حرية مثيرة للتساؤلات..

قراءة تحليلية: العلاقة الراسخة بين النظام القطري وتنظيم القاعدة

اليوم تتجدد الأسئلة عن علاقات قطر بالقاعدة، وخاصة حركة الشباب الصومالية

عبدالرحمن الطريري

تميزت الصومال على امتداد تاريخها الطويل بموقعها الجغرافي الإستراتيجي، حيث كانت قديما واحدة من المراكز الحيوية للتجارة العالمية، كما تمتلك الصومال أطول حدود بحرية في أفريقيا، وتعد كذلك المدخل الشرقي لقارة أفريقيا، ولكن كل هذا لم يكفل لها الاستقرار، فقد استمرت منذ بداية التسعينات الحروب الأهلية، والطموحات الانفصالية لدى بعض القبائل، وظهرت عمليات قرصنة تشير إلى غياب سلطة الدولة وذلك في بداية الألفية الحالية.

ومن ضمن الحركات التي ظهرت في الصومال، حركة الشباب القاعدية الهوى، والتي تربطها علاقات وشيجة مع النظام القطري منذ العام 2004، وهو ودون أي مصادفة نفس العام الذي تطورت فيه العلاقات بين الحوثيين وقطر، وحصلت آنذاك بعض العناصر الحوثية على جوازات سفر قطرية مما يمنحهم حرية التنقل.

لا توجد علاقات لأي طرف مع النظام القطري دون أن تكون له علاقات مع النظام التركي، هذا ربما يتضح في ليبيا اليوم، حيث يدعم الطرفان حكومة الوفاق، والتي “تسمى تدليسا الحكومة المعترف بها”، رغم أنه لم يتم الاعتراف بها من قبل البرلمان، وهو ما نصت عليه اتفاقية الصخيرات كشرط لمنحها الشرعية.

كل ما هنالك أن النظام التركي كعضو في الناتو كان أقل جرأة على التعامل المباشر مع التنظيمات الإرهابية خلافا للنظام القطري، لكن كان للنظام التركي هذا الطموح في تطويق منطقة الخليج، وربما هي أضغاث أحلام الخلافة، بعد أن تكسرت أحلام الانضمام للاتحاد الأوروبي، ثم تكسرت طموحات حكم الإخوان لمصر على صخرة التحالف السعودي الإماراتي.

هذا الحلم اتضح من استئجار جزيرة سواكن السودانية لبناء قاعدة عسكرية، ثم توقيع اتفاقية عسكرية مع النظام القطري، مما حول الجيش التركي لحرس أميري في قصر الوجبة، أو حرس على قصر الوجبة، كما بنت تركيا في الصومال أكبر قاعدة خارجية لها في مقديشو، والتي افتتحتها في العام 2017، ضمن ما قد يُفهم كإستراتيجية ما بعد فشل الربيع العربي، وتم العمل على العديد من المشاريع لتسويق تركيا في الصومال، وقامت الحكومة الصومالية كرد للجميع بإغلاق مدارس الداعية فتح الله غولن.

قدمت الدوحة مساعدات مادية لعدة أطراف صومالية بحكم توسيع نفوذها، والتضييق على أي نفوذ بديل لدول خليجية أخرى، وكان الدعم الرئيسي لحركة الشباب الصومالية، فرع القاعدة والذي ازداد استقلالية بعد وفاة بن لادن في 2012، كما تغيرت التكتيكات الهجومية للحركة في 2015، مما يعطي رجاحة للتحليل الذي يذهب إلى أن سيف العدل وأبومحمد المصري، بعد أن غادرا إيران إلى اليمن، اختارا الرحيل إلى الصومال مع انتشار العمليات الأميركية في تصفية قيادات القاعدة بالدرون.

