تقارير وتحليلات
كركوك كان السبب في هجمات واشنطن..
خبراء: هذا سيناريو المواجهة الإيرانية - الأمريكية بالعراق
اقتحم متظاهرون عراقيون حرم السفارة الأمريكية ببغداد في وقت جرى فيه إجلاء السفير الأمريكي وموظفين آخرين من مقر السفارة قبل اقتحام حرم السفارة بوقت قصير، وقامت قوات أمريكية بإطلاق قنابل مسيلة للدموع لتفريق المتظاهرين المنتمين إلى جماعات عراقية مسلحة مدعومة من إيران.
وتجمع مقاتلو الجماعات المسلحة مع محتجين أمام البوابة الرئيسية لمجمع السفارة للتنديد بالضربات الجوية على قواعد تابعة للجماعات المدعومة من إيران، فيما ارتدى المحتجون الزي الرسمي لقوات الحشد الشعبي وأعلنوا اعتصامهم أمام مقر السفارة مطالبين بطرد السفير وإغلاق السفارة.
يأتي ذلك في وقت، هددت الولايات المتحدة باتخاذ إجراءات إضافية رادعة لإيران والميليشيات المسلحة الموالية لها، بعد ساعات فقط من غارات أمريكية وصفت بالدقيقة في العراق وسوريا، أسفرت عن مقتل 25 شخصًا وإصابة نحو 40 آخرين، في أعقاب استهداف قاعدة عسكرية تستضيف جنودًا أمريكيين بأربعة صواريخ.
وأكد وزير الدفاع الأمريكي مارك إسبر، أن الضربات ضد قواعد ميليشيا كتائب “حزب الله” العراقي الموالي لإيران، كانت ناجحة، في وقت لم يُستبعد فيه اتخاذ أية خطوات أخرى إذ ما لزم الأمر ذلك؛ من أجل الدفاع عن النفس وردع الميليشيات، لمنع ارتكاب أعمال معادية. بينما تحدث وزير الخارجية مايك بومبيو، عن أن القرار اتخذ بتنفيذ الغارات؛ نظرًا لأن الأرواح الأمريكية في خطر، مشيرًا إلى أن القرار يتناسب مع المواقف المتشددة للرئيس ترامب تجاه إيران.
الباحث الأمريكي المختص بالشأن العراقي جويل وينج، أكد في تعليق لـ”كيوبوست”، أن الولايات المتحدة واجهت سلسلة من الهجمات المتزايدة تقوم بها الجماعات الموالية لإيران ضد القواعد والتجمعات التي تضم أفرادًا أمريكيين بالعراق، وسبق أن قام وزير الخارجية الأمريكية بالتحذير بأنه سيتم الرد إذا استمر هذا الأمر، كما طلب من الحكومة العراقية محاولة السيطرة على هذه الأطراف.
الباحث الأمريكي جويل وينج
وأكد وينج أن الهجوم على القاعدة الأمريكية في كركوك كان الدافع الرئيسي للضربات الجوية الأمريكية التي استهدفت قواعد كتائب “حزب الله” بسوريا والعراق، مشيرًا إلى أن هجوم كركوك لم يكن الأول؛ ولكن عام 2019 شهد 18 حادثًا مماثلًا استهدفت من خلاله الجماعات الموالية لإيران المصالح الأمريكية بالعراق، ومن ثَمَّ يمكن التأكيد أن هناك مواجهة غير مباشرة مستمرة حتى بعد الغارات الجوية.
وأضاف الباحث الأمريكي المختص بالشأن العراقي أن هذا الأمر قد يتصاعد، لكن ليس بالضرورة أن يتم على الفور؛ نظرًا للخسائر الكبيرة التي تكبدتها كتائب “حزب الله”، لافتًا إلى أن الأحداث في العراق هي جزء من المواجهة الكبرى بين الولايات المتحدة وإيران، والتي بدأت مع انسحاب إدارة ترامب من الاتفاق النووي مع إيران؛ خصوصًا أن سياسة الضغط القصوى لم تكن فعالة إلى حد كبير.
واعتبر وينج أن هذه المواجهة غير المباشرة بالعراق قد تؤدي على الأرجح إلى تخفيف عدد القوات الأمريكية الموجودة في العراق؛ لحمايتها من الأضرار التي يمكن أن تتعرض إليها، خصوصًا أن تراجع عدد القوات الموجودة في العراق مطلب من الأحزاب السياسية العراقية؛ وهو أمر قد يتم بالفعل خلال الشهور المقبلة، لكنه قد يتأخر بسبب تأخُّر اختيار رئيس وزراء جديد.
