استيراد الغاز الإيراني..

تقرير: لماذا دخلت العراق مرحلة إعفاءات أميركية في الأشهر الماضية؟

الحكومة العراقية تتمسك بمواصلة استيراد إمدادات الغاز والكهرباء من إيران

محمد مرشد عقابي

ما تزال الحكومة العراقية تتمسك بمواصلة استيراد إمدادات الغاز والكهرباء من إيران، حيث تشكل أكثر من ثلث قدرة العراق في توليد الكهرباء وهو سبب جوهري دفعها مؤخراً للتواصل مع الولايات المتحدة الأميركية من أجل تأكيد منحها إعفاءات جديدة لإستيراد الطاقة من النظام الإيراني، ويشير الخبير الإستراتيجي في شؤون السياسات الخارجية العراقية حيدر عبد الأمير في حديث لإحدى وكالات الأنباء العالمية إلى أن واشنطن قد تمنح بغداد مجدداً إعفاءات للواردات من الغاز والكهرباء من إيران، وذلك لإعتبارات تتعلق برؤيتها للإتجاهات الحالية للعلاقات بينهما والتي تأثرت إلى حد كبير على حد وصفه بعد الضربة العسكرية التي شنتها واشنطن وأدت إلى مقتل قائد "فيلق القدس" التابع للحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة "الحشد الشعبي" أبومهدي المهندس في 3 يناير الفائت.

ويضيف : قدمت الولايات المتحدة الأميركية سلسلة من الإعفاءات للعراق في الأشهر الماضية لكي تتمكن من استيراد الغاز الطبيعي والكهرباء من إيران، بعد أن فرضت في 5 نوفمبر 2018م عقوبات على طهران يحظر بموجبها على الأخيرة تصدير كافة منتجات الطاقة للأسواق الدولية، وفي 17 أكتوبر 2019م منحت الإدارة الأميركية إعفاءً للحكومة العراقية لإستيراد الطاقة من إيران لمدة 120 يوماً مما سمح لها بمواصلة استيراد إمدادات الكهرباء من الأخيرة بواقع 1200 ميجاوات، ومن الغاز الطبيعي بطاقة قصوى قدرها 28 مليون متر مكعب يومياً، وهى إمدادات تغذي عدداً من محطات الكهرباء العراقية في جنوب البلاد وبطاقة توليد إجمالية تصل إلى 5 آلاف ميجاوات.

اما د . سعد حمود عبد الحق الخبير في منهجية العمل الإقتصادي فيقول : بمقتضى العقوبات المفروضة على النظام المصرفي الإيراني فقد تبنى العراق في الأشهر الأخيرة آلية مالية لإستيراد الكهرباء والغاز من طهران دون التعرض للعقوبات الأميركية وهذا يؤكد ولاء النظام العراقي القائم لإدارة شؤون البلد للنظام الإيراني وتبعيته الخالصة له، وبموجب ذلك يتم إيداع مستحقات إيران لدى المصرف العراقي للتجارة المملوك للحكومة بالعملة المحلية (الدينار) على أن تستخدمها طهران في شراء السلع الإنسانية غير الخاضعة للعقوبات الأميركية مثل الأدوية والمعدات الطبية والأغذية.

ويشير الى أن إمدادات الغاز والكهرباء الإيرانية شهدت اضطرابات متكررة في الأشهر الماضية وبحسب وزارة الكهرباء العراقية فقد انخفضت شحنات الغاز الإيرانية للعراق إلى 4 ملايين متر مكعب يومياً فقط في يناير الماضي من نحو 25 مليون متر مكعب يومياً في أكتوبر 2019م مما تسبب في انخفاض قدرة الكهرباء العراقية من 19 ألف ميجاوات في أكتوبر الماضي إلى 14 ألف ميجاوات في الفترة السابقة نفسها على نحو أدى إلى تفاقم مشكلة انقطاع التيار الكهربائي.

وارجأ د . سعد الأسباب الرئيسية وراء تراجع شحنات الغاز الإيرانية للعراق توجيه طهران بعض صادرات الغاز لتلبية احتياجات السوق المحلية المتنامية وذلك بعد تراجع إنتاجها من الخام على ضوء العقوبات الأميريكية الرادعة على خلفية تدخلات الأولى في الشؤون الداخلية للكثير من الدول إلا أن ذلك لا ينفي استخدامها بحسب بعض الاتجاهات لقطع الإمدادات كوسيلة ضغط على الحكومة العراقية لسداد ديونها المستحقة لها نظير الغاز والكهرباء والبالغة نحو 2 مليار دولار بحسب التقديرات الإيرانية، لأفتاً الى ان بغداد ماتزال تتمسك بمواصلة استيراد الكهرباء والغاز الإيرانيين حيث يمثلان بالنسبة للحكومة العراقية الحالية عنصراً رئيسياً في استقرار قطاع الكهرباء.

