تقارير وتحليلات
إغلاق الملف من قِبَل دول عظمى والرباعية الدولية..
هل ستفرض الضغوط الدولية الاستقرار في اليمن قبل نهاية العام؟
قال رئيس الجمعية الوطنية للمجلس الانتقالي الجنوبي باليمن اللواء أحمد بن بريك، إنه سيتم حسم القضية اليمنية نهاية هذا العام. جاء ذلك في مقابلة أُجريت معه مؤخرًا عبر موقع “إرم نيوز“. على الرغم من أن ابن بريك لم يذهب إلى أبعد من ذلك، ورغم أنها ليست المرة الأولى التي يسمع فيها الجنوبيون في اليمن مثل هذا التصريح؛ فإن تصريح ابن بريك أصبح ذا تأثير أكبر في هذا التوقيت؛ حيث تمر جميع أطراف الصراع في اليمن، بما في ذلك المجلس الانتقالي الجنوبي، بأوقات عصيبة.
شهدت الأشهر الأخيرة من الصراع في اليمن منعطفات خطيرة بالنسبة إلى جميع الأطراف. بالنسبة إلى الحوثيين، تزايدت هجماتهم ضد السعودية باستخدام الطائرات غير المأهولة. ادَّعى الحوثيون مؤخرًا مسؤوليتهم عن الهجوم على شركة “أرامكو” السعودية الأخير. على الرغم من الشكوك الكبيرة في احتمالية انطلاق الطائرات أو الصواريخ من الأراضي اليمنية؛ فإن التنسيق العالي بين الحوثيين وإيران يُنذر بالخطر المتزايد، كما يمكن أن يعرِّض الحوثيين إلى عواقب وخيمة، بالذات في الحديدة.
أما المجلس الانتقالي الجنوبي فقد دخل في مواجهة مسلحة مع الحكومة الشرعية اليمنية إثر الهجمات الإرهابية وهجمات الحوثيين، مطلع أغسطس الماضي، في عدن وأبين. وقف حزب الإصلاح إلى جانب الحكومة في هجومها المضاد مستعينًا بعناصر من تنظيم القاعدة. على الرغم من أن هجوم الحكومة المضاد أكسبها موضع اليد العُليا؛ فإنه جعل علاقاتها المشبوهة مع “الإصلاح” والتنظيمات الإرهابية أكثر وضوحًا للجميع، وفي الوقت نفسه أكسب المجلس الانتقالي الجنوبي المزيد من الشعبية.
تتزامن تلك الأحداث مع توجّه الوضع في حضرموت، المحافظة الغنية بالنفط جنوب اليمن، نحو الاحتقان؛ وذلك بسبب عدم تلقِّي الآلاف من جنود النخبة الحضرمية بالمنطقة العسكرية الثانية رواتبهم من الحكومة الشرعية منذ أشهر، وتزايد المطالبات الشعبية بوقف تصدير النفط؛ حتى يتم تحسين الخدمات العامة. تمّ وقف تصدير النفط فعليًّا من ميناء الضبة بالشحر قبل أيام؛ لكن لم يصدر أي رد فعل رسمي من الحكومة حتى اللحظة.
وعلى الرغم من أن تداعيات وقف تصدير النفط لا تزال ضبابية؛ فإن القرار لاقى ارتياحًا كبيرًا بين الأهالي. من ناحية أخرى، وبناءً على المواجهات الأخيرة بين الحكومة والمجلس الانتقالي، فإن هناك مخاوف، حسب مراقبين مطلعين، من أن تتوجه قوات الحكومة الشرعية إلى حضرموت؛ لإحكام سيطرتها على منابع النفط ومنافذ تصديرها في حضرموت. كما أن هناك مخاوف من أن تستولي قوات هادي على، أو حتى تبيع، كل الإمكانات العسكرية التي تم تسليمها إلى قوات النخبة الحضرمية من قِبَل التحالف العربي؛ بالذات الإمارات العربية المتحدة.
يرى المراقبون أيضًا أن مشكلة عدم انتظام الرواتب قد تؤدي إلى قلب الولاءات، كما حدث في شبوة. كما قد تدفع ببعض عناصر النخبة إلى نهب المعدات العسكرية والأسلحة؛ للاحتفاظ بها أو حتى بيعها. من شأن هذه الاحتمالات أن تؤدي إلى تحطيم فعالية جهود مكافحة الإرهاب وزعزعة الاستقرار المحلي.
