تطورات اقليمية
اندفاع غير محسوب..
عملية البحر الميت تفتح الباب أمام مواجهة جديدة بين الإخوان المسلمين والدولة الأردنية
تواجه العلاقة بين جماعة الإخوان المسلمين والدولة الأردنية أكبر تحدٍ منذ سنوات، على خلفية إشادة الجماعة بعملية البحر الميت التي نفذها شابان أردنيان من أصول فلسطينية، وأسفرت عن إصابة جنديين إسرائيليين قبل مقتلهما. هذا الموقف أثار صدمة الرأي العام الأردني، الذي وإن كان يدعم القضية الفلسطينية، إلا أنه يرفض الزج بالأردن في صراع إقليمي قد يتفاقم خارج السيطرة، خصوصًا أن المملكة تعتبر الحلقة الأضعف في المنطقة ولا تستطيع تحمل مثل هذه السيناريوهات.
وأقدم شابان أردنيان من أصول فلسطينية الجمعة، الثامن عشر من أكتوبر الجاري، على التسلل إلى الجانب الإسرائيلي من الأراضي الأردنية عبر منطقة البحر الميت، في هجوم أسفر عن إصابة جنديين إسرائيليين، قبل أن يعلن الجيش الإسرائيلي عن قتلهما.
وسارع حزب جبهة العمل الإسلامي، الذراع السياسية لجماعة الإخوان، إلى مباركة العملية في بيان أول، تبعه بيان ثان صدر بعد ساعات عن الجماعة بمحتوى مغاير وصف العملية بـ”الفردية”، بدا أن الهدف منه التخفيف من الاندفاعة التي حصلت، والتي أثارت ردود فعل رسمية وحتى شعبية كبيرة داخل المملكة.
وقال البيان الأول لحزب جبهة العمل الإسلامي إن العملية “البطولية” نفذها “اثنان من شباب الحركة الإسلامية الشهيد البطل عامر قواس والشهيد البطل حسام أبوغزالة”، ورأى أن “هذه العملية تعبّر بالرصاص والدم تعبيرا صادقا عن موقف الشباب الأردني الحر ونبض الشارع الأردني الداعم لصمود الشعب الفلسطيني ومقاومته للاحتلال، وتمثل ردا طبيعيا على مجازر الإبادة الجماعية التي ترتكب بحق إخواننا في الدم منذ أكثر من عام وسط تواطؤ دولي فاضح وصمت عربي مخز”.
وطالب الحزب في بيانه الذي صدر عن “المكتب التنفيذي” أن “تعيد الحكومة الأردنية النظر بكافة الاتفاقيات الموقعة مع العدو الصهيوني ووقف الممر البري”، وما قال إنه “إعادة العمل بالجيش الشعبي”.
موقف الذراع السياسية لجماعة الإخوان كان مفاجئا إلى حد كبير، ووصفه البعض بأنه غير عقلاني، فيما قال آخرون إنه يقود إلى قراءة خطيرة مفادها أن جماعة الإخوان باتت أقرب إلى محور إيران وأنها تجر الأردن إلى مربع كانت المملكة عملت على تجنبه منذ انفجار الأوضاع في المنطقة، إثر هجوم حركة حماس في السابع من أكتوبر 2023 على جنوب إسرائيل.
ولعل رد الفعل الأبرز كان ذلك الذي صدر عن رئيس الوزراء جعفر حسان، الذي اعتبر أن “التحريض على الوطن وسلامته” موضوع مختلف عن التعبير والتضامن مع فلسطين، مشددا على أن بلاده لن تكون “مسرحا للفوضى والعبث”.
حديث حسان جاء خلال جلسة لمجلس الوزراء السبت، وهو أول تعليق رسمي على ما تبع هجوم “البحر الميت”، والذي يكشف عن حالة من الغضب الرسمي حيال العملية وموقف الحركة الإسلامية منها.
ويرى محللون أن جماعة الإخوان المسلمين وذراعها السياسية وجدتا نفسيهما في مواجهة مع الدولة الأردنية، وليس مع إسرائيل، وأن تلك الاندفاعة قد تكون لها تبعات على وضع الحركة الإسلامية، ومستقبلها، حيث إن الدولة لن تسمح بتجاوز يمكن أن يهدد استقرار المملكة.
وسبق وأن أكد العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني مرارا على أن أمن المملكة وسلامتها خطان أحمران.
وعلى مدى عقود خلت، اتسمت علاقة الإخوان مع السلطة السياسية في الأردن بالتناغم، لكن الوضع تغير حينما اندفعت الجماعة في العام 2011 إلى تصدر مشهد الاحتجاجات في المملكة، وكانت تأمل حينها في توظيف الوضعين الإقليمي والداخلي لتغيير المعادلة داخل المملكة، وفرض نفسها رقما صعبا فيها، أسوة بنظرائها في مصر وتونس وليبيا.
