فرص السلام..
دراسة تحليلة: مستقبل الجنوب في ضوء النفوذ السعودي وفوضى اليمن
عدن
مقدّمة - قبل أن تنطلق عمليات عاصفة الحزم ويُعلن التحالف العربي الذي تقوده السعودية في 25 مارس 2015 بدء غاراته العسكرية في اليمن، بهدف التصدي لتمدد الميليشيات الحوثية وقوات علي عبد الله صالح نحو مناطق جنوب اليمن الاستراتيجية، كان المقاتلون الجنوبيون "المقاومة الجنوبية" لوحدهم يخوضون معارك طاحنة في جبهات عدة ، على خلاف مناطق شمال اليمن، التي كانت قد وقعت في معظمها تحت سيطرة "أنصار الله" المدعومين من إيران.
كانت تلك الفوارق الشاسعة في إرادة مقاومة الجنوبيين للميليشيات والقوات القادمة من الشمال، نابعة بدرجة أساسية من عوامل سياسية وتاريخية بارزة، مثلّت طليعتها الهوية الوطنية المتأصلة لشعب جنوب اليمن "الجنوب العربي"، وعززتها السياسات الإقصائية الواسعة التي مارسها النظام المركزي في صنعاء عقب وحدة عام 1990، والتي قادت بطبيعة الحال لشنِّ الشمال "الرجعي المحافظ" حربين واسعتين في العام 1994 وفي العام 2015 ضد الجنوب الأكثر تحرر.
وبعد تحرير مناطق جنوب اليمن بمشاركة إماراتية فاعلة ودعم من التحالف العربي في نفس العام 2015، لا يبدو أن لدى معظم القوى "المتناحرة" في شمال اليمن استفادة من أخطاء التاريخ القريب، على الأقل حتى الآن، تجاه التعاطي الفعال والمنطقي والمسؤول مع قضية شركائهم المستبعدين قسرا من "الجمهورية المجزأة"، حتى مع توسع سيطرة الجماعة الشيعية الحوثية لمعاقل الحكومة هناك.
تستمر حالة الإصرار على فرض واقع الشمال على الجنوب في تصدير الفوضى والحروب في هذه الجغرافيا الاستراتيجية المهمة للأمن البحري العالمي، في فتح شهية دول إقليمية لحجز حصة من السيطرة والنفوذ.
ولأن الحرب الأخيرة دفعت بالجنوبيين، للأخذ بالنصائح بجدية، والذهاب نحو ترتيب أوراقهم السياسية بشكلٍ يعزّز فرص نجاح مطالبهم السياسية من جهة، وترتيب شأنهم الأمني والعسكري من جهة أخرى. فقد كان تأسيس المجلس الانتقالي الجنوبي في المنطقة بمثابة ثمرة سنوات من نضال الحركة الوطنية الجنوبية التي انطلقت في العام 2007، على الرغم من أنّ تيارات محدودة فضّلت البقاء في محيطها الذي يتعارض مع سياسة تحالفات المجلس الإقليمية.
تلك التيارات، وخصوصا المتواجدة ضمن بيئة حكومة الرئيس عبدربه منصور هادي، كانت الأداة الأنسب للنخبة العسكرية الشمالية، التي يديرها نائب الرئيس علي محسن الأحمر، وحلفائها في المنطقة، لإبقاء الوضع في جنوب اليمن متوتراً، وهو ما دفع بتفجير الموقف أكثر من مرّة في العاصمة عدن، قاد على إثره في أغسطس الماضي 2019 إلى طرد وزراء الحكومة من عدن وتوسُّع سيطرة المجلس على أربع محافظات استراتيجية في الجنوب، في حين حسمت الحكومة سيطرتها على محافظة شبوة الغنية بالنفط وأجزاء من جزر أرخبيل سقطرى.
الصحراء الشمالية الشرقية من حضرموت لا تزال تحت سيطرة المنطقة العسكرية الأولى التابعة لنائب الرئيس اليمني، بينما عززت المملكة العربية السعودية تواجد قواتها في محافظة المهرة الشرقية الحدودية مع سلطنة عُمان.
مستقبل اتفاق الرياض
مثّل اتفاق الرياض الذي وُقّع بين المجلس الانتقالي الجنوبي والحكومة اليمنية في 5 أبريل 2019 برعاية سعودية، بمثابة تغيير استراتيجي عسكري وسياسي مفصلي في تاريخ الأزمة اليمنية وأطرافها في المنطقة.
