الحرب اليمنية..

تحليل: لماذا يصر الانقلابيون الحوثيون على إسقاط مأرب النفطية؟

اجتماع لعبدربه منصور هادي ونائبه ورئيس الحكومة في السعودية - أرشيف

د. علوي عمر بن فريد
كاتب وباحث تاريخي جنوبي يكتب لدى صحيفة اليوم الثامن
 معركة مأرب كما تناولتها بعض الصحف العربية،  والتي لم يتمكن الحوثي من حسمها إضافة الى معركتي تعز والساحل اليمني المؤجلتين وموقف الأطراف اليمنية وكذلك الأطراف الخارجية من تأجيلهما لغرض في نفس يعقوب بعد أن وصل الجيش اليمني إلى ضواحي الحديدة وأطراف تعز ، وفي الجانب الآخر اتجهت بوصلة وبندقية الحوثيين نحو مأرب للسيطرة عليها وهي اليوم تأتي في المقام الأول .
ويرى كُتاب أن هناك إصراراً حوثيا على السيطرة على المدينة "لاستخدامها كورقة تفاوضية في أي محادثات سلام".
فيما ينتقد آخرون الحكومة اليمنية برئاسة هادي فيما يخص مجريات معركة مأرب، إذ يرون أن أولويته هي البقاء في منصبه دون القيام بأي إصلاح لمواجهة الموقف !!
تقول سحر غانم في صحيفة المشهد الدولي اليمنية إن "إصرار الحوثيين حاليًا على السيطرة عسكريًا على محافظة مأرب، صار يمثل حجرة عثرة كبيرة في وجه كل الجهود العربية والدولية لإنهاء حرب أتت على الأخضر واليابس، وأصبحت تهدد أمن الإقليم والعالم".
ويفصل صالح البيضاني في صحيفة العرب اللندنية أبعاد حرص الحوثيين على دخول مأرب.
يقول: "يبدي الحوثيون إصرارا عنيدا على السيطرة على محافظة مأرب اليمنية قبل الذهاب إلى أيّ تسوية سياسية، على اعتبار أن هذه المحافظة ستكون مكافأة نهاية الانقلاب الذي يسعى الحوثيون لشرعنته عبر حوار شكلي لا ينوون تقديم أيّ تنازلات خلاله، بقدر رغبتهم في تعزيز مكاسبهم العسكرية".
ويضيف: "يدرك الحوثي أنه بالسيطرة التي لم تتحقق بعد على مأرب سيتمكن من تغيير المعادلة بشكل كامل، ليس معادلة الحرب والسلام، بل المعادلة داخل صفوف الشرعية ذاتها".
ولا يعتقد الكاتب أن الحوثيين سيتوقّفون في حال السيطرة على مأرب عند حدود ما قبل 1990 بل سيتجهون للسيطرة السريعة على تعز قبل استكمال معركة الحُديدة.
أولويات الصراع
يقول أيمن نبيل في صحيفة العربي الجديد اللندنية إن "كل القوى التي تحارب الحركة الحوثية ترى فيها عدوًا وتهديدًا خطيرًا، ولكن محاربتها ليست الأولوية التي يسخر في سبيلها كل شيء آخر؛ ثمّة لدى كل تلك الأطراف أولويات أخرى".
ويتحدث الكاتب عن أولويات مختلف الأطراف، فالبعض مثلا "يريد جيشًا يمنيًا بإمكانه محاربة الحوثيين وهزيمتهم، ولكن بشرط ألا يكون قويًا كفاية، بحيث يشكل تهديدًا مستقبلًا لجيرانه ".
بالنسبة للرئيس هادي "أولويته هي البقاء في منصبه. ولهذا حين يكون الخيار بين الإصلاح المؤسساتي اللازم لهزيمة الحوثيين والتراجع أمامهم يختار الخيار الثاني دائمًا، وذلك لأن أي إصلاحٍ في القوات المسلحة وجهاز الدولة يهدّد "مستقبله".
ويقول إن أولوية المجلس الانتقالي "فصل الجنوب عن الشمال، وإذا استطاع الحوثيون إسقاط مأرب، ستلفظ الحكومة الشرعية أنفاسها الأخيرة، وهي
 العقبة الرسمية أمام مشاريع انفصال الجنوب "
يقول يونس عبدالسلام في موقع يمن للأنباء اليمني إن "الحكومة الشرعية فاقدة للحيلة، وكأن لا خيار أمامها سوى الرضوخ للضغوطات الدولية المتزايدة بمبررات الأوضاع الإنسانية".
