تحليلات
قراءة في زيارة الرئيس "شي جين بينغ" إلى السعودية"..
مضامين ودلالات القمة الخليجية - الصينية.. بكين وواشنطن وملء فراغ القوة في الشرق الأوسط
القمة الصينية العربية تفتح صفحة جديدة للعلاقات الإستراتيجية - أرشيف
قالت صحيفة عكاظ الرسمية السعودية، إن الرياض تفردت بـ«دبلوماسية القمم»، إذ إنها استضافت حزمة من القمم الناجحة خلال المرحلة الماضية، وها هي تتوجها بمجموعة جديدة من القمم الخليجية - العربية- الصينية، وجميعها تصب في مصلحة تحقيق التعاون والتنمية وتوطيد الشراكات الاستراتيجية لصالح المنطقة وشعوبها".
السعودية أضحت محط أنظار العالم شرقاً وغرباً
في الـ09 ديسمبر/ كانون الأول 2022، استضافت السعودية "القمة الصينية الخليجية"، أكدت الصحيفة السعودية ان الرياض أضحت محط أنظار العالم شرقاً وغرباً، من خلال ثلاث قمم: القمة الخليجية الاعتيادية الـ 43، القمة الخليجية الصينية الأولى «قمة الرياض الخليجية الصينية للتعاون والتنمية»، والقمة العربية الصينية الأولى «قمة الرياض العربية الصينية للتعاون والتنمية».
وقالت صحيفة عكاظ إن نهج «دبلوماسية القمم» بات «امتيازاً سعودياً» لا ينافسها أحد فيه، الأمر الذي يعكس ثقل وأهمية وقدرات السعودية، التي وصفها البعض بأنها أصبحت «بوصلة العالم»، وأضحى المجتمع الدولي ينتظر كلمتها وموقفها وقرارها في مختلف الأحداث والقضايا.
ولفتت الى ان هذا النهج السعودي المتفرد دفع بالعلاقات الخليجية والعربية والدولية إلى مرحلة جديدة من التعاون في مواجهة التحديات والتهديدات بأشكالها المختلفة، ليس هذا فحسب، بل إنها نجحت في بلورة «خارطة طريق» لتعزيز الأمن القومي الخليجي والعربي".
القمم مع العملاق الصيني والمصلحة المشتركة
وذكرت الصحيفة أن عقد مجموعة من القمم مع العملاق الصيني، ينطوي على مصلحة مشتركة، فالصين تملك تجربة متميزة ونجحت في تحقيق قفزات تنموية واقتصادية غير مسبوقة، ودول الخليج تمتلك الثقل الاقتصادي والموارد النفطية فضلاً عن الموقع الاستراتيجي، ومن هنا تبرز أهمية التنسيق والسعي إلى تحقيق الشراكة العربية الصينية، الأمر الذي من شأنه تعزيز القضايا العربية سياسياً، وتحقيق التعاون الاستثماري والاقتصادي بين الجانبين، وصولاً إلى مرحلة بناء شراكة استراتيجية تقود إلى تحقيق المصالح المتبادلة للجانبين".
وذهبت صحيفة عكاظ السعودية إلى القول إنه "في ظل التغيرات والتحديات العالمية خصوصاً في مرحلة ما بعد كورونا والحرب الروسية الأوكرانية، فإن العالم بات بحاجة ماسة إلى إعادة النظر في النظام العالمي الذي كان سائداً خلال الفترة الماضية، فلم تعد فكرة القطب الواحد منطقية مع ظهور قوى عملاقة جديدة، وباتت الأطروحات السياسية تتحدث الآن عن ضرورة التعددية القطبية باعتبارها في مصلحة العالم وليست ضد قطب بعينه".
وأكدت الصحيفة أنه من مصلحة الدول العربية التوجه نحو بناء شراكات متوازنة مع أقطاب العالم تعتمد على تفعيل التعاون السياسي والاقتصادي والعسكري في مواجهة التحديات الجديدة.
القمة الخليجية – الصينية.. المضامين والدلالات
الباحث المتخصص في العلاقات الدولية والقضايا الجيوسياسية صلاح الغول، وصف زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى المملكة العربية السعودية، في 7 ديسمبر/كانون الأول الجاري، بالحدث التاريخي.
