الأدب والفن

رواية..

أوقات شاقَّة لبارغاس يوسا: عالم يصلح للأدب فقط

عناصر شرطة غواتيمالية بصدد محو رسومات غرافيتي

جعفر العلوني

ديكتاتوريّات فمعركتنا خاسرة، إذ لا يوجد إلّا صوتٌ واحدٌ على الرّغم من صعوبة الأمر كلّ مرّة أكثر في ظلّ التقدّم التكنولوجيّ. ماذا يعني هذا في نهاية المطاف؟ أنَّ لدينا كثيراً من المشكلات، وأنّه يصعب معرفة الحقيقة". يقول يوسا.

بالنسبة إلى عنوان الرواية، هو مأخوذ من جملة من كتاب السيرة الذاتيّة للراهبة والقدّيسة تيريزا، إذ تتحدَّث عن الأوقات الشاقّة الّتي عاشتها. تنقسم الرواية إلى قسمين: الأول بعنوان "قبل"، ويروي فيه الكاتب جميع القصص الحقيقيّة أو المتخيَّلة التي تشكّل أحداث الرواية؛ والثاني بعنوان "بعد"، يخبرنا فيه عن إحدى الشخصيّات التي بدت خياليّة في القسم الأول لكنّها في حقيقة الأمر تنتمي إلى عالم الواقع.

غير أنّ براعة يوسا في هذه الرواية تتمثّل في قدرته على خلق آليّة معيّنة تدعو القارئ إلى الانجذاب ما بين الترقُّب والمصير، تماماً كما يفعل التاريخ بنا، نحن الشهود أو الضحايا. بهذه الطريقة يتحكَّم يوسا أكثر بصوت الرواية، ليُسرع تارةً في سرده، ويُبطئ في أخرى. وهذا بدوره سمح للكاتب بتفكيك زمن الرواية، فيكشف لنا في مشهد قصير، ومضة قد لا ينتبه إليها القارئ، عن موت كاستيو أرماس. ثمّ يعود ليطوّر هذا الحدث بشكل مستفيض في صفحات متقدّمة. كذلك يفعل يوسا في حديث السائق الكوبيّ الهادئ مع الموظّف الدومينكانيّ المتعجرف، آخذاً بذلك شخصيّات الرواية إلى قلب الحدث، تماماً في الفصل السابع، حيث يسرد بسرعة سقوط شلال ماء العلاقة الشخصيّة بين كاستيو أرماس والديكتاتور تروخيو منذ لحظة الاستعداد للانقلاب حتّى نجاحه.

المتابع لأعمال بارغس يوسا الروائيّة لا بدَّ أن يلاحظ وجود علاقة وثيقة بين روايته الأخيرة وروايتي "حفلة التيس" و"حديث في الكاتدرائيّة"، ولا سيّما من حيث معالجة العنف السياسيّ الذي ينتقل، في نهاية المطاف، وبوحشيّة، من المجال العامّ إلى الخاصّ. غير أنَّ قارئ "أوقات شاقّة" لن تفوته رؤية يوسا، هذه المرَّة، وهو يوظّف الرحمة في تسيير شخصيّاته. لذلك نراه يتوقَّف مطوَّلاً ليسرد كيف رفض جاكوبو أربينز تسليح المليشيات الشعبيّة التي تشكّلت وصولاً إلى لحظة تنازله عن الحكم. كذلك لا يتردَّد يوسا بانتقاد الإمبرياليّة الأميركيّة وأساليبها الوحشيّة، في التدخّل بحكومات الشعوب، موجّهاً، أيضاً، نقداً لاذعاً لحكم الأقليّة الرأسماليّة الشرسة المتواطئة مع الكنيسة. (للأسف لا يتخذ يوسّا مواقف شبيهة حين يكتب مقالات تتناول الاحتلال الصهيوني حيث كثيراً ما يساوي بين الجلاد والضحية).

نفدت الطبعة السابعة من الرواية. مع هذا كلّه، لم يرحم النقَّاد الإسبان الروائيّ البيروفيّ، وأجمع أغلبهم على فكرة وجود تحفّظ معيّن في روايته. كما أنّهم عدُّوا الراوية أقلَّ جودة من روايات أخرى له. على الرّغم من كلّ شيء تبقى رواية "أوقات شاقّة" تأكيداً لفكرة الدفاع عن الحريّة الإنسانيّة والعدالة والحقيقة في ظلّ عالم مليء بالأخبار الكاذبة.

مرَّة جديدة يعود بارغس يوسا ليكشف لقرّائه عن عالم أميركا اللاتينيّة المليء بالرعب والعنف، هذا العالم الذي يصلح للأدب فحسب لأنَّه يفيض ظلماً، وليس للحياة الواقعيَّة.

ترامب والسعودية يطالبان بوقف إطلاق النار في غزة وسط قصف إسرائيلي


الدور السعودي في إعادة تشكيل الإعلام الرسمي اليمني.. بين الشراكة السياسية والهيمنة المؤسسية


ترامب في السعودية: استثمارات تاريخية وتحول في سياسة الشرق الأوسط


الولايات المتحدة ترفع العقوبات عن سوريا: خطوة نحو إعادة الإعمار والاستقرار