تقارير وتحليلات
تعقيد المشهد اليمني..
تقرير: هل تستطيع الرياض إيقاف معركة أبين وأعلان الطرف المعرقل؟
بعد الاشتباكات الأخيرة بين القوات الموالية للحكومة اليمنية وقوات المجلس الانتقالي في الجنوب..هل تنجح السعودية في إعادة الهدوء إلى المحافظات الجنوبية في اليمن بعد رعايتها للمباحثات مجددا بين الانتقالي والشرعية.
قال الدكتور ثابت حسين الخبير العسكري والاستراتيجي اليمني، إن “المشكلة في الجنوب ليست في إبرام اتفاقات جديدة، فقد حاز اتفاق الرياض على الكثير من الوقت في الحوار والنقاش”.
وأضاف الخبير العسكري لـ”سبوتنيك”، أن “الطرف الذي كان معرقل للاتفاق من البداية، هو نفس الطرف الذي عطل عملية التنفيذ، وهو سلطة الحكومة الشرعية، وما زالت نفس المخاوف قائمة تجاه نتائج المحادثات الأخيرة في الرياض وأي نتائج قد تنتج عنها”.
وأشار حسين، إلى أن “هناك بعض النقاط التي ترفع من سقف التفاؤل حيال التوافق الجديد هذه المرة هو نتائج المواجهات الأخيرة التي جرت بين الطرفين في محافظة أبين، والتي أسفرت عن هزيمة الشرعية وسقوط وهم العودة إلى عدن بالقوة، والعامل الآخر أن التحالف وعلى رأسه السعودية، لن يسمح بإفشال أي اتفاق جديد وفي أقل تقدير تنفيذ الاتفاق السابق بحسب تسلسله”.
مشهد معقد
ومن جانبه قال عبد العزيز قاسم القيادي بالحراك الجنوبي، إن “المسألة اليمنية أو المشهد اليمني معقد في تركيبته الاجتماعية والسياسية والجغرافية والثقافية، ولديه إرث داخلي طويل من الصراعات التاريخية، الاجتماعية، والسياسية، في إطار اليمن ككل، أو اليمن الشمالي ضد اليمن الجنوبي، ما قبل إعلان الوحدة عام 1990 بين دولة اليمن الجنوبي ودولة اليمن الشمالي، نشبت عدة حروب على مراحل، تحت شعارات تبعا لكل نظام سياسي”.
وتابع القيادي بالحراك الجنوبي “فقد كان هناك صراع أيدلوجي بعد الوحدة بين الدولتين، نتيجة لوجود صراع فكري متناقض أي اليساري القومي العقائدي الرأسمالي، حتى اندلعت حرب عام 1994 وانتهت بهزيمة اليمن الجنوبي، وحتى اليوم ظلت نتائج الحرب مؤثرة في الصراع، الجنوبين لهم أهداف متمثلة باستعادة دولتهم السابقة إلى ما قبل 1990، والشماليين على اختلاف مشاربهم وصراعاتهم لا يختلفون في شأن رفض توجهات الجنوبين باستعادة دولتهم”.
وأضاف قاسم، “بعد سقوط نظام صنعاء إثر الصراع الذي نشب في 2011، ثم لحقه صراع آخر بين الشرعية والقوى التي جاءت على أنقاض النظام السابق، وعلى ضوئها هربت الشرعية (حكومة هادي)، وتغيرت التحالفات ومواقع القوى في شكل متناقض، فالذي كان ضد الحوثي تحالف معه، ومن كان معه اختلف، والعكس حتى اندلعت الحرب وخرجت قوات نظام صالح من الجنوب وهكذا، الآن الصراع بين منظومة الشرعية باعتبارها كانت ضمن نظام صالح السابق والمجلس الانتقالي فصيل من تيار صالح المؤتمر اتجه نحو الانتقالي وآخر في السعودية مع الشرعية وثالث في صنعاء مع الحوثي”.
