مركزا إستراتيجيا على المدى البعيد..

بوتين يعطي أردوغان دفعة قوية لتحويل تركيا إلى معبر دولي للغاز

تمتد خطوط أنابيب نورد ستريم من روسيا إلى ألمانيا عبر قاع بحر البلطيق، وتمر بالمياه الاقتصادية للدنمارك وفنلندا والسويد. ووقعت الأعطال بالقرب من جزيرة بورنهولم الدنماركية. وبمقترح بوتين الجديد، سيتم نقل الغاز عبر تركيا، وهو ما من شأنه أن يوفر أمانا أكبر للإمدادات.

من شأن نجاح تركيا في أن تتحول إلى معبر آمن لغاز روسيا وغاز آسيا الوسطى أن يشجعها على لعب دور أكبر في غاز المتوسط

أنقرة

أعطي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين دفعة قوية لبرامج الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الهادفة إلى تحويل بلاده إلى معبر للغاز الدولي نحو أوروبا، بدْءا من الغاز الروسي وغاز آسيا الوسطى وصولا إلى غاز المتوسط، وهو ما يمكّنها من أن تصبح مركزا إستراتيجيا على المدى البعيد.

يأتي هذا فيما أثارت دعوة بوتين إلى جعل تركيا معبرا للغاز الروسي غضب فرنسا التي رأت أن هذه الخطوة لا معنى لها، خاصة في ظل معارضتها لتمدد الدور التركي في منطقة القوقاز وشمال أفريقيا وما تعتبره تواطؤا روسيا مع تركيا في الانحياز إلى أذربيجان على حساب أرمينيا.

والتقط الرئيس التركي مبادرة بوتين المتعلقة بإقامة مركز للغاز في تركيا، وذكر أن الأشغال ستبدأ فورا، وأن المركز قد يبنى في منطقة تراقيا ضمن شمال غرب تركيا قرب بلغاريا. وقال أردوغان “نعمل بسرعة على إقامة شبكة أمان” لمشروع مركز توزيع الغاز الجديد.

ولم يخف وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو رهان بلاده على الاستثمارات خلال مؤتمر صُحفي مشترك مع نظيره القطري الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، على هامش زيارة أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني إلى تركيا، ما اعتبر رسالة مباشرة إلى الدوحة لضخ الأموال الكافية التي تساعد حليفتها أنقرة على بناء المركز، خاصة أن روسيا -الشريك المعني بإقامة المركز- يعيش على وقع العقوبات وقد يكون من الصعب عليه الالتزام بتوفير السيولة الكافية لإتمام هذا المشروع الإستراتيجي

من شأن نجاح تركيا في أن تتحول إلى معبر آمن لغاز روسيا وغاز آسيا الوسطى أن يشجعها على لعب دور أكبر في غاز المتوسط

واقترح بوتين الخميس إقامة مركز للغاز في تركيا، في وقت يقول فيه مراقبون إن روسيا تتطلع إلى إعادة توجيه الإمدادات بعيدا عن خطوط أنابيب نورد ستريم، وإن التفجيرات الأخيرة تظهر أن هذه الأنابيب لم تعد آمنة في ظل الاتهامات الروسية التي تفيد بوقوف حكومة -دون تسمية أي دولة- وراء ما سمته موسكو “عمليات إرهابية”.

وتمتد خطوط أنابيب نورد ستريم من روسيا إلى ألمانيا عبر قاع بحر البلطيق، وتمر بالمياه الاقتصادية للدنمارك وفنلندا والسويد. ووقعت الأعطال بالقرب من جزيرة بورنهولم الدنماركية. وبمقترح بوتين الجديد، سيتم نقل الغاز عبر تركيا، وهو ما من شأنه أن يوفر أمانا أكبر للإمدادات.

ويعتقد محللون أن مبادرة بوتين التي جاءت بشكل اضطراري قدمت هدية ثمينة لأردوغان الذي سبق أن روج لإستراتيجيته التي تقوم على تحويل بلاده إلى معبر دولي للغاز، وذلك بالاعتماد أساسا على خط أنابيب “السيل التركي” الذي ينقل الغاز الروسي وخطوط أخرى لنقل غاز آسيا الوسطى.

دُشن خط أنابيب السيل التركي (تورك ستريم) في  يناير 2020 لنقل الغاز الطبيعي من روسيا إلى أوروبا عبر تركيا، مرورا بالبحر الأسود إلى البر التركي، لينتهي عند الحدود التركية – اليونانية حيث تُقام مستودعات ضخمة للغاز، ومن ثم يصدّر إلى المستهلكين في شرق أوروبا ووسطها.