وقال الغول في مقالة نشرتها صحيفة الخليج الإماراتية "إن الزيارة التي استمرت ثلاثة أيام تمحورت حول عقد اجتماعاته مع القيادة السعودية، وعلى رأسها الملك سلمان بن عبد العزيز، وولي عهده الأمير محمد بن سلمان، وعقد شي قمتين في الرياض؛ أولاهما مع قادة دول مجلس التعاون الخليجي، والثانية مع قادة عدد من الدول العربية.
وقال الباحث صلاح الغول "إن القمة الخليجية-الصينية، حفلت بعدة مضامين ودلالات لا تتصل بالعلاقات الخليجية-الصينية وحسب، وإنما تتعلق كذلك بالتوجه الخارجي لدول مجلس التعاون ودورها الخارجي، وبالترتيبات الجارية على قدمٍ وساق لتشكيل نظام دولي جديد".
ترتيبات لما بعد الحرب الروسية-الأوكرانية
وبالنسبة للقضية الأخيرة، يقول الكاتب "يبدو أن القوى الكبرى، وفي مقدمتها الصين، تعلم ما لمنطقة الخليج من دورٍ مؤثر في هذه الترتيبات، ومن هذا المنظور، يمكن القول إن الزيارة الصينية وأول قمة خليجية-صينية تصبان في جهود بكين لعمل ترتيبات لما بعد الحرب الروسية-الأوكرانية، وتهيئة البيئة الدولية لنظام دولي تعددي. ويبدو أن من مؤشرات «لحظة الخليج» في السياسة العالمية أنّ دول الخليج بقيادة السعودية أصبحت الموازن بين القوى الكبرى. ولنتذكر، في هذا الخصوص، زيارة الرئيس جو بايدن للمنطقة والقمة الخليجية-الأمريكية في يوليو المنصرم".
دول الخليج أصبحت تتبنى سياسات خارجية مستقلة ومبادِرة
وأكد الغول "أن القمة الخليجية-الصينية لها دلالة واضحة على أن دول الخليج أصبحت تتبنى سياسات خارجية مستقلة ومبادِرة، فقد عقدت القمة برغم تحذير الولايات المتحدة، وهي الشريك الاستراتيجي الأول لدول الخليج في مجالات عدة، من «النفوذ الذي تحاول الصين تنميته حول العالم»، ولاسيما الشرق الأوسط. ويبدو أن المبادرة الخليجية تؤتي أكلها؛ فبرغم أن التوجه نحو الشرق ونحو روسيا يفسر نسبياً بتراجع الاهتمام بالدور الأمريكي في المنطقة، فقد جدّدت الولايات المتحدة ما سبق أن شدد عليه الرئيس بايدن أثناء زيارته للسعودية، وهو تأكيد تركيزها على شراكتها الخاصة مع دول الشرق الأوسط؛ بمعنى أنها لن تتخلى عن دورها في المنطقة".
وقال "دلت القمة أيضاً على الطابع الاستراتيجي للعلاقات الخليجية-الصينية، وليس فقط الطابع الاقتصادي والتجاري، ولاسيما منذ إدراج دول الخليج ضمن الاستراتيجية الصينية الكبرى «مشروع الحزام والطريق»، وزيارة الرئيس الصيني شي الأولى للمنطقة وإصدار وثيقة «سياسة الصين تجاه الدول العربية»، لأول مرة، في يناير/كانون الثاني "2016.
وفي الوقت الذي استقبلت فيه السعودية بحفاوة بالغة الرئيس الصيني، وتم عقد قمة دول مجلس التعاون مع الصين، أعلن عن نجاح وساطة إماراتية-سعودية مشتركة لتبادل السجناء بين روسيا والولايات المتحدة. ولعل هذا مؤشر على التوازن المعياري الذي تؤسس دول الخليج عليه سياستها تجاه القوى الكبرى، بما في ذلك الصين والولايات المتحدة وروسيا. والحقيقة أنّ الزيارة والقمة المصاحبة هما مؤشران لوحدهما لسعي دول الخليج إلى تنويع شراكاتها الاستراتيجية وتوازن علاقاتها بالدول الكبرى.
