اتهامات الفساد والحكم الفاشل..
تحليل: هل الاختلاف العقائدي من الأسباب الأساسية في حرب اليمن؟
عرف حقل العلاقات الدولية جملة من التغييرات والتطورات في مفهوم الحرب والأطراف المشاركة فيها، ففي الوقت الذي كنا نتحدث فيه عن الحروب التقليدية بين الدول، ظهرت لدينا أنواع جديدة من الحروب الداخلية، وتنوعت أسبابها والأطراف المشاركة فيها ما بين حروب إثنية ودينية ومذهبية
وظهرت الحروب أو الصراعات المذهبية في مختلف دول العالم حتى الدول العربية، حيث شهدت الفترات الأخيرة توظيف للدين على أساس طائفي لأغراض سياسية ومذهبية.
بعد العراق وسوريا ولبنان تعتبر اليمن الحالة الرابعة الجديدة التي انضمت إلى خارطة الصراعات ذات الأبعاد المذهبية في المنطقة.
كانت بداية الحرب في اليمن مع الثورة الشعبية التي اندلعت في 2011 والتي أطاحت بالرئيس علي عبدالله صالح بعد 33 عاماً من تربُّعه على سدة الحكم بسبب اتهامات بالفساد والحكم الفاشل، وعلى خلفية نزاع مستمر وقديم مع الحوثيين.
ويمثل الحوثيون اليوم أهم أطراف في النزاع بل هم الطرف الأساسي، تقاتل هذه الحركة الشيعية الحكومة اليمنية ذات الأغلبية السنية منذ عام 2004.
وسيطر الحوثيون على العاصمة اليمنية صنعاء في سبتمبر 2014 واستمروا في طريقهم نحو عدن، أكبر مدن اليمن. ورداً على تقدم الحوثيين هذا، شنت المملكة العربية السعودية ودول عربية أخرى حملة عسكرية في مارس 2015 (التحالف العربي).
يعتبر البعض أن الاختلاف العقائدي من الأسباب الأساسية للحرب في اليمن، فالطرف الأول الحوثيون الشيعة بدعم من إيران في مواجهة الطرف الثاني السعودية وحلفائها السنة.
وزعم المسؤولون اليمنيون والدول السنية، لا سيما المملكة العربية السعودية، مراراً وتكراراً أن إيران ووكيلها حزب الله قدموا الأسلحة والتدريب والدعم المالي إلى الحوثيين، لمواجهة السعودية.
الطابع المذهبي للنزاع
في الحقيقة كان اليمنيون متعايشين مذهبياً فيما بينهم عبر قرون من الزمن، بصرف النظر عن بعض الاحتكاكات المذهبية التي كانت تحدث من وقت لآخر بين أتباع المذهبين الزيدي والشافعي، وكان ذلك محصوراً في الغالب في إطار بعض النخب الفقهية، والنخب السياسية ذات المرجعيات المذهبية، التي كانت توظف المذهبية من أجل مصالح سياسية.
وبالتالي فإن الحياة بين الشعوب والعلاقات كانت مستقرة إلى حد كبير بعيداً عن السياسة.
ولكن برزت بذرة الصراع الحقيقية مع ظهور الحوثيين من رحم الزيدية في تسعينيات القرن الماضي وتحولها إلى حركة عسكرية ـ سياسية في العقد الأول من هذا القرن، بدأ المشهد اليمني يتغير وبرزت ملامح صراع كان في الأساس صراعاً داخل الطائفة الزيدية نفسها، حيث كان الصراع داخل المذهب الزيدي نفسه قبل أن يتضخم وينتقل ليصبح نزاعاً بين المذهب الزيدي والشافعي.
وأصبح الحوثيون هم الممثلون الرسميون للتيار المعارض في الدولة وقامت كل أطراف النزاع الحوثيين وحتى الحكومة اليمنية، بممارسات غير قانونية، مثل الاحتجاز التعسفي والاختفاء القسري والتعذيب وغيرها من المعاملة السيئة. وقد شملت هذه الإجراءات أشخاصاً من جميع مناحي الحياة، وتم استهدافهم فقط بسبب انتماءاتهم السياسية أو الدينية.