واستفاد أردوغان من موقفه الداعم لأذربيجان والتدخل العسكري المباشر إلى جانبها في الحرب مع أرمينيا لتأمين إستراتيجيته في التحول إلى مركز إقليمي للغاز، حيث أعلن وزير الطاقة التركي فاتح دونماز منذ أسبوع عن رفع سعة خط “تاناب” لنقل الغاز الأذري إلى أوروبا عبر الأناضول من 16 مليار متر مكعب إلى 32 مليارا.

ويُعتبر خط تاناب جزءا من مشروع “ممر الغاز الجنوبي” الذي يهدف إلى نقل الغاز الأذري المستخرَج من بحر قزوين إلى أوروبا عبر الأراضي التركية. وكانت تركيا دشّنت خط “غاز جنوب القوقاز” (باكو- تبليسي- أرضروم) في أواخر عام 2006 لنقل نحو 8.1 مليار متر مكعب من الغاز الأذري إلى تركيا سنويّا.

ومن شأن نجاح تركيا في أن تتحول إلى معبر آمن لغاز روسيا وغاز آسيا الوسطى أن يشجعها على لعب دور أكبر على الضفة الأخرى، من خلال عرض نقل غاز المتوسط نحو أوروبا، خاصة بعد أن نجح أردوغان في إعادة العلاقات مع إسرائيل وإظهار رغبته في تطوير التعاون الاقتصادي معها، وهي الطرف الرئيسي المستفيد من اكتشافات غاز المتوسط.

وحصل الرئيس التركي على هدية ثمينة من الرئيس الأميركي جو بايدن بعد أن رفضت إدارته دعم خط “إيست ميد” الذي كان من المفترض أن يربط إسرائيل بقبرص واليونان، ثم بأوروبا، وتم التوافق بشأنه في فترة التوتر القصوى بين تركيا ودول متوسطية من بينها مصر وقبرص واليونان مع برود في العلاقة مع إسرائيل.

ومنح رفْض واشنطن خطّ إيست ميد (سبب الرفض هو كلفة الخط وطوله) أردوغان فرصة التحرك لعرض فكرة أن تكون بلاده معبرا لغاز المتوسط، وهو أمر قد يتحقق خاصة في ظل حاجة أوروبا إلى توفر بدائل عاجلة لمقاومة الضغوط الروسية راهنا ومستقبلا.

مبادرة بوتين التي جاءت بشكل اضطراري قدمت هدية ثمينة لأردوغان الذي سبق أن روج لإستراتيجيته التي تقوم على تحويل بلاده إلى معبر دولي للغاز

ولا تخفي تركيا أنها تنشط على مختلف الواجهات؛ فتحركاتها لزيادة إمدادات الغاز من آسيا الوسطى ولاستقبال غاز شرق المتوسط هي جزء من خطتها لتعويض الغاز الروسي، وهو ما عكسته تصريحات مسؤولين أتراك بارزين من بينهم الرئيس أردوغان.

وبدت فرنسا غاضبة من تحويل مسار الغاز الروسي في الشمال وعرض مروره عبر تركيا. وسعت للتقليل من جدوى الفكرة، ما يخفي انزعاجا من الدور الروسي في تقوية أردوغان وإعطائه ورقة جديدة يستمرّ من خلالها في الاستعراض، خاصة في أذربيجان وليبيا، حيث تكافح باريس لعرقلة التمدد التركي.

وقالت الرئاسة الفرنسية الخميس إن مقترح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي يقضي بإنشاء “مركز غاز” في تركيا لتصديره إلى أوروبا “لا معنى له” لأن الأوروبيين يريدون تقليص اعتمادهم على المحروقات الروسية.

وأكد قصر الإليزيه أن “إنشاء بنى تحتية جديدة لاستيراد المزيد من الغاز الروسي لا معنى له بالنسبة إلينا”.

وأوضحت الرئاسة الفرنسية “قبل بضعة أشهر فقط، كانت روسيا مصدرا لنحو أربعين في المئة من الغاز الذي يتلقاه الاتحاد الأوروبي. اليوم، هذه الحصة من الغاز الروسي تبلغ 7.5 في المئة فقط، وهي تنحو إلى المزيد من التراجع”.

وأضافت “قد تُقرر روسيا وتركيا معا تصدير المزيد من الغاز، لكن ذلك لا يمكن أن يكون نحو الاتحاد الأوروبي الذي لديه التزامات تتصل بالسيادة وتقليص ارتهانه، إضافة إلى (ما يتعلق) بمرحلة مناخية انتقالية لا تنسجم مع منطق مماثل”.