القمة الصينية – العربية خطوة متعدد الأقطاب..

الانفتاح السعودي على الصين.. هل يقوض الشراكة الإستراتيجية مع الولايات المتحدة؟

وقعت أرامكو في أكتوبر 2018 مذكرة تفاهم مع حكومة تشجيانغ لاستثمار تسعة في المئة في تشجيانغ للبتروكيمياويات التي تدير أكبر مصفاة منفردة في الصين بطاقة 800 ألف برميل يوميا. ولم يتم الإعلان عن أي تقدم آخر منذ ذلك الحين.

العلاقات بين المملكة العربية السعودية والصين لا تقتصر على الجانب المالي والعقاري بل تتعداها إلى علاقات عسكرية.

بكين

تستضيف السعودية قمة صينية – عربية في التاسع من ديسمبر يحضرها الرئيس الصيني شي جين بينغ، ومن المتوقع أن يبحث قادة البلدين العلاقات التجارية والأمن الإقليمي.

تأتي زيارة شي في وقت تراجعت فيه العلاقات الأميركية – السعودية لأدنى مستوياتها، فيما تخيم حالة من الضبابية على أسواق الطاقة العالمية مع فرض الغرب حدا أقصى لسعر النفط الروسي، فضلا عن متابعة واشنطن بحذر تنامي نفوذ الصين في الشرق الأوسط.

وقال دبلوماسيون لرويترز إنهم يتوقعون أن يوقع الوفد الصيني العشرات من الاتفاقيات مع السعودية ودول عربية أخرى في مجالات تشمل الطاقة والأمن والاستثمارات. كما تجد السعودية في الصين شريكا مثاليا يجمع بين مقومات المتانة الاقتصادية والتطور العلمي والتكنولوجي، وتجمع بين البلدين علاقات نفطية وتجارية وأمنية.

حيث تعدّ الصين أكبر شريك تجاري للسعودية، إذ وصل حجم التبادل التجاري بينهما إلى 87.3 مليار دولار في 2021. وبلغت قيمة الصادرات الصينية للسعودية 30.3 مليار دولار، فيما بلغت واردات الصين من المملكة 57 مليار دولار.

زيارة شي تأتي في وقت تراجعت فيه العلاقات الأميركية – السعودية لأدنى مستوياتها، فيما تخيم حالة من الضبابية على أسواق الطاقة العالمية

وتظهر بيانات الجمارك الصينية أن السعودية هي أكبر مورد للنفط للصين، فهي منشأ 18 في المئة من إجمالي مشتريات الصين من النفط الخام، وبلغ إجمالي الواردات 73.54 مليون طن (1.77 مليون برميل في اليوم) في الأشهر العشرة الأولى من 2022، بقيمة 55.5 مليار دولار.

وبلغت واردات النفط العام الماضي 87.56 مليون طن، بقيمة 43.9 مليار دولار، تمثل 77 في المئة من إجمالي واردات الصين السلعية من السعودية.

ولدى عملاق النفط السعودي أرامكو صفقات توريد سنوية مع عدد من من المصافي الصينية، من بينها سينوبك ومؤسسة البترول الوطنية الصينية والمؤسسة الوطنية الصينية للنفط البحري وسينوكيم وشركة شمال الصين للصناعات (نورينكو) وشركة تشجيانغ الخاصة للبتروكيمياويات.

ومن ناحية أخرى، اتخذت أرامكو في أوائل العام الحالي قرارا استثماريا نهائيا ببناء مصفاة ومجمع للبتروكيمياويات بعشرة مليارات دولار في شمال شرق الصين، في أكبر استثمار منفرد لها في البلاد.

والمشروع الذي أُطلق عليه اسم شركة هواجين أرامكو للبتروكيمياويات هو مشروع مشترك يضم أرامكو ومجموعة هواجين للصناعات الكيمياوية، وهي وحدة تابعة لنورينكو، ومجموعة بانجين سينسين الصناعية.

