بحوث ودراسات
مؤسسة اليوم الثامن للإعلام والدراسات
الاعتداءات الحوثية على المرور العابر في مضيق باب المندب.. (رؤية قانونية بحثية)
مقدمة: نتيجة لتفاقم المشكلات البحرية وأطماع بعض الدول للسيطرة على البحار والمحيطات واستغلالها واستثمار أعماقها, كانت السيطرة على شواطئ المضيق تستند قديما إلى فكرة الملكية الخاصة للدولة الساحلية لأنها لم تكن ذا أهمية للملاحة الدولية وعند التطور طرأ على ازدياد استخدام المضائق كممرات رئيسية للنقل البحري بعيد المدى أصبحت الممرات ضرورية لجميع الشعوب فقد دعت الامم المتحدة الى عقد مؤتمرات دولية للبحار اثمرت الى عقد اتفاقيات دولية لتقنين قواعد القانون الدولي للبحار مثل اتفاقية جنيف في عام 1958م واتفاقية جاميكا لعام 1982م.
تعريف المضيق وانظمة المرور فيه:-
المضيق من حيث اللغة كل ما ضاق من الاماكن والأمور والمضيق: هو مياه تفصل بين اقليمين وتصل بين بحرين ويشترط وصف المضيق في المياه ما يلي:
1_ أن يكون جزء من البحر
2_ أن يكون محدود الاتساع ([i]).
3_ ألا يكون صناعي أي ان المضيق يجب ان يكون مجرى طبيعي ان يفصل بين منطقتين من الارض وان يصل منطقتين من البحر.
وقد عرفته محكمة العدل الدولية المضيق في قضية (كورفوا) انه ممر بين جزئيين من الارض ويصل بين جزئيين من البحر المفتوح واستخدامه في الملاحة الدولية([ii]) ونظرا لأهمية المضايق الدولية وضع نظامان للمرور فيهما :-
الاول: - هو نظام المرور البريء ويشمل الملاحة عبر البحر الاقليمي بان المرور البريء هو ذلك المرور السريع المتواصل عبر البحر الاقليمي دون توقف ولا يحدث ضررا بأمن وسلامة الدولة الساحلية.
السفن المارة مرورا بريء في البحر الاقليمي أن تكون رافعة علمها والقواصات يجب أن تكون طافية على الماء رافعة علمها اما إذا مرت في المضيق فتكون غاطسة. وهناك حالات لتوقف المرور البريء في البحر الاقليمي وهي في حالة القوة القاهرة وإصلاح عطل طارئ أو إغاثة سفينة أخرى، ويحق للدولة الساحلية ان تصدر قوانين تنظم المرور البريء وهذا ما نصت علية المادة (21) من اتفاقية جاميكا لقانون البحار لعام 1982م ونصت المادة (22) من نفس الاتفاقية بإقامة ممرات بحرية وتخصيص قطاعات لمرور السفن.
وعلى السفن المارة مرور بريء أن تمتنع على التهديد باستعمال القوة ضد سيادة الدولة الساحلية، وعلى الدولة الساحلية عدم اعاقة السفن المارة مرورا بريء وعدم فرض شروط قاسية ([iii])
ثانيا:- نظام المرور العابر وهو المرور السريع المتواصل وبدون توقف في المضيق للسفن والطائرات.
وقد نصت المادة (38) من اتفاقية الامم المتحدة لقانون البحار لعام 1982م على ان تتمتع جميع السفن والطائرات في المضيق بالعبور السريع والمتواصل دون توقف.
ويعد نظام المرور العابر من الانظمة التي استخدمتها اتفاقية الامم المتحدة لعام 1982م لقانون البحار ولم تكن من الانظمة الملاحية المعروفة من قبل([iv])
والمرور العابر حق وليس رخصه لذا لا تتوقف ممارسته على ارادة الدولة الساحلية بل على العكس يقع على تلك الدولة الالتزام بعدم عرقلته وعلى الدولة الساحلية الاعلان عن أي خطر يهدد الملاحة والطيران
مضيق باب المندب ووضعه القانوني
يمتلك مضيق باب المندب اهمية استراتيجية واقتصادية لا مثيل لها حيث يربط البحر الاحمر من الشمال الغربي بخليج عدن والمحيط الهندي وفي الجزء الجنوبي الشرقي يفصل المضيق شبة الجزيرة العربية من الجهة الشمالية الشرقية عن القارة الافريقية بالجزء الجنوبي الغربي يشكل المضيق حلقة وصل بين المحيط الهندي والبحر الابيض المتوسط من خلال البحر الاحمر وقناة السويس والجدير بالإشارة الى ان جزيرة ميون تقسم المضيق الى قسمين وهما القناة الشرقية والتي تسمى بمضيق الاسكندر والقناة الغربية تسمى دقة المايون واتساع المضيق 20 ميلا بحريا([v]), ولأهمية هذه الجزيرة توالت عليها الاحتلالات الاجنبية الاحتلال البرتغالي 1513م الاحتلال الفرنسي 1738م والاحتلال البريطاني الاول 1799م والثاني 1857م واستمر حتى القرن العشرين وفي عام 1967م وبعد استغلال جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية أصبحت الجزيرة جزء من أراضيها تخضع لسيادتها.
