ورقة ضغط إلى دول الإقليم..

قطر تعيق مشاريع توتال إينرجيز الفرنسية في العراق.. رسالة مزدوجة إلى السعودية

شركة قطر للطاقة تمتلك 30 في المئة في تحالف يعمل على التنقيب عن النفط والغاز في المياه اللبنانية

حزمة عراقيل عراقية مفاجئة تعيق نشاط توتال إينرجيز.

الدوحة

لا يأتي سعي قطر للاستحواذ على حصة تبلغ حوالي ثلاثين في المئة من مشاريع توتال إينرجيز الفرنسية في العراق بعيدا عن خطط واشنطن، التي تدفع بحليف لها إلى العراق للمساعدة على استخراج المزيد من الغاز، في رسالة مزدوجة إلى السعودية التي لم تتجاوب مع المساعي الأميركية لزيادة الإنتاج في السوق وإلى إيران التي يسعى الأميركيون لتفكيك نفوذها في العراق.

يأتي هذا في الوقت الذي لوحت فيه الشركة الفرنسية بالانسحاب، قبل أن تتراجع لاحقا، وذلك بسبب عراقيل مفاجئة ليس مستبعدا أن تكون إيران وراءها.

وتجد المراهنة الأميركية على قطر للاستثمار في غاز العراق ما يبررها على أرض الواقع؛ ذلك أن الدوحة ستجد نفسها في بيئة صديقة بسبب العلاقة المتينة التي تربط بينها وبين طهران.

وسبق لقطر أن كانت في نجدة الولايات المتحدة في قضية الطاقة، حيث استجابت لمسعى الرئيس الأميركي جو بايدن وأبرمت اتفاقا طويل المدى لتزويد ألمانيا بالغاز من أجل تطويق تأثيرات الاستغناء عن الغاز الروسي. والآن تدفع واشنطن الدوحة إلى الاستثمار في استخراج الغاز داخل العراق لتحرره من الارتهان لغاز إيران وشروطها المجحفة، وفي الوقت نفسه الاستعداد لتعويض نسبة من إمدادات الغاز الروسية.

تعمّد تعطيل مشاريع توتال ووضْع العراقيل أمامها يكشفان عن وجود نافذة تضغط لإفشال هذه الصفقة الكبرى، وهي إيران

وكانت الولايات المتحدة قد لعبت دورا رئيسيا في التوسط بين قطر وألمانيا للوصول إلى اتفاق بينهما يمكّن برلين من الحصول على الغاز القطري لمدة خمسة عشر عاما.

ويقول الكاتب في موقع “أويل برايس” سيمون واتكينز “إن تحرك قطر لشراء حصة قد تصل إلى 30 في المئة، في أربعة مشاريع بقيمة 27 مليار دولار في العراق تم الاتفاق منذ عام على أن تديرها الشركة الفرنسية، يتماشى مع إستراتيجية واشنطن في العراق”.

وفي الصيف الماضي عمدت إيران إلى التخفيض بمقدار خمسة ملايين متر مكعب في كميات الغاز التي تصدّرها إلى العراق بسبب تأخر الإيفاء بالالتزامات المالية، وهو ما كان سببا في تقليص ساعات التجهيز بالكهرباء، بالرغم من الارتفاع الكبير في درجات الحرارة.

وتمتلك الولايات المتحدة أوراق ضغط على الحكومة العراقية من شأنها أن تدفعها إلى إنجاح مساعي قطر للحصول على حصة ذات وزن. وحتى لو عارضت إيران، ستجد حكومة محمد شياع السوداني نفسَها مجبرة على القبول بمطالب واشنطن. ومن أهم أوراق الضغط الأميركية ورقة التحويلات المالية.

وفيما ترى واشنطن في دخول قطر إلى العراق وسيلة من بين عدة وسائل أخرى لتفكيك النفوذ الإيراني، توجه كذلك رسالة إلى السعودية مفادها أن الولايات المتحدة تمتلك حليفا تُمْكن المراهنة عليه في تحقيق ما تلكأت الرياض في تنفيذه، وهو زيادة إنتاج النفط في الأسواق العالمية.

