المشهد السوري يثير قلق طهران..
النظام الإيراني بين التحديات الإقليمية والاستراتيجيات الداخلية.. تصريحات باقري تكشف المستور
تصريحات باقري، التي عكست توجهات المرشد الأعلى علي خامنئي، حملت إشارات واضحة عن الاستراتيجيات المقبلة للنظام، مع تهديدات مبطنة وتحذيرات من سيناريوهات قد تُعيد تشكيل الخريطة السياسية في سوريا والمنطقة.
في 26 ديسمبر، ظهر محمد رضا باقري، نائب وزير الخارجية الإيراني السابق وسفير النظام في عدة دول، في برنامج تلفزيوني حكومي بعنوان "حوارات إخبارية خاصة"، حيث تناول الوضع في سوريا وكشف عن مخاوف عميقة لدى النظام الإيراني بشأن مستقبل المنطقة وتأثيراتها المحتملة.
وأقر باقري بأن الحكومة السورية لم تطلب المساعدة العسكرية من إيران خلال التطورات الأخيرة، مشيرًا إلى أن "بشار الأسد وبعض وزرائه فقدوا الثقة في إمكانية النصر". وأكد أن إيران لم تجد مبررًا للتدخل بسبب هذا "الافتقار إلى الثقة".
وهاجم باقري منظمة مجاهدي خلق الإيرانية، متهمًا إياها بنشر اليأس عبر وسائل التواصل الاجتماعي. كما انتقد المعارضة الداخلية التي تتحدث ضد استراتيجية طهران الإقليمية، مبررًا ذلك بالقول إن "النصر مضمون إذا التزمنا بمبادئ دستورنا وبتوجيهات القائد الأعلى".
وتناول باقري السيناريوهات المحتملة لمستقبل سوريا، محذرًا من احتمال ظهور شخصية متحالفة مع الغرب أو استمرار الفوضى الطويلة الأمد على غرار الوضع الليبي. وأضاف أن تقسيم سوريا سيضر بالدول المجاورة، مشيرًا إلى التحديات التي ستواجه تركيا بسبب القضية الكردية.
رغم تقليله من خطورة التداعيات الإقليمية، تضمنت تصريحات باقري تهديدات مبطنة بزيادة الإرهاب في المنطقة إذا اكتسبت الجماعات الإرهابية السلطة، محذرًا من تعرض دول مثل الأردن وتركيا والعراق للخطر.
وفي سياق متصل، دعا المرشد الأعلى علي خامنئي، في خطاب ألقاه في 22 ديسمبر، إلى انتفاضة ضد الحكومة السورية الجديدة، مؤكدًا أن "الشباب السوري ليس لديهم ما يخسرونه".
تعكس تصريحات باقري وخامنئي المخاوف المتزايدة لدى النظام الإيراني من الانتكاسات الإقليمية والضغوط الداخلية، كما تشير إلى استعداد طهران لاتخاذ خطوات خطيرة لتعزيز بقائها في المنطقة.
بعد سقوط ديكتاتورية بشار الأسد في سوريا، بذل الوليالفقیة للنظام الإيراني علي خامنئي جهودا كبيرة لاستعادة معنويات قواته المحبطة من خلال خطابات مليئة بالأكاذيب والتشويه. حاول التستر على هزائمه الاستراتيجية بتصريحات متناقضة ولا أساس لها من الصحة، بهدف تحفيز قواته.
في خطاب 11 كانون الأول/ديسمبر، أدلى خامنئي بتصريحات غير منطقية بشكل صارخ، وضرب مجازيا ميتا. وفي الوقت الذي أصبح فيه انهيار مرتزقة الأسد وتفككهم أهم الأخبار في العالم، قال: “بالتأكيد سينهض الشباب السوريين الشجعان ويقاومون ويضحون، بل ويتكبدون الخسائر، لكنهم سيتغلبون على هذا الوضع”. جاءت هذه التصريحات في الوقت الذي كان فيه الشعب السوري و”الشباب الشجعان” في شوارع مدن مختلفة يحتفلون بالإطاحة بالأسد.
وخوفا من عواقب هذه الهزيمة الاستراتيجية، أعلن خامنئي رسميا أن تسليط الضوء على الهزائم أو إحباط معنويات قوات الباسيج جريمة يعاقب عليها القانون.
