تطورات اقليمية
تصاعد الجدل حول تصريحات الرئيس الأمريكي..
تركي الفيصل: ترامب سيواجه غضب القيادة السعودية بسبب التطهير العرقي في غزة
أثارت تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب حول نيته تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة والاستيلاء عليه موجة من الانتقادات الدولية، خاصة بعد أن وصفها السفير السعودي الأسبق لدى الولايات المتحدة وبريطانيا، الأمير تركي الفيصل، بأنها "تطهير عرقي" محذرًا من تداعيات هذا الطرح على استقرار المنطقة.
وخلال مقابلة مع قناة العربية، أكد الفيصل أن السعودية لن تقبل بهذا الظلم، مشيرًا إلى أن ترامب سيتلقى انتقادات حادة من القيادة السعودية إذا زار الرياض. وأضاف أن الرياض مطالبة بقيادة تحرك دولي لوقف هذا المخطط، داعيًا إلى تشكيل تجمع أممي تقوده السعودية لمواجهة هذه السياسة التي "لن تؤدي إلا إلى مزيد من الصراع وإراقة الدماء".
جاءت تصريحات الفيصل ردًا على إعلان ترامب خلال مؤتمر صحفي مشترك مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في البيت الأبيض، الثلاثاء، حيث كشف عن نية الولايات المتحدة الاستيلاء على غزة بعد "تهجير كامل سكانه الفلسطينيين إلى دول أخرى".
ولم يستبعد ترامب إمكانية نشر قوات أميركية لدعم إعادة إعمار غزة، مشيرًا إلى أن الولايات المتحدة قد تكون لها "ملكية طويلة الأمد" في القطاع الفلسطيني.
وفي مقابلة مع قناة سي إن إن الأميركية، ظهر الفيصل مرتديًا الشال الفلسطيني، مؤكدًا أن خطة ترامب تمثل "ظلماً صريحًا"، وأن "التطهير العرقي في القرن الحادي والعشرين لن يكون مقبولًا من قبل المجتمع الدولي".
وأضاف أن المشكلة في فلسطين ليست الفلسطينيين، بل الاحتلال الإسرائيلي، مشيرًا إلى أن "ترامب يدعي أنه يسعى لتحسين الأوضاع، لكن مقترحاته تزيد الصراع وإراقة الدماء".
وأكد أن ترامب كان قد أبدى استعدادًا سابقًا لتعزيز العلاقات مع السعودية، مستذكرًا أن أول زيارة له خلال ولايته الأولى كانت إلى الرياض، لكن مواقفه الأخيرة قد تؤدي إلى انتقادات واسعة من القيادة السعودية.
في أعقاب تصريحات ترامب، أصدرت وزارة الخارجية السعودية بيانًا أكدت فيه أن موقف المملكة "الثابت" يقوم على عدم إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل دون قيام دولة فلسطينية مستقلة.
وشدد البيان على أن هذا الموقف ليس محل تفاوض أو مزايدات، وأن السعودية أبلغت الإدارة الأميركية بذلك.
لم تقتصر ردود الفعل الرافضة على السعودية، حيث صدرت إدانات واسعة من دول ومنظمات دولية، أبرزها:
الاتحاد الأوروبي: أعرب عن قلقه البالغ، محذرًا من أن أي تغيير ديموغرافي قسري للفلسطينيين سيكون انتهاكًا للقانون الدولي.
روسيا والصين وألمانيا: وصفت هذه الدول خطة ترامب بأنها "خطوة مدمرة ستؤدي إلى مزيد من المعاناة والكراهية".
جامعة الدول العربية: دعت إلى عقد اجتماع طارئ لبحث تداعيات التصريحات الأميركية.
الأمم المتحدة: عبرت عن رفضها التام لتهجير السكان القسري، مؤكدة أن غزة أرض فلسطينية محتلة بموجب القانون الدولي.
في خطوة متزامنة مع تصريحات ترامب، أصدر وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس توجيهاته للجيش بتحضير خطط "للهجرة الطوعية" لسكان غزة، مشيرًا إلى ضرورة توفير ممرات للخروج عبر المعابر البرية والبحرية والجوية.
وقال كاتس لإذاعة الجيش الإسرائيلي: "يجب السماح لسكان غزة بالتمتع بحرية الخروج والهجرة كما هو متبع في أي مكان في العالم"، مما يعكس انسجامًا مع الطرح الأميركي بتهجير الفلسطينيين من القطاع.
ولم تحظَ خطة ترامب بدعم موحد في واشنطن، حيث أبدى بعض الجمهوريين في الكونغرس تحفظاتهم على أي تدخل عسكري جديد في الشرق الأوسط، في ظل الإرهاق الأميركي من الحروب الطويلة في العراق وأفغانستان.
وكما حاول البيت الأبيض التراجع عن بعض التصريحات المثيرة للجدل، إذ أكدت المتحدثة باسمه، كارولاين ليفيت، أن "الرئيس لم يلتزم رسميًا بإرسال قوات إلى غزة"، موضحة أن الإدارة "ستعمل مع الشركاء الإقليميين لإعادة بناء القطاع دون التورط في احتلال مباشر".
وفي ظل هذه التطورات السياسية، يعاني قطاع غزة من أزمة إنسانية كارثية، حيث تشير تقديرات إلى أن أكثر من 47 ألف فلسطيني قتلوا جراء القصف الإسرائيلي المستمر منذ أكثر من 16 شهرًا، فيما تعيش البنية التحتية للقطاع دمارًا شبه كامل.
وحذرت منظمات الإغاثة الدولية من أن أي خطة تهدف إلى تهجير السكان قسريًا ستؤدي إلى تفاقم الكارثة، في ظل صعوبة تأمين ممرات آمنة أو توفير وجهات استقبال واضحة للنازحين.
يبدو أن تصريحات ترامب قد تعرقل جهود واشنطن لدفع دول عربية أخرى نحو التطبيع مع إسرائيل، حيث أكدت السعودية سابقًا أن أي اتفاق مع تل أبيب مرهون بإقامة دولة فلسطينية مستقلة.
وبحسب تقارير إعلامية، فإن بعض الدول الخليجية التي كانت منفتحة على تحسين العلاقات مع إسرائيل قد تعيد النظر في مواقفها بعد تصريحات ترامب، وسط مخاوف من أن يؤدي الطرح الأميركي إلى إشعال مزيد من التوترات في المنطقة.
ومع استمرار الجدل حول تصريحات ترامب، يبقى السؤال المطروح: هل سيمضي الرئيس الأميركي قدمًا في خطته، أم أنها مجرد تكتيك سياسي يستخدمه كورقة ضغط في مفاوضات قادمة؟
في ظل الرفض السعودي والدولي، واستمرار الأزمة الإنسانية في غزة، يبدو أن المستقبل القريب سيشهد تصعيدًا دبلوماسيًا وربما تحركات دولية لاحتواء الأزمة، خاصة مع تصاعد الضغوط على الولايات المتحدة وإسرائيل لوقف أي إجراءات قد تؤدي إلى تهجير قسري للفلسطينيين أو تفاقم الصراع في الشرق الأوسط.