تأجيل صيانة سفينة "صافر"..
باحثة: اليمن على موعد مع كارثة وشيكة.. هل يتكرّر انفجار بيروت؟
حذّرت الباحثة في العلوم البيانية لايلا يونس من أن اليمن على موعد مع كارثة كبرى وشيكة مع استمرار الميليشيات الحوثية في تأجيل صيانة سفينة "صافر" واستخدامها وسيلة ضغط على الولايات المتحدة لإلغاء تصنيف الجماعة منظمة إرهابية.
هناك تقارير عن تسرّب لمياه البحر إلى غرفة المُحرّك الرئيسية للسفينة
وشرحت يونس، في تقرير مُطوّل لمجلة "نيوز لاين ماغازين"، أن أياً من البلدان المُطلّة على البحر الأحمر لن تكون عرضة لمخاطر التسرّب النفطي من صافر كاليمن، حيث يُهدّد التلوّث الهائل بالنفط بتغيير هائل في النظام الإجتماعي والبيئي الهشّ للبلد الذي مزّقته الحرب، من مخزونات الأسماك الوفيرة إلى أكبر ميناء في الحديدة، حيث تصل تقريباً جميع المساعدات الإنسانية للدولة. بعض الدول الأخرى ستتأثر لكن ليس كاليمن، حيث تُشير النماذج إلى أنه في حالة حدوث تسرب كبير للنفط، يُمكن أن تنتقل البقع عبر الساحل السعودي إلى وسط البحر الأحمر، ما يُؤثّر على السياحة البحرية في مصر. كما حذّر بعض الخبراء من أن النفط يُمكن أن ينتقل حتى خليج العقبة، ويُدمّر الشعاب المرجانية الوحيدة في العالم التي يُتوقع أن تبقى على قيد الحياة بعد منتصف القرن الحادي والعشرين.
هل يتكرّر انفجار بيروت؟
على الرغم من هذه المخاطر، أدى المناخ السياسي الصعب في المنطقة إلى سنوات من التقاعس عن العمل مع انزلاق السفينة نحو الأسوأ. سيتذكّر الكثيرون مشهد الدخان الأسود المتصاعد من الصحراء عام 1991 عندما أمر صدام حسين قواته المنسحبة بإشعال النار في حقول النفط الكويتية. وخنق الدخان المنبعث من الحرائق الهواء وتسبّب بتفشّي أمراض الجهاز التنفّسي والجلد في الكويت وأماكن أخرى.
كما تحمل معضلة صافر تشابهاً صارخاً مع ما قبل انفجار بيروت، أي وجود الكثير من التحذيرات من العلماء والجمهور للتحرّك بسرعة قبل الكارثة الحتمية.
فالنفط الموجود على ظهر السفينة، مثل نترات الأمونيوم في الحظيرة، ظل خاملاً لأكثر من خمس سنوات، وهو قادر في أي لحظة على إشعال انفجار هائل.
تابع العالم كلّه انفجار بيروت، وقد يشهده مرة أخرى في اليمن قريباً.
تحت رحمة الله والبحر
قبل التخلّي عن صافر في 2015، كانت السفينة قد تجاوزت متوسط العمر المُتوقّع لناقلة تخزين النفط بـ20 عاماً، وفقًا لعبد الغني عبد الله جغمان، الجيولوجي اليمني، الذي أضاف أن البيئة شديدة الحرارة والرطوبة على الساحل اليمني "سرّعت من تدهور حالة السفينة".
دفع عمر السفينة، إلى جانب تكاليف الصيانة والتشغيل المرتفعة وموقعها غير المستقر في البحر الأحمر، الحكومة اليمنية في 2006 إلى البدء في التخطيط لإنشاء صهاريج تخزين النفط على الأرض في ميناء رأس عيسى. ومع ذلك، لم يتجاوز المشروع مرحلته التأسيسية. عندما اندلعت حرب اليمن في 2015، طُلب من العمال التخلّي عن صافر. ومنذ ذلك الحين، أصبح "مصير السفينة تحت رحمة الله والبحر" وفقاً لجغمان.
آثار بيئية واجتماعية مُدمّر
يعتبر تخزين ونقل النفط في أعالي البحار عملاً محفوفًا بالمخاطر، ما يُعزّز احتمالية التسرّب، وبالتالي يصعب التنبوء بالآثار المُدمّرة لهذا التسرّب على حياة البشر والبيئة. يُنقل حوالي 3.4 ملايين برميل من النفط التجاري عبر البحر الأحمر يومياً. وتؤكد السوابق التاريخية أن غرق أو عطل في أي من السفن التي تحمل هذا النفط، سيكون له عواقب وخيمة على المدى القصير والطويل.
عندما جنحت Exxon Valdez على الشعاب المرجانية قبالة ساحل ألاسكا في عام 1989، أثّرت على أكثر من 1200 ميل (2000 كيلومتر) من الخط الساحلي. وعلى الرغم من ضخّ ملايين الدولارات للتنظيف، تمت إزالة حوالي 10٪ فقط من النفط. بعد أكثر من 30 عاماً، لم يتعاف العديد من مجموعات الحياة البرية في المنطقة بعد، ولا تزال مصايد الأسماك الرئيسية مغلقة.