يضيف: "لا تعاني الحكومة الشرعية سوى من هوان قياداتها السياسية والعسكرية وتراخيها في الميدان".
ويقول: "يعوّل الشارع اليمني على استفاقة مفاجئة للشرعية... بدون هذه الاستفاقة المطلوبة لن تحصد الحكومة الشرعية سوى الخيبة على الصعيدين العسكري أو السياسي".
يرى الكاتب أن "جماعة الحوثي تتجاهل كل دعوات السلام، وتتعامل معها من منطق تحصيل حاصل".
"انتصارات وهمية"
يرى سند الصيادي في موقع أنصار الله اليمني أن هناك "ضجيجا هائلا في المواقف والتصريحات الإقليمية والدولية القلقة على سقوط آخر معاقل تحالف العدوان شمال اليمن، تارةً بالتباكي حرصاً على وضعٍ إنساني زائف وَمختلق، وَتارةً بإطلاق التحذيرات المبطنة بالتهديدات العسكرية والسياسية على صنعاء".
ويشير إلى وجود "حديث عن انتصارات وهمية لأدوات العدوان"، ويقول إن الهدف هو "محاولة التشويش على الخيارات الوطنية وَكبح جماح إرادَة الحسم؛ لإطالة أمد العدوان وأدواته وَإبقائها رقماً في المعادلة".
على الجانب الآخر، يقول حسين العزي في مأرب اليمنية إن الحوثيين يزعمون أنهم على وشك حسم معركة مأرب من خلال "أراجيف وصناعة انتصارات وفبركات إعلامية زائفة" من أجل "التهرب من مطالبات المجتمع الدولي والإنساني للانقلابين بالوقف الفوري للحرب والتصعيد ضد المدنيين ومخيمات النازحين في مأرب وغيره... وفرض أمر واقع على الخارج والداخل لكسب الوقت وإطالة أمد الهجوم العسكري واستمرار خيار الحرب أطول فترة ممكنة".
وينتقد الكاتب المواقف الدولية تجاه محاولات الحوثيين السيطرة على مأرب، ويرى أن هناك "ضوءا أخضر أمريكيا بإطلاق يد الانقلابين للقتل والدمار أسوأ من قبل".
ويرى عادل الشجاع في صحيفة المشهد الدولي اليمنية أن "مأرب ستنتصر وعلى اليمنيين أن ينصروا مأرب، كل من موقعه، فانتصار مأرب هو تدمير لجدار الهلال الشيعي".
ويقول إن "أمريكا اليوم تعادي المليشيات التابعة لإيران ظاهريا ، فيما هي تدعمها في الباطن"، حيث يرى أن أمريكا تسعى إلى "تثبيت خارطة الهلال الشيعي من اليمن ".
ويرى أن ما يخطط له المبعوثان الأمريكي والبريطاني "ستسقطه مأرب...المسألة مسألة وقت والوقت في صالح مأرب لأن أمريكا تسارع الخطى لإنجاز مالم ينجز، فاصمدوا أيها اليمنيون فإن ملامح النصر تلوح ".
ويقول: "لا تزال المواقف الأمريكية كلامية مهزوزة لا تخرج عن نطاق الشجب والتنديد والاستنكار".
وتقول العرب اللندنية إن "بوادر اللّين المسجّلة أخيرا في مواقف كل من السعودية وإيران بشأن العلاقة بينهما وملامح التهدئة الملموسة في الخطاب السياسي للغريمتين الإقليميتين أحيت الأمل في إيجاد مخرج سلمي للصراع الدامي في اليمن".
ومن خلال ما سبق يمكن القول أن جماعة الحوثي
تريد الاستمرار في الحروب لعقود من الزمن، وتحطيم الرقم القياسي لحرب الإمبراطورية البيزنطية مع الأتراك السلاجقة، التي اندلعت في القرن العاشر، واستمرت 260عاما !!