ويضم المشروع، المتوقع أن يبدأ تشغيله في العام 2024، مصفاة تبلغ طاقتها 300 ألف برميل في اليوم ومصنع إيثيلين بطاقة 1.5 مليون طن سنويا، ومن المقرر أن توفر أرامكو ما يصل إلى 210 آلاف برميل يوميا من النفط الخام.

والاستثمار المشابه الآخر الوحيد لأرامكو في الصين هو حصة 25 في المئة في شركة التكرير والبتروكيمياويات المحدودة في مقاطعة فوجيان التي تسيطر عليها شركة التكرير الحكومية العملاقة سينوبك، والتي بدأت في 2008 بتشغيل مصفاة تبلغ طاقتها الإنتاجية 280 ألف برميل يوميا ومجمع إيثيلين بطاقة 1.1 مليون طن سنويا.

ووقعت أرامكو في أكتوبر 2018 مذكرة تفاهم مع حكومة تشجيانغ لاستثمار تسعة في المئة في تشجيانغ للبتروكيمياويات التي تدير أكبر مصفاة منفردة في الصين بطاقة 800 ألف برميل يوميا. ولم يتم الإعلان عن أي تقدم آخر منذ ذلك الحين.

وبالمثل، تمتلك سينوبك 37.5 في المئة في ينبع أرامكو سينوبك للتكرير (ياسرف)، وهي مشروع مشترك مع أرامكو يشغل مصفاة بطاقة 400 ألف برميل في اليوم في ينبع على ساحل البحر الأحمر.

وترتبط السعودية والصين بعلاقات مالية متشعبة، فصندوق طريق الحرير المملوك للدولة في الصين هو جزء من كونسورتيوم تقوده شركة إي.آي.جي جلوبال إنرجي بارتنرز ومقرها الولايات المتحدة التي أبرمت منتصف 2021 صفقة لشراء 49 في المئة من أعمال خطوط أنابيب نفط أرامكو مقابل 12.4 مليار دولار.

وطريق الحرير هو أيضا جزء من كونسورتيوم تقوده شركة بلاك روك ريل أسيتس وشركة حصانة الاستثمارية التي أعلنت في فبراير استكمال الاستحواذ على حصة 49 في المئة من شركة أرامكو لإمداد الغاز مقابل 15.5 مليار دولار.

كما أعلنت شركة تطوير المرافق السعودية أكوا باور، التي يملك جزءا منها صندوق الاستثمارات العامة، وهو صندوق الثروة السيادي بالسعودية، في سبتمبر أنها اتفقت مع صندوق طريق الحرير على الاستثمار المشترك في محطة طاقة كهربائية تعمل بالغاز بقدرة 1.5 جيغاوات في أوزبكستان مقابل مليار دولار، وهي جزء من مبادرة بكين (حزام واحد طريق واحد).

وتبني شركة الصين لهندسة الطاقة التي تديرها الدولة محطة طاقة شمسية بقدرة 2.6 جيغاوات في الشعيبة بالسعودية، المملوكة أيضا لأكوا باور.

ولا تقتصر العلاقات بين البلدين على الجانب المالي والعقاري بل تتعداها إلى علاقات عسكرية، فمنذ أواخر الثمانينات اشترت السعودية من الصين 50 صاروخا من طراز “رياح الشرق”. وفي عام 2014 أضافت السعودية إلى ترسانتها الصاروخية صواريخ صينية متوسطة المدى من طراز “DF – 21s”، ما عزز ثقتها في الشراكة مع الصين.

وكانت تقارير صُحفية تحدثت عام 2019 عن أن السعودية تعمل على تصنيع صواريخها البالستية بمساعدة الصين.

وأوردت صحيفتا عرب نيوز وسعودي جازيت السعوديتان في مارس أن الشركة السعودية لأنظمة الاتصالات والإلكترونيات المتقدمة وقعت اتفاقا مع مجموعة تكنولوجيا الإلكترونيات الصينية لتصنيع أنظمة حمولات الطائرات المسيّرة في المملكة.

وتسعى السعودية إلى تحقيق مكاسب اقتصادية من زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى المملكة، لكنها لا تنوي بالضرورة -حسب محللين- الابتعاد عن حليفتها التقليدية الولايات المتحدة.

