تدقيق الحسابات زمن كورونا ضروري..

تقرير: الوباء يكبح شهية أثرياء العرب للمخاطرة في الاستثمار

معظم رجال الأعمال يحوّلون وجهة تدفقات أموالهم إلى مجالي الصحة والتكنولوجيا الأكثر أمانا.

لندن

تعطي انطباعات المصرفيين ومحللي أسواق المال نظرة فاحصة عن مدى تأثر ثروات كبار المستثمرين العرب من أزمة الإغلاق بسبب الوباء، والتي خلفت بدورها معضلة في سوق الطاقة أثرت على نشاط شركاتهم، وهو ما جعلهم يعيدون التفكير في كيفية الاستفادة من أموال محافظهم دون تعرضها للمخاطر.

أفقدت أزمة وباء فايروس كورونا وتداعياتها المدمّرة على الاقتصاد العالمي قوة الدفع لدى معظم الأثرياء العرب، لتوسيع أو الاستمرار في استثماراتهم، ما جعلهم يتكبدون خسائر بالمليارات من الدولارات أثناء فترة الإغلاق.

ومع أن الدول اتجهت إلى تخفيف القيود الاحترازية أملا في عودة الحياة الاقتصادية إلى طبيعتها لكن المستثمرين يحتاجون لأشهر حتى يقفوا على تحسن أوضاعهم مرة أخرى.

ويؤكد محللو أسواق المال أن الأفراد ذوي الثروات الكبيرة بمنطقة الشرق الأوسط أصبحوا الأكثر تجنبا للمخاطر من بين المستثمرين الأثرياء في الأسواق الناشئة، وذلك بعد أن تضرروا من انهيار أسعار النفط في الأسواق العالمية.

وأظهرت مراجعة لبيانات ثروات أكبر أثرياء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أن خسائر أغنى 21 شخصية عربية بلغت قرابة نحو 11.4 مليار دولار، وهي تمثل أكثر من إجمالي ثروة أغنى اثنين في المنطقة.

وقال مدير أسواق النمو العالمية ببنك باركليز الخاص سلمان حيدر في مقابلة مع وكالة رويترز إن “زبائن البنك الأثرياء في شتى أنحاء الأسواق الناشئة يتحولون نحو الاستثمارات التي تعتبر أكثر أمانا”.

وأشار إلى أن المستثمرين يفضلون الاستثمار في الأصول الدولارية أو الأسهم التي تأتي بتوزيعات نقدية أو أدوات دخل ثابت انتقائية، لكن العزوف عن المخاطرة ليس بنفس الكثافة التي كان عليها إبان الأزمة المالية العالمية”.

لكن أكد أن الحذر يبدو أكثر وضوحا في الشرق الأوسط. وقال إن “مستويات الإقبال على المخاطرة في الشرق الأوسط انخفضت كثيرا”.

وأضاف “هناك تركيز أكبر بكثير على السيولة المحلية.. تركيز أكبر بكثير على الحفاظ على السيولة”.

وأشارت البيانات، التي استندت إلى قائمة مجلة فوربس الأميركية لأكبر أثرياء العالم إلى أن ثروات أثرياء العرب تراجعت بقيم متفاوتة بحسب حجم الضرر، الذي تعرضت له القطاعات المرتكزة فيها استثماراتهم وتعمل فيها مؤسساتهم.

وذكرت المجلة في تقرير نشرته مؤخرا أن إجمالي ثروة هؤلاء انحسرت إلى حوالي 47.3 مليار دولار بعد أن كانت عند حوالي 58.7 مليار دولار بنهاية العام الماضي.

ولا تمثل تلك الخسائر جميع ما فقده جميع أثرياء العرب، بل تقتصر على تأثير هبوط قيمة الأسهم، التي يملكونها بسبب المخاوف من تحوّل الفايروس إلى وباء عالمي.

ولم تدرج مجلة فوربس الأثرياء السعوديين في قائمتها للعام الثالث على التوالي مثل الأمير الوليد بن طلال، كما أنها لم تشر إلى كبار رجال الأعمال في دولة الإمارات مثل محمد علي العبار.

ورغم انخفاض ثروة رجل الأعمال المصري ناصف ساويرس بواقع 1.4 مليار دولار منذ بداية العام الجاري لتستقر عند خمسة مليارات دولار، لكنه بات متصدرا القائمة بعد أن أزاح مواطنه الملياردير محمد منصور، الذي ارتفعت ثروته بشكل مفاجئ بنحو 43 في المئة لتبلغ 3.3 مليار دولار وحل في المركز الرابع.

وانخفض صافي ثروة رجل الأعمال الإماراتي ماجد الفطيم، الذي حل في المركز الخامس وفق مجلة فوربس، بمقدار 1.8 مليار دولار عن العام الماضي، بعد أن تكبدت مجموعته بعض الخسائر في العام الماضي.

واللافت أن رجل الأعمال الجزائري يسعد ربراب حل ثانيا في القائمة بثروة تقدر بنحو 4.2 مليار دولار، غير أنه قد يكون فقد جزءا كبيرا منها ليس فقط بسبب مصادرة أملاكه كونه ملاحقا ببلاده في قضايا فساد، بل أيضا بسبب الأزمة الاقتصادية التي تعيشها بلاده وأثرت على الكثير من الأنشطة التجارية والاستثمارية.

11.4 مليار دولار فقدتها 21 شخصية من أثرياء العرب بسبب الإغلاق الاقتصادي، وفق مجلة فوربيس

وفي الوقت الذي استعادت فيه الأسهم العالمية بعضا مما فقدته بعد هبوط في مارس الماضي، تسببت فيه مخاوف حيال الكلفة الاقتصادية للجائحة، لا تزال أسعار النفط عند مستويات متدنية رغم زيادة هذا الشهر.

واكتفت أسعار النفط بتغير طفيف الاثنين، إذ تعقد منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) اجتماعا هذا الأسبوع لبحث تمديد تخفيضات إنتاج غير مسبوقة لما بعد نهاية يونيو.

واستقر خام برنت عند 37.84 دولار للبرميل، بينما سجلت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط تسليم يوليو 35.53 دولار للبرميل، مرتفعة بأربعة سنتات عما كانت عليه الأسبوع الماضي.

وزبائن بنك باركليز عادة ما تكون لديهم أصول متاحة للاستثمار بأكثر من 20 مليون جنيه إسترليني (24.7 مليون دولار).

وقال حيدر، المقيم في لندن “صار الكثير من التركيز على التأكد من قدرة أعمالهم على تغطية احتياجات السيولة ورأس المال العامل وما إلى ذلك”.

وأوضح أن هناك إجماعا كبيرا من المستثمرين على تحويل تدفقات المحافظ إلى قطاعات مثل الرعاية الصحية والتكنولوجيا والبعد عن مناطق أكثر انكشافا على الجائحة مثل السفر والترفيه.

وبالنسبة لاستثمارات العائلات وشديدي الثراء، يؤكد حيدر أن هناك إقبالا على الاستثمار في الأصول المتضررة، بدءا من قروض البنوك وصولا إلى أصول الرعاية الصحية والتكنولوجيا. وقال “شهدنا اهتماما قادما لبحث فرص معينة للاستثمار المباشر”.

وكان يمكن أن تكون هذه استثمارات مباشرة في شركات بقطاعي الرعاية الصحية والتكنولوجيا، حيث يمكن توفير مدخل مباشر كمشاركة في الملكية، وأكد الخبير المالي أن هناك تجددا للاهتمام بالعقارات.