الإنسان أولا
جهود الإمارات الإنسانية: تفكير في ما بعد الحرب
توازن دولة الإمارات العربية المتحدة في مشاركتها في الحرب لاستعادة الشرعية في اليمن بين التدخل العسكري والعمل الإنساني من خلال جهود تقديم الإغاثة للشعب اليمني المتضرّر، في مجال الصحة والتعليم والإكساء والتغذية، وإعادة الإعمار، حيث صنفت من قبل الأمم المتحدة في المرتبة الأولى عالميا في تقديم المساعدات لليمنيين.
برزت دولة الإمارات العربية المتحدة بشكل لافت خلال الفترة الأخيرة بمساهمتها الفاعلة في جهود دعم اليمن على عدّة جبهات، وفيما تفضل الآلة الإعلامية إتباع صخب الحرب وضجيج العمليات العسكرية في حرب استعادة السلطات الشرعية ومواجهة جماعة الحوثي الموالية لإيران، فإن هناك جهودا أكبر تبذل على المستوى الإنساني وعمليات أخرى أقل صخبا لكنها أكثر وقعا وتأثيرا وهي تلك المتعلقة بخطط إعمار اليمن، وإعادة “سعادته” إليه.
جهود الإمارات في إعادة إعمار اليمن جعلت الأمم المتحدة تصنفها في المرتبة الأولى عالميا في تقديم المساعدات لليمنيين، وإن كانت هذه الصدارة ليست ما يبغيه الإماراتيون من حملات الإغاثة التي يقودونها في اليمن، والتي سبقت تدخلهم العسكري ضمن التحالف العربي الذي تقوده المملكة العربية السعودية؛ بل يسعون إلى وقف النزيف اليمني وتضميد جروح البلاد وشعبها، الجار والشقيق.
يأتي الدور الإنساني في اليمن انطلاقا من إيمان رسّخه الراحل الشيخ زايد آل نهيان في قلوب الإماراتيين، قولا وفعلا، بشأن ضرورة الاهتمام باليمن، في عسره ويسره؛ وهي الوصية التي يسير على نهجها أبناء الإمارات اليوم، وتترجمها المساعدات الإنسانية والمشاريع التنموية وإعادة تأهيل المستشفيات وعمليات إجلاء الجرحى للعلاج في الخارج، وإعادة بناء المقرات والمراكز الحكومية.
عبيد سالم الزعابي: الإمارات تتبنى مقاربة متكاملة من أجل وضع اليمن على طريق البناء
عمل بالوصية
في ديسمبر 1986، توجه الشيخ زايد إلى اليمن، وبالتحديد إلى مأرب، لتدشين مشروع إعادة إحياء سد مأرب، بما يحمله من دلالات تاريخية ومصالح إنمائية. تبنت الإمارات تمويل إعادة بناء سد مأرب في وقت كان اليمن، المقسّم، في أمس الحاجة إلى مساعدة.
أعادت الحياة إلى سد مأرب الحياة إلى أرض سبأ ضمن مشروع يعدّ من أكبر المشاريع الإنمائية في اليمن، وقد شهدت المنطقة المحيطة بالمشروع نهضة زراعية مازلت مستمرة إلى اليوم رغم أنها تأثرت، شأنها شأن بقية المجالات الحيوية في البلاد، بالحرب الدائرة.
مشاريع الشيخ زايد في الإمارات لم تتوقف عند إعادة بناء سد مأرب بل سبقت ذلك المشروع برامج دعم عديدة، ولحقته مشاريع دعم أخرى كثيرة، ضمن سياسة تواصلت بعد رحيل الشيخ زايد، وفيما لم يكن قبل الحرب واضحا الدور الإماراتي في دعم اليمن، فإن أوضاع الحرب كشفته بوضوح.
عندما أطلقت الأمم المتحدة مناشدة لجمع 2.1 مليار دولار لتوفير الغذاء ومساعدات ضرورية أخرى يحتاجها 12 مليون شخص في اليمن الذي يواجه خطر المجاعة، كانت الإمارات في صدارة الدول الداعمة، وتبوأت المرتبة الأولى كأكبر مانح مساعدات لليمن بقيمة بلغت مليارين و853 مليون درهم.
