تحليلات

وجهة نظر أمريكية..

لماذا غزا صدام حسين الكويت؟

غزو صدام حسين للكويت في أغسطس عام 1990

صحف

الردع هو أحد أبرز المفاهيم في النظام الدولي. فهو يجعل الحكومات صادقة، ويقنع القادة المارقين (لكن العاقلين) بالامتناع عن التهور، ويجعل العالم أكثر استقرارًا عبر منع حدوث حرب بين القوى العظمى. لولا الردع، لكان التنافس النووي بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي أكثر سوءًا.

لكن هناك حالات في التاريخ فشل فيها الردع في إقناع دولة بعدم غزو دولة جارة. في واحد من أكثر التقارير تعمّقًا بشأن هذا الموضوع، بحثت مؤسسة "راند" السبب الذي يجعل الردع بلا جدوى أحيانًا، والسبب الذي يدفع بعض القادة للانخراط في سلوك يبدو بعد إمعان النظر فيه بأنه كان غير عقلاني.

واحدة من أكثر دراسات الحالة إثارة للاهتمام التي جرى التحقيق فيها، هي غزو صدام حسين للكويت في أغسطس عام 1990، وما تلا ذلك من احتلال للكويت. لماذا قرر صدام غزو جارته الأصغر حجمًا، بالرغم من مواجهته عقبات مستعصية متمثلة في الجيش الأمريكي الذي يعد أكثر قوة وتقدمًا من الناحية التكنولوجية مقارنة بجيش بلده؟

1- تخبط إدارة بوش
بعد عام من وقف إطلاق النار الذي أنهى الحرب الإيرانية - العراقية، تمحورت السياسة الأمريكية تجاه العراق حول تطبيع العلاقات مع بغداد والتأكد من أن الشركات الأمريكية سيمكنها الوصول للسوق العراقية أثناء عملية إعادة الإعمار في العراق في مرحلة ما بعد الحرب. كان الرئيس جورج بوش الأب يدرك أن صدام حسين كان ديكتاتورًا متوحشًا لديه تاريخ من القرارات السيئة، لكن البيت الأبيض ظل يأمل بقدرته على ترويض السلوك القبيح لذلك الديكتاتور، وربما تشجيع نظامه لأن يكون أكثر قابلية للتنبؤ به. كما اعتقدت الإدارة أيضًا بأن صدام كان مهتمًا أكثر بإعادة إعمار بلده بعد ثماني سنوات من الحرب مع إيران، بدلاً من شنّ غزو آخر- وهو اعتقاد سيتضح أنه ساذج بمجرد اختراق الدبابات العراقية للحدود الكويتية -العراقية.

2- رسائل مزدوجة
وفقًا لدراسة مؤسسة "راند": "لم تصدر الولايات المتحدة تحذيرات قوية وواضحة لصدام بشأن التكلفة التي سيتكبدها في حال غزا الكويت". إن التحديات الصادرة من إدارة بوش كانت مُربكة ومتناقضة أحيانًا. وفيما ذكّرت وزارة الخارجية الأمريكية صدام بأن الولايات المتحدة ملتزمة تمامًا بالإبقاء على مضيق هرمز مفتوحًا أمام ناقلات النفط، وبالدفاع عن حلفائها في الخليج، بذلت واشنطن أيضًا جهدًا لطمأنة صدام بأن القوات العسكرية الأمريكية المنتشرة في المنطقة ليست مجبرة تحديدًا لحماية الكويت من غزو عراقي محتمل. أرسل الرئيس جورج بوش خطابًا لصدام في الثامن والعشرين من يوليو –قبل خمسة أيام من الغزو- قال فيه إنه بالرغم من قلق الولايات المتحدة من موقف العراق الحالي، بيد أن واشنطن تأمل في معالجة هذه الاختلافات "بروح صادقة وصريحة". وفي ذات اليوم، أخبرت السفيرة الأمريكية في العراق "أبريل جلاسبي" صدام بأن الولايات المتحدة لا تتبنى موقفًا بشأن النزعات الحدودية العربية، باعثة رسالة ضمنية للديكتاتور العراقي بشأن حيادية الولايات المتحدة.

تشير الدراسة إلى أن كل هذا ربما جعل صدام يطمئن بأنه يستطيع غزو جارته الصغيرة والإفلات من العقاب - أو على أقل تقدير يغزو الكويت من دون انتقام أمريكي هائل ضده. في الواقع، بعد مرور شهر على حرب الخليج، اتفق وزير الخارجية الأمريكي "جيمس بيكر" مع الرأي القائل بأن استخدام الولايات المتحدة خطابًا أقوى كان يمكن أن يوقف الغزو.