فمن ناحية، شكّل الاتفاق نهاية عملية لدور القوات الإماراتية الأكثر فعالية في الحرب والإعمار، في جنوب اليمن، بعد إعلان الإمارات سحب قواتها العسكرية والبشرية المشاركة من هناك، منحت بذلك موضعَ قدم للقوات السعودية في استلام زمام القيادة في عدن، من ناحية أخرى.
وفي حين اعتبر المجلس الانتقالي الجنوبي اتفاق الرياض مكسباً، استطاع خلاله انتزاع مشروعية سياسية ودولية، وفتحَ أمام "قضية الجنوب" فرص مستقبلية واعدة للحل من خلال المشاركة في أي مفاوضات سلام قادمة، رآه ناقدون تكريساً لمبدأ تقاسم السلطة، وترحيل فعلي للواقع الذي كان يفترض حسمه عسكرياً على الأرض، دون الدخول في مناورات سياسية خاسرة.
لم يتم تنفيذ هذا الاتفاق حتى الآن، وبات مرشحاً للانهيار كما يقول خبراء ومراقبون دوليون. لا تزال القوات العسكرية لكل طرف من أطراف النزاع في جنوب اليمن في مواقعها السابقة. تستمر التعزيزات العسكرية القادمة من مأرب باتجاه محافظة شبوة ومنطقة شقرة شرق محافظة أبين بالتدفق. استطاعت المقاومة الجنوبية بالأمس من استهداف تعزيزات عسكرية، قالت مصادر أنها كانت قادمة لتعزيز الجنرال الشمالي سعيد معيلي في أبين. ويتّهمُ الجنوبيون جناحَ الإخوان المسلمين في اليمن "حزب الإصلاح"، في تأجيج النزاع.
لقد منحَ الاتفاقُ الإدارةَ السعودية بروباغندا دعائية حول مدى قدرتها في صناعة السلام وتأثيرها على الأطراف المتصارعة هناك. لكن حتى هذه الأخيرة تبخّرت عمليا في جنوب اليمن، بعد منع السعودية أربعة مسؤولين بارزين من قيادة المجلس الانتقالي الجنوبي من العودة إلى عدن في 13 مارس آذار الماضي.
الحكومة اليمنية هي الأخرى تعيش حالة انقسام واسعة، لوبي اقتصادي يقوده أحمد العيسي يحاول استثمار الحكومة لمصالح نفوذ شخصية. بات عدد من الوزراء وكلاء لرجل الأعمال داخل الحكومة. في حين بات وزراء آخرون ينفذّون أجندة حزب الإصلاح الأكثر تأثيرا على قرار الرئيس هادي. أدّى الفساد والصراع على المال داخل الحكومة إلى انهيار واسع في أعمالها وأدائها على مختلف الملفات الاقتصادية والسياسية.
مع إعلان التحالف العربي الذي تقوده السعودية وقف عملياته العسكرية في اليمن لمدة أسبوعين في 9 أبريل الجاري، خشية كارثة أخرى قد يسببها انتشار محتمل لفيروس كورونا المستجد، ودعوة الأمم المتحدة للحكومة اليمنية والحوثيين لمحادثات افتراضية لتحقيق وقف إطلاق النار، بناء على مقترحات قدّمتها كأساس أوّلي لعملية الحوار، مستثنية من ذلك المجلس الانتقالي الجنوبي، فإنَّ فرص نجاح المبادرة والجهود الأممية تبدو ضئيلة في ضوء طبيعة الأزمة اليمنية إجمالاً. فضلا من أن ذلك قد يشكّل نهاية فعلية لاتفاق الرياض الذي رعته المملكة العربية السعودية، ويفتح الباب على مصراعيه لمرحلة جديدة من الحرب وعدم الاستقرار.
تراهن الرياض على علاقتها بالإمارات العربية المتحدة لتنفيذ أجندتها المستقلة دون إثارة نزاع جديد بين المجلس الانتقالي والقوات الحكومية. تمارس الرياض سياسة "التخدير" في تحقيق أكبر قدر لنفوذها من خلال تغيير ناعم لقطع "الشطرنج"، يمنحها أكبر قدر من الولاء في المنطقة صعبة المراس، مع الإبقاء على موقفها من مطالب الشعب في جنوب اليمن غامضة إلى حدٍ كبير.
