تاريخ طويل من الانقسام..
قراءة في دراسة مركز رؤيا للبحوث والدراسات: واقع الصراع في اليمن
أسباب كثيرة لاستمرار الصراع والحرب في اليمن أهمها: شحة الموارد، والتضاريس الوعرة، وضعف الهوية السياسية الجامعة، والتي أفرزها تاريخ طويل من انقسام سياسي مزمن. فعلى مدار التاريخ الطويل، لم يعرف اليمن الحكومات المركزية التي تبسط سيطرتها الفعلية على جميع أراضيه، إلا في حالات نادرة جدًا. وهي حالات لم تكن تشمل جميع المناطق!!
وقد ساهمت الجبال والتضاريس الوعرة والمناخ في عزله ، وهو ما أدى إلى تخلّفه عن التطوّرات التي كانت تحدث في العالم، وتقوية كيانات ما دون الدولة. كما جلب الموقع الجغرافي القوى الخارجية لاحتلال سواحله ذات الموقع الاستراتيجي، وهو ما ساهم أيضاً في إضعاف السلطات المركزية المحلية.
وهناك عوامل أخرى من أهمها :التاريخ السياسي القريب في اليمن شماله وجنوبه، والتركيبة الاجتماعية، وانعدام الولاء ، والارتهان السياسي للقوى الخارجية، وانعدام المساواة وغياب التوزيع العادل للسلطة والثروة. والتمثيل العصبوي الفئوي والمناطقي في مؤسسات الدولة وقطاعاتها المدنية والعسكرية، والأزمة السياسية بين السلطة والمعارضة، وتردي الأوضاع المعيشية وارتفاع معدل البطالة، والصراع على السلطة والثروة بين أقطاب الحكم وحلفاؤه، وتوريث السلطة، واحتجاجات الجنوب، وحروب صعدة الست، وسقوط منظومة الحكم وتحالفاته في أعقاب ثورة 11 فبراير 2011م، وفشل الانتقال السلمي والتحوّل السياسي، وتصاعد أعمال العنف والتفجيرات والاغتيالات السياسية، والانقسام الحاصل في مؤسسة الجيش والأمن، والخلاف والنزاع حول مسودة الدستور ونظام الأقاليم، وحدث الانقلاب العسكري في 21 سبتمبر 2014م، واستيلاء الحوثيين على العاصمة صنعاء، ونشر المليشيات المسلحة في المدن، وإعلانهم الحرب والتعبئة العامة علاوة على مشاكل الحدود مع دول الجوار ومناورة الحوثيين على الحدود السعودية.
وتكمن الأسباب الجوهرية في السياق الإقليمي والدولي، للسيطرة على مضيق باب المندب الاستراتيجي، والجزر والموانئ، والنفط والغاز، والاستنفار الأمني الدولي لكثير من الدول في بناء القواعد العسكرية في منطقة القرن الأفريقي والبحر الأحمر، وقيام اقتصاد الدول على مبيعات الأسلحة وأعمال التهريب والقرصنة في البحروالمصالح والاستثمارات الأجنبية في القطاعات النفطية وغيرها داخل اليمن، والأجندات الدولية الرامية الى إعادة تشكيل الخريطة السياسية اليمنية.
فالصراع القائم في اليمن والعمليات العسكرية والمبادرات الديبلوماسية الجارية حاليًا صراع مركب متعدد الأطراف، تتداخل فيه مصالح إيرانية وأمريكية وإسرائيلية وقطرية تركية وأوربية. كما تتدخل في هذا الصراع عوامل طائفية وثقافية وسياسية
وصعود نفوذ الوكلاء في الداخل على حساب القوى الرئيسة؛ فالحكومة الشرعية ومعظم القوى الفعلية في اليمن معزولة عن دائرة القرار والتأثير، فيما الحوثيُّون الذين يحاربون كوكلاء لإيران يتحكّمون في الشمال، والمجلس الانتقالي والأحزمة الأمنية في الجنوب.
مصالح وأجندات القوى الكبرى
تسعى الولايات المتحدة الأمريكية إلى تغيير الخريطة السياسية للشرق الأوسط، يقودها في ذلك تحقيق جملة من الأهداف والمصالح من أهمها تثبيت الواقع الجيوستراتيجي، وتأمين خطوط الملاحة الدولية، وإنعاش اقتصادها الميت من خلال صفقات السلاح، والسيطرة على منفذ باب المندب كـ ممر بديل لـ هرمز، وجعل اليمن ساحة خلفية للحرب على ما يسمى الإرهاب والقاعدة و(داعش)، في حال فشلها في سوريا والعراق وليبيا، وفرض سيطرتها على حلفائها الغربيين، وتوسيع قواعدها العسكرية في المنطقة، والحفاظ على أمن ربيبتها إسرائيل .وتبحث المملكة المتحدة عن طريق للعودة إلى مستعمراتها القديمة، من مدخل الحروب الأهلية، ومنها حرب اليمن، الذي تشترك وتتبادل فيه مع الولايات المتحدة الأمريكية نفس الدور والأهداف والمصالح، وثمة جهود بريطانية ونشاط قائم بهدف استعادة نفوذها في المنطقة، وتسعى السعودية للقيام بدور اقليمي قوي يحد من تدخلات ايران وتسعى لتشكيل طوق سياسي – اقتصادي يحمي مصالح كافة دول الجزيرة والخليج.