وتكمن أهمية الجزيرة من خلال اشرافها على مضيق باب المندب الذي تكمن اهميته بكونه يمثل بوابة العالم لتبوؤه بين الخليج العربي بثروته النفطية والبحر الاحمر الذي يعد اكبر طريق ملاحي للشاحنات الضخمة وناقلات البترول الى اوروبا وامريكا كما أن 80% من النفط العربي المصدر الى الخارج ينساب عبره ويمر منه ايضا البترول الايراني الذي يقضي احتياجات اسرائيل ويمول مصانعها وتجارتها الخارجية، كما يعتبر واحد من اهم المحاور الاستراتيجية التي يدور حولها الصراع في الشرق الاوسط ([vi])
وبالعودة الى المادة الثالثة من اتفاقية قانون البحار نجد أن اليمن قد اتخذت بالفعل قرار بتحديد اتساع بحرها الاقليمي ب12 ميلا بحريا ويتم قياس ذلك من خط الاساس لجزيرة ميون الواقعة في منتصف مضيق باب المندب، وفي التشريعات المحلية القانون رقم (37) لسنة 1991م تم تحديد البحر الاقليمي للمياه اليمنية بمسافة 12 ميلا بحريا باتجاه البحر تقاس بخط الاساس والمستقيم او من ادنى مستوى لمياه الجزر المنحصرة والممتدة طول الساحل كما هو موضح بالخرائط ذات المقياس الكبير المعترف بها.
كما نصت المادة (7) من نفس القانون (تتمتع السفن الاجنبية بحق المرور البريء عبر البحر الاقليمي للبلاد ويكون المرور بريء ما دام لا يضر بأمن البلاد وسلامتها وحسن نظامها واستغلالها ([vii])
ونصت المادة التاسعة من نفس القانون المذكور اعلاه أن على السفن الاجنبية التي تدار بالطاقة النووية او تلك التي تحمل مواد نووية او غيرها من المواد والمنتجات المشعة أشعار السلطات المختصة في البلاد مسبقا بدخولها ومرورها عبر البحر الإقليمي.
وعلى هذا الاساس فأن عرض المضيق الكلي 20 ميلا بحريا وبذلك يقع جزء منه في المياه الدولية باعتبار أن اليمن قد حددت بحرها الاقليمي في 12 ميلا بحريا([viii]). فأن تنظيم حركة المرور في مضيق باب المندب يتم وفقا لاتفاقية الامم المتحدة لقانون البحار لعام 1982م وهو نظام المرور العابر وهو مرور السفن والطائرات مرورا سريعا ومتواصلا وهو ما اكدته المادة (83) من اتفاقية الامم المتحدة لقانون البحار لعام 1982م على أن تتمتع جميع السفن والطائرات المرور في المضيق ولا يجوز أعاقة المرور العابر من قبل الدول المشاطئة او غير المشاطئة تحت أي غرض كان والاعلان على أي مخاطر تهدد الملاحة والطيران وعلى القواصات ان تكون غاطسة.
الاعتداءات الحوثية على المرور العابر في مضيق باب المندب-
إن الاعتداءات الحوثية على المرور العابر للسفن التجارية والعسكرية في مضيق باب المندب وكذلك على الملاحة في البحر الاحمر، تعتبر هذه الاعتداءات انتهاكا واضحا لقواعد القانون الدولي للبحار واتفاقية الامم المتحدة لقانون البحار
وتعتبر هذه الاعتداءات تهديدا للأمن البحري في المنطقة وتشمل هذه الاعتداءات استهدافا للسفن التجارية والعسكرية سواء بواسطة القذائف البحرية والهجمات بالطائرات المسيرة والصواريخ مما يعرض سلامة السفن وحركة المرور البحري للخطر. وهذه الاعمال تثير المخاوف بشأن استمرار حركة التجارة العالمية وتأثيرها على الاقتصاد العالم فضلا على تهديد الأمن والسلم الاقليمي والدولي .ان الحفاظ على السلم والامن الدولي يعتبر من الاهداف الرئيسية التي تسعى الى تحقيقها منظمة الامم المتحدة وقد جاء في ديباجة الميثاق المنشأ لمنظمة الامم المتحدة(نحن شعوب الامم المتحدة وقد آلينا على انفسنا أن ننقذ الاجيال المقبلة من ويلات الحرب وأن ننظم قوانا كي نحتفظ بالأمن والسلم الدولي وأن نكفل بقولنا مبادئ معينة ورسم الخطط اللازمة لها وان لا نستخدم القوة المسلحة في غير المصلحة المشتركة ).