ذلك يكشفه التوسُّعُ المستمر لسيطرة القوات الحكومية على جزرِ أرخبيل سقطرى، واستمرار تدفّق التعزيزات العسكرية القادمة من مأرب، والمتجهة نحو معقل القوات الحكومية في أبين، والدعم العسكري السعودي للقوات المقربّة من قائد التحالف بعدن، على حدود محافظة البيضاء. فضلا عن هبوط متكرر لطائرات عسكرية تقلُّ مجندين إلى عدن، تلقوا تدريبات على الأراضي السعودية.
السلام وفوضى الصراع شمالا
وفي حين رحبّ المجلس الانتقالي الجنوبي بمبادرة التحالف العربي بوقف إطلاق النار في اليمن، لم يكن للحكومة اليمنية نصيب من الدعوة لسلام من أي نوع، عدا ترحيبها المنفي بعيدا، بما يسمح للتعبير بلغة الإشارة. فهزة رأس من شخص الرئيس هادي تكفي وتفي بالغرض. بينما يبدو صمت الجناح المتمكّن حول الرئيس هادي، كجماعة الإخوان المسلمين (حزب الإصلاح)، مريبا بما يكفي لنفي صحة المثل الشعبي القائل "السكوت علامة الرضى".
فمازالت خلفية جماعة الإخوان العقائدية لا تحبّذ الانصياع لتحذيرات الخارج من مخاطرِ وباء كورونا، ويميل أداؤها السياسي والإعلامي كل الميلِ لتصنيفها ضمن "نظرية المؤامرة" المستهدِفة للأمة الإسلامية وهي تحثُّ عناصرها التنظيمية على هذا الاعتقاد. ومثلها أيضا الجماعة الحوثية الإسلامية.
وبالتالي فإن أي دعوةٍ للسلام تجعل من انتشار وباء كورونا سببا رئيساً لإبرام اتفاق، ولو بشكل مؤقت، لا يمكن أن تقبلها الجماعتان الإسلاميتان. فمنذ اليوم الأول الذي دعا فيه المبعوث الاممي والتحالف العربي الحوثيين للقبول بسلام يفرضه خطر انتشار وباء كورونا كأمر واقع ينبغي الانصياع له، وضع الحوثيون مبادرتهم الخاصة لسلامٍ آخر كـ "رد" على ما يعتبرونها مناورات سياسية.
قيادات الصف الأول للجماعة شككت في نوايا الطرفين الأممي والسعودي، يعززها استمرار الحوثيين في عملياتهم العسكرية العازمة على إسقاط مأرب، بما يحقق تفوقهم العسكري قبل تزايد الضغوط الدولية عليهم للقبول بسلام لا يريدونه الآن. فهم يدركون جيدا مآلات تأخر حسمهم العسكري لمعركة السيطرة على مأرب وإيغال تباطؤهم في تثوير شراسة قبائل مأرب السنية واشتعال حرب طائفية واتساعها لتهدد بقاء سيطرتهم المستجدة على الأراضي الصحراوية الشاسعة لقبائل مأرب والجوف.
الحوثيون منذ بدء الحرب تجنبوا طوال تلك المدة إثارة هذه النعرة الطائفية بوقوفهم المهادن والمسالم في مناطق نهم وصرواح ونجاحهم في صناعة وئام شمالي-شمالي. فبقاء شخصيات من أصول زيدية - بل وإخوانية منتمية لحزب الإصلاح - في قيادة الجيش الوطني وأخرى على رأس الهرم الحكومي والإداري في مأرب، حقق عامل مساعد لإحلال سلام ووئام، سني- شيعي، شمالي-شمالي، سهّل تنفيذ عمليات التشبيك الثنائي للمصالح المشتركة بين صنعاء ومأرب.
فتاريخ صنعاء يُدرك جيداً معنى استفزاز قبائل مأرب والجوف السنية، كما يدرك الحوثيون جيدا معنى وقوفهم على تخوم مأرب دون حسم عسكري سريع. إذا أراد الحوثيون السيطرة على مأرب، فمن الأفضل أن ينجزوا ذلك سريعاً، وإلا فإن الأمر سيرتدّ عليهم لا محالة، ولن يتوقف على استعادة كامل أراضي مأرب والجوف، بل سيتعدى ذلك بما يجعل صنعاء نفسها عرضة للسقوط.
