حماية المصالح الأميركية في المنطقة المغاربية..
تونس: أحزاب ومنظمات وطنية ترفض لقاء وفد الكونغرس الأميركي

السفير الأميركي يعرب عن رغبة بلاده في مواصلة دعم تونس
جدّدت الولايات المتحدة مواصلة دعمها لتونس على كل الأصعدة لإتمام البناء الديمقراطي واستعادة البلاد نسق النمو الاقتصادي في خطوة تعزز على مستوى الدعم الخارجي التغييرات الحاصلة في تونس مقابل دعوات اعتبار ما اتخذه الرئيس التونسي يوم 25 يوليو من تدابير استثنائية "انقلابا"، لكن الدعم الأميركي في نفس الوقت مثار جدل تونسي يرى فيه البعض تدخلا في الشأن الداخلي للبلاد لحماية المصالح الأميركية في المنطقة المغاربية.
وأثير هذا الجدل على خلفية زيارة وفد من الكونغرس الأميركي يومي 4 و5 سبتمبر إلى تونس. وهي زيارة انتقدتها أحزاب واتحاد الشغل. ورفض عدد من نواب البرلمان وممثلي بعض الأحزاب والمنظمات الوطنية دعوة وجهتها لها سفارة الولايات المتحدة بتونس من أجل لقاء مع وفد كونغرس.
وذكرت حركة الشعب في بيان لها أنه تلقّى دعوة في شخص النائب ليلى حداد من السفارة الأميركية لحضور لقاء مع وفد من الكونغرس الأميركي يؤدي زيارة إلى تونس. وأكدت الحركة رفضها هذه الدّعوة مجددة التذكير بموقفها المبدئي "القاضي بحماية السيادة الوطنية وعدم السماح لأي جهة خارجية بالتدخل في الشأن الوطني".
بالمثل، رفض حزب التحالف من أجل تونس والحزب الدّستوري الحر هذه الدعوة باعتبارها تدخلا أجنبيا في الشأن الداخلي التونسي، وهو ما أكد عليه الإتحاد العام التونسي للشغل، حيث قال أمنيه العام المساعد سامي الطاهري إن "الشأن التونسي لا يحل إلا بين التونسيين". وكتب الطاهري في تدوينة له على موقع فايسبوك، قائلا إنّ "اتحاد الشغل لن يشارك في دعوة السفارة الأميركية".
ويلفت مراقبون إلى أن بعض المواقف الرافضة للتدخل الأميركي مردها الموقف الأميركي السابق الذي تدخل في الشأن التونسي من خلال خطة تمكين الإسلاميين ودعمهم للوصول إلى الحكم في بلدان الربيع العربي بعد 2011 رغم خصوصية مجتمع مثل المجتمع التونسي وثقافته السياسية ذات الطابع العلماني البعيدة عن عقلية ومبادئ حكم الإسلاميين.
ويضيف المراقبون أن هذا الدعم الأميركي للإسلاميين هو أحد أبرز أسباب الانهيار الذي هدته البلاد طلية حكمهم والذي أوصل إلى انفجار الشارع في 25 يوليو 2021، وما أعقبه من تدابير استثنائية اتخذها الرئيس التونسي قيس سعيد وعلى رأسها تجميد عمل البرلمان وإقالة رئيس الحكومة، وكلاهما كان تحت سيطرة حركة النهضة.
ويبدو أن واشنطن بدأت تستوعب بدورها فشل هذه التجربة في هذا الظرف الحساس من المتغيرات الإقليمية والدولية، وهو ما يفسر الاهتمام اللافت بتونس وتأكيد دعم المسار الجديد الذي تسير فيه على أكثر من مستوى، فإلى جانب زيارة وفد الكونغرس، كانت هناك متابعة أميركية مكثفة من خلال التواصل المباشر بين الرئيس التونسي ووزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن الذي أكد في مكالمة هاتفية مع الرئيس التونسي "الشراكة القوية" بين الولايات المتحدة وتونس.
