بحث اعده مركز عدن للبحوث الاستراتيجية والإحصاء..
الاسلام السياسي بين الشمال والجنوب
الاخوان المسلمون تنظيم ذكي جدا تنظيميا هذه حقيقه بغض النظر عن تقييمات التنظيم في الجوانب الأخرى في مطلع التسعينات كانت حركة الاخوان اليمنية قد وصلت لما يمكن تسميته مفترق الطرق بين تيار شاب صاعد داخلها وتيار المشايخ وعلماء الحركة ومراجعها التاريخية شديده المحافظة على تراث الجماعة الفكري وخطها السلفي حتى في الوسائل التنظيمية والدعوية كان اصدار صحيفة الصحوة وخطها الإعلامي والصحفي يعد ذروة التطور في وسائل الصف الأول من الجماعة .
حتى تلك الوسيلة لم تخل ايضاً من صراع الجيلين الإخوانيين الذي انتهى بهزيمة جيل الشباب في معركة الإسلامي وغير الإسلامي من مواد تحرير الصحيفة وخطها وخطابها الإعلامي .
في تلك المرحلة كان مزاج الشيوخ الكبار في الجماعة والاسماء التاريخية لا يتوافق مع تيار الشباب ذو الميول الأكثر انفتاحا وهذه هي ازمة الحركة الاسلامية الاخوانية منذ التأسيس فالحركة التي قامت على أساس التغيير والانقلاب على السائد من النظم الإسلامية والحكم الطاغوتي الفردي لا يستطيع الزمن معها احداث أي تأثير على طريق التغيير بين طبقاتها القيادية وتعجز كل الاحداث عن الدفع بالأجيال نحو سدة السلطة في قيادة الجماعة والمال والمشروعية
منذ العام 90ظهرت في الساحة الاسلامية حركه دعويه سياسيه جديده تتفق مع حركة الاخوان في أصول العقيدة السياسية الاسلامية كمبدأ الحاكمية وتختلف مع الحركة الام حول مشروعية ادوات الوصول للحكم الإسلامي مثلت تلك الحركة الناشئة جمعيتي الاحسان وجمعية الحكمة مؤسستان دعويتان خيريتان لهما امتداد بفكر الجماعة الام حركة الاخوان المسلمين واقتراب فقهي من المدرسة السلفية التقليدية مع معارضه مطلقه للمادة السياسية في عقيدة المدرسة السلفية ..
في بدايات عمل هذه الحركة الوليدة لم تكن الجماعة الام تعيرها اهتماما يذكر ربما لان حجم وجودها كان مازال يتشكل ولم يشكل تأثيرا مهما الا بعد مرور حوالي العقد من الزمان أي بدأ يتشكل بالظهور منذ العام 2000 وربما لأن الجماعة الام في المرحلة من 90 وحتى العام 2001 العام الذي حدثت فيه حادثة الأبراج في الولايات المتحدة الامريكية لم تكن بحاجه للتحالفات من خارج تحالف الكبير والقوي والمؤثر مع الرئيس اليمني علي عبدالله صالح وحزبه السياسي المؤتمر الشعبي العام .
منذ ذلك التاريخ بدأت ملامح مرحله جديده تتشكل القت احداث أمريكا بظلال كثيفه ومؤثره على كل الدول العربية بما فيها اليمن وأصبح لزاما على أحد طرفي الشراكة والتحالف الاخواني المؤتمري أن ينفذ جمله من الإجراءات ضد الطرف الآخر لامتصاص ما كان أعتبره غضبة أمريكية عابره لكن الامر لم يكن كذلك بل اصبح سياسة امريكية ثابتة.
حينها كان قد مضى على عمر الحركة الجديدة ما يزيد بقليل عن العقد من الزمان كجمعيات مرخصه تمارس العمل الدعوي السياسي والخيري لكنها تتخذ موقفا صارما من تشكيل الأحزاب السياسية والديمقراطية والعمل السياسي بأدواته الرسمية وتعتبر تأسيس الأحزاب اقرارا بالديمقراطية التي تعتبرها كفرا بواحا يصادر حق التشريع من الله ويمنحه لقبة البرلمان كي يتم وضع الاحكام الشرعية للتصويت وجد تيار المشايخ والعلماء في الجماعة الام ضالته في التيار الجديد فهو تيار شديد المحافظة في الفروع الفقهية وشديد الصرامة في الحفاظ على مبادئ الحركة الاسلامية الاصيلة في مسائل الحاكمية والموقف من الحاكم الذي أصبحت الهوه بينه وبين الحركة تزداد يوما بعد بسبب تأثيرات الاحداث في العالم والمنطقة التي كانت الجماعات الاسلامية ذات التوافق العقدي السياسي مع الاخوان طرفا فيها في مواجهة الامريكان والعالم الغربي .
