تطورات اقليمية
الصراع الفلسطيني الاسرائيلي..
اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس يدخل حيز التنفيذ.. من سيحكم قطاع غزة؟
يدخل اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة حماس حيز التنفيذ صباح الأحد، في خطوة تهدف إلى إنهاء حرب مدمرة استمرت نحو 15 شهرًا وأسفرت عن عشرات الآلاف من القتلى والنازحين في قطاع غزة. الاتفاق، الذي تم التوصل إليه بوساطة قطرية وأمريكية، يشمل تبادلًا للرهائن والأسرى ويثير تساؤلات حول مستقبل الحكم في القطاع.
وتم التصديق على الاتفاق في إسرائيل بموافقة 24 وزيرًا من الحكومة، بينما عارضه 8 وزراء ينتمون إلى أحزاب اليمين المتطرف مثل "عوتسماه يهوديت" و"الصهيونية الدينية"، بالإضافة إلى معارضة وزيرين من حزب "الليكود". نجح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو في إقناع وزير المالية بتسلئيل سموتريتش بعدم الانسحاب من الحكومة رغم معارضته للاتفاق، في حين أعلن وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير انسحابه من الائتلاف الحكومي مع إمكانية العودة إذا استؤنفت العمليات العسكرية.
الاتفاق ينص في مرحلته الأولى، التي تمتد لستة أسابيع، على الإفراج عن 33 رهينة إسرائيلية مقابل إطلاق إسرائيل سراح 737 معتقلًا فلسطينيًا. ومن المتوقع أن تبدأ المفاوضات بشأن تنفيذ المرحلة الثانية بعد 16 يومًا، والتي قد تشمل وقف إطلاق النار الدائم وانسحاب القوات الإسرائيلية من غزة.
ورغم الترحيب الدولي بالاتفاق، فإن قضايا شائكة تلوح في الأفق. أبرز هذه القضايا هو مستقبل الحكم في قطاع غزة، حيث ترفض إسرائيل عودة حماس إلى السلطة وتعارض في الوقت ذاته تسليم الحكم إلى السلطة الفلسطينية. كما اقترح البعض تكليف قوة دولية بإدارة القطاع، لكن هذا الخيار يواجه رفضًا من قبل حماس ومخاوف من عدم قبوله شعبيًا.
ولعبت قطر والولايات المتحدة دورًا محوريًا في التوصل إلى الاتفاق، كما تسعى مصر والأمم المتحدة إلى ضمان استقرار طويل الأمد في القطاع. ومع ذلك، تبقى مسألة إعادة الإعمار وتوزيع المساعدات الإنسانية محور جدل بين مختلف الأطراف. تشير تقارير إلى أن السلطة الفلسطينية تسعى للعودة إلى إدارة غزة، لكنها تواجه تحديات تتعلق بالمصالحة الداخلية والضغوط الإسرائيلية.
ومع بدء تنفيذ الاتفاق، يبرز سؤال محوري: من سيحكم غزة؟ يرى محللون أن حماس لن تتمكن من الاستفراد بالحكم كما في الماضي، في حين تصر السلطة الفلسطينية على استعادة سيطرتها على القطاع. كما يُطرح خيار إدارة مؤقتة بمشاركة دولية، إلا أن تحقيق ذلك يتطلب توافقًا إقليميًا ودوليًا.
بينما يُعد وقف إطلاق النار خطوة أولى نحو التهدئة، فإن الطريق إلى استقرار طويل الأمد في غزة لا يزال محفوفًا بالتحديات. من إعادة الإعمار إلى تحديد الجهة المسؤولة عن إدارة القطاع، تقف الأطراف المحلية والدولية أمام اختبارات سياسية وأمنية معقدة. مع استمرار المفاوضات في الأسابيع المقبلة، سيبقى مستقبل غزة مرهونًا بالتوافق بين الفصائل الفلسطينية وضغوط المجتمع الدولي.
وكان المدنيون في غزة ينتظرون بفارغ الصبر يوم الجمعة، لحظة الهدوء وتوقف إطلاق النار، بعد 15 شهرا من الحرب المتواصلة، في وقت اجتمع مجلس الوزراء الإسرائيلي لإتمام اتفاق وقف إطلاق النار المؤقت مع حركة حماس.
وقطع لحظات الانتظار والترقب، غارات جوية إسرائيلية على غزة، مما أسفر عن مقتل 113 شخصا على الأقل منذ الاتفاق المبدئي على وقف إطلاق النار ليلة الأربعاء، وفقا للدفاع المدني الذي تديره حماس في القطاع.
ومن المقرر أن يدخل الاتفاق، الذي تم الانتهاء منه بعد ظهر الجمعة، حيز التنفيذ يوم الأحد، وهو ما يعني بالنسبة لسكان غزة 24 ساعة أخرى من الترقب حتى الوصول إلى لحظة الراحة النهائية.
وقال الدكتور عبد الله شبير، 27 عاماً، طبيب الطوارئ في مستشفى المعمداني في غزة، "الوقت يسير ببطء أكثر من أي وقت سابق".
ويوضح شبير "في أي لحظة يمكن أن تفقد حياتك"، وأضاف "الجلوس في المنزل والسير في الشارع كلاهما سواء لا يوجد تحذير".
