الاقتصاد
دراسة بحثية
السعودية: كيف يطفو الفقر على سطح النفط؟
يقدر الناتج القومي الإجمالي للسعودية بنحو 653.2 مليار دولار وهو ما يجعل السعودية تأتي في المركز العشرين في قائمة الاقتصادات الأكبر على مستوى العالم. ويجعلها بلا شك؛ تتربع على عرش قائمة الدول العربية الأكثر ثراءًا. مصدر الثروة السعودية الأساسي هو النفط الذي يمثل 73% من الإيرادات الحكومية ثم تأتي بعد ذلك عدة مصادر إيراداتها صغيرة جدًا بالمقارنة بهذا المصدر الأخير مثل الرسوم الجمركية، أو عائدات موسم الحج التي لا تتعدى نسبتها 0.5% من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي.
وتشير التقارير الرسمية المنشورة على موقع وزارة الطاقة والصناعة والثروة المعدنية السعودية إلى أن احتياطي النفط في المملكة قد بلغ حوالي مليار برميل بينما تخطى انتاج السعودية من البترول حاجز ال10 مليون برميل في اليوم. وخلال العام 2015 صدَرت السعودية حوالي سبعة ملايين برميل بترول يوميًا. وهو ما يعني أن المملكة تحتل المرتبة الثانية في قائمة الدول الأعلى من حيث احتياطات النفط متراجعة لمصلحة فنزويلا. وتتصدر المملكة قائمة المصدرين العالمية. ورغم انخفاض سعر برميل البترول كثيرًا في الآونة الأخيرة إلا أن ذلك لم يغير من كون السعودية الرابح الأكبر من البترول، حيث أن تكلفة انتاج النفط السعودي هي الأرخص على الاطلاق. كل ذلك ساهم في بلوغ نصيب الفرد من الناتج القومي الإجمالي 53,600 دولار ووصول متوسط الدخل السعودي إلى 23,5500 دولار لكل فرد سنويًأ.
حقيقة الفقر في السعودية
إن غنى دولة وارتفاع متوسط الدخل فيها لا يعني بالضرورة غنى جميع سكانها، فلا الناتج المحلي الإجمالي ولا الإيرادات المحلية يتم توزيعها على السكان بالتساوي، ومتوسط الدخل ما هو إلا مجموع الدخول مقسومًا على مجموع السكان. كمثال للتبسيط، إذا تخيلنا مجموعة مكونة من 100 شخص، عشرة فقط من هذه المجموعة أغنياء دخل كل واحد فيهم مثلًا 50 مليون دولار في السنة، بينما التسعين المتبقين دخل كل واحد منهم يساوي 500 دولار فقط. متوسط دخل هذه المجموعة يتعدى 25 مليون دولار سنويًا رغم أن 90% منها يعيشون تحت خط الفقر. فحساب متوسط الدخل لتلك المجموعة سيكون كالتالي: 50 مليون وهو دخل واحد من الأغنياء مضروبًا في عددهم وهم عشرة، ثم نضيف على ذلك 500 دولار وهو دخل أحد الفقراء مضروبًا في عددهم وهم 90، ثم نقسم مجموع كل ذلك على 100 وهو اجمالي عدد المجموعة. تلك الآلية “الماكرة” هي نفسها التي يستخدمها اقتصاديو بعض الدول لاخفاء نسب الفقر في دولهم المتمتعة بعدد قليل من الأغنياء بثراء فاحش.
وتضع قائمة مجلة فوربس 13 سعودياً في قائمة أغنى أغنياء العالم. زد على ذلك وجود طبقة متوسطة عريضة في المملكة السعودية تحول دون الإحساس بالفقراء. بالطبع لم يكن وجود أغنياء في دولة ما عيبًا في إدارتها ولا عيبًا في أثريائها لكن يكمن العيب في امتزاج الغنى الفاحش مع الفقر المدقع. فلا شك أن كثير من هؤلاء الأغنياء لهم باع طويل في الأعمال الخيرية، لكن يبدو أن جهودهم لم تكن كافية.