لكن العقدة الايدلوجية التي تمنع التيار الجديد من التحول لنظام موازي والتي هي الموقف من الأحزاب والعمل السياسي في ظل الديمقراطية ظلت حجر عثره امام الطرفين للتقارب حول رؤيه واحده لعمل إسلامي فعال يشترك في صنعه الحركة الام حركة الاخوان بما تمتلكه من خبرات وامكانيات والتيار الجديد الذي اصبح منذ العام 2000 رقما مهما في الساحة الاسلامية وقابلا للنمو والانتشار مضت السنوات منذ 2003 محمله بأحداث جسام في العراق أصبحت الجمعيات الخيرية اول المستهدفين ماليا وجرى تجفيف مصادر الدعم واغلاق المعاهد العلمية وبمفاعيل الاحداث في المنطقة لم تعد الأمور كما كانت للأخوان ولا للتيار الجديد المتشكل من جمعيات العمل الدعوي السياسي والخيري .
في الاثناء بدأت شظايا القنبلة التي انفجر ت في المنطقة العربية واعني بها احداث العراق بدأت تصل اليمن على شكل عمليات يتبناها تنظيم القاعدة ضد المصالح الامريكية في البلاد تعقدت العلاقة بين الاخوان وحليفهم السابق كانت فترة التحالف بين الاخوان والمؤتمر تمنح الحركة موقع النظام الموازي لحكم علي عبدالله صالح شعرت الحركة انها ستفقد هذا الموقع ان استمر الوضع على ما هو عليه حتى العام 2011 كانت الجمعيات السلفية السياسية ترفض التحول لأحزاب وترفض فكرة الديمقراطية وتعتبران خوض الاخوان للعمل السياسي تحت أنظمة الديمقراطية خطأ شرعي وعقدي
لكن أحداث الربيع العربي الذي وصلت آثاره لليمن قلبت هذه القناعات لدى الجماعة الوليدة الجديدة وبلا شك أن التغير الكبير في ادبيات الجماعة لم يكن وليد لحظة الربيع العربي وانما نتيجة :
1 - شعور سابق بالاحتياج لذراع سياسي يحمي المؤسسات الخيرية للجماعة ويكون ممثلا للتيار خاصة مع تزايد حالة التضييق على مصادر تمويل المسار الخيري وتعرضه لمخاطر الاغلاق والمنع .
2 - عمل دؤوب وتواصل مستمر قام به الشيخ عبدالمجيد الزنداني بما يتمتع به من شخصيه مركزيه لدى فصائل العمل الإسلامي السياسي في اليمن مع بعض الأسماء القيادية في التيار لم يخل أيضا من توفير بعض الدعم والحماية للجماعة والتسهيلات في المحافظات والمناطق الواقعة تحت سيطرة عسكريه لعلي محسن الأحمر خاصه المناطق الجنوبية منها.
3 - احتياج الجماعة الامن للمساندة من كل التيارات الاسلامية الممكن العمل معها تحت سقف الاتفاق على ما اتفقنا فيه والاعذار فيما اختلفنا فيه .
تلك العوامل بالإضافة للحظه العاطفية التي ولدت مع حالة تداعي الانظمة العربية لصالح التيارات الاسلامية في مصر وتونس وليبيا دفعت بالتيار الجديد لكسر جدار المعايير القديمة والاندفاع لمرحلة نشوء وارتقاء جديده يتم فيها الإبقاء على الجمعيات الخيرية الدعوية السياسية مع تشكيل أحزاب سياسيه تكون قريبه منها ومن مرجعياتها الدعوية حزب الرشاد عن تيار جمعية الاحسان وحزب السلم والتنمية عن تيار جمعية الحكمة وللجنوب بصفته فرع عن الشمال حركة النهضة أو أي مسمى آخر لا يصل لمرتبة الحزب .
لقد شكل التحول الكبير في فكر تيار الجمعيات الخيرية السلفية السياسية صدمة كبيره لكثيرين حتى مند داخل التيار نفسه ولعل أشهر المصدومين هو عبدالمجيد الريمي الذي ظل ثابتا على مبادئ النسخة الاصلية للتيار والتي تجرم الديمقراطية وادواتها في العمل السياسي وتعتبر الديمقراطية كفرا دون تفصيل وفي حقيقة الامر أن قطاعا كبيرا من اتباع هذا التيار مازال حتى اليوم غير مدرك ان الجماعة التي تربى فيها على كفر الدمقراطية وتجريم العمل بادواتها قد أصبحت جزءا من مما كانت تحرمه وتعده كفرا وتلك اشكاليه التحولات السريعة في عقائد التيارات السياسية الاسلامية وهي اشكاليه تاريخيه حيث تفرض الاحداث قسرا تحول الجماعة من الضد للضد بتبريرات آنيه في اغلب الأحيان لا تقنع كل اتباع الحركة وحينها تحدث الانشقاقات .
أن مراجعة تلك المحطات بالشكل الذي تم طرحه هنا يثير لدي أحيانا سؤلا عجيبا غريبا وقد يكون مثير للفكاهة وهو
بعد كل تلك الاحداث والمواقف والتشكلات .