3- تجاهل تقارير الاستخبارات الأمريكية
في تقارير عديدة جرى توزيعها على صنّاع القرار خلال إدارة ريغن وبوش، قدّر محللو الاستخبارات أن صدام حسين ينخرط غالبًا في سلوك عالي المخاطر ومن المرجّح أنه اعتبر حقول النفط في الكويت هدفًا رئيسيًا مناسبًا. وقبل الغزو العراقي بأسبوع تقريبًا، توقع ضابط الاستخبارات في وكالة السي آي آيه "تشارلز ألين" أن حشد القوات العراقية كان مقدمة لهجوم عراقي. لكن إدارة بوش كانت تتبنى وجهة نظر مختلفة، مفادها أن بغداد لم تكن تستعد لشنّ غزو، لكنها تتظاهر بذلك لإخافة الكويت ودفعها لتقديم تنازلات.

4- صدام حسين وجنون الارتياب
بينما كانت واشنطن وبغداد منخرطتين في تحالف قائم على المصلحة أثناء الحرب الإيرانية العراقية، ذكرت التقارير أن صدام كان مستاءً للغاية عندما تفجرت فضيحة "إيران - كونترا". إذ كانت الولايات المتحدة، الحليف المفترض للعراق، تبيع صواريخ "تاو" لأعدائه في خضم صراع وجود. إن الأخبار بشأن وجود قنوات اتصال أمريكية - إيرانية سرية أثناء الحرب، غيّر فهم صدام لنوايا واشنطن، وجعله يخلص إلى أن الولايات المتحدة قوة مخادعة. تلفت الدراسة إلى أنه "بحلول عام 1990، ربما فسّر صدام كل جهود إدارة بوش لتحسين العلاقات باعتبارها خطابًا فارغًا، وبالتالي فإنه حلل كل الأفعال الأمريكية عبر منظوره الذي يسيطر عليه الارتياب".

من وجهة نظر صدام، كانت الولايات المتحدة ثعبانًا يسعى للإطاحة بنظامه. لو كانت سياسة واشنطن هي تغيير النظام، فمن الأفضل لبغداد نقل المعركة للكويت، بدلاً من البقاء مقيّدة الحركة، وعلى الأقل صدام سيملك حينها نفوذًا أكبر عندما يأتي الأمر المحتوم.

5 - صدام أخطأ في حساب رد الفعل الأمريكي
بينما توقع صدام درجة من الرد العسكري الأمريكي في حال احتلاله جارته الكويت، بيد أنه أساء تفسير الجهد الذي ستبذله واشنطن لطرد جيشه خارج الكويت. مستخدمين حرب فيتنام والانسحاب الأمريكي من لبنان عام 1984كدليل، وصف مسؤولون في القيادة العراقية صدام بأنه رجل يشكك في صبر الشعب الأمريكي وإرادته تجاه أي حملة عسكرية أمريكية طويلة ودموية. لقد بالغ صدام في تقدير قوة الجيش العراقي، واستخف كثيرًا باستعداد بوش لدعم "الخط المرسوم على الرمال" عبر عملية عسكرية متعددة الجنسيات كبيرة.

إن الدراسة الخاصة بحرب العراق - الكويت مفيدة لمسؤولي السياسة الخارجية الأمريكيين. لو أرادت واشنطن نجاح الردع في المستقبل، سيتعيّن عليها أن تكون واضحة تمامًا بشأن ما يمكن التسامح معه، ونوع السلوك الذي يستوجب ردًا. هناك أمر آخر لا يقل أهمية في هذه المعادلة يتمثل في ضرورة تبنّي الحكومة الأمريكية بأكملها لموقف واحد وموحّد، بالإضافة إلى فتح خطوط اتصال مع الخصم المحتمل لإعلامه بشأن المدى الذي يمكن أن تذهب إليه واشنطن في حال تجاوز الخطوط الحمراء. لو لم يقتنع الخصم بأن الولايات المتحدة ستردّ، فمن المرجّح أن الردع قد فشل وأن هناك حربًا جديدة ستبدأ.

صحف فرنسية: برلمانيون يدعون لحلول جذرية تجاه إيران بعيداً عن الحرب والمساومة


كيف ساهمت بطولة الرئيس الكوري في تأهل العراق إلى مونديال 1986؟


صوت الخبز أعلى من الرصاص.. هل يسقط النظام الإيراني من الداخل؟


من مانشستر إلى شفيلد.. الطفلة العدنية منة ووالدها خالد جرجرة يجسدان رسالة إنسانية على دراجتيهما