تحليلات
الهدنة الأممية في اليمن..
الاذرع الإيرانية تتراجع في اللحظات الأخيرة والاتحاد الأوروبي يصفه بـ خطأ استراتيجي
عناصر من مليشيات الحوثي- أرشيفية
أعرب الاتحاد الأوروبي، الإثنين، عن خيبة أمله الشديدة نتيجة عدم التوصل إلى اتفاق بشأن تمديد الهدنة الأممية في اليمن.
ودعا الاتحاد الأوروبي، في بيان، مليشيات الحوثي إلى إظهار التزام حقيقي بالسلام في اليمن.
وأكد أن رفض الاذرع الإيرانية لاقتراح تمديد الهدنة في اليمن خطأ استراتيجي وطالبت الحكومة اليمينة، الإثنين، بإدراج مليشيات الحوثي على قوائم الإرهاب.
وكشفت مصادر دبلوماسية لصحيفة العرب عن إفشال الجناح العسكري والعقائدي للحوثيين اتفاقا معدلا تقدم به المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ السبت، في محاولة لمنع انهيار الهدنة الأممية التي تنتهي الأحد.
وقالت إن ضغوطا عمانية وأممية على وفد التفاوض الحوثي المتواجد في مسقط بسلطنة عمان أسفرت عن إبلاغ محمد عبدالسلام رئيس الوفد المبعوثَ الأممي بالموافقة الحوثية على الاتفاق المعدل لتمديد الهدنة، قبل أن يصدر المجلس السياسي الأعلى للحوثيين الأحد بيانا يمثل تراجعا عن الموافقة الحوثية على بنود تمديد الهدنة الأممية.
وأشارت إلى مطالبة الحوثيين بأن تتولى الحكومة الشرعية دفع الرواتب من إيرادات النفط والغاز في المحافظات المحررة، على أن تقوم الميليشيات الحوثية بفتح طرق فرعية في مدينة تعز، كان ممثل الحكومة في مفاوضات الأردن قد رفضها سابقا واعتبرها غير كافية.
وأصدر المجلس السياسي الأعلى (أعلى سلطة سياسية حوثية) بيانا اتهم فيه التحالف العربي بتحمل “مسؤولية تعطيل عملية السلام ورفضه للحقوق المشروعة لأبناء الشعب اليمني”.
وقال المجلس السياسي إنه يستهجن “تلكؤ الأمم المتحدة وطرحها لورقة لا ترقى إلى مطالب الشعب اليمني ولا تؤسس لعملية السلام”، في إشارة إلى المقترح المعدل الذي تقدم به المبعوث الأممي السبت.
وأضاف المجلس أنه لن يسمح “بأن تتحول الهدنة إلى غاية كونها كانت مجرد وسيلة للوصول إلى اتفاق نهائي”.
وفي سياق التهديدات الحوثية باستهداف المصالح الاقتصادية لدول الإقليم والعالم دعا وزير الدفاع في حكومة الحوثي، غير المعترف بها دوليا، محمد ناصر العاطفي الأحد القوات الحوثية إلى المزيد “من اليقظة والجهد والتأهيل وأن يكونوا دوماً في جهوزية للذود عن حياض الأمة”، وقال إن الميليشيات الحوثية “لن تألوا جهداً في امتلاك القدرات والإمكانيات والموارد والأساليب”.
وأضاف “نحن أمام منعطف تاريخي عظيم وسخرنا إمكانياتنا لنكون في مقدمة مواكب المواجهة للمشروع الصهيوني الاستكباري” و”أراضي الجمهورية اليمنية ومياهها وبحارها وثرواتها هي أساس السيادة”.
وكان الناطق العسكري باسم الحوثيين يحيى سريع قد أدلى بتصريحات السبت حذر فيها “الشركات الملاحية التي لها وجهات إلى دول (التحالف) والتي تعمل في اليمن لمتابعة تحذيراتنا وتعليماتنا”، وأضاف “سنوافيكم بتحذيراتنا فور انتهاء وقت الهدنة في حال عدم التوصل إلى ما يحقق مطالب شعبنا المحقة”.
وتابع “نحن بصدد الاستعداد لأي تطورات ونحمل تلك الشركات مسؤولية تجاهل ما سيصدر عنا خلال الساعات المقبلة”.
وكانت الحكومة اليمنية قد ألمحت، نقلا عن مصدر مسؤول فيها، إلى موافقتها في وقت متأخر من مساء السبت على الصيغة الأممية المعدلة لبنود تمديد الهدنة، ونقلت وكالة الأنباء اليمنية الرسمية عن مصدر مسؤول قوله إن الحكومة تلقت مقترحًا محدثًا من المبعوث الأممي لليمن لتمديد وتوسيع الهدنة ابتداء من 2 أكتوبر.