من جانبه يؤكد الخبير امجد سعدون راضي استاذ العلوم السياسية بجامعة البصرة بان الحكومة قد اجرت في الأشهر الماضية مباحثات مع الولايات المتحدة الأميركية من أجل تمديد الإعفاءات الممنوحة لها للاستيراد وقدمت وزارة الخارجية العراقية في فبراير الجاري مذكرة دبلوماسية لواشنطن تؤكد فيها ضرورة استمرار تدفق الغاز والكهرباء من إيران لكى لا يؤثر ذلك على استقرار قطاع الكهرباء العراقي، ملوحاً بالعديد من الترجيحات إلى أن الإدارة الأميركية قد تستجيب للمطالب العراقية وهو ما يعود لإعتبارين رئيسيين على حد قوله يتعلق أولهما برغبة واشنطن في تقليص حدة التوتر مع الحكومة العراقية الموالية لنظام الملالي الإيراني حيث هددت الأخيرة بإخراج القوات الأميركية نتيجة الأحداث الأخيرة التي شهدتها الساحة العراقية الأمر الذي دفع الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى التهديد بفرض عقوبات اقتصادية شديدة على العراق في حال إخراج القوات الأميركية ربما تتمثل في تجميد حسابات مصرفية تابعة للبنك المركزي العراقي في مصارف الولايات المتحدة حيث تحتفظ العراق ببعض من عائدات النفط، وبعبارة أخرى فإن واشنطن تسعى إلى تفادي خسارة شريك مهم لها في الشرق الأوسط مثل العراق والحيلولة دون تصاعد التوتر في العلاقات بين الطرفين مجدداً الأمر الذي قد توظفه طهران لصالحها، وينصرف ثانيهما إلى حرص الإدارة الأميركية على دعم استقرار الساحة السياسية والإقتصادية بالعراق خاصة بعد ترشيح محمد توفيق علاوي لرئاسة الحكومة بدلاً من عادل عبد المهدي الذي استقال من منصبه على خلفية الإحتجاجات الشعبية الواسعة بالمدن العراقية والمستمرة حتى الآن بسبب سوء الأوضاع الإقتصادية بما يعني أن الإدارة الأميركية لا ترغب في وضع الحكومة الجديدة في مأزق بسبب انقطاع الإمدادات من إيران إلى بغداد.

اما المهندس عدنان حسين كاظم خبير في شؤون العلاقات العراقية الشرق اوسطية فيرى بأن تمديد الإعفاءات يبقى احتمالاً غير مستبعد إلا أنه على المدى الطويل ربما تزيد الإدارة الأميركية من ضغوطها على الحكومة العراقية للبحث عن بدائل للغاز والكهرباء الإيرانيين.

واضاف : نتذكر جميعنا كيف حث وزير الطاقة الأميركي السابق "ريك بيري" في 10 ديسمبر 2018م الحكومة العراقية على تقليل الإعتماد على موارد الطاقة الإيرانية والتحرك نحو الإستقلال الكامل في إمدادات الطاقة، وعلى هذا النحو بدأت الحكومة العراقية ولكن على نحو بطيء نسبياً في اتخاذ خطوات مبدئية لتعزيز إمدادات الطاقة، حيث انه في 23 يناير الفائت وافق مجلس الوزراء على تطوير حقول الغاز في محافظة ديالى وبطاقة متوقعة بنحو 750 مليون قدم مكعب من الغاز خلال سنوات بما قد يعمل على تخلي العراق عن واردات الخام بحسب بيان لوزارة الكهرباء.

ومضى يقول : من غير المرجح أن تتخلى العراق نهائياً عن الإمدادات الإيرانية في ظل ارتفاع الطلب على الكهرباء في العراق والذي قد يصل إلى 27 ألف ميجاوات قبل نهاية عام 2020م وهو ما يعني أنها بحاجة على أقل تقدير في الأجل المتوسط للغاز والكهرباء من إيران لسد احتياجاتها، علاوة على ذلك فإن خطة تطوير قطاع الكهرباء وتنمية موارد البلاد من الغاز سوف تستغرق وقتاً طويلاً لتنفيذها إلى جانب أن الروابط الجيوسياسية والأمنية والعلاقات القائمة بين حكومتي البلدين ربما تدفع بغداد أيضاً إلى وضع حدود لأي توجه نحو وقف إمدادات الطاقة من النظام الإيراني بعدما استطاع اللوبي الشيعي الموالي لطهران بداخل العراق تملك القرار الحكومي وفرض الوصاية على الشعب العراقي وتجيير كل ذلك لخدمة ملالي إيران وتعبيد كل الطرق امام مشروعهم الجهوي والإستعماري في المنطقة.