باحثون..

عامل رئيسي للراحة..الألوان عالم متكامل يكشف كثيرا من الدلالات

الألوان عالم سحري

القاهرة

تعتبر الألوان عالما متكاملا يكشف عن كثير من الدلالات، وأكدت دراسات في مجال علم النفس، وجود ارتباط بين الحالة النفسية للإنسان وبين الألوان؛ مما يدل على أنها ذات تأثيرات مُتغيّرة في المكان الواحد وفي الأزمنة المختلفة.

 تعتبر الألوان من أكثر العناصر الطبيعية أهمية وتأثيرا في حياة كل شخص بسبب قدرتها على تشكيل مزاج الفرد، وتؤكد الأبحاث العلمية الحديثة أن مسألة جذب الألوان لأفراد أو مسألة نفورهم من بعضها إنما تكشف بشكل أو بآخر عن عناصر تكوين شخصية الإنسان ومزاجه، كما توضّح أسباب مخاوفه وارتيابه والقلق الدفين على أحلامه وأماله في الحياة.

وتتأثر الحالة النفسية والمزاجية للإنسان بالألوان، ويتمّ من خلالها تجديد الحالة المزاجية في حال اختيار اللون المفضّل، وقد يكتشف الإنسان على سبيل المثال أن استخدام مجموعة من الألوان لطلاء المنزل ولم يتم بتجديدها، سبّب له عدم الارتياح لتأثيرها السلبي على حالته المزاجية.

وفي هذا الإطار، أوضح الدكتور عثمان الخطيب، خبير الصحة النفسية في مصر، أن هناك الكثير من الدراسات التي تثبت وجود علاقة وطيدة بين الألوان والحالة النفسية للفرد، مشيرا إلى أن اللون المفضّل للإنسان يُحدّد شخصيته، فاللون الأبيض يُساعد على شعور الشخص بالسلام والأمان، والأحمر لون مُثير يقضي على الإحساس بالإعياء، ويزيح الشعور بالكسل، ويعدّ اللون الأسود لونا مخيفا لارتباطه بالحزن والرهبة، علاوة على سيطرة حالة الانطواء على سلوك مُحبّي هذا اللون.

ويرى الخطيب أن هناك بعض المؤسسات الصحية المتخصصة في العلاج النفسي تلجأ إلى استخدام الألوان، لمساعدة المريض النفسي على الخروج من الحالة التي يُعاني منها سواء كانت اكتئابا أو شيزوفرينيا أو غيرها، وعلى سبيل المثال يستخدم الأطباء النفسيون اللون الأزرق للمساعدة على استرجاع فقدان الذاكرة المؤقت، لما يحتويه هذا اللون من قُدرة على إنعاش الذاكرة وتعزيز التفكير الإبداعي، وينصح باستخدامه في غرف العمل والدراسة.

وفي هذا السياق شدد الدكتور عادل عمران، أستاذ علم النفس بجامعة عين شمس على ضرورة أن يدرك الإنسان جيدا تأثير الألوان على صحته النفسية، لاسيما وأن لكل لون قيمته الإيجابية وتأثيراته السلبية، ونبّه إلى أهمية استخدام الألوان بشكل يميل إلى التوازن، لأنه في حالة استخدامها بشكل مُبالغ فيه سيكون لها تأثير سلبي على حالة الإنسان النفسية.

وأشار إلى أن اختيار الشخص للألوان يساعد على شعوره بالراحة، وتأقلم حالته المزاجية مع الألوان التي تُناسبه وتُناسب شخصيته، مؤكدا أن اختيار ألوان الأماكن التي يعيش فيها الإنسان له تأثيرات مختلفة تتراوح بين الإيجابية والسلبية والحياد، ويعود ذلك إلى اختلاف الشخصيات التي تعيش في المنزل، وبالتالي تأتي أهمية تحديد الألوان كعامل رئيسي نحو راحته النفسية.