لكن بالعودة إلى الوضع في جنوب اليمن، قد يسأل البعض: ما الذي يدفع القيادات العسكرية المنحدرة من مأرب، المحافظة الغنية بالنفط والثروة، إلى الانخراط في صفوف القوات الحكومية التي اتجهت جنوبا إلى شبوة وأبين، للقتال ضد القوات الجنوبية التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي بدلا عن قتال الحوثيين الواقفين بعديدهم وعتادهم العسكري الضخم على تخوم مأرب؟
يقطع القائد العسكري لإحدى كتائب الحرس الرئاسي المنحدر لقبائل مأرب السنية ويدعى سعيد بن معيلي، مسافة بعيدة من مأرب إلى أبين تقدر تقريبا 1000 كيلو متر للقتال جنوبا، بهدف محاولة إسقاط عدن معرّضاً نفسَه وجنوده للخطر، بينما يتجه الحوثيون اليوم عقب إسقاطهم لمحافظة الجوف لإسقاط مسقط رأس "بن معيلي"، "محافظة مأرب".
ولتفسير حدث غريب كهذا: عندما اتجه الجنرال الشمالي وبعض جنوده من أبناء مأرب للقتال جنوبا، فقد اتجهوا بدافع وطني للدفاع عما يعتقدون أنها "وحدة يمنية" من خطر مساعي المجلس الانتقالي الجنوبي لاستقلال الجنوب عن الشمال، في وقت كان فيه الحوثيون على وئام تام مع مأرب والجوف ولا يوجد بينهما ما يثير الصراع الطائفي.
يبدو أن ما يحدث في الجنوب قد أثار النعرة الوطنية لأبناء محافظة مأرب النفطية على "وحدة اليمن"، أكثر مما أثار حفيظة أبناء صنعاء وصعدة وعمران وذمار "المحافظات الجبلية الغير نفطية"، باعتبارهم المركز الحاكم لوحدة اليمن أولاً، وثانياً لأنهم أبناء المناطق الجبلية الفقيرة والمعدمة من الثروة.
عقب إبرام اتفاق الرياض السياسي بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي، حدثت النقلة النوعية التي غيّرت مسرح العمليات العسكرية في مأرب. استقرت كتيبة من اللواء الرابع حرس رئاسي، معظم جنودها من الجنوبيين بقيادة الجنرال الجنوبي، "مهران القباطي" في محافظة مأرب، على خط النار مع الجماعة الحوثية. قبل هذا التموضع العسكري الجديد في مأرب كانت جميع جبهات مأرب المتقدمة ضد الحوثيين متوقفة ولا تشهد قتالا بينيا محتدما. أحرجَ هذا التموضع الجنوبي المستحدث هذا الجو من الوئام الثنائي بين مأرب وصنعاء. تم تدبير عملية استهداف لكتيبة الحرس الرئاسي بتفجير راح ضحيته ما يزيد عن 100جندي معظمهم جنوبيين. لم يستطع الحوثيون إعلان مسئوليتهم عن هذا الحادث الشنيع، خصوصا وأنه تم تنفيذه في مسجد للعبادة لم يكن فيه الجنود في وضعية قتال.
مثّل هذا الحادث نهايةً عمليةً للهدنة الغير معلنة بين الحوثيين والإخوان المسلمين، مما سمح باشتعال الجبهات بين مأرب وصنعاء ودخول الحرب مرحلة الجدية بعد مرور 5 سنوات على وهميتها وافتعالها الشكلي. ولأنَّ قوات جماعة الإخوان في مأرب لم تعتد على هذا النوع من الجدية في الحرب، فقد لجأت إلى التسليم الطوعي للحوثيين، ما سمح بالانهيار السريع والكبير لقوات الحكومة الشرعية. تمدّدَ الحوثيون في غضون أيام معدودة وأسقطوا جبال "نهم" ومن ثم اتجهوا لإسقاط مديريات محافظة الجوف بشكل متتابع، وباتوا يقفون على مشارف محافظة مأرب متحيّنين الفرصة لإسقاطها.