وتابع الباحث الأمريكي المختص بالشأن العراقي بأنه قد لا يكون هناك رد إيراني في العراق على الفور؛ خصوصًا أن إيران عندما تتحرك ليس بالضرورة في العراق فقط، فهي تقوم بالتصعيد؛ لكنْ لديها حدود في هذا التصعيد ونقطة لا تقوم بتجاوزها، فمثلًا لم تستمر في مهاجمة منشآت النفط السعودية؛ لكن علينا أن ننتظر ونرى ما سيحدث في المستقبل.
مدير برنامج الأمن الإقليمي في مركز صنع السياسات للدراسات الدولية والاستراتيجية بالعراق فراس إلياس، أكد أن كتائب “حزب الله” العراقي، هي إحدى الفصائل المسلحة التي أصبحت بارزة على السطح بشكل كبير؛ بسبب عمق تأثيرها الأمني واتساع رقعة انتشارها، خصوصًا في مرحلة ما بعد تنظيم داعش، مشيرًا إلى أن الكتائب قامت بتحويل بعض المناطق؛ مثل جرف الصخر والقائم، لتكون مناطق نفوذ خاضعة لها لا يمكن للدولة أن تتجاوزها.
فراس الياس
وأضاف إلياس، في تعليق لـ”كيوبوست” أن الكتائب تمتلك أسلحة ثقيلة وصواريخ قصيرة ومتوسطة المدى، بجانب طائرات مسيرة، وغالبيتها إيرانية الصنع، بينما تذهب التقديرات إلى تحديد عدد مقاتليها، ليتراوح بين 12 و13 ألف مقاتل، مشيرًا إلى أن مرجعية الحزب وَفق نظامه الداخلي تكشف عن كونه يقدم نفسه كجزء من نظام “ولاية الفقيه”، على غرار الحرس الثوري الإيراني؛ فهو يرتبط عقائديًّا بالحرس الثوري، وإداريًّا وماليًّا بالحشد الشعبي، ومن ثَمَّ أصبح إحدى الأذرع الإيرانية في العراق في ظل تحركات يسعى من خلالها ليكون كيانًا موازيًا للدول.
وأكد مدير برنامج الأمن الإقليمي في مركز صنع السياسات للدراسات الدولية والاستراتيجية بالعراق أن ما حدث قد يكون بداية لتصعيد خطير في إطار المواجهة غير المباشرة بين إيران والولايات المتحدة، والتي قد لا يكون العراق فقط ساحتها؛ ولكن أيضًا سوريا واليمن ولبنان، وربما مواقع أخرى في ظل القدرة الإيرانية على تحريك أذرعها في أكثر من موقع في نفس التوقيت، لافتًا إلى أن بيان الحزب بعد الغارة الأمريكية باعتباره جميع مواقع القوات الأمريكية أصبحت هدفًا للمقاتلين يفتح الباب أمام ثلاث مناطق حصرًا يمكن للمقاتلين التحرك فيها.
وتابع إلياس بأن هذه المناط تنحصر في بعض المواقع داخل العراق؛ من بينها قاعدة عين الأسد والسفارة الأمريكية وأماكن وجود القوات الأمريكية بالعراق، بالإضافة إلى القوات الموجودة في سوريا بالقرب من الحدود العراقية، وأخيرًا المصالح الأمريكية في المنطقتَين الشرقية أو الشمالية بالسعودية، باعتبار أن مقاتلي الحزب موجودون على مناطق واسعة بالقرب من الحدود العراقية- السعودية.
اللواء عماد علو
مستشار المركز الأوروبي العربي لبحوث مكافحة الإرهاب د.عماد علو، اعتبر أن ما حدث هو بداية لمرحلة جديدة من المواجهة وتصفية الحسابات بين واشنطن وطهران في صراعهما على النفوذ في العراق، مشددًا على أن الغارات سيكون لها تداعيات سلبية على الأمن والاستقرار في العراق.
وأضاف علو أن الغارات الأمريكية ستضع الحكومة العراقية في موقف حرج؛ خصوصًا في ظل الأزمات التي تواجهها في الوقت الحالي والتظاهرات الشعبية العارمة ضدها، لتضاف إليها أزمة جديدة.