تفاصيل غائبة وآمال ضئيلة..
مسقط تستضيف محادثات يمنية.. تفاصيل غائبة وسط مخاوف من فشل جديد
الجهود المبذولة تبقى رهينة بالتطورات الإقليمية المتسارعة، مما يشير إلى أن مصير اليمن مرتبط بشكل كبير بالصراعات الجيوسياسية في المنطقة
في ظل استمرار حالة الجمود في مفاوضات السلام اليمنية، أعلن المبعوث الأممي عن إجراء اتصالات جديدة في مسقط. يأتي هذا الإعلان في الوقت الذي تبدو فيه الجهود المبذولة لإطلاق مسار سياسي حقيقي لإنهاء الحرب في اليمن متعثرة، مما يثير تساؤلات حول جدية الأطراف المعنية في تحقيق السلام.
واستأنف المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ من العاصمة العمانية مسقط حراكه الهادف إلى كسر الجمود الذي آلت إليه جهود البحث عن حلّ سلمي للصراع اليمني والذي عكسه خفوت الحديث عن خارطة الطريق بعد أن أعلنت المملكة العربية السعودية، الطرف الأكثر دفعا باتّجاه تحقيق السلام في اليمن، على لسان وزير خارجيتها الأمير فيصل بن فرحان مطلع شهر يوليو الماضي أنّها أصبحت جاهزة وأنّ الرياض “مستعدة للعمل وفقها”.
ودعا غروندبرغ إلى عقد حوار بنّاء لتحقيق السلام وخفض التصعيد في اليمن، معلنا في بيان له عبر تطبيق تلغرام عن اختتامه الأربعاء زيارة إلى مسقط قال إنّه عقد خلالها اجتماعات مع كبار المسؤولين العمانيين، وأيضا مع كبير مفاوضي جماعة الحوثي محمد عبدالسلام.
ولا تزال سلطنة عمان بفعل ما تحتفظ به من علاقات جيّدة مع أبرز الأطراف المتدخلة في الملف اليمني، من السعودية داعمة السلطة الشرعية اليمنية إلى إيران داعمة الحوثيين، إلى جماعة الحوثي نفسها، وأيضا بسبب خبرتها المتراكمة في إجراء الوساطات وتضييق الفجوات بين أكثر فرقاء الصراعات والخلافات تباعدا، محورا رئيسيا لجهود البحث عن مدخل لإطلاق عملية سلام تنهي الصراع اليمني الدامي الذي طال أمده ويقترب من اكتمال سنته العاشرة، محدثا في البلد أوضاعا أمنية واقتصادية واجتماعية ترتقي إلى مرتبة الكارثة.
وسبّب ارتباط الملف اليمني بالأوضاع الإقليمية وتأثّره الواضح بالتدخلات الإيرانية في المنطقة حالة من الاستعصاء في إطلاق مسار سياسي لحلّ الصراع سلميا، حيث مازالت جهود مختلف الأطراف المشاركة في عملية البحث عن حلّ تدور حول المدخل الإنساني والاقتصادي لذلك، دون أن تتوصّل إلى تحقيق اختراق كبير حتى في الجوانب الإنسانية.
علاقة ملتبسة بين الحوثيين الممعنين في الإساءة إلى الأمم المتحدة والمنظمة المسدية لخدمات متنوعة لهم
وكان آخر ما احتضنته سلطنة عمان في هذا المجال جولة مفاوضات حول تبادل الأسرى بين السلطة الشرعية اليمنية وجماعة الحوثي جرت في مسقط بداية شهر يوليو الماضي ولم تفض إلى أي نتائج عملية باستثناء إعلان هزيل بشأن توافق الطرفين على عقد جولة تكميلية خلال شهرين يسبقها تبادل لكشوفات المحتجزين والمختطفين برعاية مكتب المبعوث الأممي إلى اليمن، وهو ما لم يُعلن عن إنجازه إلى حدّ الآن.
وأعرب غروندبرغ عن “تقديره للدور العماني في تعزيز جهود الأمم المتحدة لتحقيق السلام والاستقرار في اليمن”. وشدّد على “الحاجة الملحة إلى خفض التصعيد في جميع أنحاء اليمن”، مؤكّدا “أهمية وضع مصالح اليمنيين في المقدمة”.
وجاء الحديث عن خفض التصعيد في ظلّ اتّهامات أطراف يمنية من معسكر السلطة الشرعية للحوثيين بتنفيذ عمليات عسكرية في بعض المناطق تهدّد بإعادة إشعال جبهات الحرب وقطع حالة التهدئة النسبية التي ظلتّ قائمة رغم انتهاء أمد الهدنة المحدّدة بستة أشهر وتمّ التوصّل إليها في أفريل 2022 وظلت مفاعيلها قائمة على أرض الواقع رغم أنّه لم يتم تجديدها بشكل رسمي بين أطراف الصراع.
