تنازلات ثنائية..

ردود فعل "إيجابية" على مقترح ترسيم الحدود البحرية بين إسرائيل ولبنان

لطالما ربط لبنانيون عرقلة توقيع الاتفاق، الذي يعد لبنان في أمس الحاجة إليه، بمعارضة إيرانية عن طريق أذرعها في البلاد، وفي مقدمة هذه الأذرع حزب الله، لافتين إلى أن الاتفاق لن يتم إلا بعد صفقة إيرانية – أميركية.

توقيع الاتفاق اللبناني الإسرائيلي الذي تم تحت مظلة الولايات المتحدة وإيران يعكس التفاهم بين الأخيرتين بعد تنازلات ثنائية بينهما.

بيروت

وصفت أوساط سياسية لبنانية الإشادات المتبادلة بين المسؤولين الإسرائيليين واللبنانيين، بخصوص المقترح الأميركي لاتفاق ترسيم الحدود البحرية بين البلدين، بأنها تعكس موافقة إيرانية – إسرائيلية على الاتفاق. ولفتت إلى أن التصريحات المتتالية التي تدلي بها شخصيات لبنانية محسوبة على الثنائي الشيعي، وفي مقدمتها الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله، تشير إلى تلقيها موافقة من طهران.

وبعد ساعات من تسلم الرئيس اللبناني ميشال عون ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي نسخة من مسودة الاتفاق عن طريق السفيرة الأميركية دوروثي شيا رحب  نصرالله السبت بهذا التطوّر، وقال في خطاب متلفز “أهمية ما جرى أن هناك نصا مكتوبا مقدما من الجهة الوسيطة للرؤساء الثلاثة”. وأضاف “نحن أمام أيام حاسمة في هذا الملف (…) نأمل أن تكون خواتيم الأمور جيدة وطيبة للبنان واللبنانيين جميعا”.

وسبق أن وجه نصرالله تحذيرات متكررة إلى إسرائيل، متوعدا بتصعيد عسكري في حال بدأت باستخراج الغاز من حقل كاريش المتنازع عليه.

ولطالما ربط لبنانيون عرقلة توقيع الاتفاق، الذي يعد لبنان في أمس الحاجة إليه، بمعارضة إيرانية عن طريق أذرعها في البلاد، وفي مقدمة هذه الأذرع حزب الله، لافتين إلى أن الاتفاق لن يتم إلا بعد صفقة إيرانية – أميركية.

وكثيرا ما ربط مراقبون توقيع الاتفاق اللبناني – الإسرائيلي بالتوصل إلى تفاهم بين واشنطن وطهران بشأن إحياء الاتفاق النووي، ولكن في ظل تعثر إحياء الاتفاق لا يستبعد هؤلاء المراقبون أن يكون المقابل هو الإفراج عن أرصدة إيران المجمدة، رغم التقارير التي ربطت الإفراج عن الأرصدة بإطلاق سراح أميركيين فقط.

وقالت وكالة الأنباء الإيرانية (إرنا) الأحد إن السلطات تتوقع الإفراج عن أرصدتها المجمّدة في كوريا الجنوبية بسبب العقوبات المفروضة من قِبل واشنطن، والتي تبلغ 7 مليارات دولار.

وتولي الولايات المتحدة، التي تقود الوساطة بين البلدين منذ نحو سنتين، ملفَّ ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل أهميةً بالغةً.

ولا يستهدف حرص الولايات المتحدة تأمين مصالح حليفتها إسرائيل فحسب، بل يتعدى ذلك إلى تأمين خطوط نقل طاقة آمنة إلى أوروبا، للتخفيف من أزمة الطاقة التي تعانيها الدول الأوروبية بسبب الأزمة التي نشبت بينها وبين روسيا نتيجة الحرب التي شنتها الأخيرة على أوكرانيا.

وأشادت إسرائيل الأحد بالاقتراح الأميركي في مؤشر على قرب التوصل إلى اتفاق بين البلدين.

وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لابيد خلال اجتماع مجلس الوزراء صباح الأحد إن الاقتراح الأميركي “يعزز أمن إسرائيل واقتصادها”. وأضاف أن حكومته “تناقش التفاصيل النهائية، وبناء على ذلك لا يمكن الإشارة إلى صفقة محسومة”.

وبحسب رئيس الوزراء فإن “المقترح يحمي مصالح إسرائيل الأمنية والدبلوماسية الكاملة، بالإضافة إلى مصالحنا الاقتصادية”.

وأضاف “ليس لدينا اعتراض على تطوير حقل غاز لبناني آخر، سنحصل منه بالطبع على العائدات التي نستحقها. مثل هذا الحقل سوف يضعف اعتماد لبنان على إيران ويكبح جماح حزب الله ويجلب الاستقرار الإقليمي”.

وتتضمن مسودة المقترح، التي طرحها المبعوث الأميركي آموس هوكستين وقدمها إلى الجانبين الإسرائيلي واللبناني، مجموعة من الاقتراحات المتعلقة بترسيم الحدود البحرية الجنوبية. وتعهدت السلطات اللبنانية التي أكدت تسلمها المقترحات السبت بتقديم رد “في أسرع وقت ممكن”.

وأعلن رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري أن العرض الأميركي لترسيم الحدود البحرية “إيجابي” ويلبي “مبدئيّا” مطالب لبنان.

وقال “إن الاتفاق مؤلف من 10 صفحات وباللغة الإنجليزية ويستلزم درسًا قبل إعطاء الرد النهائي عليه”، موضحا أنه ورئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي يدرسون مع مساعديهم تحديد الملاحظات عليه، إن وُجدت، على أن يتم بعدها التشاور بينهم قبل تقديم الرد.

وكشف بري عن أن الاتفاق، عند حصوله، سوف يتم توقيعه في بلدة الناقورة (الحدودية)، وفقًا لاتفاق الإطار الذي توصل إليه مع الأميركيين في العام الماضي.

وبدوره أكد رئيس كتلة الوفاء اللبنانية النائب محمد رعد دعم موقف الدولة في ترسيم الحدود البحريّة من أجل استثمار الغاز الذي هو ملكٌ  للبنانيين.

ونقلت قناة “الجديد” اللبنانية على موقعها الإلكتروني الأحد عن رعد قوله “نحن نواجه عدوًّا لا يعترف بأحد غيره في هذا العالم، لكن أمسكناه من عنقه حين لَحَظنا حاجَته إلى استثمار الغاز وأرَدنا أن نستنقذ حقوقنا المتغافل عنها لدى هذا العدو فأرغمناه على الاستجابة وعلى التفكير من أجل أن يعترف بحقوقنا”.

وذكرت صحف لبنان، الإثنين، أن "الإيجابية" طغت على مجمل التعليقات في بيروت وتل أبيب على مسودة المقترح الأمريكي الأخير بشأن اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين البلدين.

وكشفت الصحف المحلية إن المقترح الأمريكي اعتمد الخط 23 لترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، ومنح لبنان حقل قانا النفطي، مع عدم وجود منطقة أمنية بحرية عازلة.

وأوضحت أن الاتفاق المرتقب بين البلدين لن يتضمن "توقيعا لبنانيا على ورقة إلى جانب توقيع إسرائيلي" التزاما بسياسة عدم التطبيع، وذكرت أن بيروت سترسل ما يتفق عليه في رسالة صادرة عن الجهات المعنية في لبنان إلى الأمم المتحدة.

وتوقّعت الصحف المحلية عدم إعلان الجواب الرسمي اللبناني على المقترح الأمريكي قبل أن يحسم الجانب الإسرائيلي موقفه النهائي المرجّح بعد اجتماع الحكومة الإسرائيلية الخميس المقبل.

وقالت صحيفة "النهار" اللبنانية إن "اتفاق الترسيم الذي ستشكل الأيام القليلة المقبلة المساحة الزمنية ما قبل الأخيرة لإبرامه" شكّل تطورا واختراقا استثنائيا في الشرق الأوسط.