وفي هذا السياق عبر وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن عن قلق واشنطن إزاء تصرفات الحوثيين الأخيرة، مشددا على أهمية دعم المجتمع الدولي لمجلس القيادة الرئاسي في اليمن.
ورحّب بلينكن، خلال اتصال مع نظيره السعودي الأمير فيصل بن فرحان آل سعود، بالتزام السعودية بتمديد فترة الهدنة في اليمن. وقال بلينكن إن مزايا تمديد الهدنة ستشمل دفع رواتب المعلمين والممرضات وغيرهم من موظفي الخدمة المدنية، بالإضافة إلى توسيع الرحلات الجوية من صنعاء، وفتح طرق في تعز وأماكن أخرى، وضمان استمرار تدفق الوقود.
وعبر السفير الأميركي لدى اليمن ستيفن فاجن في وقت سابق عن “القلق” من عدم إحراز تقدم في تأمين تمديد الهدنة في اليمن ودعا السفير الأميركي -في تغريدة على تويتر- الأطراف المختلفة إلى عدم تبديد تقدم الأشهر الستة الماضية، وإعطاء الأولوية للشعب اليمني بقبول تمديد الهدنة وتوسيعها.
كما دعا وزير الخارجية البريطاني جيمس كليفرلي السبت الحوثيين إلى التواصل بشكل بنّاء مع جهود الأمم المتحدة للاتفاق على تمديد الهدنة في اليمن.
وقال “من الضروري ألا يعود اليمن إلى الصراع مرة أخرى. الهدنة تنتهي الأحد، لكن ما زال الحوثيون مستمرين في تهديد سير المفاوضات وحرمان اليمنيين من مستقبل سلمي”.
وتجدد القتال بين قوات الجيش اليمني ومسلحي جماعة الحوثي في جبهات عدة من محافظات تعز ومأرب والحديدة والضالع، وذلك بعد ساعات على انتهاء الهدنة، وفشل جهود الأمم المتحدة في التوصل إلى اتفاق على تمديدها.
وانتهى موعد الهدنة التي كانت سارية منذ ستة أشهر في البلاد عند الساعة السابعة مساء الأحد بالتوقيت المحلي (16:00 ت.غ)، بحسب النص الرسمي للهدنة.
وقال العقيد عبدالباسط البحر، المتحدث العسكري باسم قوات الجيش في محافظة تعز (جنوب)، إن مواجهات عنيفة اندلعت بين قوات الجيش وميليشيا الحوثي شمال وغرب وشرق مدينة تعز.
وأضاف البحر عبر صفحته على تويتر، في وقت متأخر من مساء الأحد، أن مجاميع حوثية حاولت التسلل إلى مواقع الجيش، وبغطاء مدفعي مكثف.
وأكد المسؤول العسكري أن القوات الحكومية صدت محاولة تسلل للميليشيا الحوثية شمال حي عصيفرة من أماكن تمركزها في جبل الوعش (وسط مدينة تعز).
وأشار إلى أن هذه المحاولة من قبل المسلحين الحوثيين، تزامنت مع قصف عنيف بمختلف العيارات المتوسطة والثقيلة وقذائف الهاون، موضحا أن قوات الجيش ردت على مصادر النيران الحوثية وتصدت لمحاولة التسلل لمواقعها، وأجبرت العناصر الحوثية على العودة إلى مواقعها السابقة.
وذكر مركز إعلام الزرانيق التابع للمقاومة التهامية في الساحل الغربي من اليمن، أن هجوما عنيفا شنته الميليشيا الحوثية على قرى مديرية حيس، جنوبي محافظة الحديدة، غربي البلاد.
وقال المركز إن مواجهات عنيفة اندلعت بين القوات المشتركة المحسوبة على الحكومة المعترف بها، والحوثيين، وتصدت لمحاولة زحفهم نحو قرى بيت الحشاش والرون، شمال غرب حيس، المديرية الريفية جنوب الحديدة الساحلية على البحر الأحمر.
وشهدت محافظة مأرب الغنية بالنفط شمال البلاد مساء الأحد معارك عنيفة مستمرة في عدة جبهات، إثر هجمات شنتها جماعة الحوثي المدعومة من إيران على مواقع قوات الجيش.
وتزامنت مواجهات مأرب مع هجوم شنه الحوثيون على مناطق تسيطر عليها القوات اليمنية المشتركة، شمال محافظة الضالع، جنوب البلاد.
وقال موقع "درع الجنوب" الناطق باسم "القوات المسلحة الجنوبية" إن القوات الجنوبية تمكّنت من التصدي لهجوم الحوثيين الذي جاء عقب عملية قصف مدفعي، استهدف مواقع القوات والقرى المأهولة بالسكان.
