممارسة النشاطات الترفيهية والاجتماعية.

وأفاد لينارت ديمبيرج أحد المشاركين في الدراسة، بأنه أصبح من المفهوم أن الحدود بين العمل والمنزل بدأت تتداخل، مشيرا إلى أن الأبحاث السابقة أظهرت أن المسافرين بسبب العمل قد عانوا من تزايد مشاكلهم الصحية والنفسية بشكل خاص. ومن جانبها كشفت المختصة النفسية إلين دوجلاس، أن الضغط النفسي على الأزواج يعود إلى خروج الوضع عن سيطرة أي من الزوجين، فلا يستطيع المسافر أن يرفض السفر لأن عمله يتطلب ذلك، ولا تستطيع الزوجة أن ترفض سفر زوجها لنفس السبب.

وأضافت المختصة النفسية دوجلاس أن القدرة على التواصل حاليا من خلال الهاتف أو الإنترنت لا يعوض عن الحضور الشخصي، لأن أحد الزوجين المتبقي في المنزل سوف يضطر إلى أن يتخذ كل القرارات ويقوم بنفسه بكل الأعمال التي يتطلبها المنزل، وكذلك رعاية الأطفال دون أي مساعدة من الشريك الثاني.