ولا يُعرف إلى أي حد يمكن أن يغطي دور قطر في تخفيف أزمة الغاز عن الأوروبيين على دور السعودية بالنسبة إلى واشنطن، وهو دور أكبر من أن يتم حصره في جزئية ضخ المزيد من إمدادات النفط إلى الأسواق.

ولا تمتلك قطر كميات وفيرة من الغاز فقط، بل تمتلك أيضا القدرة على نقل هذا الغاز بسرعة أكبر وإلى أماكن أكثر مما هو ممكن بالنسبة إلى الغاز الذي يصل عبر خطوط الأنابيب.

ويقول واتكينز “حينما فرضت العقوبات على الطاقة الروسية، تم استخدام إمدادات قطر من الغاز الطبيعي المسال لسد جزء كبير من الفجوة في التجهيز”.

وساعد الحديث عن دخول قطر مشاريع الاستثمار في الغاز العراقي على الكشف عن خلاف بين الحكومة العراقية وشركة توتال إينرجيز الفرنسية، ما عطل الشروع في تنفيذ المشاريع الأربعة المعلنة قبل أكثر من عام.

وبادرت الشركة بسحب موظفيها، قبل أن تعيدهم لاحقا، بالتزامن مع سعيها لحل المشاكل مع بغداد، في وقت يقول فيه متابعون لهذا الملف إن تعطيلات إدارية كثيرة منعت الشركة الفرنسية من الشروع في عملها، مشيرين إلى تعدد دوائر القرار، وأن صوت الحكومة ضعيف أمام موقف الميليشيات والسلطات المحلية التي تريد فرض شروطها مقابل السماح بالعمل.

في المئة نسبة المشاركة التي تسعى إليها السلطات في حين أن الشركة الفرنسية تسعى لخفض هذه النسبة

ويعتقد المتابعون أن تعمد تعطيل المشاريع التي تم الاتفاق عليها مع الحكومة السابقة بقيادة مصطفى الكاظمي، واضطرار الشركة إلى التعامل مع أكثر من جهة، يظهران وجود جهة خارجية تضغط لإفشال هذه الصفقة الكبرى، في إشارة إلى إيران التي تمتلك نفوذا كبيرا على الحكومة العراقية والميليشيات والسلطات المحلية في أغلب المحافظات.

وتريد الحكومة العراقية أن تحصل على نسبة أربعين في المئة من المشاركة في المشروع، تضاف إليها نسبة ثلاثين في المئة لقطر، مقابل ثلاثين في المئة لتوتال إينرجيز، وهو ما ترفضه الشركة الفرنسية، ما دفعها إلى إعلان الانسحاب.

وقال المتحدث باسم وزارة النفط عاصم جهاد “تم منح مساحة أخرى من الوقت لمواصلة الحوار للتوصل إلى حل يرضي الأطراف المعنية، حول بعض المسائل الخلافية، منها نسبة المشاركة في المشروع”، وإن “هناك مساحة من الوقت قد تمتد لبضعة أشهر”.

وأوضح أن السلطات تريد المشاركة في الاستثمارات بنسبة تصل إلى 40 في المئة. وتقول مصادر في وزارة النفط العراقية إن الشركة الفرنسية تسعى لخفض نسبة المشاركة العراقية في المشروع الاستثماري.

وأكد جهاد أن “الحكومة والوزارة تدعمان المضي في الاتفاق، ولا مشاكل لدينا مع توتال وعلاقتنا جيدة ومتنامية”.

وهذا الأسلوب ليس جديدا، فقد دأبت الأطراف العراقية ذات الصلة بملف الطاقة على “تطفيش” الشركات العالمية الكبرى التي تسابقت على دخول حقول النفط العراقية الضخمة بعد عام 2003.

وتعمل قطر بصمت على توسيع نفوذها في لبنان المنكوبة بالأزمة في السنوات الأخيرة، مستغلة ابتعاد باقي دول الخليج الغنية بالنفط عن الدولة المتوسطية بسبب النفوذ المتزايد لجماعة حزب الله، وفقا لوكالة "أسوشيتد برس".