وأعلن "الإعلام العسكري" التابع للقوات اليمنية المشتركة، في الساحل الغربي، عن اندلاع مواجهات مسلحة ضد ميليشيا الحوثي بالأسلحة المتوسطة، "إثر خروقات الحوثيين في محور حيس، جنوب محافظة الحديدة"، غرب البلاد.
وأكد عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني عبدالله العليمي أن الميليشيات الحوثية لن تكون شريكا في تحقيق السلام، ولم تتعامل مع الهدنة كفرصة للتخفيف من المعاناة الإنسانية.
يأتي ذلك بعدما عبّر مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن هانس غروندبرغ في بيان عن "أسفه لعدم التوصل إلى اتفاق الأحد، حيث إن الهدنة الممتدة والموسعة من شأنها توفير فوائد هامة إضافية للسكان".
وانتهت مساء الثاني من أكتوبر الجاري فترة التمديد الثالثة للهدنة الأممية، دون الإعلان عن تمديدها لفترة قادمة، وسط موافقة الحكومة اليمنية على مقترح التمديد المحدّث، ورفضه من قبل الحوثيين.
ودعا غروندبرغ في بيان الأطراف اليمنية إلى "الحفاظ على الهدوء والامتناع عن أي شكل من أشكال الاستفزازات أو الأعمال التي قد تؤدي إلى تصعيد العنف".
وأكد الدبلوماسي السويدي أنه قدّم مقترحا آخر إلى الأطراف في الأول من أكتوبر لتمديد الهدنة لمدة ستة أشهر، "مع إضافة عناصر أخرى إضافية". تضمن المقترح وفق بيان الأمم المتحدة، "الشروع في مفاوضات لوقف إطلاق النار واستئناف عملية سياسية شاملة".
وثمّن غروندبرغ موقف الحكومة اليمنية لتعاطيها مع مقترحه "بشكل إيجابي".
وأشار في بيانه إلى أن المفاوضات مستمرة، داعيا "الأطراف إلى الحفاظ على الهدوء والامتناع عن أي شكل من أشكال الاستفزازات أو الأعمال التي قد تؤدي الى تصعيد العنف (...) وعلى الوفاء بالتزاماتها تجاه الشعب اليمني لمتابعة كل السبل المؤدية إلى السلام".
وندّدت مديرة منظمة "المجلس النرويجي للاجئين" إرين هاتشينسون بعدم تمديد الهدنة، معتبرة أنها "فرصة ضائعة كان يمكن أن تساعد الملايين من المدنيين في الخروج من حرب عنيفة"، داعية طرفَي النزاع إلى العودة عن قرارهما.
ويتهدد خطر المجاعة الملايين من سكان اليمن، فيما يحتاج الآلاف، بينهم الكثير من سكان المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، إلى علاج طبي عاجل غير متوافر في البلد الذي تعرّضت بنيته التحتية للتدمير. ويعتمد نحو 80 في المئة من سكان اليمن البالغ عددهم 30 مليون نسمة على المساعدات للاستمرار.
ويدور النزاع في اليمن منذ العام 2014 بين الحوثيين الذين يسيطرون على صنعاء ومناطق أخرى في شمال البلاد وغربها، وقوات الحكومة المدعومة من تحالف عسكري بقيادة السعودية. وتسبّبت الحرب في مقتل مئات الآلاف من الأشخاص بشكل مباشر أو بسبب تداعياتها، وفق الأمم المتحدة.
ولفظت هدنة اليمن أنفاسها الأخيرة تحت رحمة تصعيد ميداني حوثي على عدة محاور قتالية، بعد أن رضخت على مضض لأطول سلام أحادي الجانب في أرجاء البلاد طيلة 8 أعوام مضت.
وخلفت الهدنة الهشة وراءها محطات حية في تاريخ تعنت مليشيات الحوثي، وشواهد عززت من قناعة اليمنيين والعالم، بافتقاد الحكومة المعترف بها لشريك يدير قراره لصناعة السلام، وأنه من الصعب التهدئة دون ردع فعال.
كما عرت الهدنة أخلاقيا مليشيات الحوثي داخليا باستثمار التهدئة للتحضير لجولة أدمى من الحرب، وترتيب صفوفها عبر حملات التجنيد والعروض العسكرية، والتلويح بتهديد الملاحة البحرية، واستهداف الشركات الأجنبية النفطية.
أما داخليا فاتجه الحوثيون خلال الهدنة لإخماد انتفاضات ترفض ممارسات المليشيات؛ كان أبرزها معارك بلدة "خبزة" في مديرية القريشية في محافظة البيضاء (وسط) ومديرية همدان في ضواحي صنعاء، فضلا عن تفجير معارك بينية عنيفة لإنهاك القبائل في محافظتي عمران وذمار.