وفي العام الماضي نشرت صحيفة نيويورك تايمز تسجيلا صوتيا مسربا لمكالمة بين السفير القطري في الصومال حسن بن حمزة هاشم، ورجل الأعمال القطري خليفة كايد المهندي، المقرب من الشيخ تميم بن حمد، يقول فيها الأخير “نعلم من نفذ الهجمات التي استهدفت الإماراتيين في الصومال”، وأن الهدف من هذه الهجمات هو “طرد (الاستثمارات) الإماراتية بحيث لا تجدد العقود” لتحل محلها استثمارات قطرية.

والاستثمار الذي قصد المهندي طرده من الصومال، هو استثمار بميناء بوصاصو، حيث عقدت شركة موانئ “بي.آند.أو” المملوكة لحكومة دبي اتفاقا مع إقليم بونت لاند المنشق عن الصومال في أبريل 2017. وحصلت بموجبه الشركة على امتياز مدته 30 عاما للاستثمار في الميناء، بتكلفة 336 مليون دولار.

ربما حين نعود بالذاكرة إلى بدايات تنظيم القاعدة، ندرك اليوم أن اختياره لشاشة الجزيرة لم يكن محض صدفة، بل لعلاقة قوية تربط الطرفين، وهي علاقة خدمت أيضا عدة أطراف غربية، بحيث يقوم النظام القطري بما لا تستطيع هذه الأنظمة القيام به قانونيا، من تقديم فدى وإطلاق سراح أسرى غربيين، وربما من الجيد في مسيرة إنعاش الذاكرة، العودة لفيديوهات القاعدة التي نشرتها الجزيرة وساهمت في إعادة انتخاب بوش الابن.

وموضوع الفدى هذا كثيرا ما رأيناه في المشهد السوري حيث لا يملك طرف علاقة بحركة النصرة أفضل من النظام القطري، وأيضا خرج قائد التنظيم الجولاني على قناة الجزيرة في لقاء مع أحمد منصور، وربما يكون عنوان البرنامج دقيقا في وصف علاقة القاعدة بقطر فهي فعلا “بلا حدود”.

وحتى صفقات تبادل الأسرى بين حزب الله وداعش، والتي شملت حينها مغادرة حافلات لعناصر من داعش غادرت لبنان بكل سلام متجهة إلى إدلب، إثر صفقة رعتها ومولتها الدوحة، وبالتالي دائما ما توفرت الإرادة والتمويل لخلق التوازن بين الجماعات الإرهابية من كل الطوائف بالتنسيق مع تركيا وإيران.

أبعد من ذلك يشير المحلل الهولندي في مجال مكافحة التطرف والإرهاب رونالد ساندي إلى معلومات استخبارية أوروبية تشير إلى صفقة سرية، بحيث تمول قطر “بوكو حرام”، على أن تقوم الجماعة لاحقا باختطاف مواطنين غربيين، ثم تبدأ الدوحة رسميا مفاوضات، وستدفع ثمن الإفراج عن الغربيين. وبعد دفع المبالغ، وهكذا، رحَّبَت العواصمُ الغربية بقطر، وفي الوقتِ نفسه، تمكَّنَت الدوحة من تمويلِ الجماعات الإرهابية مثل “بوكو حرام”، دون أن تقع تحت طائلة العقوبات.

واليوم تتجدد الأسئلة عن علاقات قطر بالقاعدة، وخاصة حركة الشباب الصومالية، مع تحرير عاملة الإغاثة الإيطالية سيلفيا رومانو من قبضة حركة الشباب الصومالية، حيث دعا رئيس لجنة الشؤون الخارجية بحزب “أخوة إيطاليا” كارلو فيدانزا رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي إلى الإفصاح عن أي تفاصيل تتعلق حول عملية تحرير المختطفة رومانو، والدور القطري وأيضا دور الاستخبارات التركية في العملية.

تاريخ ممتد من العلاقات الإعلامية والسياسية وبالطبع الاقتصادية مع هذه التنظيمات، كان عنوانها البحث عن دور إقليمي أكبر، وعن دور في الكهوف يجعل العواصم الغربية تبارك هذا الدور الإقليمي، هذا ما يؤكد لنا كل يوم أن المقاطعة الرباعية كانت قرارا صحيحا لاستقرار المنطقة ومكافحة الإرهاب.