ونقلت الصحيفة معلومات تفيد بأنّ "المقترح الأميركي يراعي التعديلات التي طلبها لبنان إضافة إلى تلبية مطلب لبنان بالخط 23 والحصول على حقل قانا كاملاً، والتزام فرنسي من شركة "توتال" ببدء التنقيب والاستخراج في الحقول اللبنانية فور توقيع اتفاق الترسيم".

وأضافت أنّ "العرض الأمريكي يخضع حالياً لدراسة بنوده القانونية وإحداثياته التقنية، ويجري التأكد من عدم وجود ثغرات قانونية وتقنية تؤثر سلباً على حقوق لبنان".

وذكرت مصادر صحيفة "الأخبار" اللبنانية أن "الإيجابية طغت على تعليقات معلنة وغير معلنة في بيروت وتل أبيب حول المسودة رغم إعلان الجانبين عن وجود ملاحظات عليها".

وقال مصدر رسمي للصحيفة إنه "سيتم الاتفاق على موعد تتوجه فيه الأطراف إلى الناقورة (جنوب) حيث يسلم لبنان وإسرائيل، كل على حدة، المسودة الموقعة إلى الأمم المتحدة في حضور ممثل عن الولايات المتحدة".

والتزاما بمقاطعة التطبيع، أكدت المصادر أن لبنان كان حاسماً أمام الوسيط الأمريكي بأنه "لن يكون هناك توقيع لبناني على ورقة إلى جانب توقيع إسرائيلي"، وأن "لبنان سيرسل ما يتفق عليه في رسالة صادرة عن الجهات المعنية في لبنان إلى الأمم المتحدة".

وقالت مصادر صحيفة "الجمهورية" اللبنانية، إن المقترح الأمريكي "اعتمد الخط 23 لترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، ومنح لبنان حقل قانا النفطي، مع عدم وجود منطقة أمنية بحرية عازلة".

وحول تقديم لبنان تعويضات مالية إلى الجانب الإسرائيلي عن محتوى "حقل قانا"، لم يتحدث أي مصدر لبناني، وفق الصحيفة عن مثل هذه التعويضات، بل "تحدثت عن حق لبنان بمخزون الحقل كاملاً".

وذكرت الصحيفة أنه "من المرجح ألا يُعلن الجواب الرسمي اللبناني قبل أن يحسم الجانب الإسرائيلي موقفه ويعطي جوابه النهائي والمرجح بعد اجتماع "الكابينت" الاسرائيلي الخميس المقبل".

وتوقعت مصادر سياسية لصحيفة "اللواء" اللبنانية أن يوافق لبنان رسميا على مسودة الاتفاق التي تسلمها المسؤولون من الجانب الأميركي.

وذكرت أن "الاتفاق لم يعط كل دولة ما كانت تطالب به، حيث تم التوصل إلى تقسيم المنطقة المختلف عليها، وأعطيت كل دولة مساحة وسطية، بين ما تطالب به وما هو ممكن".

واعتبرت مصادر الصحيفة أن "ما سرّع بالتوصل إلى التسوية، هو عامل الإفادة المشتركة للدولتين من الثروات الموجودة في باطن البحر".

وأضافت: " تؤشر كل الوقائع أنها تحتوي على كميات ضخمة من الغاز والنفط من جهة، وحاجة الولايات المتحدة الأمريكية لتسريع ضخ كميات من الغاز إلى أوروبا لتعويض نقص الطاقة بسبب الحرب في أوكرانيا".

ويتنازع لبنان وإسرائيل على منطقة بحرية غنية بالنفط والغاز في البحر المتوسط تبلغ مساحتها 860 كيلومترا مربعا، وتتوسط الولايات المتحدة في مفاوضات غير مباشرة بينهما لتسوية النزاع وترسيم الحدود.

وفي أكتوبر/ تشرين الأول 2020، انطلقت مفاوضات غير مباشرة بين بيروت وتل أبيب برعاية الأمم المتحدة بهدف ترسيم الحدود، وعُقدت 5 جولات كان آخرها في مايو/ أيار 2021، ثم توقفت نتيجة خلافات جوهرية.