نمو سريع من الأسفل بأعلى هامش في 20 عاماً..

ظاهرة غير معتادة للأجور الأميركية

أرشيفية

نيويورك

تتحرك الأجور في الولايات المتحدة في هذه الأيام على وتيرة استثنائية غير معتادة: إذ تحقق نمواً سريعاً في الأسفل بأكثر مما تحققه في الأعلى، وتجاوز نمو الأجور لدى العمال ذوي الكسب المنخفض مثيله لنظرائهم من ذوي الكسب المرتفع بأعلى هامش مسجل في 20 سنة على الأقل.

والسبب الرئيسي في ذلك يرجع إلى الانتعاش الاقتصادي ممتد الأجل الذي يدخل عامه الحادي عشر هذا العام في الولايات المتحدة. وبالنسبة للجانب الأكبر من مراحل الانتعاش الاقتصادي المبكرة، كان نمو الأجور في المجموعة الدنيا من أصحاب الكسب المنخفض بطيئاً وضعيفاً عن الآخرين، غير أنه بدأ في اكتساب بعض الحركة التدريجية اعتباراً من عام 2014 وذلك مع استمرار معدلات البطالة في التراجع. وتوازى ذلك تقريباً مع الوقت الذي بدأت سوق العمل فيه الاستعانة بأفراد كان بعض خبراء الاقتصاد قد صرفوا النظر عن اعتبارهم من المشاركين الفاعلين في القوى العاملة في البلاد، على غرار أولئك الذين يعانون من مشاكل صحية أو عجز يحول بينهم وبين إمكانية الحصول على فرص عمل مناسبة.

لكن كان هناك عامل آخر لا بد من الانتباه إليه: الارتفاع الذي شهدته الأجور على مستوى الولايات والحد الأدنى العام للأجور في البلاد.

خلال السنوات العشر الماضية، لم يتغير الحد الأدنى للأجور المحدد فيدرالياً عند مستوى 7.25 دولار في الساعة. لكن خلال نفس الفترة، سنت العديد من الولايات والحكومات المحلية في الولايات المتحدة قوانينها الخاصة بتحديد الحد الأدنى للأجور أو قررت رفع مستويات الأجور الحالية لديها. ونتيجة لذلك، أصبح الحد الأدنى الحقيقي للأجور في البلاد يقترب من 12 دولاراً في الساعة، ومن المرجح أنه أعلى قيمة مسجلة للأجور عن الساعة الواحدة في تاريخ الولايات المتحدة حتى بعد تعديلات التضخم.

وفي ظل وجود أكثر من 20 ولاية وأكثر من 50 حكومة محلية قد قررت رفع الحد الأدنى للأجور لديها اعتباراً من عام 2020 الجاري، من شأن الحد الأدنى الحقيقي للأجور في ارتفاع مستمر طوال هذا العام. وتؤثر هذه الإجراءات في بيانات الأجور على مستوى الولايات والمحليات، لا سيما بالنسبة إلى العمال في أدنى درجات السلم الاقتصادي. واستشعاراً لهذا التأثير على أرض الواقع، استعنت بالبيانات الصادرة عن «المسح السكاني الحالي» للنظر في شؤون العاملين ذوي الكسب المنخفض كمجموعة واحدة مع حساب الضغوط التي أحدثتها مكاسبهم الأخيرة في الأجور على إجمالي نمو الأجور في البلاد مع مرور الوقت، مع التحكم في التغييرات الهيكلية في حصة الحد الأدنى من أجور العمل. من الملاحظ أن هذا المنهج لا يحسم الجدال بشأن ما إذا كانت الزيادة في الحد الأدنى للأجور تعتبر فائدة صافية للمواطنين الأميركيين، إذ يقتصر تعريف بيانات الأجور، من بين أمور أخرى، على أولئك الذين ظلوا في وظائفهم بعد الزيادة. وإذا جرى تسريح العمالة بسبب الزيادة في الحد الأدنى للأجور، فإن فقدانهم للأجور الجديدة لن يكون عاملاً مؤثراً في المتوسط الحسابي للأجور. ويعكس هذا التحليل أن متوسط نمو الأجور كان يتحرك وفقاً إلى 3.9 نقطة مئوية في «المسح السكاني الحالي» على مدار العامين الماضيين، وهي نسبة أقوى قليلاً من الوتيرة الصحيحة المسجلة قبل الركود العظيم وأدنى من نسبة 5 في المائة المسجلة في عام 2000.

غير أن الزيادات في الحد الأدنى للأجور على مستوى الولايات والمحليات قد أضافت 0.4 نقطة مئوية من الضغوط التصاعدية على النمو الأخير للأجور. وبصرف النظر عن هذه الضغوط، كان من المنتظر لنمو الأجور ضمن «المسح السكاني الحالي» خلال العامين الماضيين أن يسجل 3.5 نقطة مئوية. وهي من النتائج الجيدة برغم كل شيء، لكنها ألطف قليلاً مما تشير إليها بيانات الأجور غير المعدلة. ويجري تضخيم ضغوط أجور العمالة ذات الكسب المنخفض عند النظر فقط في أدنى الأجور المدفوعة.وكما ظهر من التحليل، فإن نمو الأجور في الأسفل يتحرك بوتيرة جيدة. وسجل نسبة 4.1 في المائة على مدار العامين الماضيين - وهي نسبة أعلى من 3.6 في المائة عند النهاية العليا للأجور، وأعلى كذلك من المتوسط العام البالغة نسبته 3.9 في المائة. ولكن في غياب الضغط من العمالة ذات الكسب المنخفض، فإن نمو الأجور في الأسفل كان أقرب ما يكون إلى نسبة 3.3 في المائة.