في ظل كل هذه التغيُّرات المتسارعة يصبح استمرار الصراع في اليمن أكثر تدميرًا وتهديدًا للبلاد والمنطقة. ويصبح “إغلاق” ملف اليمن، كما سماه ابن بريك، أكثر إلحاحًا. لم يُشر ابن بريك إلى نوع التسوية التي سيتم التوصل إليها؛ لكنه أبدى قلقه من أن يتم “فرض الوحدة على دول التحالف”. يوحي هذا القلق بوجود مساحة واسعة للحوار لدى المجلس الانتقالي الجنوبي للوصول إلى أفضل الحلول الممكنة.
يرى مجموعة من الخبراء أن أية تسوية تفاوضية ناجحة في اليمن يجب أن تتضمن ترتيبًا لتقاسم السلطة يمنح جميع الفصائل سلطة سياسية وفوائد اقتصادية؛ بما يتناسب مع وزنها الديموغرافي تقريبًا. كما يرى البروفيسور في الشؤون الخارجية ستيفن داي، أن اتحادًا كونفيدراليًّا مرنًا مكوَّنًا من دولتَين أو أكثر هو النتيجة الأفضل والأكثر احتمالًا لليمنيين.
أحمد بن بريك لم يُشير أيضًا إلى الدور المُحتمل للحكومة الشرعية في تلك التسويات، واكتفى بالقول إن أحد السفراء في السعودية (لم يسمِّه ابن بريك) أبلغ القيادات في حزب الإصلاح والمجلس الانتقالي الجنوبي بأنه سيتم “إغلاق الملف باتفاق قرارات من قِبَل دول عظمى والرباعية الدولية المشكلّة لأحداث اليمن”.
أمثلة من سياسات بعض الدول في حرب اليمن
تمتلك بعض الدول العظمى، كروسيا والولايات المتحدة، توجهات مختلفة في ما يتعلق بالحرب في اليمن. كما تمتلك الصين أيضًا توجهاتها الخاصة بها. اللجنة الرباعية حول اليمن، لديها أيضًا سياسات متباينة. تعني هذه التباينات تعقيدات أكثر، إلا أنه من الواضح بما فيه الكفاية أنها متفقة بوجوب فرض الاستقرار في البلاد؛ لذلك فإن اتفاقها على كيفية تطبيق هذا المبدأ على الأرض يُعد إنجازًا مُبّشرًا بحق، ويؤكد أيضًا عمق العلاقات الاستراتيجية بين هذه الدول. بالطبع، لا يعني ذلك بالضرورة اتفاق الجميع على منح الاستقلال للجنوبيين.
ربما تعتبر السياسات المتباينة لكل من الإمارات والسعودية هي الأكثر وضوحًا؛ حيث تدعم الإمارات بشكل أقوى المجلس الانتقالي الجنوبي، بينما يحظى الرئيس هادي بدعم أكبر من السعودية. إن سِجل نائب الرئيس، علي محسن، يجعل منه غير مُستساغ لدى الإمارات والولايات المتحدة؛ وذلك بسبب علاقاته بحزب الإصلاح (الإخوان المسلمين في اليمن) والتنظيمات الإرهابية. ومع ذلك، وَفقًا لمنظمة “جيمس تاون”، فقد استوعب كلٌّ من الرياض والرئيس هادي الجنرالَ علي محسن الأحمر عندما أدركا أنهما غير مهيئين لمواجهة الحوثيين دون مزيد من الدعم العسكري والسياسي والقبلي. تشكّل علاقة السعودية بالأحمر ضغطًا كبيرًا على المملكة، إلا أن بعض المراقبين يعتقدون أن علي محسن الأحمر هو الأمل الأخير لبقاء حزب الإصلاح في اليمن. يؤمن آخرون بأن الولايات المتحدة سوف تتفادى مشكلة السماح للأحمر بلعب دور أكبر في مستقبل اليمن قبل حدوثها.
