"السعودية تتجاهل ملف الجنوب"..

مفاوضات سعودية حوثية في الرياض يكتنفها الغموض.. مصالحة ام تقاسم نفوذ؟

"الرياض غيبت بشكل رسمي أي حضور للجنوب في المشاورات التي تشرف عليها سلطنة عمان، الا انها تعمل على خلق كيانات مناطقية موالية لها في خطوة من شأنها التمهيد لتقاسم النفوذ في منابع النفط.

اجتماع لقبائل جنوبية في صحراء حضرموت وقوات سعودية تتجول في مناطق حدودية - أرشيف

الرياض

لم تكن المملكة العربية السعودية التي قادت تحالفا عسكريا لمحاربة التمدد الإيراني في اليمن، جادة في هزيمة الحوثيين الموالين لطهران، على الرغم من انها قد صنفتهم كجماعة انقلابية أطاحت بحكم الرئيس التوافقي عبدربه منصور هادي، في الـ21 من سبتمبر أيلول العام 2014م، المملكة الخليجية الثرية، اطلقت عملية عسكرية في الـ26 من مارس/ آذار 2015م، لضرب القدرات العسكرية للجيش اليمني الذي استولى عليه الانقلابيون الحوثيون، لكنها سرعان ما اطلقت مبادرات سلام وخاضت جولة مفاوضات مع الحوثيين، في الأشهر الأخيرة من العام الأول لعملتي عاصفة الحزم وإعادة الأمل.

في يوم الثامن من مارس/آذار 2016، توجه وفد من الأذرع الإيرانية للمرة الأولى إلى السعودية، لإجراء تفاهمات من شأنها أن تؤدي إلى إيقاف الحرب، وفي اليوم التالي أعلنت السعودية من جهتها أن شخصيات قبلية يمنية سعت بجهود مع السعودية إلى إقرار تهدئة إنسانية في المناطق الحدودية. 

وظلت مدينة ظهران الجنوب السعودية الحدودية مع اليمن مقراً للجنة تنسيق مشتركة بين الحوثيين والسعوديين، وقد أشرفت اللجنة على نزع ألغام زرعها الحوثيون وحلفاؤهم في المناطق الحدودية. وفي أبريل/نيسان تطورت تفاهمات ظهران الجنوب لتصل إلى اتفاقات على تشكيل لجان محلية من ممثلين عن الحوثيين وآخرين عن السعودية.

اعتبر أعضاء حكومة مجلس القيادة الرئاسي اليمنيون الشماليون والمجلس الانتقالي الجنوبي، المحادثات المباشرة بين الحوثيين والسعوديين، بأنها تأتي استجابة من الاذرع الإيرانية، لمبادرة سبق وطرحتها الرياض في مارس/ آذار من العام 2021م.

وقد جدد المجلس الانتقالي الجنوبي موقفه المرحب بالمبادرة السعودية للسلام التي أعلنت في مارس 2021م، في إطار دعمه الدائم لكل جهود السلام، ويثمّن المجلس حرص وجهود دول التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية تجاه إحلال السلام الدائم، وتثبيت الاستقرار في الجنوب واليمن.

وعلى الرغم من ان الرياض غيبت بشكل رسمي أي حضور للجنوب في المشاورات التي تشرف عليها سلطنة عمان، الا انها تعمل على خلق كيانات مناطقية موالية لها في خطوة من شأنها التمهيد لتقاسم النفوذ في منابع النفط.

وأكد المجلس الانتقالي الجنوبي هذه الفرصة مجدداً حرصه تحقيق عملية سياسية شاملة ومستدامة تؤسس لحوار غير مشروط لضمان معالجة جميع القضايا وفي طليعة ذلك الاقرار بقضية شعب الجنوب ووضع إطار تفاوضي خاص لحلها كأساس لبدء جهود السلام، والالتزام بمضامين اتفاق الرياض ومخرجات مشاورات مجلس التعاون الخليجي.

وقالت وسائل إعلام إيرانية ناطقة بالإنجليزية ان السعودية تجاهلت تمثيل المجلس الانتقالي الجنوبي او مجلس القيادة الرئاسي، واكتفت بالدخول في محادثات مباشرة مع الحوثيين، بعد ان تخلت على الحلفاء المحليين الذين قاتلوا في صفها في مواجهة من وصفتهم تلك الوسائل الإعلامية بـ"انصار الله".

ونقلت صحيفة لبنانية تابعة لحزب الله عن توفيق الحميري، مستشار وزارة الإعلام في حكومة الحوثيين غير المعترف بها "إن الرياض قبلت الشروط التي رفضتها في الفترة السابقة لإفساح المجال للنقاش في كافة الجولات".