ومن المهم المحافظة على تأثير هذه الزيادة في الحد الأدنى للأجور ضمن منظورها الصحيح. إذ إن هذه الزيادات ليست مسؤولة عن أغلب حالات نمو الأجور، أو عن معظم التسارع المشهود في وتيرة نمو الأجور، خلال فترة الانتعاش الاقتصادي المشار إليها. وحتى ضمن الثلث السفلي، ساهمت العمالة ذات الكسب المنخفض بما يقرب من خُمس إلى ربع نمو الأجور على مدى العامين الماضيين.

وبقدر أهمية الارتفاع الأخير في الحد الأدنى للأجور على مستوى الولايات والمحليات في هذا الصدد، فمن المحتمل ألا يكون بنفس أهمية تشديد سوق العمل. وفي سوق العمل الضيقة، يلزم الشركات رفع مستويات المنافسة لتوظيف واستبقاء العمالة التي تحتاج إليهم، الأمر الذي - من بين أمور أخرى، يمنح هؤلاء العمال مقدرة أكبر على المساومة من أجل رفع أجورهم.

وقال جيروم باول رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي مؤخراً بأن التواصل مع العمالة التي «جرى التخلي عنها» تقليدياً يعد من أكثر الأسباب إلحاحاً للمحافظة على التوسع لأطول فترة ممكنة. ومع ذلك، يشير هذا التحليل إلى أن الزيادات في الحد الأدنى للأجور تملك تأثيراً حقيقياً وملموساً على الأجور، على الأقل بالنسبة إلى العمال الموظفين فعلياً الذين يستفيدون من هذه الزيادات. وبالنسبة إلى الثلث السفلي، شكلت زيادات الحد الأدنى للأجور على مستوى الولايات والمحليات الفارق المعتبر بين نمو الأجور قبل وقوع الأزمة الاقتصادية ونمو الأجور الذي يتجاوز هذه الوتيرة الآن.

غير أن هذه الفائدة تجلب رفقتها إشارة تحذيرية بالنسبة لصناع السياسات.

حيث ينظر خبراء الاقتصاد إلى الأجور من زاوية أنها أحد مقاييس الأداء الاقتصادي: إذ ربما يؤدي تسارع نمو الأجور إلى ارتفاع الأسعار في نهاية المطاف مع الإشارة إلى تعاظم المقدرة الاقتصادية للبلاد، رغم أن هذا لم يحدث حتى الآن في الانتعاش الاقتصادي الأميركي المشار إليه.

لكن من شأن هذه الزيادات المستمرة في الحد الأدنى للأجور على مستوى الولايات والمحليات - وأي إجراءات قد تُتخذ في المستقبل على المستوى الفيدرالي - أن تفرض تشويهاً على بيانات الأجور، الأمر الذي يعكس واقعاً أكثر تشدداً وتقييداً لسوق العمل في الولايات المتحدة مما عليه الأوضاع في الواقع. ولا تزال الزيادات الأخيرة في الحد الأدنى للأجور، رغم أنها لم تسفر عن تأثيرات كبيرة، تشير إلى أن إجمالي نمو الأجور يتقدم بنحو عام إلى الأمام من الواقع الراهن. وبالنسبة إلى العمال ذوي الكسب المنخفض، الذين يستشهد بهم صناع السياسات في كثير من الأحيان، فإن تأثير الحد الأدنى من الأجور ربما يستحق الاقتراب من تسريع نمو الأجور على مدار عامين كاملين.

المنهجية: يعمل هذا التحليل على تعريف «ضغط الحد الأدنى للأجور» بأنه النمو في الحد الأدنى الحقيقي للأجور - ومتوسط الحد الأدنى للأجور في الساعة على المستويات الفيدرالية والولايات والمحليات من الحد الأدنى للأجور وفق العمل - على مدار 12 شهراً، مع حساب حصة الحد الأدنى للأجور في العمل عند بداية فترة الـ12 شهراً المذكورة. وفي إطار تحليل التحول والحصة، فهذا ما يكافئ المساهمة المعدلة هيكلياً في إجمالي نمو الأجور من العمال ذوي الكسب المنخفض. ويستخدم التحليل متوسط الأجور عن الساعة الواحدة عن العمالة الخاصة غير الزراعية والعمالة بالرواتب والمحسوبة استناداً إلى المجموعة المناوبة السابقة ضمن «المسح السكاني الحالي». وهو يستخدم الأجور بالساعة وفق الوارد في المسح عند توفرها للعمالة بالساعة، وبالنسبة إلى الآخرين، فإنه يقسم الأرباح الأسبوعية وفق الساعات الأسبوعية الاعتيادية.

يفرض التحليل الساعات المعتادة في حالة عدم توفرها أو تغيرها، ويضبط الأرباح المكتسبة أسبوعياً للترميز العلوي باستخدام افتراض التوزيع اللوغاريتمي. كما يستبعد الأجور بالساعة غير النموذجية. ورغم هذه التعديلات، تختلف الأجور في «المسح السكاني الحالي» بلا تغير عن متوسط الأرباح بالساعة الواردة في إحصائيات التوظيف الحالية، وهي من مصادر بيانات الأجور الأخرى لمكتب إحصائيات العمل، نظراً للاختلافات في النطاق، والتصميم، والمفهوم. كما يستخدم التحليل نفس المنهجية في حساب الحد الأدنى للأجور على مستوى الولايات والمحليات، وفي تحديد العمال أصحاب الكسب المنخفض، كما كان الحال في التحليل السابق في أبريل (نيسان) من عام 2019.