تحليلات

إرث اليمن الجنوبي..

المتحف الوطني الحربي في العاصمة عدن بين ماضٍ عريق.. وحاضر مؤلم

المتحف الوطني الجنوبي العريق في حي كريتر بالعاصمة عدن - اليوم الثامن

عدن

  تزخر العاصمة الجنوب عدن بالتنوع الثقافي والعلمي عبر عقود وقرون من التميز الحضاري الممتد إلى ما قبل الإسلام، وكان لعدن الفعل الحضاري والثقافي والتعايش مع الحضارات القديمة والتفاعل معها، ولهذا انتشرت  فيها المعالم الثقافية والمواقع الأثرية والتاريخية المتنوعة، فتراكمت مآثر هذا التنوع الفريد  التي صمدت بوجه عاديات الزمان، وصراعات الإنسان، أو ما شهدته عدن من حروب مع الغزاة الطامعين بسبب موقعها الاستراتيجي عبر التاريخ. 

تعد كريتر متحفا وطنيا بحد ذاته حيث تضمم أكبر عدد من المعالم التاريخية والأثرية. حيث توجد ثلاثة معالم تاريخية بارزة يمتد تاريخها لآلاف السنين، وهي صهاريج الطويلة، عمرها نحو  3500 عام، ومنارة عدن وقلعة صيرة، وعمرهما يقارب الألف عام. وعادة لا يجتمع هذا الكم من المعالم الأثرية في مدينة صغيرة. بالإضافة إلى السدود السبعة والقلاع القديمة المنتشرة على قمم جبال شمسان، ومساجد يمتد تاريخها لأكثر من 600 عام مثل مساجد جوهر والعيدروس وأبان، الذي تم هدمه وإنشاء مسجد جديد على أنقاضه يحمل الاسم نفسه، وفنار معاشيق والأبواب السبعة وهضبة عدن، ودور العبادة من مساجد وكنائس ومعابد. وعدد من المباني التاريخية التراثية المنتشرة في الحارات القديمة كحارة اليهود وحارة الزعفران، والمباني التراثية مثل قصر الشكر والمجلس التشريعي والمتحف الحربي والبلدية ومبنى الضرائب والسائلات التاريخية الثلاث، وغيرها الكثير.

كل ذلك الكم الهائل من معالم عدن التاريخية صمدت قرونا طويلة ومازالت تلك المآثر العظيمة صامدة في  وجه عوامل التجوية والتعرية ، مصانة من الإنسان ولم تتعرض لأي عمل تخريبي، ولكن ما يؤسف أن تنال الطمس والتخريب في زمنا هذا رغم الامكانات الكبيرة التي تساعدنا في صيانتها وترميمها،  فمنذ عام 1990 وإلى اليوم غدت هذا المآثر والآثار هدفا للجماعات  الحاقدة وجماعات المصالح الاقتصادية والنهابين للأراضي والقيم والتاريخ.

 إن المتأمل في مدينة كريتر التي تعد متحفا بحد ذاتها يرى كيف طال الاهمال الآثار والمواقع التاريخية في عدن بل أنه تعرض لأكبر عملية بسط وتشويه ونهب وتهريب وخراب ودمار لحق بعشرات المواقع الأثرية. لذا فأن الحالة المنحطة الذي وصلت إليها آثار عدن ومعالمها عبر عنها مختص بالهيئة العامة للمتاحف والآثار في عدن، فقد كشف في أن 70 في المائة من معالم عدن التاريخية دُمّرت خلال المعارك في 2015، و90 في المائة من مقتنيات المتحف العسكري استولى عليها عصابات الآثار المنظمة التي سرقت كثيراً من القطع الأثرية، موضحاً أن تهريب الآثار نشط بشكل لافت عقب الحرب، حيث أحبطت الأجهزة الأمنية عدداً من محاولات التهريب في ميناء عدن.