وأوضح القيادي بالحراك، أن “النظام السابق بشقيه الشرعي وغير الشرعي، لديه مراكز نفوذ مادية، حيث أن الشركات والنفط في الجنوب، ومالم ينص صراحة على مستقبل القضية الجنوبية بكل وضوح وصراحة والاعتراف بها ومن يمثلها كطرف، وفي المقابل من يمثل الطرف الشمال، على أن يبدأ الحوار بين طرفين فقط عن الجنوب وعن الشمال، لبحث سبل إيجاد حل، لأن الجنوب لا يقبل السيطرة عليه مرة أخرى من قبل أي قوى شمالية، والشمال مسيطر عليه الحوثيين ولا معنى للحوار مع الحكومة الشرعية، طالما هي غير قادرة على السيطرة على الجنوب ناهيك عن الشمال”.
التفريط بالشرعية
وتابع قاسم، “..ولن يكون هناك استقرار وسلام طالما بقي الحوار على تحديد مشكلة السلطة دون القضية الرئيسية التي هي القضية الجنوبية، وطالما أن الحكومة الشرعية وإن تم الاتفاق معها غير قادرة على تنفيذ الاتفاق إذا لم يقبل الجنوبيون حتى وإن قبل الانتقالي، ولهذه الأسباب يتجدد الصراع، ويمكن أن يكون هناك اتفاق مقبول في حالة الاعتراف بالقضية الجنوبية ومن يمثلها كطرف واحد فقط يقابله طرف آخر شمالي، ثم يكون الخيار أما بالقبول بخيار الإقليمين جنوبي بحدوده السابقة ما قبل 1990 وإقليم شمالي بحدوده السابقة، أوعودة الدولتين إلى السابق”.
وأكد القيادي بالحراك، أن “الاشكالية القائمة تكمن في دول المحيط الإقليمي، السعودية تحديدا لديها حدود كبيرة مع اليمن الشمالي ومع اليمن الجنوبي، وقد حسمت بترسيم الحدود عام 2002 إبان عهد صالح، ولا ترغب السعودية في التفريط باتفاقية الحدود، وهي تتمسك بشرعية هادي لحاجتها للتوقيع من الرئيس، وحاجتها لمجلس النواب لأنه الضامن لاتفاق الحدود”.
وأشار قاسم إلى أن “التفريط بالشرعية ومجلس النواب يعني التفريط بالاتفاقية التي كان ضمن شروطها أن تحافظ السعودية على وحدة اليمن، ولا تدعم الجنوب بالانفصال وهو ما يعيق الجنوبين، فخيار أن يكون الجنوب اقليم ربما يكون توافقي، مع أن الشمالين يرفضونه وخيار أن يكون دولة كما كان أيضا يمثل نسف لاتفاقية الحدود”.
ولفت القيادي بالحراك، إلى أن “الإمارات أيضا لديها مصالح في الجنوب، لهذا تفضل السعودية التوافقات في إطار الحكومة الشرعية حتى يرضخ الحوثيين للقبول بالحوار، لكن الواقع يعد الجنوب مفصولا من الناحية العملية باعتبار الحرب رسمت على الحدود السابقة لدولة الجنوب ولم تتجاوزها، وبقاء الوضع على هذا النحو يضاعف المشكلة وستخسر السعودية أكثر مما خسرت”.
القرار للتحالف
وقال غسان العمودي المحلل السياسي الجنوبي، “من الصعب إيجاد بديل لاتفاق الرياض بين الحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي الجنوبي، حيث أن السعودية لديها بدائل كثيرة جدا تحول دون إفشال اتفاقية الرياض التي تعد أحد أهم المخارج الآمنة لكلا الطرفين”.
وأضاف السياسي الجنوبي ، “نعم هناك نية من قبل الطرفين لإضافة ملحق يتضمن تطمين لبقائهم في المشهد السياسي إلى ما بعد التسوية السياسية المزمع الإعلان عنها، تحت إشراف اللجنة الرباعية والتي بدورها تهدف إلى إنهاء الحرب في اليمن، والخروج بمنظومة سياسية تتمخض عنها شكل جديد للدولة اليمنية بوجود جماعة أنصار الله أو الحوثيين كما يحلو للبعض تسميتهم”.