ويبدأ الرئيس الصيني اليوم الأربعاء زيارته الأولى إلى المملكة منذ 2016 على أن تستمر حتى الجمعة، يشارك خلالها في قمتين خليجية – صينية وعربية – صينية يحضرهما قادة دول المنطقة.

وتأتي هذه الزيارة في خضم تصاعد التوترات بين السعودية والولايات المتحدة بشأن قضايا تتراوح بين سياسة الطاقة والأمن الإقليمي وحقوق الإنسان.

وجاءت آخر الضربات لتلك الشراكة التاريخية في أكتوبر الماضي عندما وافق كارتل أوبك+ على خفض إنتاج النفط بمقدار مليوني برميل يوميًا، وهي خطوة قال البيت الأبيض إنها ترقى إلى “الاصطفاف مع روسيا” في الحرب التي شنتها على أوكرانيا، وهو ما تنفيه الرياض وتؤكد أن القرار اقتصادي بحت وليس سياسيا.

واختارت المجموعة التي تضم السعودية وروسيا الأحد الإبقاء على مستويات خفض الإنتاج نفسها.

ويقول الخبير في العلاقات الخليجية – الصينية بالمعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية ناصر التميمي إن رحلة الرئيس الصيني إلى الرياض “لا تتعلق فقط بالولايات المتحدة، أو إرسال إشارات إلى الولايات المتحدة، بل بالسعودية نفسها”.

ويضيف “البلد (السعودية) يتغير. إنهم يحاولون تغيير هيكل اقتصادهم وهيكل سياستهم الخارجية. الموضوع الرئيسي بالنسبة إليهم هو التنويع”.

ومن جهته يرى الباحث في مركز “صندوق مارشال” الألماني أندرو سمول أن “بكين تدرك جيدًا عمق العلاقات السعودية – الأميركية على الرغم من التوترات الحالية. لكن إذا أرادت الرياض التحوط، فهذه فترة ستحرص بكين فيها على الاستفادة من ذلك”.

والسعودية هي أكبر مصدّر للنفط في العالم والصين هي أكبر مستورد للخام، حيث تشتري ما يقرب من ربع الشحنات السعودية.

وقد ذكرت صحيفة وول ستريت جورنال في مارس الماضي أن الرياض تدرس تسعير بعض عقودها النفطية باليوان بعد تداولها حصريًا بالدولار لعقود. لكن رئيس شركة أرامكو وصف التقرير بأنه عبارة عن “تكهنات”. كما أن هناك إمكانية للجانبين لتكثيف التعاون في تطوير البنية التحتية مثل المصافي.

ويقول سمول إن الصين حريصة على “تعزيز علاقاتها مع موردي الطاقة الرئيسيين في وقت يستمر فيه عدم القدرة على التنبؤ بأحوال السوق”.

وبعيدًا عن الطاقة يرى ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان أن الصين شريك مهم في محاولته لتطوير صناعات أخرى بما يتماشى مع رؤية 2030.

واعتبر محللون أن الصفقات قد تشمل عمل الشركات الصينية في مدينة نيوم المستقبلية الضخمة التي تبلغ كلفتها 500 مليار دولار، بما في ذلك التعرف على الوجوه وتقنيات المراقبة الأخرى.

ومن المنتظر أن توقع السعودية والصين الأربعاء اتفاقية بقيمة 110 مليارات ريال ( 29.26 مليار دولار) على هامش القمة السعودية – الصينية.

وذكرت وكالة الأنباء السعودية الرسمية (واس) الثلاثاء أنه سيتم خلال الزيارة أيضا توقيع وثيقة الشراكة الإستراتيجية بين المملكة والصين، وخطة المواءمة بين رؤية المملكة 2030 ومبادرة الحزام والطريق، كما سيُعلن عن إطلاق “جائزة الأمير محمد بن سلمان للتعاون الثقافي بين السعودية والصين”.

