ترجمة

"الاعتراف المفقود من الدبلوماسية الأمريكية"..

الدبلوماسية الأمريكية والاعتراف المفقود: أهمية دعم استقلال أرض الصومال اليمن الجنوبي

مواطنون أمريكيون من أصول يمنية جنوبية ينظمون فعالية في الولايات المتحدة الأمريكية تدعم مشروع الاستقلال - اعلام رسمي stc

واشنطن

تواجه السياسة الخارجية الأمريكية مؤخرًا انتقادات متزايدة بسبب تجاهلها دعوات الاستقلال لكل من أرض الصومال واليمن الجنوبي؛ إذ يطالب كلا الطرفين بالانفصال عن حكومات مركزية يعتبرانها غير قادرة على تلبية تطلعات شعبيهما وتوفير الأمن والاستقرار.

يبرز الكاتب مايكل روبين في مقالة نشرتها مجلة national security journal مفارقة واضحة؛ إذ يشير إلى تاريخ الولايات المتحدة الحافل بدعم انفصال الدول والشعوب التي تسعى للتحرر من اتحادات فاشلة، في حين تتجاهل اليوم إرادة شعبين يمتلكان حدودًا معترفًا بها دوليًا وسجلًا حافلًا بالاستقرار النسبي مقارنة بجيرانهما.

وفي ظل التحديات الأمنية والسياسية التي تواجه المنطقة، يدعو روبين إلى ضرورة إعادة تقييم المواقف الأمريكية تجاه استقلال أرض الصومال واليمن الجنوبي، مشددًا على أن هذا التغيير قد يعزز الأمن الإقليمي ويخدم المصالح الاستراتيجية الأمريكية.

ناقش مايكل روبين في مقاله تجاهل السياسة الخارجية الأمريكية لقضيتي استقلال أرض الصومال واليمن الجنوبي، مشيرًا إلى أن الولايات المتحدة تركز على الحفاظ على وحدة الدول الحالية، متجاهلةً رغبة بعض المناطق في الاستقلال، مثل أرض الصومال وجنوب اليمن. 

يُبرز المقال – الذي ترجمته الزميلة ماريا هاشم، المحررة في مؤسسة اليوم الثامن للإعلام والدراسات – أن أرض الصومال تتمتع بحكومة مستقرة ونظام ديمقراطي فعال، بينما يسعى جنوب اليمن إلى استعادة استقلاله الذي فقده بعد الوحدة مع الشمال.

ويحذر روبين من أن استمرار تجاهل هذه القضايا قد يؤدي إلى زعزعة الاستقرار في المنطقة، ويدعو صانعي القرار الأمريكيين إلى إعادة تقييم مواقفهم تجاه هذه الحركات الاستقلالية.

وقال إن واشنطن تخطئ عندما تتجاهل الواقع؛ فكل من أرض الصومال وجنوب اليمن يطالبان بالاستقلال، وفي كلتا الحالتين، سيكون استقلالهما مفيدًا للأمن القومي الأمريكي. ومع ذلك، ترفض وزارة الخارجية الأمريكية الاعتراف، متذرعةً بشكل أساسي بأن الدولة، بمجرد دخولها في "زواج" مع شريك، يجب أن تبقى مرتبطة به بغض النظر عن مدى إساءة هذا الشريك.

فند الكاتب مزاعم الإدارة الأمريكية بشأن موقفها من دعم الانفصال في العديد من الدول، قائلاً: "إن وزارة الخارجية توضح أنها تعترف بالحدود الحالية وأن السماح للدول بالانقسام قد يخلق سوابق ويؤدي إلى فوضى. إلى حد ما، هذا صحيح، خاصةً في الدول التي تواجه حركات انفصالية دون سوابق كدول مستقلة. ولكن، من الناحية النظرية، قد تنهار نيجيريا، إثيوبيا، باكستان، جمهورية الكونغو الديمقراطية، بل وحتى روسيا والصين إلى وحداتها المكونة. تكمن المشكلة عندما تخلط وزارة الخارجية بين هذه الحالات وحالات الدول المتحدة التي تسعى للعودة إلى وضعها السابق".