لكن الحقيقة هي أنه حتى وسائل الإعلام والمحللين في النظام لم يعودوا قادرين على إخفاء هذه الهزيمة. في الأسابيع الأخيرة، أشارت العديد من وسائل الإعلام المحلية بشكل مباشر أو غير مباشر إلى انهيار جهود خامنئي التي استمرت لسنوات في سوريا. تكشف التحليلات المنشورة في هذه المنافذ عن مخاوف النظام البالغة من فقدان نفوذه الإقليمي الأخير:
وبعد تسعة أيام من المرسوم الذي يعلن إحباط معنويات قوات النظام “جريمة”، كتبت صحيفة همميهن، في 21 ديسمبر: “إن سقوط بشار الأسد ليس حدثا مهما لسوريا فحسب، بل له أيضا تداعيات في جميع أنحاء الشرق الأوسط. ومع ذلك، لا توجد دولة تشعر بعواقب هذا الحدث بقدر ما تشعر إيران. ويمثل خروج طهران المفاجئ من سوريا، التي دعمت الأسد منذ انتفاضة الربيع العربي في عام 2011، ضربة استراتيجية وعسكرية للنظام الإيراني. تم تصميم محور المقاومة الإيراني، الذي بني من خلال الاستفادة من الربيع العربي، لتزويد طهران بعمق استراتيجي ومنع الهجمات. خلال العام الماضي، عانت هذه الشبكة من ضربات كبيرة “.
في 21 ديسمبر، كتبت صحيفة ستارة صبح: “لقد تغير الملعب. الأيام الثلاثين القادمة خطيرة … تشير الأدلة والمؤشرات إلى أن خريطة الشرق الأوسط على وشك إعادة رسمها بالتنسيق بين تركيا وإسرائيل والولايات المتحدة وروسيا على حساب إيران… الحقيقة هي أن ساحة اللعب بالنسبة لإيران قد تغيرت مع وصول ترامب، وتورط بوتين في حرب أوكرانيا، وسقوط الأسد، الذي كان في السابق الفناء الخلفي لإيران. لم تعد الظروف العالمية والإقليمية في صالح إيران”.
وفي اليوم نفسه، ذكرت صحيفة “دنيای اقتصاد”: “تشير الاتجاهات الإقليمية إلى ضعف مكانة إيران الاقتصادية والسياسية. لذلك، تفتقر طهران، على عكس عقد من الزمان، إلى القدرة على العمل والتأثير خارج التطورات الإقليمية. إن التنافس الجديد بين تركيا وإسرائيل ومصر والسعودية والإمارات العربية المتحدة، والتي تتماشى أحيانا في بعض الحالات، نظرا لموقف إيران الجديد، تجعل من الصعب على بلادنا اتخاذ إجراءات دبلوماسية واقتصادية كبيرة. لاستعادة قدرة إيران على التصرف، فإن أفضل مبدأ توجيهي هو مراجعة بعض السياسات تجاه المنطقة والنظام الدولي. إذا لم تحدث هذه المراجعة واستمر الاتجاه الحالي، فقد تتكشف التطورات الرئيسية في الشرق الأوسط دون تدخل إيران”.
تكشف هذه الاعترافات المباشرة وغير المباشرة عن حقيقة يحاول خامنئي يائسة إخفاءها: فقد انكسر العمق الاستراتيجي للنظام بشكل لا يمكن إصلاحه مع سقوط نظام الأسد في سوريا.
وتردد صدى حجم الضربة التي وجهت إلى النظام بشكل كبير داخل قواته العسكرية. لقد تضاءلت شرعية خامنئي، حتى بين الموالين له، بشكل كبير، ولا يمكن لشعاراته الجوفاء التي لا معنى لها أن تعيد ما فقده. يواجه العديد من مرتزقة النظام، الذين انجروا إلى المعركة بوعود كاذبة ب “المقاومة” و”النصر”، الآن الواقع المرير المتمثل في الهزائم والتضحيات المتكررة من أجل مصالح النظام. وهذه خيبة الأمل واضحة بين قوات الباسيج وحرس النظام الإيراني وحتى دبلوماسي النظام. حتى أن الدبلوماسي الأعلى رتبة في النظام، عباس عراقجي، يأسف إن “سوريا خرجت فعليا من محور المقاومة” (المصدر: موقع دیدهبان الإيراني الإخباري، 21 ديسمبر).
وحاول خامنئي إنكار أزمات نظامه العميقة وهزائمه الاستراتيجية بخطابات مليئة بالأكاذيب والخداع. ومع ذلك، فإن الحقيقة هي أنه مع تآكل العمق الاستراتيجي للنظام، تراجعت الثقة في قيادته بشكل حاد، مما أدى إلى انشقاقات بين الموالين له وقواته.
وتظهر هذه الأزمة، التي انعكست حتى في وسائل الإعلام التابعة للنظام، أن النظام الحاكم في إيران، في ظل تراكم الأزمات والأزمات الداخلية الكبرى وامتداد الأزمات الإقليمية والدولية داخليا، يقف على شفا انفجار اجتماعي.