واحتلت الصين مركز الشريك التجاري الأول للمملكة في آخر خمس سنوات، إذ كانت الوجهة الأولى لصادرات المملكة ووارداتها الخارجية منذ عام 2018، حيث بلغ حجم التجارة البينية 309 مليارات ريال في عام 2021، بزيادة قدرها 39 في المئة عن العام 2020، كما بلغ إجمالي حجم الصادرات السعودية إلى الصين 192 مليار ريال، منها صادرات غير نفطية بقيمة 41 مليار ريال.

وبلغت قيمة الاستثمارات السعودية في الصين 8.6 مليار ريال وجاءت السعودية في المرتبة 12 في ترتيب الدول المستثمرة في الصين حتى نهاية عام 2019، في المقابل بلغت قيمة الاستثمارات الصينية في المملكة 29 مليار ريال بنهاية العام 2021.

ويرى جوناثان فولتون من معهد المجلس الأطلسي أن الاجتماعات بين الرئيس الصيني وقادة مجلس التعاون الخليجي يمكن أن توفّر أيضا فرصة لإحياء اتفاقية التجارة الحرة التي طال انتظارها.

ويوضح “الصين تبيع أساسا كل شيء للسعودية… فيما السعودية تبيع للصين النفط ومنتجات النفط، لذلك أعتقد أنهم يرغبون في إيجاد طرق مختلفة لدخول السوق الصينية وعدم الاعتماد على مُنتج واحد”.

وتوفر دول مجلس التعاون الخليجي أسواقا للسلع الصينية وعقود بناء وفرص استثمار في البنية التحتية والتصنيع والاقتصادات الرقمية التي تناسب مبادرة الحزام والطريق في بكين.

وقال فريد محمدي، العضو المنتدب في سيا إنرجي إنترناشونال، “تريد دول مجلس التعاون الخليجي الاستثمار الأجنبي المباشر الذي لا يلبي الطلب المحلي فحسب، بل يسمح أيضا لهذه الاقتصادات بالاندماج في سلاسل التوريد العالمية”. وأضاف “ستساعد الشركات الصينية في القيام بذلك، أولا على مستوى آسيا الإقليمي، ثم خارجها”.

ويؤكد محللون أن توثيق العلاقات مع الصين لا يعني أن السعودية تريد خفض مستوى شراكتها مع الولايات المتحدة.

وحتى في ذروة التصريحات الصاخبة حول تخفيض إنتاج النفط في أكتوبر حين تحدث الرئيس الأميركي جو بايدن عن “عواقب”، شدد المسؤولون السعوديون على أهمية علاقاتهم مع واشنطن.

ويقول المحللون إنه في الوقت الذي تتعاون فيه الصين والسعودية في مبيعات الأسلحة وإنتاجها، لا تستطيع بكين توفير الضمانات الأمنية التي دعمت الشراكة الأميركية – السعودية منذ بدايتها في نهاية الحرب العالمية الثانية.

واجتاز التحالف الأميركي – السعودي عواصف كثيرة على مدار عقود ولكن العلاقة بين الجانبين لا تزال مهمة لكليهما، فالسعودية هي أكبر مُصدر للنفط في العالم وأكبر مشتر أجنبي للمبيعات العسكرية الأميركية.

وقد عاشت المملكة لسنوات في ظل التهديد المستمر بهجمات الطائرات المسيرة من الحوثيين المدعومين من إيران في اليمن، حيث تقود تحالفًا عسكريًا لدعم الحكومة الشرعية في اليمن.

وقالت الولايات المتحدة الشهر الماضي إنها كشفت وردعت تهديدات وشيكة من جانب إيران، مؤكدة تقارير سابقة تفيد بأن الجمهورية الإسلامية كانت تخطط لشن هجوم على السعودية.

ويرى كوربورن سولتفات من مؤسسة فيريسك مابليكروفت الاستشارية أن “تحسين العلاقات مع الصين يمثل أولوية” للسعوديين.

لكن بحسب هذا المحلل هناك “حد لمدى الابتعاد عن الولايات المتحدة طالما أن الديناميكيات الإقليمية على ما هي عليه، وطالما أنها معرّضة بشدة للهجمات العسكرية الإيرانية”.