في عام 2013 يُقدر كتاب “حقيقة العالم” الذي تنشره وكالة الإستخبارات الأمريكية كل عام أن نسبة السكان الذين يعيشون تحت خط الفقر بلغت 12.5% من إجمالي سكان السعودية. ظهرت حينها منصات إعلامية تدافع عن اقتصاد السعودية من خلال مقارنته باقتصاديات تعاني من نسب فقر أعلى، وتصاعدت في جهة أخرى دعاوى تحذر من هشاشة الاقتصاد السعودي المعتمد على النفط والذي لا يأخذ في اعتباره الفقراء.
الشفافية والاعتراف بوجود الفقر أهم سبل القضاء عليه
الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز آل سعودي كان قد أقر بنفسه بمشكلة الفقر بين السعوديين بنزوله لتفقد أحوال بعض ممن يعيشون في بيوت لا تتخيل وجودها في مملكة النفط. فانتشرت حينها العديد من الصور تظهر الجانب المظلم من السعودية حيث المساكن العشوائية وساكني العشش والبيوت المصنوعة من الصفيح.
بدأ الملك الراحل برنامج واسع لمكافحة الفقر بين السعوديين متجاهلًا البدون وكذلك السكان الوافدين الذين خسروا كثيرًا من سياسات سعودة الوظائف التي طبقت في المملكة. اليوم تخصص السعودية مبالغ طائلة لمحاربة الفقر والنهوض بالتكافل الاجتماعي فالإعانات في السعودية تصرف بسخاء خصوصا لمن هم في خانة المعوقين أو الأيتام أو لمن في حكمهم. فمقدار الإعانة يبلغ وفقا للبيانات المنشورة على موقع وزارة العمل والتنمية الاجتماعية السعودية 2000 ريال شهريًا للطفل اليتيم دون السادسة و3000 ريال للطفل اليتيم فوق السادسة. هناك كذلك على سبيل المثال إعانة قدرها 60 ألف ريال تصرف كمساعدة لفتيات دور التربية الاجتماعية وقت الزواج سواء كان هذا الزواج وقت تواجد الفتاة بالدار أو بعد تخرجها. أما بالنسبة للبطالة فخلال خطة سعودة الوظائف قام صندوق تنمية الموارد البشرية السعودي بإطلاق برنامج الدعم الإضافي للأجور بهدف توظيف المواطنين السعوديين في وظائف القطاع الخاص. بموجب هذا البرنامج يساهم الصندوق بعد توفر شروط معينة بنصف راتب السعودي في الوظيفة الخاصة بحد أقصى يصل إلى 4000 ريال سعودي شهريًا لمدة تصل إلى 4 سنوات. هذا بالإضافة إلى إعانات البطالة الشهرية التي يحصل عليها المواطن السعودي الباحث عن عمل.
المعلومات الرسمية المتاحة حول مشكلة الفقر في السعودية قليلة خصوصاً بعد أزمة انهيار سعر النفط وتأثيرها المباشر على الاقتصاد السعودي. حتى اليوم لم تنشر السعودية أية أرقام حقيقية حول مشكلة الفقر بل أن حتى كتاب “حقيقة العالم” الأمريكي عدل عن نشر أرقام سكان السعودية ممن يعيشون تحت خط الفقر مكتفيًا بوضع NA في تلك الخانة وهو ما يعني أن الإحصائيات غير متاحة. لكن المتاح من المعلومات المنشورة أن 77% من الزيادة في إنفاق المملكة هذه السنة البالغة 13% عن السنة الماضية ستكون من نصيب بند صرف رواتب إضافية لموظفي الدولة السعوديين المدنيين والعسكريين والمستفيدين من الضمان الاجتماعي والمتقاعدين.