وأكد صلاح الغول إن دول الخليج نجحت في استثمار القمة في الحصول على دعم الصين في إدانة تدخلات إيران بالشؤون الداخلية لدول المنطقة وأنشطتها الإقليمية المزعزعة للاستقرار، ودعوة طهران «للتعاون الكامل مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، والتزامها بالطابع السلمي لبرنامجها النووي»، وأهمية مشاركة دول المنطقة في معالجة الملف النووي الإيراني".
أفق لتوسيع الدور الأمني المحدود للصين في منطقة الخليج
ومع ذلك، فليس هناك أي أفق لتوسيع الدور الأمني المحدود للصين في منطقة الخليج. فدول مجلس التعاون مازالت متمسكة بشراكتها الاستراتيجية الأمنية مع واشنطن، التي جددت أكثر من مرة التزامها بمتطلبات هذه الشراكة، ومراجعة خططها بالانسحاب من المنطقة. كما أن الصين غير مهتمة وغير قادرة على ملء فراغ القوة في الشرق الأوسط. فأولاً، تدرك بكين التكلفة الباهظة لأي توسع عسكري كبير في المنطقة. وثانياً، تسعى الصين إلى تحقيق مصالحها الإقليمية عن طريق التعاون والتنمية المشتركة وموازنة علاقاتها الاستراتيجية بشاطئي الخليج. ثم إنّ دوراً أمنياً متزايداً قد يكون له مردود سلبي على المصالح الصينية؛ فقد تضطر الصين إلى الانخراط في صراعات المنطقة والانحياز لأطراف على حساب أطراف أخرى، وقد يضعها في مواجهة مبكرة مع الولايات المتحدة في المنطقة لا تريدها.
الصين أكبر بلد مُستهلك للنفط السعودي
قال جوناثان فولتون، باحث غير مقيم في المجلس الأطلسي إن زيارة شي بينغ الأخيرة، هي الخامسة لرئيسٍ صيني للمملكة، وأسفرت جميعها عن توسيع التعاون بين البلدين، بدايةً من زيارة الرئيس جيانغ زيمين في 1999 الذي وقعَ اتفاقية للتعاون النفطي الاستراتيجية التي جعلت الصين أكبر بلد مُستهلك للنفط السعودي، وفقا لما نقله موقع 24 الاخباري العربي.
وقال الباحث في تحليل نشره مركز الأبحاث الأمريكي "لا يجب أن يكون انحياز بكين إلى دول الخليج مفاجئاً. وارتقت الزيارة قبل الأخيرة في 2016 للملك سلمان إلى الصين والتي وقعَ فيها الطرفان اتفاقية شراكة استراتيجية شاملة بمرتبة المملكة إلى أعلى المستويات الدبلوماسية لدى الصين.
وفي الزيارتين تطورت العلاقات بين البلدين فشملت شراكة أكثر تنوعاً على صعيد التجارة والاستثمار والتمويل والتعاون التقني والتعليم والأمن.
ومن ناحية أخرى، لم تسفر محاولات الرئيس الأمريكي جو بادين استعادة العلاقات مع السعودية بعد زيارته في يوليو(تموز) الماضي عن النتائج المرجوة، الأمر الذي عكسه قرار منظمة أوبك خفض إنتاج النفط الخام الذي عدّته واشنطن "ضربة لمساعي بايدن".
ومع ذلك، فإن الربط بين زيارة شي وزيارة بايدن يغفل جوانب كثيرة في اهتمام الصين والسعودية بتعزيز مكانتيهما لدى بعضهما. ورغم تأكيدات وزير الخارجية الأمريكي الأسبق مايك بومبيو، فإن تردي العلاقات الأمريكية السعودية ليس نتاج "السياسية الأمريكية العقيمة" ولا بسبب تحوط الرياض لإبرام صفقة أفضل مع واشنطن.
الصين قوة عظمى شريكة
فالسعوديون، ودول مجلس التعاون الخليجي، يعدون الصين قوةً عظمى شريكة واعدة، تشغل مقعداً في مجلس الأمن، وتُعدّ سوقاً أساسية للطاقة، ومصدراً للدعم والاستثمار التقنيين يمكن أن يساعد على بناء اقتصادات متنوعة.