وقال تقرير للوكالة، نشر السبت، إن معظم دول الخليج حذت حذو المملكة العربية السعودية في السنوات الأخيرة ونبذت لبنان الذي ضربته الأزمة بسبب النفوذ المتزايد لجماعة حزب الله المسلحة المدعومة من إيران، لكن قطر كانت استثناء من ذلك.

وأضاف أن الدوحة واصلت استقبال القادة اللبنانيين وضخ عشرات الملايين من الدولارات لمساعدة القوات المسلحة في البلاد وسط الانهيار الاقتصادي التاريخي.

وتابع التقرير أن الدولة الغنية بالغاز بدأت في أواخر يناير في رؤية ثمار استثمارها، عندما حلت شركة قطر للطاقة المملوكة للدولة محل شركة روسية في تحالف دولي ينقب عن الغاز في البحر الأبيض المتوسط قبالة الساحل اللبناني.

ومن المؤمل كذلك أن تنضم قطر للمرة الأولى إلى اجتماع يعقد في باريس الاثنين المقبل، ويضم مسؤولين من فرنسا والمملكة العربية السعودية والولايات المتحدة لإجراء مناقشات تركز على الأزمات السياسية والاقتصادية في لبنان.

وتشير الوكالة إلى أن قطر تصور نفسها على أنها قوة أكثر حيادية، في لبنان، البلد الذي شهد على مدار عقود تدخلات من قوى خارجية استغلت الانقسامات الطائفية لخوض معارك بالوكالة.

ولطالما دعمت المملكة العربية السعودية الفصائل السنية في لبنان وحاولت مواجهة النفوذ الإيراني المتمثل بحزب الله الشيعي، حيث دفع هذا التنافس لبنان مرارا إلى حافة نزاع مسلح.

وتحاول قطر، التي تتمتع بعلاقات جيدة مع إيران، تعزيز مستوى المفاوضات بين طهران ودول الخليج، وفقا للتقرير.

وقال مدير مركز هاكوب كيفوركيان لدراسات الشرق الأدنى في جامعة نيويورك محمد بزي إن اشراك قطر في المحادثات المقبلة "إشارة إلى أن إيران لن تُستبعد تماما من ذلك الاجتماع واعتراف بنفوذ طهران على لبنان".

وأضاف: "مع تراجع تدخل المملكة العربية السعودية ودول الخليج الأخرى في لبنان، تحاول قطر إحياء دورها كوسيط في البلاد".

ومع ذلك، أشار بزي إلى أن "لم تظهر حتى الآن سوى القليل من الدلائل على استعدادها لإنقاذ لبنان بمفردها".

ومنذ أواخر عام 2019، انهار الاقتصاد اللبناني تحت وطأة الفساد المستشري وسوء الإدارة، حيث فقدت العملة أكثر من 90 في المئة من قيمتها، مما أدى إلى ارتفاع مستويات الفقر في البلاد.

ويطالب المانحون الدوليون، بما في ذلك قطر، الحكومة بتنفيذ إصلاحات للإفراج عن نحو 11 مليار دولار في شكل قروض ومنح، لكن السياسيين اللبنانيين قاوموا ذلك لأن من شأن أي إصلاحات اضعاف قبضتهم على البلاد.

ويشير التقرير إلى أن تدخل قطر في لبنان ليس جديدا، فبعد الحرب التي استمرت 34 يوما بين إسرائيل وحزب الله في عام 2006، ساعدت قطر في إعادة بناء العديد من البلدات والقرى التي عانت من دمار كبير في جنوب لبنان.

ويضيف أن لوحات إعلانية ضخمة كُتب عليها "شكرا قطر" انتشرت في جميع أنحاء لبنان في تلك الفترة.

وفي مايو 2008، بعد أن حارب حزب الله وحلفاؤه خصومهم المدعومين من الغرب في أسوأ قتال في بيروت منذ الحرب الأهلية، سافر القادة السياسيون اللبنانيون إلى قطر، حيث توصلوا إلى اتفاق يعرف باسم "اتفاق الدوحة".