 كما أن عمليات التشويه المتعمدة أيضاً للمعالم التاريخية في  عدن كان لها من الحضور  الكبير فضاعفت من  الإضرار بالمعالم التاريخية، ولا تقل في ضررها عن  الهدم أو التهريب للآثار، وقد جاء التشويه من خلال هدم أجزاء منها، واستُحدثت مبانٍ في المحيط الجغرافي لحرم المعالم التاريخية وهذا ظهر جليا في الصهاريج ومعبد الفرس وبعض الكنائس والقصر العبدلي ومتحف الملكة اليزابيث ومقابر تابعة للإنجليز .

 إنها الفوضى التي تجتاح عدن وجعلت المباني الأثرية نهباً للنافذين الذين تدعمهم الأجهزة الأمنية والعسكرية، ولا يستطيع أحد إيقافهم وإنقاذ المعالم التاريخية من عمليات التشويه والنهب التي تتعرض لها، الأمر الذي يرى مراقبون أن قوى إقليمية ودولية تقف وراءه للقضاء على أهم منطقة حضارة على وجه الأرض [1].

إنموذجا.. من الطمس والتدمير ..متحف عدن الحربي

  يُعدُّ متحف عدن الحربي من أهم معالم التاريخية، حيث يعود تاريخ المتحف الحربي في عدن إلى العام 1918م،  ففي حينها كان مدرسة للتعليم الأساسي- المرحلة الأساسية باللغة الإنجليزية (Residency School) ، وتم تحويله بعد الاستقلال إلى متحف للتراث العسكري اليمني، بقرار أصدره رئيس جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية الشهيد المناضل/  سالم رُبيّع علي(سالمين)، وأبرز مقتنيات المتحف هي الأسلحة القديمة وصور الثوار، ومعروضات عن تاريخ دولة الجنوبي العسكري ومراحل التطوير الحديث التي شهدتها القوات المسلحة الجنوبية، كما يحتوي على صور وأعمال يدوية تاريخية صنعها الإنسان الجنوبي من الحجارة [2].

لذا يُعدَّ متحف عدن الحربي التاريخي أهم نموذج على الإهمال الممنهج  وضياع هوية وطن وادواره التاريخية؛ فعلى مدى سنين الوحدة المشؤمة، جرى تهميشه وإهمال المبنى وصيانة مرفقاته أو تأمين أمن وسلامة التحف والآثار الموجودة فيه، وكأنما عدن مدينة نائية ومتحفها لا يستحق الدعم والاهتمام، فانتهى أمر هذا المتحف وتفرقت باقي تحفه الثمينة:" بعضها تمت سرقته فعلاً، والبعض الآخر خرج للعرض العالمي ولم يعد إلى عدن، ويقال إن الصناديق موجودة في إدراج دار أحد مسؤولي إدارة متاحف صنعاء" [3].

إن  متحف عدن الحربي يعد من أهم المعالم الوطنية الثقافية ، فهو ذلك المتحف البديع في بنائه،  والجميل في أقواسه التي تعلو نوافذه وأبوابه، ورغم أهميته تم استهدافه في الحرب وبلا مبالاة من قبل ميليشيات الحوثي والإخوان وحزب علي عبدالله صالح، ومن ثم اتخذته هذه الميليشيات ثكنة عسكرية لها فمارست فيه من العبث ما مارست.

وفي منتصف شهر يوليو 2015 تعرض المتحف لقصف طيران جراء اتخاذه من الميليشيات الحوثية ثكنة لجنودهما وعملياتهما وعتادهما ومؤنهما، وهو ما تسبب في الانتهاك الثالث لمبنى المتحف الحربي، فبسبب ضربة طيران هدمت جهته الغربية، ليصبح معرضا لسرقة محتوياته الثمينة، وعن هذه المحتويات، ذكر أحد التقارير إنها في المعظم ثمينة وهامة، وتم نهب بعضها على مرحلتين؛ الأولى، حين أقدمت ميليشيات الحوثي وصالح على سرقة بعض القطع الأثرية المهمة والنفيسة، وتحديدا عقب دخولهم المدينة واتخاذهم المتحف ثكنة عسكرية، أما المرحلة التالية، فبعد إخراج الميليشيات؛ إذ قام بعض المهمشين بسرقة بعض السيوف والأسلحة القديمة، وتمت إعادة جزء كبير منها، والجزء المتبقي ما زال بحوزة من سرقوا[4].