اختيار ألوان الأماكن التي يعيش فيها الإنسان له تأثيرات تتراوح بين الإيجابية والسلبية والحياد

ومن جانبها كشفت الدكتورة كرمى ياسين، أستاذ السيكولوجيا النفسية بجامعة بنها في مصر، أن التوازُن في الألوان يختلف من دولة إلى أخرى ومن شخص لآخر، من خلال الاستخدام المختلف لها والأغراض التي يرجى الوصول إليها عن طريقها، وعلى سبيل المثال، فإن استخدام الألوان غير المبهجة في غرف الأطفال قد يخلق إنسانا ذا نفسية غير سوية، ومعرّضا دائما للأمراض النفسية، وليس لديه رغبة في فعل أي شيء، أما إذا استخدمت هذه الألوان في غرفة شاب نجده يتقبّل ذلك بسهولة.

وتوضح أنّ هناك كثيرا من الشباب أو أصحاب الأعمار المتقدّمة يفضّلون الألوان القاتمة، باعتبارها تدلّ على الوقار والرزانة مثل اللون الأسود، ومن هنا نستنتج أن عامل السن له دور في تحديد الألوان المفضّلة، لافتة إلى “أن سيكولوجية الألوان قابلة للبحث والدراسة وتحيطها المستجدات”.

ويقول الدكتور عماد عبدالمنعم أستاذ الدراسات النفسية بجامعة عين شمس إن العلاج بالألوان فكرة اكتشفها بعض العلماء وأصبحت نظرية تستخدم في العلاج النفسي، ويقول “ببساطة شديدة اُنظر كيف يفكر الناس في تأثيث منازلهم واختيار الألوان، ومما يثير الدهشة فشل زيجات لأن العريس لم يختر اللون الذي تحبه العروس في شقة الزوجية، وأحيانا يضع البعض صورا طبيعية تتجلّى فيها الألوان، وحاليا ظهرت الرسومات ذات الأبعاد الثلاثية على الجدران لتضيف نوعا من الراحة النفسية للأفراد”.

ويضيف عبدالمنعم “لقد اكتشف العلماء أن طبيعة جسم الإنسان تجعله في احتياج إلى نوعية معيّنة من الألوان دون سواها وذلك من أجل تحسين أدائه الذهني والبدني، لذا فإنه يتجه إلى تلك النوعية حسب الاحتياج إليها.. وهو ما ترتب عليه أن اتجه تفكير العلماء إلى استخدام تلك الألوان لعلاج أنواع معيّنة من الأمراض، وذلك لأن في تقديرهم أن لكل لون من الألوان ترددا وذبذبة مختلفة مغايرة تماما لباقي الألوان”.

وتابع أن جسم الإنسان له خاصية الخلايا التي تمتلك حيوية معيّنة ذات قوة ونشاط يتيحان لها العمل فإذا ضعفت هذه القوة فإن التأثير الرئيسي للألوان قد يساهم في إعادة هذا النشاط من خلال الذبذبة التي تبثّها هذه الألوان، ودللوا على هذا بأن التأثير الرئيسي يكون للألوان المكوّنة لألوان الطيف أي التدرّجات اللونية لقوس قزح والتي تشمل الأحمر الأرجواني والبرتقالي والأصفر والأخضر والأزرق والنيلي والبنفسجي.

وأفاد الدكتور عبدالرزاق محمود المختص في علم النفس أن الألوان المحيطة بالإنسان تؤثر بصورة مباشرة على نفسيته، وتمكن علم النفس من تحديد العلاقة بين اللون المفضل للشخص وبين صفاته وميوله ومزاحه بالإضافة إلى حالته الصحية، فمثلا نجد أن العيادات النفسية تستخدم اللون البنفسجي الفاتح ليعيش المريض في حالة انفصال عن الواقع، ويساعد هذا اللون على مقاومة الانفعالات العصبية الشديدة.

وأشار الباحثون إلى أن اللون الأحمر مثلا يعبّر عن الطاقة والحيوية، والأشخاص الذين يفضلونه يتمتعون بالنشاط والحيوية والديناميكية والشجاعة والحساسية الشديدة، وأنهم يهتمون بالجانب الحسّي أكثر من اهتمامهم بالجانب المعنوي، أما الأزرق فهو لون بارد والأشخاص الذين يحبونه شخصيات جادة حساسة، وهو يعتبر رمزا للمعاني المطلقة. أما عشاق اللون الأصفر فهم سعداء ومتفائلون، ويعتبر اللون البرتقالي من الألوان المبهجة ومحبّو هذا اللون شخصيات اجتماعية، أما البنّي فيعبّر عن الشخصية الصلبة المتماسكة والإرادة الحديدية.