ويقصد بالمحافظة على السلم الدولي في هذا الخصوص منع الحروب واستخدام العنف وكل من شأنه الاخلال بالسلم الدولي ويقصد بالأمن الدولي منع الاسباب التي تهدد السلم وإزالتها ([ix]).
ومنذ 25 مارس 2015م تقدمت المليشيات الحوثية لاحتلال قاعدة العند تمهيدا للوصول للسيطرة على مضيق باب المندب الاستراتيجي وكان ذلك بالتعاون والدعم من ايران والهدف تهديد الامن القومي العربي لاسيما أن 98% من حركة السفن التي تمر الى قناة السويس تأتي عبر مضيق باب المندب وأهمية المضيق عربيا يأتي في كونه يرتبط في قناة السويس اولا ثم في مضيق هرمز ثانيا ([x]) ولذلك تدخل التحالف العربي (عاصفة الحزم ) ووفقا لقرار مجلس الامن رقم 2216 وكان لمضيق باب المندب دورا عظيما كونه كان بوابة دخول لمساعدة القوات الجنوبية في دحر الحوثيين من المناطق الجنوبية .
وكان وما زال المشروع الاقليمي الايراني شديد الوضوح في تحقيق اكبر قدر من النفوذ والانتشار والسيطرة بواسطة الحوثيين على مضيق باب المندب ويصبح المدخل الجنوبي لقناة السويس مهددا وتصبح صعدة بؤرة نفوذهم ملاصقة للحدود الجنوبية السعودية مصدر تهديد لأمنها وقد ترجم هذا التهديد بالفعل في الهجمات الصاروخية التي هددت العمق السعودي([xi]) وتهديدات الحوثيين ومن ورائهم ايران على مضيق باب المندب لغرض الا وهو الضغط على المملكة من كافة الجهات والحوثيين يتفقون مع الإيرانيين بالمذهب الديني اذ ان الاطماع الايرانية لن تتوقف عند الحد للدخول في الصراع الحوثي كقوة داعمة فقط بل أن لها وجود في دولة اريتريا حيث تحتفظ بوجود عسكري في منطقة عصب مقابل تزويد اسمرة بالنفط المخفض ([xii]).
فأن الاعتداءات الحوثية على مضيق باب المندب والملاحة في البحر الاحمر وتعطيل التجارة الدولية أدى الى ادانة العديد من الدول والمنظمات الدولية واعتبرتها انتهاك لقواعد القانون الدولي وتدعوا الى وقفها والعمل على استعادة الاستقرار والامن في المنطقة.
وقد أصدر مجلس الامن 6 قرارات ضد اعمال القرصنة في البحر الاحمر وكذلك قام المجتمع الدولي في تشكيل احلاف عسكرية من دول اقليمية وعالمية التي تهدف الى مكافحة التهديدات الامنية مثل القرصنة وتهريب الاسلحة والعمال الارهابية حرية الملاحة وسلامة السفن التجارية في الممرات المائية والملاحة في البحر الاحمر.
التوصيات
- السعي لدى مجلس الامن اصدار قرار ضد الميليشيات الحوثية يشبه قرار رقم (1851) لسنة 2008م الذي اعطى الضوء الاخضر لتشكيل قوة عسكرية لمهاجمة القراصنة في مناطق وجودهم.
- على التحالف الدولي المشكل لحماية الملاحة في البحر الاحمر ان تكون ضرباته العسكرية أكثر دقه للميليشيات الحوثية التي تهاجم الملاحة في البحر الاحمر.
- انشا نظام أمنى من دول الاقليم لحماية الملاحة البحرية والممرات المائية في البحر الاحم
- التنسيق مع الدول الاقليمية والدول الكبرى في العالم على ضرورة استعادة جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية ولغرض سيادتها الإقليمية المعترف بها قبل عام 1990م لأنها الضمان لاستقرار الملاحة في الممرات المائية في البحر الاحمر ومرور التجارة العالمية.