لكن اندفاعتها حينها باءت بالفشل حيث نجحت السلطة السياسية في استيعاب تلك الاحتجاجات، وخسرت الجماعة آنذاك ثقة السلطة، التي اتخذت بعض الخطوات من بينها وضع إطارها القانوني قيد المساءلة، لكن من دون أن تذهب السلطة بعيدا في تحجيمها.
ومع اندلاع الأحداث في غزة، عقب “طوفان الأقصى” سمحت السلطات الأردنية للجماعة بتصدر موجة الاحتجاجات والتي رفعت خلالها شعارات مناهضة للعلاقة مع إسرائيل ومطالبة بإلغاء اتفاقية وادي عربة للسلام (1994).
واتهمت قوى سياسية حينها الجماعة بالعمل على الاستفراد بالشارع الأردني، فيما اكتفت السلطات بشن بعض الاعتقالات بحق عدد من نشطاء الجماعة، لتورطهم حينها في عمليات استفزاز.
وفي وقت سابق من العام الجاري تم الكشف عن خلايا محسوبة عن جماعة الإخوان متورطة في عمليات تهريب وتخزين أسلحة، وعملت قيادة الجماعة حينها على النأي بنفسها عن تلك العمليات المتهمة فيها أيضا إيران.
وكان هذا الموقف متوقعا من الجماعة، لكن خطوتها بمباركة هجوم البحر الميت الجمعة الماضية وتأكيدها أن منفذيها ينتمون إليها، أثارا استغراب حتى المحللين، حيث إن هذا ليس دأب جماعة الإخوان في الأردن.
مع اندلاع الأحداث في غزة، عقب "طوفان الأقصى" سمحت السلطات الأردنية للجماعة بتصدر موجة الاحتجاجات والتي رفعت خلالها شعارات مناهضة للعلاقة مع إسرائيل
وشن الوزير الأردني السابق سميح المعايطة المقرّب من دوائر صنع القرار، هجوما على الجماعة. وقال المعايطة وهو كادر سابق في الجماعة، عبر قناة المملكة الرسمية، إن “على الإخوان المسلمين تقديم توضيحات للدولة الأردنية حول عملية البحر الميت وإذا كان القرار بإنشاء تنظيم مسّلح، فهذا تغيير جذري سيحدد عليه مسار العلاقة مع الدولة بشكل جوهري”، وأضاف أن “هناك فرقا بين عمليات فردية تعودنا عليها وبين عمل متبنى من تنظيم أردني سياسي في البلاد”.
وقال الكاتب الصحفي محمد التل إن عملية البحر الميت تصرف غير عقلاني ويعرض مصالح الأردن للخطر، فيما انتقد أيضا الإعلامي الدكتور خلف الطاهات جماعة الإخوان في مقال نشره على منصته الإلكترونية مشيرا إلى أنه “لا وقت لترف الاستعراض والشعبويات على حساب الأمن والاستقرار في المملكة”.
ويطرح ما حدث الكثير من الأسئلة أبرزها كيف ستتعامل السلطة السياسية مع المستجد؟ وكيف سيكون مستقبل العلاقة مع جماعة الإخوان التي نجحت عبر ذراعها السياسية في الحصول على كتلة نيابية وازنة في الانتخابات التشريعية التي جرت في سبتمبر الماضي؟ وهل ستقبل السلطة تمرير ما حصل بعد البيان التداركي للجماعة؟
وبعد ساعات على صدور البيان الأول الجمعة، صدر بيان لجماعة الإخوان وصف العملية بالفردية.
ونفى الناطق باسم الجماعة معاذ الخوالدة لموقع “سي.أن.أن” بالعربية صدور تصريح عنه بتبني “الجماعة للعملية”، وقال “لم أتبن العملية كما نشر على لساني”.
واعتبر البيان الثاني أن “عملية البحر الميت البطولية، جاءت كرد فعل فردي من شباب أردنيين لم يتحملوا مشاهد الوحشية الصهيونية الغاشمة”، واستذكر البيان عمليات سابقة، من بينها عملية الأردني ماهر الجازي منفّذ هجوم جسر الملك حسين – اللنبي في شهر سبتمبر، وكذلك “تضحيات الجيش العربي الذي ما زالت دماء شهدائه شاهدة على أرض القدس وفلسطين”، بحسب وصف البيان.
وقالت الجماعة في بيانها إنها “ستبقى كما كانت دوما في خندق الوطن تحرص على وحدته وأمنه واستقراره”.