في هذا الجانب فإن الأهداف الحوثية واضحة. فالجماعة تتوهم أنها تواجه حرباً كونية ومؤامرات، ليس من إسرائيل وأميركا فحسب، ولكن من معاوية بن أبي سفيان، مؤسس الدولة الأموية قبل 1400 سنة، والذي استحضره الحوثيون عند طرح المبادرة السعودية الأخيرة، بالقول إن معاوية لن ينتصر مجدداً!!؟ والسؤال الذي يطرح نفسه هو :إلى أين يريد الحوثيون الذهاب باليمن؟ وخصوصاً بعد رفض مبادرات الحل. وما هو السقف الزمني المطروح منهم لعمر الحرب؟ حتى لا يعيش الناس في أوهام السلام على الأقل، ويبدأوا بحفر قبورهم، أو الرحيل من البلد.
الجواب على مبادرات السلام عبّر عنه زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي، في خطاب الذكرى السادسة للحرب، عندما قال إنهم قادمون على العام السابع بإمكانيات عسكرية أكبر. وسبقه في ذلك رفض السفير الإيراني بصنعاء، المُدرج على قوائم الإرهاب الأميركية، حسن إيرلو، الذي اعتبر أن المبادرة السعودية "مشروع حرب دائمة". وهو بذلك يختلق المبررات الكاذبة لإغراق اليمن مع النظام الإيراني في أزماته المتفاقمة والعديدة ليس مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي فحسب بل مع المجتمع الدولي بأسره !!
وهنا نجزم أن مليشيات الحوثيين لا يمكن أن تتوقف عن الحرب، وأن إيران لا تريد السلام لليمنيين، بل الاحتفاظ باليمن كورقة لابتزاز الغرب والسعودية. تدرك جماعة "أنصار الله" أن استمرارها مرهون بإطالة أمد الحرب فقط، وأن المشهد سينقلب بشكل كلي في حال توقف النزاع، ولذلك ستواصل المناورة فقط بطرح شروط تعجيزية، حتى تُجنّب سلطنة عمان الحرج أمام المجتمع الدولي.
وبحسب تقرير لمعهد كارنيغي، فإن أولوية الحوثيين اليوم هي تحقيق المزيد من المكاسب، وليس الانخراط في صفقات تقاسم السلطة. ويبدو أن رغبة المجموعة المزعومة لصنع السلام ليست سوى خطوة تكتيكية!!
سفير إيران لدى الحوثيين
وأوضح التقرير أن الحوثيين استفادوا من تغييرات السياسة الأميركية بثلاثة طرق. 
أولاً: يمثل ما يحدث انتصاراً للحوثيين من خلال تقويض مصالح خصومهم الرئيسيين.
 ثانيًا : سيستفيد الحوثيون من الدبلوماسية المرافقة للولايات المتحدة. ويتزامن هذا مع التراجع عن تصنيف الولايات المتحدة للحوثيين كمنظمة إرهابية أجنبية، لأن ذلك كان سيعيق مهمة المبعوث الأميركي الخاص.
ثالثًا: من المرجح أن يقوم الحوثيون بتسريع وتيرة الحرب للاستفادة من حقيقة تعليق الدعم الجوي الأميركي. وسيخلق هذا حافزًا للحوثيين للتوسع في الداخل اليمني، في المناطق المتاخمة، حيث تنتشر الجماعة الآن. وهذا يشمل الساحل الغربي لليمن ومأرب والجوف وشبوة، من بين مناطق أخرى.
ومن الجدير بالذكر أنه بعد قرارات الولايات المتحدة، استأنف الحوثيون هجماتهم على محافظة مأرب، التي تستضيف أكثر من مليوني نازح داخليًا، حيث تتدهور حالة حقوق الإنسان. ومن المحتمل أن تواجه العديد من المناطق هجمات مماثلة للحوثيين في الأسابيع المقبلة.
تحديات عديدة
ويضيف التقرير أن هناك العديد من التحديات الرئيسية أمام التوصل إلى اتفاق سلام. 
 أولآ : ليس لدى الحوثيين دافع للانضمام إلى العملية السياسية وتقاسم السلطة مع الأحزاب اليمنية الأخرى، بالنظر إلى أنهم يسيطرون اليوم على معظم المناطق في شمال اليمن. بناءً على رؤيتهم للحل، يحاول الحوثيون تقديم أنفسهم على أنهم الممثلون الوحيدون للبلاد، ولا يريدون الانخراط في عملية من شأنها أن تحرمهم من دور مهيمن في الشؤون اليمنية الداخلية .