- دعم القوات المسلحة للمجلس الانتقالي الجنوبي بالأسلحة النوعية لكونه سلطة أمر واقع لحماية مضيق باب المندب والملاحة في البحر الأحمر.
- على دول الخليج العربي ودولة مصر الاعتراف بالمجلس الانتقالي لكونه سلطة امر واقع والسعي مع دول العالم الكبرى لاستعادة مقعد جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية في منظمة الامم المتحدة وذلك من اجل الحفاظ على الامن القومي لدول الخليج العربي ودولة مصر العربية كونهم مهددات من قبل إيران وذارعها الحوثيين للسيطرة على مضيق باب المندب.
الهوامش:
[i] ) صلاح الدين عامر: القانون الدولي الجديد للبحار، الثقافة القانونية اصدار المجلس الاعلى للثقافة، القاهرة 1998. ص19
[ii] ) محمد طلعت العنين : الوجيز في قانون السلام، منشأة المعارف الاسكندرية، 1975م ، ص 518/ .519
[iii] ) نعيمة حمد عمران،مضيق هرمز وضرورة ضمان حرية الملاحة فيه وأهمية الملاحة العربية ,ورقة بحث مقدمة الى كلية الهندسة جامعة الشارقة 6 ديسمبر 2008م.
[iv]) عبد المجيد العبدلي : قانون العلاقات الدولية ، ط 2 تونس ، 2000م ,ص172.
[v] ) د/علي قائد احمد الحوباني ,القانون الدولي للبحار والحفاظ على البيئة البحرية جامعة عدن 2010م .ص94
[vi] ) اليوسفي امين محمد قائد، النظام القانوني للمضائق المركز اليمني للدراسات الاستراتيجية 2008م ,ص133
[vii] ) د/علي قائد احمد الحوباني , مرجع سابق ,ص 63
[viii]) محمد علي حسين الاهدل، النظام القانوني للمضائق الدولية في ظل اتفاقية الامم المتحدة لقانون البحار لعام 1982م ,والقانون البحري اليمني العدد 54, دراسات يمنية 1997م, ص193/ 196.
[ix] ) غانم سعيد سعد، الوسيط في قانون المنظمات الدولية جامعة عدن 2013م ص113.
[x] ) صحيفة الخليج 9/اكتوبر /2015م، باب المندب صمام الامن العربي.
[xi]) احمد يوسف احمد، نحو بدائل في التصعيد في المنطقة، الاهرام:30نوفمبر 2017م.
[xii] ) حامد سيد محمد حامد, القرصنة البحرية بين الاسباب والتداعيات والرؤى الاستراتيجية, دراسة للحالة قبالة السواحل الصومالية وخليج عدن المركز القومي للإصدارات القانونية لعام 2016م, ص51/52.
- المراجع:
- قانون العلاقات الدولية، عبد المجيد العبدلي : ط 2 تونس ، 2000م
- القانون الدولي الجديد للبحار، الثقافة القانونية صلاح الدين عامر: اصدار المجلس الاعلى للثقافة، القاهرة 1998.
- القانون الدولي للبحار والحفاظ على البيئة البحرية د/علي قائد احمد الحوباني جامعة عدن 2010م.
- القرصنة البحرية بين الاسباب والتداعيات والرؤى الاستراتيجية، دراسة للحالة قبالة السواحل الصومالية وخليج عدن حامد سيد محمد حامد، المركز القومي للإصدارات القانونية لعام 2016م
- الوجيز في قانون السلام، محمد طلعت العنين، منشأة المعارف الاسكندرية، 1975م
- مضيق هرمز وضرورة ضمان حرية الملاحة فيه وأهمية الملاحة العربية، ورقة بحث مقدمة الى كلية الهندسة جامعة الشارقة 6 ديسمبر 2008م.
- النظام القانوني للمضائق الدولية في ظل اتفاقية الامم المتحدة لقانون البحار لعام 1982م ,والقانون البحري اليمني محمد علي حسين الاهدل، العدد 54, دراسات يمنية 1997م
- الوسيط في قانون المنظمات الدولية غانم سعيد سعد جامعة عدن 2013م
- نحو بدائل في التصعيد في المنطقة، احمد يوسف احمد، الاهرام:30نوفمبر 2017م
- اليوسفي امين محمد قائد، النظام القانوني للمضائق المركز اليمني للدراسات الاستراتيجية 2008م.