مصالح وأجندات الأطراف الإقليمية
تتبنى إيران استراتيجية واضحة في شأن الشرق الأوسط، تهدف إلى بناء ما يسميه الملالي في طهران “الشرق الأوسط الإسلامي” أو “منطقة الخليج الفارسي الكبير”. من مشتقات هذه الاستراتيجية وأوضحها السيطرة على الممرات البحرية والتجارية الإستراتيجية ومنها مضيق باب المندب والذي يعد شريانًا للملاحة والتجارة الدولية. وهذا ما يمثل تهديد للأمن القومي العربي، ومصالح الدول الإقليمية والدولية وتسعى السعودية بدرجة أساسية في تأمين حدودها الجنوبية، والحصول على منفذ
في المهره يطل على ساحل البحر العربي والمحيط الهندي لتصدير منتجاتها النفطية إلى الصين وآسيا شرقاً دون قلق من تهديدات إيران .
وتعمل الإمارات على ترسيخ نفوذها وديمومته تكمن في الجمع بين الأهداف العسكرية والتجارية المتداخلة.
مصالح وأجندة القوى المحلية:
تسعى كافة الأطراف المحلية في اليمن، لأن تكون القوة الحاكمة في البلاد، فالحوثيُّون يسعون لإقامة جمهورية إسلامية في اليمن، تختلط فيها السلطة الزمنية بالسلطة الدينية على غرار التجربة الإيرانية !!
والحكومة الشرعية تسعى لاستعادة السلطة التي أسقطها الحوثيُّون. ويشترك في هذا الهدف عناصر وجماعات السلطة في النظام القديم التي أزاحها الحوثيُّون، بالإضافة إلى حزب التجمع اليمني للإصلاح، الذي كان يرى في نفسه البديل لنظام الحكم الحالي في اليمن!!.
ويلقى مشروع الانفصال وإعادة بناء مؤسسات الدولة الديمقراطية المستقلة رواجًا في الجنوب، ويحظى هذا التوجه بشعبية كاسحة و بدعم خارجي متعدد الجهات والأطراف، المحلية والإقليمية والدولية، ويتصادم مع مشروع المحافظة على وحدة اليمن الذي تتبنّاه القوى السياسية والدينية في اليمن، ومعظم رجال المال والأعمال،وخاصة بعض شيوخ القبائل المتحالفة مع " صالح " الذي منحهم امتيازات خاصة في ثروات الجنوب ولكن هذا التوجه والمشروع الاستراتيجي يعاني من حالة تمزق سياسي كما يواجه حالة مستعرة من الاستقطاب الحادة الإقليمية والدولية!!
فجناح المؤتمر الشعبي العام انقسم على نفسه بين مؤتمر الداخل الذي لا يملك من أمره شيئًا، ومؤتمر الخارج الذي لم يحسم قراره بتأييد السلطة الشرعية.
وتواجه الحكومة الشرعية في الوقت نفسه تحديًا آخر في المحافظات الجنوبية يعوق وجودها في العاصمة عدن، والذي يتمثل بتنامي نفوذ المجلس الانتقالي الجنوبي، ورغم اقتراب قوات الحكومة الشرعية من معقل الحوثيّين في صعده شمالًا وتمكّن التحالف العربي من التمدد على الساحل الغربي في يونيو/حزيران 2018 م، والتقدم النسبي في الجبهات، فإن الحوثييّن مازالوا يحكمون سيطرتهم على المحافظات الشمالية الكثيفة السكان والوعرة التضاريس، وهو ما يمنحها ميزة نسبية.
كما أن الضغوط التي مورست على السعودية أدت إلى وقف معركة الحديدة والتحفظ عن بعض الجبهات، وإيقاف الدعم عن الجبهات الأخرى !!
وفي الجنوب هناك جبهة بيحان في محافظة شبوة، وهي من أبرز الجبهات التي تجري فيها المواجهات بشكل متقطع منذ أكثر من عامين، بالإضافة لجبهة مريس في الضالع، وجبهات أقل حِدة في محافظة إب والبيضاء، وسط اليمن، وجبهة الحدود المشتعلة في صعدة وصولاً إلى حجة الواقعة أقصى الشمال الغربي لليمن ،ويستميت الحوثيوُّن في معركة مدينة الحديدة بوصفها خطًا دفاعيًا أولَ لإبقاء سيطرتهم على العاصمة صنعاء، وبما يمكّنهم من الاحتفاظ بموقف تفاوضي قوي في أي تسوية قادمة. وتتوزع الجغرافيا اليمنية على تشكيلات عسكرية متعددة وتسعى قوى سياسية وحزبية داخلية للسيطرة عليها، وهناك تشكيلات كالأحزمة الأمنية وقوات النخب المشكّلة من أبناء المحافظات الجنوبية، وتشكيلات “المجلس الانتقالي الجنوبي”، و”قوات العمالقة” التي كان لها دور بارز وحاسم في إبعاد الحوثييّن عن الساحل الغربي لليمن. وتشاركها قوات بمسمى من أفراد الحرس الجمهوري بقيادة ابن شقيق الرئيس السابق علي عبد الله صالح، وهذه الأخيرة لا تدين بالولاء للسلطة الشرعية.
-دراسة لمركز رؤيا للبحوث والدراسات (للأستاذ سلمان العماري) - عرضه ولخصه لـ(اليوم الثامن) علوي عمر بن فريد "الحلقة الأولى"