من جانب آخر، اعتادت واشنطن على أن تنظر بحماسة أقل، وربما بعدائية، إلى أي نوع من المحاولات الانفصالية؛ لذلك من الصعب التكهُّن باستعداد واشنطن المُطلق لدعم استقلال جنوب اليمن، ومع ذلك تتشارك الولايات المتحدة مع الإمارات جهود مكافحة الإرهاب في جنوب اليمن، وتُعد هذه المشاركة ذات أولوية لواشنطن إلى جانب أولوية دعم حليفتها السعودية، التي تتعرض إلى مزيد من التهديدات الحوثية والإيرانية.
أما بالنسبة إلى الجانب الروسي، فقد التزمت موسكو بسياسة عدم الانحياز في حرب اليمن؛ فخلال الفترة الماضية -مثلًا- التقى المسؤولون الروس رئيسَ الوزراء اليمني معين عبد الملك سعيد، وممثلي المجلس السياسي الأعلى للحوثيين؛ لمناقشة حل الحرب الأهلية اليمنية. كما زار رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي عيدروس الزبيدي، روسيا بدعوة من وزارة الخارجية الروسية. وفي العام الماضي، قال السفير الروسي في اليمن فلاديمير ديدوشكين، إن جنوب اليمن هو منطقة مهمة في البلاد يجب تمثيلها كما يجب في تسوية سلمية محتملة.
وعلى الرغم من أن هذه الإيماءات الروسية لا تعني بالضرورة دعمها لاستقلال جنوب اليمن كامل السيادة؛ فإنها تعطي كثيرًا من الآمال للقيادات في المجلس الانتقالي الجنوبي، وفي الوقت نفسه تعطي روسيا مرونة أكبر لإنهاء الحرب في اليمن من خلال فتح قنوات حوار مع الجميع؛ بما في ذلك السعودية وإيران. جدير بالذكر أن روسيا تسعى لإنشاء قاعدة عسكرية بحرية في جنوب اليمن؛ لذلك فإن استقرار البلاد يُعد فرصة لتوسيع نفوذ موسكو في منطقة ذات أهمية جيوسياسية متنامية.
أما الصين، فعلى الرغم من هامشية دورها في حرب اليمن؛ فإن ذلك الدور مرتبط بمصالح الصين الأمنية والاقتصادية مع السعودية. على سبيل المثال، تبيع الصين للسعودية تكنولوجيا أسلحة التسلل (stealth weaponry technology)، والطائرات دون طيار. يرى بعض المراقبين أيضًا أن إنهاء الحرب في اليمن وتحقيق الاستقرار فيها سيُبرز القوة العسكرية الصينية في الشرق الأوسط، والمتمركزة في قاعدة الصين البحرية الجديدة في جيبوتي.
من جانب آخر، تعتبر الصين أحد أكبر الشركاء التجاريين لليمن، كما يعتبر موقع اليمن مهمًّا للصين في ما يتعلق بمشروعها التجاري الضخم المعروف بمبادرة “حزام واحد طريق واحد“. وبالإضافة إلى كل ذلك، من المرجَّح أن تشارك الاستثمارات الصينية وشركات المقاولات الصينية بشكل كبير في مرحلة ما بعد الحرب؛ وذلك بسبب انخراط الصين منذ سنوات في مشروعات التنمية والبناء في اليمن. بشكل عام، من المرجَّح أن تدعم الصين النهج السعودي والفصيل الذي يمكنه فرض الاستقرار في اليمن.
إن الاختيار بين الحرب والتعايش السلمي هو اختيار صعب، فلكل مخاطره، كما يقول جوزيف فرانكل. لقد تعرض اليمنيون بشكل عام إلى أكثر من نصيبهم العادل من العناء، كما أنه من الصعب إنكار جهود اليمنيين، بالذات في الجنوب، لبناء مستقبل لائق لأنفسهم وعائلاتهم بعيدًا عن نزاع أهلي مدمر. من الناحية التاريخية، كانت الحروب الأهلية المماثلة لحرب اليمن تنتهي إمّا بفوز طرف واحد بانتصار عسكري حاسم وإما بتدخل طرف ثالث للتفاوض حول تسوية بين الفصائل المتحاربة. ويبدو أن أحمد بن بريك متفائل بتدخل طرف ثالث بقوة وحزم لـ”إغلاق ملف اليمن” خلال شهرَين.
Qposts