وقال: "في حين باركت الولايات المتحدة في وقت ما انفصالها، مما أفاد الحرية والأمن معًا، نجد اليوم وزارة الخارجية تفعل العكس، محققةً غالبًا نتائج معادية للحرية والمصالح الاستراتيجية الأمريكية. ففي عام 1958، اتحدت مصر مؤقتًا مع سوريا لتشكيل الجمهورية العربية المتحدة. وبعد نجاحه في تأميم قناة السويس، أصبح الرئيس المصري جمال عبد الناصر شخصية بارزة في العالم العربي، وله العديد من المؤيدين في سوريا، الدولة التي كان كل من ناصر والغرب يخشى أن تسقط في أيدي الشيوعية. توقع السوريون أن يكونوا شركاء متساوين في الجمهورية الجديدة، لكن ناصر كانت له أفكار أخرى؛ فمصر كانت أكبر، وفي نظر ناصر، أكثر أهمية، ولذلك اعتبر أن لها كل الحق في السيطرة على الاتحاد. بحلول عام 1961، انتهى هذا "الزواج" بعد انقلاب في سوريا أدى إلى حل الاتحاد.".

وتابع: "الاتحاد العربي الهاشمي، وهو تكتل ملكي تشكل كرد فعل على الجمهورية العربية المتحدة، وحد الأردن والعراق لفترة وجيزة ولم يستمر أكثر من ستة أشهر، حيث انهار عندما أطاح الثوار بالنظام الملكي العراقي في عام 1958.

وذكر الكاتب أن الرئيس ريتشارد نيكسون ومستشاره للأمن القومي هنري كيسنجر كانا وراء الدبلوماسية السرية التي أدت إلى اعتراف واشنطن بجمهورية الصين الشعبية. ورغم أن كيسنجر والرئيس جيمي كارتر قد قبلا بالتخلي عن تايوان، فإن الكونغرس لم يكن على هذا النهج".

وأضاف: "بغض النظر عن الخطاب حول "الصين الواحدة"، تدعم الولايات المتحدة تايوان وحقها في الوجود ككيان منفصل خارج سيطرة الحزب الشيوعي الصيني".

وفي أفريقيا، قال مايكل روبين: "رسمت القوى الاستعمارية الحدود دون اعتبار يُذكر للتنوع العرقي واللغوي. ففي ديسمبر 1950، دعمت الولايات المتحدة الاتحاد بين إثيوبيا وإريتريا. مرة أخرى، لم يكن هذا اتحادًا سعيدًا، وفي عام 1991 استعادت إريتريا استقلالها، بدعم من الولايات المتحدة. من أغرب الحدود في أفريقيا تلك الخاصة بغامبيا، المستعمرة البريطانية السابقة، التي تمتد على ضفتي نهر غامبيا أثناء مروره عبر المستعمرة الفرنسية السابقة السنغال. يبلغ عرض غامبيا 31 ميلًا فقط في أوسع نقطة، بينما يصل طول ساحلها الأطلسي إلى 50 ميلًا، مما يجعلها ثالث أقصر ساحل في أفريقيا."

تروي قصة مشهورة، لكنها زائفة، أن البريطانيين رسموا حدود غامبيا بإطلاق قذائف المدافع من النهر وتحديد الحدود حيث سقطت القذائف. في الواقع، رسم البريطانيون والفرنسيون الحدود على مسافة أكبر قليلاً في العقد الأخير من القرن التاسع عشر. كان اقتصاد غامبيا يعتمد بشكل كبير على نهرها، إلا أن ما كان مكسبًا لغامبيا كان خسارة للسنغال، حيث قطعت الحدود الدولية البلاد عمليًا إلى نصفين، مما أعاق التماسك الاقتصادي والاجتماعي. في عام 1981، اتفقت الدولتان على الاتحاد، مشتركين في الجيش والاقتصاد والعملة، وأُسست الكونفدرالية السنغامبية في أوائل العام التالي، بحيث يُعين سنغالي دائمًا رئيسًا، بينما يتولى غامبي منصب نائب الرئيس.

لكن الاتحاد لم ينجح أبدًا؛ إذ خلقت 150 عامًا من التأثيرات الاستعمارية المختلفة انقسامات عميقة يصعب التغلب عليها. تزايدت الشكوك حول الإدارة الاقتصادية، وفي عام 1989، رفعت غامبيا دعوى لحل الاتحاد. وبسبب التوترات المنفصلة مع موريتانيا، وافق الرئيس السنغالي عبدو ضيوف على السماح لغامبيا بالعودة إلى وضعها السابق كدولة مستقلة.