وفاء لقيم دولة الإمارات وثوابتها في ما يتعلق باليمن وفلسفتها الإنسانية الراسخة التي أصبحت نهج عمل حكومتها ومؤسساتها وهيئاتها الإنسانية والخيرية، أكدت الإمارات أنها تتبنى مقاربة شاملة في دعم اليمن للتخفيف من عمق المأساة ومن عذابات اليمنيين، خصوصا النساء والأطفال.
ومن بين المشاريع الإنسانية التي تركت بصمتها على الأطفال أساسا، افتتاح حديقة الشعب بمدينة البريقة بعدن؛ وهي إحدى أكبر الحدائق بعدن، وقامت بدعم وتمويل هذا المشروع هيئة الهلال الأحمر الإماراتي، وذلك ضمن الجهود التي تبذلها من أجل الارتقاء بمستوى الحياة في المناطق التي تمت استعادة السيطرة عليها من قبل القوات الشرعية.
وضمت الحديقة، التي تم افتتاحها يوم 13 مارس 2017، ألعابا خاصة بالأطفال وملعبين لكرة الطائرة، بالإضافة إلى تشجير أرضية الحديقة، كما احتوت على معارض تجارية للأعمال الخيرية سميت بأسماء المحافظات الجنوبية.
وخلال حفل الافتتاح الذي حضره ممثلون عن السلطة المحلية، ومندوبو الهلال الأحمر الإماراتي، قال وكيل محافظة عدن لشؤون المديريات، عبدالرحمن شيخ إن هذه المشاريع تأتي بعد أن أصبحت مدينة عدن آمنة ومستقرة، بفضل الجهود التي بذلتها دول التحالف وعلى رأسها دولة الإمارات.
وأضاف أن المساعدات التي تقدمها الإمارات تساهم وبشكل كبير في تطبيع الحياة والتخفيف من معاناة الناس جراء الحرب. وأشاد بخطوة بناء الحديقة خلال وقت قياسي وقال إن هذا ليس بغريب على الإمارات التي أعادت تأهيل كامل مدارس عدن خلال وقت وجيز.
الأمم المتحدة تصنف دولة الإمارات العربية المتحدة في المرتبة الأولى عالميا في تقديم المساعدات لليمنيين
مجهود متكامل
تتنزل في ذات التوجه الخاص بإحاطة المرأة والطفل، مبادرة الشيخة فاطمة بنت مبارك لتحسين خدمات الأمومة والطفولة في اليمن، حيث تتضمن المبادرة توفير الدعم اللازم لـ 15 مشروعا في عدن والمحافظات المجاورة تشمل المجالات الصحية والتعليمية والاجتماعية والمياه والكهرباء والطاقة إلى جانب دعم المرأة وتأهيل ذوي الإعاقة وتحسين خدمات المأوى في المناطق النائية، ومنها دعم مركزي التواهي للولادة وكريتر للنساء وكلية علوم المجتمع والمعهد التجاري في خور مكسر والمعهد المهني الصناعي إضافة إلى إطلاق هيئة الهلال الأحمر الإماراتي أكبر حملة لإغاثة 10 ملايين متضرر يمني.
في إطار إطلاق خطة الاستجابة الإنسانية لعام 2017 الخاصة باليمن من قبل مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) أكد عبيد سالم الزعابي، المندوب الدائم لدولة الإمارات لدى الأمم المتحدة في جنيف، أن دولة الإمارات العربية المتحدة تدعم عمل الأمم المتحدة.
وشدد الزعابي على أن دولة الإمارات تتبنى مقاربة إنسانية شاملة في دعم اليمن على مختلف المستويات، اقتصاديا وإنسانيا ولوجستيا، من أجل وضعه على طريق البناء والتنمية، من خلال عمليات البناء وإعادة الإعمار وبث الأمل لدى الشعب اليمني نحو مستقبل أفضل، ينعم فيه الجميع بالأمن والاستقرار والازدهار.