أنهت الصفقة جمودا دام 18 شهرا ونتج عنها انتخاب رئيس جديد وتشكيل حكومة جديدة.

وفي ظل الهدوء الذي أعقب ذلك، تدفقت استثمارات أجنبية ضخمة، ونما الاقتصاد اللبناني بمعدل 9 في المئة لمدة ثلاث سنوات متتالية.

في ديسمبر 2018، افتتح الرئيس ميشال عون المكتبة الوطنية اللبنانية التي أعيد تأهيلها حديثا في بيروت بتمويل من قطر وبتكلفة 25 مليون دولار.

كانت والدة الأمير الحالية، الشيخة موزة بنت ناصر المسند قد وضعت حجر الأساس للمشروع في قلب بيروت في عام 2009.

انسحبت السعودية من لبنان في السنوات الأخيرة مع تنامي قوة حزب الله. ففي العام الماضي، أعلن الحليف الرئيسي للسعودية في لبنان رئيس الوزراء الأسبق سعد الحريري، وهو مواطن لبناني سعودي، عن تعليق عمله في السياسة.

وفي عام 2020، حظرت الرياض استيراد المنتجات اللبنانية بعد أن انتقد مسؤول لبناني التدخل العسكري بقيادة السعودية في اليمن. وحذت دول خليجية أخرى حذوها، لكن قطر لم تفعل ذلك، بل ضاعفت استثماراتها مع تراجع الاقتصاد اللبناني.

اشترى المستثمرون القطريون فندق بيروت لو فيندوم الشهير المطل على البحر الأبيض المتوسط في عام 2020، وهناك تقارير تفيد بأن الدوحة تخطط لضخ الأموال في القطاع المصرفي اللبناني المتعثر.

وتبرعت قطر في يونيو الماضي بمبلغ 60 مليون دولار لدعم رواتب أفراد الجيش اللبناني، كما أرسلت له إمدادات غذائية شهرية.

ولطالما كان دعم الجيش اللبناني سياسة متبعة من قبل الولايات المتحدة، التي ترى فيه ثقلا موازنا لحزب الله.

وبعد ثلاثة أشهر من توقيع لبنان وإسرائيل اتفاقية الحدود البحرية بوساطة أميركية، انضم وزير الطاقة القطري سعد الكعبي الأسبوع الماضي إلى المسؤولين اللبنانيين في بيروت في حفل للتوقيع على اتفاق للحصول على حصة 30 في المئة في تحالف يعمل على التنقيب عن النفط والغاز في المياه اللبنانية.

ووفقا للاتفاق، ستستحوذ شركة قطر للطاقة على حصة 20 في المئة، التي كانت تمتلكها شركة روسية، بالإضافة إلى 5 في المئة، كانت مملوكة لشركة إيني الإيطالية العملاقة ومثلها مملوكة لتوتال إنيرجيز الفرنسية، مما يجعل حصتها ترتفع لـ30 في المئة.

سياسيا، يبين التقرير أن قطر لم تدعم علانية أي حزب، لكن يقال إنها تقف لجانب قائد الجيش اللبناني العماد جوزيف عون، ليصبح الرئيس المقبل للبلاد.

ودعي عون، الذي لا علاقة له بالرئيس المنتهية ولايته ميشال عون، لزيارة قطر في ديسمبر الماضي والتقى بمسؤولين رفيعي المستوى. ويعتقد أن حزب الله يعارضه.

وقال الاقتصادي اللبناني أنطوان فرح إن قطر، كما تفعل في كثير من الأحيان، تعمل على تعزيز مصالحها الاقتصادية والسياسية معا، فهي تضمن الحصول على أموال من استثماراتها بينما تكتسب دورا سياسيا في البلد الذي تستثمر فيه.

لكن الصحفي بصحيفة النهار اللبنانية اليومية علي حمادة يرى أن قطر، مثل دول الخليج الأخرى، سترغب في رؤية القادة السياسيين اللبنانيين يجرون إصلاحات جادة.

ويضيف: "يجب على لبنان أن يساعد نفسه لكي يساعده العرب.. لا يمكن للسياسيين اللبنانيين الجلوس وانتظار هطول الاموال من السماء".