وكانت قمة الصين والدول العربية في 8 ديسمبر (كانون الأول) محل إشادة بها بوصفها تمهيداً لعصرٍ جديد من العلاقات.
وعَقدَ منتدى التعاون الصيني العربي اجتماعاً وزارياً مرةً كل عامين منذ 2004، بالتبادل ما بين الصين وعاصمة عربية كل مرة.
وفي كل اجتماع منها، حدَّدت الصين والدول الأعضاء في الجامعة العربية الجوانب ذات الأولوية للتعاون على مدار العامين المواليين.
وكان من المُقرر أن تشهد 2022 منتدى التعاون بين الصين والدول العربية، لكن القمة عوضت المنتدى وخدمت الغرض ذاته تقريباً. ويبدو أن قمة الصين ودول مجلس التعاون الخليجي شكل جديد للحوار الإستراتيجي بين الصين ودول المجلس الذي عُقَدَ أول مرة في 2010.
وأوضح الباحث أن قمة الصين ودول مجلس التعاون الخليجي، عنوان جديد للحوار بين الصين ودول المجلس.
تعاون عملي
وفي افتتاح قمة الصين والدول العربية في 8 ديسمبر (كانون الأول)، رسمَ شي الخطوط العريضة لثمانية جوانب لـ "التعاون العملي" هي دعم التنمية، والأمن الغذائي، والصحة العامة، والابتكار المُراعي للبيئة، وأمن الطاقة، والحوار بين الحضارات، وتنمية الشباب، والأمن، والاستقرار.
البيان الختامي للقمة الصينية السعودية
أما القمة الصينية السعودية في 9 ديسمبر (كانون الأول)، فكانت أكثر إبهاراً، وفق التحليل. فالبيان الختامي للقمة يدلل على مدى التعاون الوثيق بين البلدين وطموحاتهما لمواصلة "التعاون في شتى المجالات".
وفي زيارة الرئيس الصيني للسعودية في 2016، شكَّلَ البلدان لجنة مشتركة رفيعة المستوى تتولى الآلية التوجيهية للتعاون الإسترايجي الشامل. وظلّ رؤساء اللجنة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان من الجانب السعودي ونائبا رئيس الوزراء الصيني جانغ جو لي، وهان زهنغ من الجانب الصيني يلتقون بانتظام، ويجلبان الوفود لتوقيع مذكرات تفاهم تتحول إلى عقود في اجتماعات اللجنة المشتركة رفيعة المستوى.
وبعد هذه القمة، أعلنت السعودية توقيع 46 مذكرة تفاهم واتفاقية بنحو 50 مليار دولار.
حل سلمي للجزر الثلاثة
واشار الباحث إلى أن من النتائج السياسية اللافتة للنظر بعد القمة، دعوة الصين إلى حل سلمي لقضية الجزر الإماراتية الثلاث، طنب الكبرى، وطنب الصغرى، وأبو موسى. فبعد الانسحاب البريطاني من الخليج في 1971، استحوذت إيران عليها.
وكان من اللافت أن تضغط الصين في هذا الملف، وعدّت طهران تدخلها في القضية خيانة بعد عقد الجانبان أيضاً شراكة استراتيجية شاملة.
ورغم الإجماع العام على أن الصين وإيران شريكان طبيعيان، لا يجب أن يكون انحياز بكين إلى دول الخليج مفاجئاً أيضاً، حسب الباحث، فالمصالح الاقتصادية الصينية مع الشاطئ العربي للخليج تفوق بكثير ما لها من منافع مع إيران، ويُهدد سلوك طهران الذي يهدد المنطقة، الاستقرار الذي تُقدره بكين.
واختتم الباحث تحليله بالقول: "ليس على الولايات المتحدة أن تنتصر على الصين، لكنها في حاجة إلى الاستجابة الإيجابية لمكانة الشرق الأوسط في الإستراتيجية الأوسع نطاقاً، والتعاطي في آنٍ واحد مع مخاوف حلفاء وشركاء الشرق الأوسط وشمال إفريقيا".