وبحسب صحيفة الاخبار اللبنانية "شمل الشروط الحوثية رفع الحصار بالكامل وإعادة "الأموال المنهوبة"، التي قال الحميري إنها تمت مصادرتها واحتجازها في البنك الوطني السعودي. وأضاف أن هذه الأموال ستستخدم لدفع رواتب جميع موظفي الخدمة المدنية.

وقالت مصادر دبلوماسية جنوبية لصحيفة اليوم الثامن إن هناك مصالح عمانية سعودية تتقاطع في المهرة وحضرموت، حيث يمكن للرياض ان تستغل علاقة مسقط بصنعاء في بسط نفوذها على منابع النفط في حضرموت، خاصة في ظل إعلان السعودية عن خريطة جديدة لحدودها، تقول مصادر قبلية جنوبية في منطقة رماه إن المملكة الثرية تواصل عملية منح الجنسية السعودية لقبائل الربع الخالي.

وقال مصدر قبلي وثيق الصلة لـ(اليوم الثامن): إن السعودية توسعت بشكل أكبر في رماه، حيث كانت مسافة الجدار العازل (الشبك) يبعد عن مطارح القبائل بأكثر من 40 كيلو متر، لكن في الأونة الأخيرة أصبحت المسافة أقل من عشرة كيلو متر".

وتراجعت السعودية عن بنود اتفاق الرياض الذي رعته بين حكومة الرئيس المعزول عبدربه منصور هادي، والمجلس الانتقالي الجنوبي، والذي نص في شقه العسكري على سحب قوات المنطقة العسكرية الأولى من وادي وصحراء حضرموت، والدفع بها ناحية جبهات القتال في تخوم مأرب اليمنية.

وأعلن محافظ حضرموت مبخوت بن ماضي، إن اغلب منتسبي تلك القوات من محافظات يمنية خاضعة لسيطرة الحوثيين الموالين لإيران، وان وجودها في حضرموت غير مبرر في ظل وجود قوات النخبة القادرة على حماية الأمن والاستقرار في حضرموت، لكن السعوديين سرعان ما ردوا على تلك التصريحات معتبرين ان وجود هذه القوات في وادي وصحراء حضرموت، يمثل أمن قومي للمملكة العربية التي يبدو انها تريد الانسحاب من اليمن مقابل الحصول على ما تريده من نفوذ في المهرة وحضرموت.

ولا يستبعد ان تكون زيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى مسقط، تأتي في سياق التفاهمات على تقاسم النفوذ في ظل تقاطع المصالح الإقليمية في الجنوب، وهو ما ذهب إليه الصحافي العراقي هيثم الزبيدي في مقالة نشرتها صحيفة العرب اللندنية العريقة قائلا إن " استقلال الجنوب مسألة مقلقة للسعودية. فالرياض أبدت اهتمامها منذ عقود بإطلالة عبر حضرموت أو المهرة على المحيط الهندي".

وأضاف أن السعودية ترى أن كل نفطها وتجارتها يمرّان من خلال مضائق خطرة، في باب المندب ومضيق هرمز. وعزز من إحساس السعودية بالخطر أن الحوثي يتحكم اليوم بممر البحر الأحمر من حافته الجنوبية. ومنذ تولي الأمير خالد بن سلمان منصب نائب وزير الدفاع ثم وزارة الدفاع في السعودية، صار واضحا أن الموقف في المهرة وحضرموت على سلم أولوياته.

 وقال الكاتب "لا يمكن للسعودية أن تمد نفوذها بشكل سلس في المهرة وحضرموت من دون التنسيق مع سلطنة عمان. وعلى مدى سنوات بقي الاحتكاك بين السعوديين والعمانيين قائما، سياسيا واستخباريا. لكن مزاج التسويات الذي صار يطبع خطوات القيادة السعودية خلال الفترة الماضية كان لا بد أن ينعكس على العلاقة مع مسقط، وهكذا نرى اليوم تلك الزيارة “الخاصة”.

وألمح الكاتب الى وجود تنسيق في الاجندة بين مسقط والاذرع الإيرانية في اليمن، حيث قال "للحوثيين أجندتهم الخاصة في مناطق الجنوب. ثمة قوات من المهرة موالية للحريزي تتدرب بشكل دوري في صنعاء، والتأثير الحوثي أكثر من محسوس في حضرموت والمهرة. ولعل هذا ما يدفع الحوثيين إلى قبول الدور العماني في الملف اليمني، على ألّا يتجاوز دور الوسيط. لا يريد الحوثيون أن تصبح مسقط شريكا في ملف تقاسم مناطق النفوذ في يمن ما بعد الحرب". 

ولفت الكاتب إلى أن العمانيين ألتقطوا إشارة الحوثيين بوضوح، صار من اللازم تحريك الموضوع المؤجل والحديث مع السعودية – ذات المزاج الأكثر اعتدالا الآن – للتوصل إلى صيغة تقاسم للنفوذ تسترضي الطرفين وتستخدم الاستثمار الطويل في الشخصيات والقبائل.