كما تواصل الرئيس التونسي هاتفيا مع مستشار الرئيس الأميركي للأمن القومي جيك سوليفان الذي أكد "دعم الإدارة الأميركية للديمقراطية التونسية"، واعتبر متابعون ردا غير مباشر لحركة النهضة التي سعت مع بداية التغيير لكسب دعم واشنطن من خلال ترويج نظرية الانقلاب عبر وسائل الإعلام الأميركية والغربية، إلا أنها لم تنجح في انتزاع موقف مؤيد لها. والتقى الرئيس التونسي في 13 أغسطس الماضي وفدا أميركيا ضم مسؤولين أميركيين رفيعي المستوى وممثلين للبيت الأبيض ووزارة الخارجية.
ويستبعد المتابعون أن يسعى الوفد الأميركي إلى إقناع الرئيس التونسي بإعادة الوضع لما كان عليه قبل تجميد البرلمان ما يعني إعادة الإسلاميين إلى وضع السيطرة، وإن يتوقع أن يدعو إلى فتح حوار مع جميع الأطراف.
وكان وزير الخارجية التونسية عثمان الجرندي التقى عشية زيارة الوفد مع السفير الأميركي في تونس، دونالد بلوم، الذي عبر عن رغبة بلاده في مواصلة دعم تونس لإتمام البناء الديمقراطي واستعادة البلاد نسق النمو الاقتصادي.
ووفق بيان صادر عن الخارجية التونسية، خُصص اللقاء للإعداد للاستحقاقات المقبلة، ومن بينها زيارة وفد الكونغرس الأميركي إلى تونس. وقد أوضح الجرندي في حديثه مع السفير الأميركي أنّ "القرارات التي اتخذها رئيس الجمهورية قيس سعيد في 25 يوليو الماضي، تأتي في إطار الدستور وتصحيح المسار الديمقراطي وحفاظا على ديمومة الدولة ومؤسساتها".
وشدد على "التزام رئيس الدولة من خلال تصريحاته على المضي قدما في تكريس المسار الديمقراطي في كنف احترام حقوق الإنسان والحريات ودولة القانون".
كما تبادل الطرفان وجهات النظر حول عدد من الملفات الإقليمية والدولية، ولاسيما الأوضاع في ليبيا، وهو الملف الإقليمي الدقيق الذي يدفع واشنطن إلى التعامل بحذر مع الوضع في تونس وتجنب الصدام مع رئيس الدولة ومع الشارع والأحزاب التي يرفض أغلبيتها حكم الإسلاميين.
إلى جانب الملف الليبي وحساسيته، يلفت المراقبون إلى أن الاهتمام الأميركي يستهدف أيضا حماية الاتفاق التعاون العسكري الموقع مع تونس)سبتمبر 2020). ولم يتم الإعلام حينها عن تفاصيل الاتفاق لكن قال مقربون من وزير الدفاع الأميركي السابق مارك اسبر إنه خارطة لمدة عشر سنوات من أجل تطوير العلاقات من خلال التدريب في حال قررت تونس شراء أسلحة أميركية دقيقة.
وقد تزامن ذلك مع الحديث عن إقامة قاعدة أميركية في تونس، فيما تؤكد السلطات التونسية مرارا أنه ليس هناك قاعدة عسكرية أميركية على أراضيها وأنه لن تكون هناك مستقبلا. في المقابل، أعلنت القيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا (أفريكوم) في بيان في مايو الماضي أنها تعتزم إرسال فرق دعم إلى تونس بسبب الأوضاع الأمنية غير المستقرة في ليبيا.
أثار ذلك انتقادات واسعة من قبل الرأي العام التونسي دفعت أفريكوم إلى اصدار في بيان آخر أوضحت فيه أن هذه الفرق ستكون للتدريب المشترك وليس للقتال.