لا تستطيع المجتمعات الساحلية في اليمن تحمّل حتى جزء بسيط من هذا الدمار. لعقود من الزمان، كان صيد الأسماك واحداً من أكثر القطاعات إنتاجية في الإقتصاد اليمني الهشّ. قبل حرب 2015، كانت الأسماك هي ثاني أكبر صادرات البلاد. يُوفّر هذا القطاع فرص عمل لأكثر من نصف مليون فرد يدعمون بدورهم 1.7 مليون شخص، ويُشكّلون 18٪ من سكان المجتمعات الساحلية.
موت جماعي للحياة البحرية
باستخدام بيانات من وكالة حماية البيئة اليمنية والمكتب المركزي للإحصاء، قدّرت منظمة البيئة اليمنية "الحلم الأخضر" أن تسرّب النفط الضخم بالقرب من رأس عيسى من شأنه أن يُدمّر أكثر من 800 ألف طن من المخزون السمكي في مياه اليمن، وأن النظام البيئي البحري يُمكن أن يأخذ أكثر من 25 عاماً للتعافي. وحذّر خبراء آخرون من عواقب تتجاوز الموت الجماعي للحياة البحرية.
كما توقّعت شركة تحليل المخاطر البريطانية "ريسكوير" أن تسرّب النفط من صافر يُمكن أن يفرض إغلاق أكبر ميناء في اليمن في الحديدة لمدة خمسة إلى ستة أشهر، ما يتسبّب في ارتفاع أسعار الوقود بنسبة 200٪ وتعطيل خدمات الصحة والمياه والصرف الصحي. وفي حالة نشوب حريق كبير على متن السفينة، يُمكن أن يؤدي تلوّث الهواء الشديد إلى تغطية الأراضي الزراعية بالرماد وتدمير المحاصيل لأكثر من 3 ملايين مزارع.
آثار مُدمّرة على الشعاب المرجانية
عملت كارين كلاينهاوس، باحثة العلوم البحرية في جامعة ستوني بروك في نيويورك، مع فريق من الباحثين لوضع نموذج حول انتشار النفط من التسرّب من صافر. وتُشير الخرائط إلى أن التسرّب خلال أشهر الشتاء يُمكن أن يؤدي إلى انتشار النفط في أقصى الشمال وفي وسط البحر الأحمر، حيث سيظلّ مُحاصراً إلى أجل غير مُسمّى. وتُعتبر الشعاب المرجانية للبحر مورداً عالمياً بالغ الأهمية نظراً لقدرتها الفريدة على تحمّل درجات الحرارة المرتفعة بشكل غير طبيعي من دون أن تبهت.
لكن الحوثيين، الذين يتحكّمون في الوصول إلى الناقلة، سخروا من المخاوف البيئية لعلماء البحار، حيث كتب مسؤول رفيع المستوى في الجماعة محمد علي الحوثي أن حياة القريدس أغلى من حياة مواطن يمني للولايات المتحدة وحلفائها". تعكس هذه المشاعر توتراً طويل الأمد في مناطق الأزمات - حيث تُخفي مخاوف التدهور البيئي محنة الناس العاديين. ومع ذلك، من الواضح أن الاثنين مرتبطان. وأشارت كلاينهاوس إلى أن الشعاب المرجانية والحياة البحرية في البحر الأحمر ضرورية للصياديين في المدن الساحلية اليمنية.
كارثة كبرى وشيكة
وقالت: "من الطبيعي أن يُفوّت الناس العلاقة بين الأسماك والبشر. لكن الأسماك في الواقع تُغذّي الشعب اليمني".
في يونيو (حزيران) 2020، كانت هناك تقارير عن تسرّب لمياه البحر إلى غرفة المُحرّك الرئيسية للسفينة. أرسلت الشركة المالكة للسفينة والتي تُديرها الدولة، فريقاً من الغوّاصين لإيجاد حل سريع للتسرّب، لكن الأدلة على التدهور العميق عزّزت الاعتقاد بأن كارثة كبرى وشيكة.
بعد ستة أشهر من إفادة المدير التنفيذي لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة إنغر أندرسون أمام مجلس الأمن، والتي حذّر فيها من الحالة غير المستقرة للسفينة والعواقب الوخيمة لعدم اتخاذ أي إجراء، لا تزال الناقلة راسية في البحر مع أكثر من مليون برميل من النفط الخام على متنها. في الأسبوع الماضي، أخّر قادة الحوثي مرة أخرى مهمة للأمم المتحدة لتفقد السفينة.
ورأت يونس أن هذه الخطوة الأخيرة هي "استراتيجيتهم للضغط على الولايات المتحدة لإلغاء تصنيف الجماعة منظمة إرهابية".