 
تيموثي ليندركينغ
ثانيا : الانقسام الذي يعاني منه خصومهم في اليمن، حيث يعملون في كثير من الأحيان لأهداف متعارضة. وقد أدى ذلك إلى إضعاف كبير للحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا، وبالتالي لم يكن لدى الحوثيين أي سبب لقبول الاتفاقيات التي وقعوا عليها في الماضي، مثل اتفاقية السلام والشراكة الوطنية في سبتمبر 2014. وقد تعزز نهج الحوثيين من خلال القناعة الأيديولوجية بضرورة إعادة تأسيس الإمامة الزيدية التي تم استبدالها من قبل الجمهورية عام 1962، وهذا يمنحهم حق حكم اليمن.
التحدي الآخر هو القدرات العسكرية المتنامية للحوثيين، والتي تجعل الجماعة أقل عرضة لتبني الحلول الوسط التي قد تنطوي عليها التسوية. وقد سمح استيلاء الحوثيين على مخزون الجيش اليمني في نهاية عام 2014 لهم بالانخراط في عمل عسكري واسع النطاق بخلاف أن إيران تزودهم بأسلحة متطورة بالتوازي مع قدرتهم على التجنيد على نطاق واسع في المناطق الواقعة تحت سيطرتهم، وهي أمور عززت التصور بأن الجماعة ليس لديها حاجة حقيقية لتسليم أي شيء.
غير مبالين بالعقوبات
هناك أيضًا مشكلة هيكلية في حركة الحوثيين وهي أنهم يعتبرون أنفسهم كيانًا عسكريًا وليس حركة سياسية. ويبدو أن الحوثيين مقتنعون بأن الأسلحة تحقق مكاسب أكبر من المفاوضات وقد يثبت توازن القوى أنهم على حق .
  
التحدي الأخير هو أن أولئك الذين يريدون دفع الحوثيين إلى محادثات السلام لديهم وسائل قليلة للضغط للقيام بذلك .
وبصفتهم كيانًا غير حكومي، فإن الحوثيين غير مبالين بالعقوبات أو الانتقادات الدولية. ويحاول المبعوث الأممي الخاص التحدث إلى المسؤولين الإيرانيين والاستفادة من نفوذهم مع الحوثيين. ومع ذلك، فإن تأثير طهران على الجماعة لا ينفصل عن مصالحها الأوسع في اليمن والمنطقة. لذلك، لا يمكن فصل ما هو مطلوب لإنهاء الصراع عن مسار المحادثات الأميركية الإيرانية إذا حدثت
وبحسب التقرير، من المهم أيضًا التأكيد على أن الجناح الإيراني في حركة الحوثيين أصبح الجناح المهيمن بشكل متزايد في السنوات الثلاث الماضية. لذلك، من شبه المؤكد أن أي حل في اليمن سيكون مرتبطاً بأجندات إيران في المنطقة. وربما ليس من المستغرب أن مهمة إقناع الحوثيين بالتخلي عن مسارهم العسكري والتفاوض على حل سياسي تذكرنا إلى حد ما بالجهود المبذولة لإقناع إيران بالتخلي عن برنامجها النووي والحوثي يدرك أن إيقاف الحرب بمثابة حكم إعدام بالنسبة للمليشيات و تدرك الجماعة أن مجدها الهش، الذي صنعته طيلة 6 سنوات من الحرب، سينهار في غمضة عين. ستفقد أدوات الحشد والتعبئة القتالية بشكل تام، وساعتها ستبدأ مرحلة تصفية الحسابات وفرز مغانم الحرب. وقد عملت سلطات الحوثيين طيلة السنوات الماضية على إرهاب المجتمع اليمني في مناطق نفوذها، وابتزاز السكان تحت ذريعة "محاربة العدوان". واعتبرت أن كل من يطالب بحقوقه أو مرتباته المنهوبة "طابور خامس". ستخسر الجماعة هذه الامتيازات إذا توقفت الحرب، ولن يظل الشعب في الطابور الخامس مدى الحياة. 
د. علوي عمر بن فريد