وأشار إلى أن المجهود الإغاثي للإمارات في دعم اليمن هو عمل حكومي وشعبي تشارك فيه مختلف مؤسسات الدولة الإنسانية والخيرية كهيئة الهلال الأحمر الإماراتي ومؤسسة خليفة بن زايد آل نهيان للأعمال الإنسانية، ومؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم للأعمال الخيرية والإنسانية وغيرها من مؤسسات وجمعيات الدولة.
ويؤكد عبيد سالم الزعابي أن الإمارات ستظل داعما قويا لليمن بالتعاون مع الأمم المتحدة وكل الفاعلين الإنسانيين من أجل الاستجابة لاحتياجات اليمنيين ومساعدتهم على إعادة بناء بلدهم ودعم استقراره وأمنه.
وضمن الجهد الإماراتي المتكامل لدعم اليمن، أطلقت عدة حملات منها حملة «عونك يا يمن» من قبل الهلال الأحمر الإماراتي والتي تهدف إلى الوقوف إلى جانب الشعب اليمني لتمكينه من التغلب على الأوضاع الصعبة التي يعيشها بسبب الأزمة التي تمر بها بلاده.
وتم تسيير جسر مساعدات جوي وبحري للشعب اليمني، حيث أرسلت العشرات من طائرات الشحن والسفن والبواخر لتوفير المواد الإغاثية للشعب اليمني تم تأمين توزيعها ووصولها إلى المحتاجين والمشاركة في جهود الإغاثة الإنسانية العاجلة، وتوفير طرود غذائية للأسر والتي يقدر عددها بالعشرات من الآلاف.
لا يقتصر الدور الإنساني الإماراتي في اليمن فقط على تقديم المساعدات من أغذية وأدوية، وإنما ينصرف أيضا إلى مساعدة اليمن في إعادة بناء وإعمار ما خلفته الحرب، ضمن رؤية متكاملة تتحرك على مسارات متوازنة تنموية واقتصادية وسياسية واجتماعية وإنسانية.
وتبلور هذا الدور بوضوح بعد استعادة عدن، حيث تم التركيز على إمداد المدينة والمناطق المجاورة بكل الاحتياجات العاجلة لليمنيين، حتى أصبحت عدن محطة لتوزيع المساعدات الإنسانية للشعب اليمني.
ويعمل الهلال الأحمر على ترميم 154 مدرسة في المحافظة اليمنية، ضمن مشاريع المساهمة في إعادة إعمار البنية التحتية، وخاصة في قطاعات الصحة والتعليم والكهرباء والمياه، باعتبارها من القطاعات الرئيسية المهمة للشعب اليمني.
وتم تسليم أكثر من 123 مدرسة في المحافظة الجنوبية بعد تأهيلها وتأثيثها بكامل المعدات المكتبية والأجهزة التعليمية والأثاث المكتبي الخاص بالكادر التعليمي، لتستقبل الطلاب الذين انتظموا في صفوفهم الدراسية بمختلف المراحل التعليمية على مستوى مدارس محافظة عدن ومديرياتها.
بناء المستقبل
أدوار متعددة
في القطاع الصحي حرصت الإمارات على إعادة تأهيل وتطوير العديد من المستشفيات التي تضررت من جراء المواجهات، وتعهدت هيئة الهلال الأحمر الإماراتية بصيانة وتأهيل حوالي 14 مؤسسة صحية منها خمسة مستشفيات كبيرة وتسع عيادات في مختلف مناطق محافظة عدن، بتكلفة إجمالية بلغت 48 مليونا و500 ألف درهم.
ورصدت الهيئة أربعة ملايين درهم كدفعة أولى لشراء الأدوية العلاجية لمرضى السرطان وغسيل الكلى، إضافة إلى مستلزمات طبية أخرى إلى جانب مبلغ خمسة ملايين درهم لشراء سيارات إسعاف ونقل الأدوية وسيارات نقل. واستقبلت مستشفيات الإمارات عددا كبيرا من الجرحى اليمنيين لتلقي العلاج.