بِكشفِ الحوثيين عن وجههم الطائفي للقبائل السنية في محافظتي الجوف ومأرب، تصاعد العِداء الطائفي شمالا، وانحسر عداؤهم الوطني المصطنع جنوبا، إذ لم يعد لتواجد أبناء مأرب في جنوب اليمن معنى، في وقت تُذبح فيه محافظتهم من الوريد إلى الوريد، من قبل جماعة "المركز المقدس" لجمهورية اليمن الواحد.
لقد أرادت مأرب بدافع الوطنية الزائفة الحفاظ على وحدة اليمن فأرادت صنعاء إسقاط مأرب والسيطرة عليها بدافع الحصول على الثروة والنفط. يتساءل مراقبون إذا ما كان الأحرى بمأرب اليوم أن تدافع عن نفطها وثروتها من سطوة صنعاء عليها، عوضا عن الذهاب لتحقيق حُلم صنعاء، نيابة عنها، في السيطرة على نفط الجنوب وثروته؟
خلاصة
إن استمرار نهج سياسة المقاربة غير الحاسمة، وترقيع الحلول السياسية دون الأخذ بجذور ومسببات الأزمة في جنوب اليمن، لا يقود بالمطلق إلى نجاح أي عملية سلام دائمة. استمرار حالة الصراع والمراوحة في تنفيذ اتفاق الرياض هناك، يهدد استقرار اليمن والمنطقة بشكل عام.
لا يبدو أن مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة، يأخذ طابع الأزمة في الجنوب وعواقبها المحتملة، على محمل الجدّ حتى الآن. لا يزال تركيز الأمم المتحدة قائم على الأطراف التقليدية للحرب.
الإجراءات السعودية التي أثارت مؤخرا توترا في جنوب اليمن، يجب أن تتوقف. التغاضي الواضح للتحالف العربي عن استمرار تدفق الأسلحة والمقاتلين إلى مناطق الصراع في شبوة وأبين، ينسِفُ اتفاق الرياض.
يرى مراقبون سعوديون أنّ ما "تقوم به العناصر الإخوانية، وقيادات نافذة داخل الشرعيّة اليمنيّة من محاولات التحشيد العسكري اتّجاه محافظة عدن، يعيد الأمور إلى مربّع الصفر، أي إلى ما قبل حوار جدّة واتّفاق الرياض.
يُؤخَذ على المجلس مراهنته المطلقة على نجاح اتفاق الرياض حتى الآن، وثقته بالوعود التي قطعتها المملكة العربية السعودية بشأن رعايتها العادلة للاتفاق. وجود استراتيجية بديلة في حال فشل الاتفاق، أمر ضروري، يمنع من انحدار المنطقة إلى الفوضى.
أمام المجلس الانتقالي خطوات يوصى باستكمالها. جهود لجنة التهدئة والتواصل التي يقودها عسكريون جنوبيون بارزون بين القوات الجنوبية-الجنوبية من طرفي الصراع هناك، قد تُنهي أعمال الاقتتال المتقطعة، وتعزز الاستقرار في المنطقة إلى حد كبير. وربما تزيد من فرص نجاح جهود السلام، فضلا عن تعزيز التماسك الاجتماعي بين بعض القبائل، التي تأثرت مؤخرا بفعل الأحداث الأخيرة.
لا تزال الحكومة اليمنية المنقسمة عاجزةً عن التعامل بجدّية مع الأزمة في جنوب اليمن. حالة الصراع على المال والمناصب بداخلها تَحول دون تركيز جهودها على تنفيذ التزاماتها من اتفاق الرياض، وتمنح المتطرفين بداخلها فرصة تأجيج أعمال الاقتتال.
إطالة أمد الصراع، في ظل غياب آلية حقيقية لإنهاء الحرب، وعدم إشراك الأطراف الفاعلة في جنوب اليمن بأي محادثات مستقبلية، سيهيئ الفرصة أيضا من تعزيز نفوذ الجماعات المتطرفة مثل تنظيم القاعدة والإخوان المسلمين، ويتيح المجال لدول إقليمية أخرى تدعمها، مثل تركيا، لتعزيز نفوذها هناك وفي المناطق المائية الهامة في خليج عدن والبحر الأحمر.
إياد قاسم: كاتب وباحث في الشأن اليمني والعربي، مدير مركز سوث24 للأخبار والدراسات
بدر قاسم محمد: كاتب وباحث في شؤون الجماعات الإسلامية والمتطرفة، زميل في مركز سوث24 للدراسات