فالعامل المذهبي (الديني) أثر بشكل كبير على المعاملة التي يتلقاها المعتقلين من تعذيب وتعسف
ويعتبر حامد حيدرة -نقلاً عن تقرير لمنظمة العفو الدولية- أحد ضحايا هذه الاعتقالات التعسفية، هذا اليمني من أتباع الديانة البهائية، دفع سنوات من حياته بسبب انتمائه الديني ليس إلا، على أيدي القوات الحوثية. تم احتجاز حميد حيدرة في ديسمبر/كانون الأول 2013، وخضع لعملية قضائية مليئة بالعيوب بما في ذلك تهم ملفقة، ومحاكمة جائرة، ومزاعم موثوقة بأنه تعرض للتعذيب والمعاملة السيئة في الحجز، قبل أن يحكم عليه بالإعدام، في يناير/كانون الثاني 2018، بتهمة التعاون مع إسرائيل، وتزوير وثائق رسمية. وتعتبره منظمة العفو الدولية سجين رأي.
إيران كأحد أطراف النزاع
إيران متهمة على نطاق واسع بدعم الحوثيين، عندما قتل الحوثيون الرئيس السابق علي عبد الله صالح في 4 ديسمبر 2017 بينما كان قد تحالف رسمياً معهم في مايو 2015.
احتفل المسؤولون الإيرانيون بوفاة صالح. وقال علي أكبر صالحي، أحد كبار مساعدي المرشد الأعلى آية الله خامنئي، إن صالح حصل على ما يستحقه، وفقاً لمعهد الشرق الأوسط
دعم المسؤولون الإيرانيون قضية الحوثيين وشبّهوا الجماعة بحزب الله. قال علي أكبر ولايتي، كبير مستشاري المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، في أكتوبر 2014: "تدعم إيران النضالات المشروعة لأنصار الله في اليمن وتعتبر هذه الحركة جزءاً من حركات الصحوة الإسلامية الناجحة". لكن طهران نفت مراراً وتكراراً تقديم الأسلحة، الأموال أو التدريب للحوثيين.
تصاعدت التوترات بشأن الدعم الإيراني للحوثيين في أواخر عام 2017. في نوفمبر/تشرين الثاني، اتهمت المملكة العربية السعودية إيران بعمل حرب بسبب صاروخ أطلقه الحوثيون في اليمن على العاصمة السعودية. ونفت إيران أي صلة لها بالهجوم. لكن يبدو أن بقايا أربعة صواريخ باليستية أطلقها الحوثيون على السعودية في 19 مايو/أيار و22 يوليو/تموز و26 يوليو/تموز و4 نوفمبر/تشرين الثاني 2017، يبدو أنها صُممت وصنعت من قبل إيران، بحسب تقرير سري للأمم المتحدة في نوفمبر/تشرين الثاني 2017.
مستقبل النزاع
تصرح منظمة العفو الدولية بأن "الجرائم في اليمن ارتكبت من جميع أطراف النزاع، وتمت ممارسة انتهاكات جسيمة للقانون الدولي الإنساني. فقد قامت قوات الحوثيين، التي تسيطر على أجزاء كبيرة من البلاد، بقصف أحياء سكنية في اليمن بدون تمييز، وأطلقت صواريخ بدون تمييز على المملكة العربية السعودية. واستمر "التحالف" الذي تقوده المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، الذي يدعم الحكومة ، في قصف البنية الأساسية المدنية وتنفيذ هجمات بدون تمييز، وهو ما أدى إلى مقتل وإصابة مئات المدنيين".
تعتبر مشكلة تسليح الاطراق المتنازعة في اليمن من الهواجس الكبرى والعوائق امام حل الأزمة، وعلى الرغم من أن هناك أدلة دامغة على أن هذه الأسلحة تُستخدم في ارتكاب جرائم حرب وغيرها من الانتهاكات الجسيمة في اليمن، فإن دولاً من قبيل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا، وغيرها من البلدان الأوروبية لا تزال تزوِّد قوات التحالف بالأسلحة، في انتهاك لالتزاماتها الدولية.
وإن منظمة العفو الدولية تحث جميع الدول باستمرار على عدم تزويد أي طرف من أطراف النزاع في اليمن – سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة – بالأسلحة أو الذخائر أو المعدات العسكرية أو التكنولوجيا للمساهمة في حل هذا النزاع، حيث تعتبر تداعيات هذه الحرب إلى حد الآن كارثية على المستوى الإنساني بالدرجة الأولى، فقد وصل اليمن إلى مستوى متقدم من العجز الاقتصادي ووصل عدد القتلى إلى أكثر من 20 ألفاً منذ 2015 فقط، بالإضافة إلى 16 مليون شخص يعانون من الجوع والفقر المدقع.
----------------------------------