الاسلام السياسي بين الشمال والجنوب
واحدة من المغالطات الكبرى التي يروجها نخب الشمال بكل ألوانها الإسلامية السياسية والشيعية الزيديه والمؤتمرية العفاشيه, تلك التي تقول أن الجنوب يمثل البيئة الحاضنة الأساسية والمركزية للسلفية السياسية التي أخرجت جماعات الجهادية السلفية والعنف الإسلامي والعجيب المثير للغرباء أن تلك النخب متفقه على أن الجنوب المجتمع والجغرافيا فرع عن اليمن ولست أدري كيف يمكن للفرع أن يكون هو المركز فجأة في ملف بالغ الأهمية والخطورة كالملف الديني لكنه التحايل وغياب الموضوعية فالجنوب مركز لكل ما يبني بينه وبين العالم والإقليم حاجز ومركز لكل ما يمكن الشمال من وضع يده عليه الجنوب لحماية الأمن الدولي لكنه وفرع في كل ما تبقى في الهوية والتاريخ وبني الاجتماع الإنساني العام .
لكن الحقيقة التاريخية تقول أن شمال اليمن هو مركز جماعة الإخوان المسلمين الأول في شبه الجزيرة العربية كلها أي هو مركز الإسلامية السلفية بنوعيها السياسي والجهادي باتجاهه السني والزيدي .
لقد دخلت جماعة الإخوان لليمن الشمالي في وقت مبكر جدا منذ الأيام الأولى لظهور الجماعة على يد مؤسسها حسن البنا في مصر بل كانت يد الجماعة السرية صاحبة الفعل الفكري في اغتيال الأمام يحيى حميد الدين وثورة الدستوريين عام 48 وكان دور الفضيل الورتلاني وهو شخصيه أخوانيه جزائرية من الصف الأول للجماعة والمقرب من حسن البنا حاسما ومركزيا في كل الأحداث التي جرت في تلك الفترة التاريخية وما بعدها وكذلك دور الضابط العراقي ألإخواني الموصلي جمال جميل ويمكن ﻷي باحث ومهتم أن يجد مواد كثيرة تبين تاريخ وأدوار حركة الإسلام السياسي الإخوان المسلمين في عهد الدولة المتوكليه وما تسببت به من ثورات وحروب وزعزعه ﻷمن الجزيرة العربية برمته .
أخذ هذا الدور طابعا مختلفا بعد ثورة العام 62 إذ أصبحت الحركة شريكه في الحكم وأسندت لها مهام كثيرة منها ما يتعلق بالتعليم الديني والمرجعية الدينية لنظام الحكم الذي أتقنت التخفي فيه وأسند لها أيضاً دور محاصرة اليسار اليمني الشمالي .
برز هذا الدور في الفترة التي تلت اغتيال ألحمدي حيث أصبح للجماعة وزارة التعليم العام ووزارة أخرى غير معلنه تحت أسم الهيئة العامة للمعاهد العلمية ومعها أيضا الإدارة العامة لمدارس تحفيظ القرآن الكريم كانت فكره نادرة وتجربه فريدة من نوعها للجماعة على مستوى العالم الإسلامي كله تلك التي جعلت الجماعة الإسلامية تتحول من فصيل في مجتمع إلى جزء كبير جدا ومتجذر في مجتمع
الجمهورية العربية اليمنية كان ذلك بفضل وزارتين للتعليم إحداهما رسمي والثاني مموه بالإضافة لوزارة الأوقاف ومدارس التحفيظ .
الهيئة العامة للمعاهد العلمية ومدارس تحفيظ القرآن كانت تستلم تمويلا حكوميا ضخما وتدار بشكل مباشر من جماعة الإخوان العالمية حتى على مستوى المدرسين المصريين والعرب من الجماعة فضلا عن المنهج الديني وهي كانت مدارس من المرحلة الأساسية للتعليم الثانوي لكنها مدارس تتبع جماعه وتمولها الحكومة ولا تستطيع الاقتراب منها لا ماليا ولا إداريا ولا منهجيا كانت تلك ثمرة حضور الجماعة منذ الأربعينيات ثم تعددت المراكز السلفية في الشمال وأشهرها مركز دماج الذي أفتتح في الثمانينات ومركز الدعوة إن مقارنه منصفه بين مركزية السلفية السياسية شمالا وجنوبا في تلك الفترة الممتدة من الأربعينات حتى عام 94 يكشف زيف أكذوبة الجنوب البيئة المركزية الحاضنة للإسلام السياسي السلفي إذ لم يعرف التيار الإسلامي جنوبا فكرة المزاوجة بين الفكر الحركي الإسلامي والسلطة الحاكمة آلا بعد الهزيمة في 94 وبأمر وتوجيه من المركزية الحاكمة بكل أجنحتها في صنعاء وبدأ كفرع لها ومازال حتى اليوم فرع .
إن من المهم فهم هذه المسالة والاحداث التي عقبت تحرير عدن والمناطق الجنوبية كشفت حقيقة هشاشة التواجد للجماعات المسلحة ذات الخلفية الدينية في المناطق الجنوبية بينما يزداد تواجد تلك الجماعات قوة وظهور في المناطق الشمالية الحاضنة المركزية للسلفية والجهاد والسياسية والاسلام الامامي السياسي.