كما أكد العمودي أنه “لا وجود لأي عوامل حقيقية تعرقل تنفيذ اتفاق الرياض الذي تم التوقيع عليه منذ أشهر، وكل ما في الأمر أن هناك تراخي من قبل السعودية التي ترعى الاتفاق، بيد أن الشرعية المتواجدة في الرياض والانتقالي المتواجد في أبوظبي لا يملكون ما يجعلهم يعرقلون ما جاء به إتفاق الرياض، ومما لا شك فيه أن الملحق الإضافي الذي يراد منه تعزيز بنود الاتفاقية الأساسية لن يغير في جوهر ومضمون ماتهدف إليه الاتفاقية الرئيسية، اليمن لا زالت تحت البند السابع وربما يطول بقاؤها سياسيا كما هو عليه من الناحية الاستراتيجية”.
ودعا العمودي الحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي الجنوبي إلى تذويب الخلافات فيما بينهم، وترحيل ما يمكن ترحيله من تلك التراكمات الخلافية، وإعطاء الجوانب الصحية والأمنية والخدمية قدر أكبر من المتابعة والإهتمام، واستغلال هذه الفرصة الثمينة التي قد لا تتكرر في ظل إنشغال العالم بملفات ذات صلة بإعادة تشكيل الخارطة الجيوسياسية للمنطقة، واحتمالية بروز قوى على الأرض شمال اليمن وجنوبه، “وقد لا نستبعد حدوث تدخلات خارجية في ظل فشلهم الذريع الذي ربما يعزز إمكانية قلب الطاولة على الجميع وتجريدهم من أي صفات شرعية أو مشرعنة، وبالتالي عودة الأمور إلى الصفر بعد تلك التضحيات الجسيمة التي قدمها شعبنا من أجل استعادة الدولة”.
ضغوط شديدة
قال المتحدث باسم المجلس الانتقالي الجنوبي، نزار هيثم: “من الواضح أن التحالف العربي يتعرض لضغوط شديدة من أطراف بالشرعية ترفض الحسم العسكري شمالا وتصعد جنوبا”.
وأضاف المتحدث في تصريحات سابقة لـ”سبوتنيك”: “كما يواجه التحالف أيضا رفض من قبل ما تسمى الشرعية بوقف التصعيد العسكري، وأبدت تعنّت غير مبرر من أعلى الرئاسة اليمنية للبدء بالمسار السياسي، ورفض إقالة الحكومة التي أصبحت فاقدة لشرعيتها منذ اتفاق الرياض”.
وتابع هيثم: “تحول بعض وزراء حكومة ما تسمى بالشرعية إلى مصدر خطر على الشعب، وعلى التحالف العربي بسبب ارتباطهم بأجندات إيرانية وقطرية وتركية تسببت بانهيار المنظومة الإنسانية بالكامل، وخروج المنظومة الكهربائية عن الخدمة بشكل متكرر”.
وأشار المتحدث باسم الانتقالي إلى أن “وفد المجلس الانتقالي الجنوبي في الرياض، برئاسة اللواء عيدروس الزبيدي، مازال يجري مباحثات هامة مع قيادة المملكة العربية السعودية حول الوضع في اليمن والجنوب”.
وأوضح هيثم أن “الملف الإنساني يأتي على رأس هذه المشاورات، إذ تم الحديث عن تهديد جائحة فيروس “كورونا” المستجد، والذي ينتشر بسرعة في جميع أنحاء البلاد، وسبل مواجهته، وتخفيف حدة الوضع الإنساني، بالتوازي مع بحث الحلول والتقدم السياسي في ملف الجنوب”.
وتجري المملكة العربية السعودية منذ عدة أيام مباحثات مكثفة مع أطراف النزاع “الحكومة والمجلس الانتقالي” بعد تفاقم الأوضاع مجددا في عدد من المحافظات وصلت إلى استخدام كل أنواع الأسلحة وسقط خلال تلك المواجهات عشرات القتلى والجرحى.
وأعلن المجلس الانتقالي الجنوبي في اليمن منذ أسابيع الحكم الذاتي وحالة الطوارئ في المناطق التي يسيطر عليها في جنوب البلاد، وقال المجلس في بيان له “إن الحكومة اليمنية لم تفعل شيئا بعد اتفاق لتقاسم السلطة خاصة لتحسين الأوضاع المعيشية للمدنيين والعسكريين”.
وشهدت عدن العام الماضي قتالا عنيفا بين قوات تابعة للمجلس الانتقالي وقوات تابعة للحكومة الشرعية راح ضحيتها العشرات قبل أن يوقعوا لاحقا على اتفاق سلام في شهر نوفمبر/تشرين الثاني.