الوضع الراهن للمتحف

 

حاولنا في هذا التقرير أن نسلط الضوء على أحد المعالم الوطنية التي تسهم في تعزيز الولاء الوطني والانتماء لهذه السياسية والعسكرية لشعب الجنوب والمتحف الحربي في العاصمة عدن يعد رمزا من رموز الهوية الثقافية الجنوبية وما تعرض له من تدمير ونهب لم يكن بالصدفة بل كان ممنهجا  في سبيل ترسيخ ثقافة المحتل اليمني في الجدول ادناه أهم الاضرار التي لحقت به :

مالضرراسبابه  نوع الضرر

1

تدمير جزء في الجزء الغربي من المتحف ضربة جوية عام 2015م   جزئي
تهميش كافة النوافذ والابواب ضربة جوية عام 2015م   كلي 
3نهب معظم تقنيات المتحف المليشيات الحوثية جزئي 
4تدمير جزء كبير من تقنيات المتخف ضربة جوية عام 2015م   جزئي 
5الاهمال والصدى لما تبقى من مقتنيات المتحفالسلطات المحلية والجهات المختصة كلي
6عوامل التعرية والامطار تدمر ما تبقى من معالم المتحفالسلطات المحلية والجهات المختصةكلي 

 

 

المعالجات المقترحة: 

مما سبق إننا ندعو الجهات المختصة وفي مقدمتها المجلس الانتقالي الجنوبي واللجنة العسكرية الجنوبية إلى السرعة في ترميم واستعادة تلك المؤسسة الوطنية الجنوبية وننوه إن تلك المهمة تعد المهمة تعد من الاوليات في سبيل تعزيز التربية الوطنية لدى الاجيال في العاصمة عدن وفق الخطوات التالية: 

  1. استعادة المتحف الحربي من قبل المجلس الانتقالي الجنوبي؛ لكونه احد المؤسسات العسكرية الجنوبية وجزء من تاريخها النضالي في الجنوب.
  2. السرعة في ترميم وصيانة المتحف وفق المواصفات الاثرية في سبيل اعادة مكانته العريقة.
  3. العمل والتنسيق مع الجهات المختصة في سبيل استعادة جزء محتويات المتحف المنهوبة .
  4. صيانة وترميم ما تبقى من محتويات المتحف الأثرية .
  5. ترتيب حراسات امنية مختصة في سبيل حماية المتحف من السرقة وكذا ترتيب الزيارات السياحية للأهالي ومرتادي المتحف.
  6. فتح المتحف لكافة الزوار المحليين والخارجيين وتقديم الخدمات السياحية الملائمة لمدينة عدن التاريخية.
  7. الترويج السياحي والثقافي للمتحف لاسيما لطلاب المدارس والاجيال الجنوبية الصاعدة.

--------------------------------------
المصادر

[1] - جهاد محسن، متاحف عدن.. شاهدة على لصوص التاريخ.. قطع نادرة تعود إلى ملوك أوسان شاركت في متاحف دولية ولم تعد، صحيفة الأيام

[2] - منظمة مواطنة Mwatana.org ،  تجريف التاريخ: انتهاكات أطراف النزاع للممتلكات الثقافية في اليمن 

[3] - في الكارثة المعمارية وضياع التراث - السفير العربي 

[4] - الحوثيون وصالح سرقوا آثار عدن واستخدموا مواقعها التاريخية كحصون - جريدة الشرق الأوسط السعودية

بعثة الأمم المتحدة في الحديدة تستمر لستة أشهر رغم وصفها بـ"الشكلية"


صحف فرنسية: برلمانيون يدعون لحلول جذرية تجاه إيران بعيداً عن الحرب والمساومة


كيف ساهمت بطولة الرئيس الكوري في تأهل العراق إلى مونديال 1986؟


صوت الخبز أعلى من الرصاص.. هل يسقط النظام الإيراني من الداخل؟