وكان الطبيب شبير في مناوبته في المستشفى ليلة الأربعاء، عندما وصلت أنباء اتفاق وقف إطلاق النار.
ويشير إلى أن لحظة الفرح كانت قصيرة، أقل من ساعة تقريبا كانت تفصلنا عن الإعلان عن بداية موجة ضربات جوية تسببت في تدفق القتلى والجرحى إلى مستشفى المعمداني.
استُدعيّ كل أفراد الطاقم الطبي إلى المستشفى. ويقول شبير في اتصال هاتفي من المستشفى: "كان الأمر أسوأ من أي شيء رأيناه على الإطلاق. كان هناك إصابات وحروق بالغة. وبالطبع العديد من القتلى".
ومن بين القتلى الذين تم نقلهم يوم الخميس طبيبة باطنة زميلة تدعى هالة أبو أحمد، 27 عاما، وصفها اثنان من زملائها في المستشفى بأنها طبيبة شابة مخلصة وواعدة وشخصية طيبة.
وقال الدكتور أحمد عليوة، رئيس قسم الطوارئ في المستشفى، إنها (الطبيبة هالة) عملت بلا كلل وتحت ضغط شديد لمدة 15 شهرا، منذ بدء الحرب، ثم قُتلت بعد الاتفاق على وقف إطلاق النار.
ومن بين ملايين النازحين في القطاع، انتظر الكثيرون طوال يوم الجمعة اللحظة التي يمكنهم فيها العودة إلى ديارهم لأول مرة منذ بدء الحرب. لكن الكثير منهم سوف يجد أرضا مدمرة جرداء بدلا من منازلهم.
وقالت صابرين دوشان، 45 عاما، التي كانت تمتلك كشكا في الشارع وكانت تعيش في مبنى سكني في مدينة غزة: "منزلي دُمر بالكامل، واختفى المبنى".
وأضافت صابرين أنها فقدت 17 فردا من عائلتها الأكبر منذ بدء الحرب. وكانت بدأت الاستعداد للانطلاق من الخيمة التي تعيش فيها في دير البلح في وسط غزة، إلى حيث أنقاض منزلها.
وقالت: "حتى لو اضطررت إلى إقامة خيمتي على الأنقاض، فسوف أكون بخير، لأنني سأكون في المنزل. لا يوجد مكان يمكن أن يرضيني الآن سوى المنزل".
حجم الدمار في قطاع غزة هائل. ووفقا لتحليل حديث أجراه مركز الأقمار الصناعية التابع للأمم المتحدة، فقد تم تدمير أو إتلاف 69 في المئة من جميع المباني و68 في المئة من الطرق، حتى ديسمبر/ كانون الأول. وقُتل حوالي 46.700 شخص، وفقا لوزارة الصحة التي تديرها حماس.
بدأت إسرائيل الحرب لتدمير حماس في غزة في أكتوبر/ تشرين الأول 2023، بعد أن هاجمت الحركة جنوب إسرائيل، مما أسفر عن مقتل حوالي 1200 شخص واحتجاز 251 رهينة.
تراجعت فرحة سكان غزة بوقف إطلاق النار، الذي طال انتظاره، بسبب حجم الموت والدمار. "والله إن المشاعر متضاربة"، هكذا قال وائل محمد، صحفي مستقل يعيش في مخيم للاجئين في وسط غزة.
وأضاف: "من لحظة إلى أخرى، من الفرح إلى الألم. أنا سعيد لأن سيل الدماء سيتوقف، لكننا نعيش في بؤس".
في يوم الجمعة بعد الظهر، كان اتفاق وقف إطلاق النار محل بحث النظام السياسي الإسرائيلي للموافقة النهائية. وهو يمهد الطريق للإفراج عن المجموعة الأولى المكونة من ثلاث رهائن في وقت مبكر من يوم الأحد، في مقابل حوالي 95 سجينا فلسطينيًا.
لكن مازالت عملية التبادل، التي ستجري على مدى الأسابيع الستة المقبلة، تواجه خطر الانهيار.
وأكدت جولييت توما، مديرة الاتصالات في وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا): "التحدي الأكبر هو ما إذا كان سيتم تنفيذ وقف إطلاق النار بنجاح".
وقالت جولييت: "إذا كان الأمر كذلك، فإن التحدي الذي ينتظرنا يظل هائلا للغاية. الغالبية العظمى من الملاجئ مكتظة. ببساطة يعيش الكثيرون في العراء، أو في هياكل مؤقتة. إنهم يفتقرون إلى الاحتياجات الأساسية مثل الملابس الثقيلة. لا أستطيع أن أسمي هذه ظروفا معيشية، فهي ليست ظروفا مناسبة للبشر".
يوم الجمعة في غزة، ركز البعض على يوم الأحد، وما إذا كانوا سيصلون إلى لحظة الراحة دون انهيار الاتفاق.
وقال خليل نتيل، 30 عاما، الذي دمر منزله في جباليا في أقصى شمال قطاع غزة في وقت مبكر من الحرب، "نحن خائفون من أي تغيير أو أي تحرك".
وقال نتيل من مأوى في وسط غزة "الأخبار وصلت ونحن نراقب وننتظر".