لم تقف الولايات المتحدة في طريق انفصال تشيكوسلوفاكيا، وأقامت علاقات ودية مع كل من جمهورية التشيك وسلوفاكيا. وفي الوقت نفسه، دعمت القوات الأمريكية عمليًا حق جمهوريات يوغوسلافيا في استعادة استقلالها.

مؤخرًا، ورغم أن الرئيس باراك أوباما لم يوافق على تصويت المملكة المتحدة لـ"بريكست" للخروج من الاتحاد الأوروبي، لم يعترض هو ولا الرئيس دونالد ترامب على حق الشعب البريطاني الديمقراطي في اتخاذ هذا القرار.

أما إسرائيل، فهي لا تخفي أنها تعتبر الفلسطينيين في الضفة الغربية خارج حدودها، وليسوا جزءًا من دولة موحدة. ومع ذلك، فإن دعم واشنطن لحل الدولتين يتماشى مع موقف الولايات المتحدة الرافض لإجبار الشعوب على العيش معًا بسبب قوى خارجية.

بالنظر إلى تاريخها الطويل في قبول تفكك الاتحادات غير المستقرة، يُعد رفض الولايات المتحدة اليوم الاعتراف باستقلال أرض الصومال وجنوب اليمن موقفًا استثنائيًا. فقد اعترفت وزارة الخارجية الأمريكية سابقًا بكلا البلدين؛ إذ هنأ وزير الخارجية تشارلز هيرتر أرض الصومال عند استقلالها في عام 1960، واعترفت وزارة الخارجية رسميًا بجنوب اليمن في عام 1967.

كلا البلدين دخلا في اتحادات مع جيرانهما؛ انضمت أرض الصومال إلى المستعمرات الإيطالية السابقة لتشكيل الصومال، بينما اندمج شمال وجنوب اليمن بعد سقوط الاتحاد السوفيتي. لكن كانت هذه اتحادات غير موفقة؛ فقد شنّ الديكتاتور الصومالي سياد بري حملة إبادة جماعية ضد عشيرة الإسحاقيين في أرض الصومال، وسعى الديكتاتور اليمني علي عبد الله صالح إلى تهميش الجنوبيين في سعيه للسيطرة.

ولا توجد سلبيات كبيرة للاعتراف بإرادة شعب أرض الصومال وجنوب اليمن، سواءً بشكل مباشر أو عبر استفتاء دولي. وعلى عكس الحركات الانفصالية الأخرى، فإن لدى كل من أرض الصومال وجنوب اليمن حدودًا واضحة ومعترفًا بها دوليًا منذ استقلالهما. سيكون الأمن الذي يمكن أن يوفره البلدان في منطقة غير مستقرة ذا قيمة كبيرة، مما يسهم في حرية الملاحة ومواجهة النفوذ الإيراني في اليمن والنفوذ الصيني والتركي في الصومال.

غالبًا ما يستشهد الدبلوماسيون الأمريكيون بالسوابق لتبرير تجاهل تطلعات أرض الصومال وجنوب اليمن. ومن المفارقات أن وزارة الخارجية نفسها تبدو وكأنها لا تفهم هذه السوابق.

و د. مايكل روبين هو زميل أقدم في معهد "أمريكان إنتربرايز" ومدير تحليل السياسات في منتدى الشرق الأوسط. عمل سابقًا كمسؤول في البنتاغون، وعاش في إيران بعد الثورة، واليمن، والعراق قبل وبعد الحرب. كما قضى وقتًا مع طالبان قبل أحداث 11 سبتمبر. 

وعلى مدى أكثر من عقد، درّس دورات في البحر حول القرن الأفريقي وصراعات الشرق الأوسط، والثقافة، والإرهاب للوحدات البحرية ومشاة البحرية الأمريكية المنتشرة. 

وهو مؤلف ومشارك في تأليف وتحرير عدة كتب تتناول الدبلوماسية، وتاريخ إيران، والثقافة العربية، والدراسات الكردية، والسياسة الشيعية. 

مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة: منصة لتجديد الفكر العربي واستعادة المركزية الفكرية


معركة في الدوري الإنجليزي: غوارديولا أمام اختبار البقاء وتوتنهام لرد الاعتبار


دراسة أمريكية تسلط الضوء على العلاقة بين الأمراض النسائية والموت المبكر


هل يؤدي قرار المحكمة الجنائية الدولية إلى تغيير في السياسة الأوروبية تجاه إسرائيل؟