أكد مشرف مشاريع الهيئة في حضرموت أهمية هذه المساعدات في تخفيف معاناة النازحين وتوفير المستلزمات اليومية التي تتطلبها طبيعة الظروف الاستثنائية التي تعيشها هذه الأسر .
ولفت إلى أن هيئة الهلال الأحمر الإماراتي تسعى بكل جهودها الخيرية للتخفيف من حدة معاناة النازحين والفقراء وتوفير المواد التموينية الأساسية اللازمة والأدوية والمستلزمات الطبية لعشرات الآلاف من المتضررين من الأحداث السابقة التي مرت بها البلاد.
وساعدت هيئة الهلال الأحمر الإماراتي أهالي أبين اليمنيه وتسليمها ناموسيات مشبعة بالمبيد في اطار مشروع مكافحة الملاريا في المحافظة.
تأتي هذه المساعدات بالتوازي مع العمل العسكري الميداني، وفي قلب المناطق التي تشهد تصعيدا في الضربات العسكرية؛ من ذلك تواجد هيئة الهلال الأحمر الإماراتي في المكلا من محافظتي شبوة وأبين على مدى الأيام الماضية، حيث شهدت هاتان المحافظتان تصعيدا خصوصا بعد زيادة الضربات الجوية الأميركية بالطائرات دون طيار.
قدمت هيئة الهلال الأحمر الإماراتي مساعدات غذائية إغاثية عاجلة للأسر النازحة من شبوة وأبين التي دمرت الحرب عددا كبيرا من المنازل وقطاع الخدمات الأساسية فيها مما اضطر هذه الأسر إلى النزوح إلى مخيم منطقة خلف في مديرية المكلا.
وتأتي المساعدات الإغاثية استجابة من هيئة الهلال الأحمر لاستغاثة عاجلة أطلقتها الأسر النازحة في المكلا.
وفي إطار مساهمة الهيئة في التخفيف من آثار النزوح عن كاهل الأسر الفقيرة التي اضطرت إلى ترك مناطقها بسبب الأحداث الجارية فيها وزع فريق الهلال معونات إغاثية تحتوي على المواد التموينية الضرورية على الأسر النازحة.
وفي شبوة دشن الهلال الأحمر المرحلة الثانية من قوافل الإغاثة الموجهة إلى سكان المدينة اليمنية وقراها التي يعاني أكثر من 80 ألف نسمة في سكان مديرية ميفعة التابعة لها من تردي الأوضاع الإنسانية جراء الحرب. وتهدف هذه المرحلة إلى إغاثة 10 آلاف أسرة وتوفير الاحتياجات الأساسية من الغذاء لسكان وسط المديرية ومنطقتي جول الريدة والحافة الحجور.
تدرك الإمارات أن نجاح عملية استعادة اليمن من الحوثيين وحلفائهم ينبغي أن تسير بالتوازن مع عمليات البناء وإعادة الإعمار وبث الأمل لدى الشعب اليمني نحو مستقبل أفضل.
ومن شبوة إلى عدن وتعز والمكلا وأبين ومأرب وغيرها من مدن اليمن ومحافظاته وقراه، تمتد الأيادي الإماراتية بالأمل والحياة لدعم اليمنيين في حرب تدفع الإمارات بدورها ثمنها من أبنائها وجنودها الذين يقاتلون في صفوف التحالف العربي؛ حيث فقدت الإمارات إلى اليوم خمسة من أبنائها.
أحدث الإماراتيين الذين فقدتهم الإمارات هو العريف أول زكريا سليمان عبيد الزعابي، وهو أحد جنود الإمارات المشاركين ضمن عملية “إعادة الأمل” مع قوات التحالف العربي بقيادة السعودية للوقوف مع الشرعية في اليمن.
ونعت الإمارات في بيان صدر الخميس 16 مارس 2017 ابنها الذي انضم إلى أربعة جنود إماراتيين لقوا حتفهم في اليمن الشهر الماضي، لكنها أكدت أن الخسارة الباهظة لن تثني عن المضي قدما في دعم اليمن بل ستكون دافعا أقوى لمتابعة المهمّة الوطنية والإنسانية التي ترفع شعار “الإنسان أولا”.