ويفهم من دعوة المبعوث الأممي إلى التهدئة تراجع سقف مساعيه من استكمال المدخل الإنساني للسلام والبدء بمناقشة الحل السياسي إلى مجرّد الحفاظ على الوضع القائم وانتظار المتغيّرات عساها تحمل عوامل إيجابية للسلام.
كما كرّر غروندبرغ الدعوة الصادرة عن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إلى الإفراج عن موظفي المنظّمة المحتجزين لدى الحوثيين.
وطالب غوتيريش في وقت سابق “بالإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع موظفي الأمم المتحدة المحتجزين في اليمن من قبل سلطات الأمر الواقع الحوثية”، في حين تقول الجماعة إنه ليس لديها أي موقف من موظفي المنظمات الأممية، وإن المحتجزين متهمون بالتجسس للولايات المتّحدة.
وتجمع بين جماعة الحوثي والأمم المتّحدة علاقة ملتبسة، حيث يعتبر البعض أنّ المنظّمة أسدت خدمات كبيرة للجماعة سياسية واجتماعية وحتى اقتصادية.
وفي خضم الخلاف حول احتجاز الحوثيين للموظفين الأمميين نجح غروندبرغ في إبرام اتفاق بين الحوثيين والحكومة اليمنية المعترف بها دوليا لخفض التصعيد في الصراع الاقتصادي والمالي الدائر بينهما.
وصب الاتفاق بالكامل في مصلحة الحوثيين المتضرّرين من إجراءات كانت الحكومة قد قرّرت اتخاذها وتضمنت تضييقات مالية شديدة عليهم، ومن ذلك تسليطها عقوبات على بنوك عاملة في مناطق سيطرتهم ورافضة لنقل مقراتها خارج تلك المناطق.
ولم تكن المملكة العربية السعودية ذات التأثير الكبير على قرارات الشرعية اليمنية بعيدة عن الاتّفاق الذي يخدم رغبتها في التهدئة وخفض التصعيد مع الحوثيين، أملا في الدفع بمسار سلمي في اليمن ينهي الصراع هناك ويخلّص المملكة من عبئه وينهي تأثيراته على الاستقرار في محيطها القريب.
كذلك لم تستجب الأمم المتحدة لدعوات نقل مقرّاتها في اليمن من صنعاء الخاضعة لسيطرة الحوثيين إلى عدن التي تتخذها الشرعية اليمنية عاصمة مؤقتة.
ودعت الحكومة اليمنية في وقت سابق، على لسان وزير الإعلام معمر الأرياني، الأمم المتحدة لنقل مقراتها إلى عدن بعد أن سيطر الحوثيون على مكتب المفوضيّة السامية لحقوق الإنسان في صنعاء واعتقلوا العشرات من موظفي المنظمات الدولية.
وتواصل الهيئات الأممية، رغم ما تتعرض له من تضييقات وما تواجهه من شحّ في التمويل، القيام بأدوار في مجالات مثل التعليم والصحّة وتوفير الغذاء ومساعدة النازحين في مناطق الحوثي باليمن، رغم أن ذلك يظل من مشمولات الجماعة ومن واجباتها الأساسية باعتبارها تمثّل سلطة الأمر الواقع في تلك المناطق.
في خضم الخلاف حول احتجاز الحوثيين للموظفين الأمميين نجح غروندبرغ في إبرام اتفاق بين الحوثيين والحكومة اليمنية المعترف بها دوليا لخفض التصعيد في الصراع الاقتصادي والمالي الدائر بينهما
وتشكّك الكثير من الجهات المهتمة بالشأن اليمني في إمكانية نجاح الأمم المتّحدة في جلب الحوثيين إلى طاولة الحوار السلمي، معتبرة أنّ ارتهان قرار الجماعة بإيران يجعلها غير مستعدّة للمشاركة في السلام طالما لم تَرَ طهران مصلحة في ذلك.
وترى تلك الجهات أنّ المصلحة الإيرانية تقتضي التصعيد في الوقت الراهن، وهو ما يجسّده الحوثيون من خلال إصرارهم على مواصلة استهداف خطوط الملاحة الدولية في البحر الأحمر رغم الانعكاسات السلبية لذلك على اليمن وسكّانه.
واتّهم رشاد العليمي رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني جماعة الحوثي بتعطيل “كل المساعي التي قادها الأشقاء في المملكة العربية السعودية والمجتمعيْن الإقليمي والدولي وجرّ البلاد إلى حروب بالوكالة مع العالم بأسره وشنّ هجمات إرهابية ضد سفن الشحن البحري وخطوط الملاحة الدولية”.
وقال في تصريحات أدلى بها مؤخّرا “إنه بالرغم من أن معظم بنود خارطة الطريق باتت متداولة في وسائل الإعلام، إلاّ أن الميليشيات لا تزال تمارس نهجا مضللا بشأن مضامينها”.
وأوضح أنّ الخارطة تبدأ بوقف لإطلاق النار وإجراءات اقتصادية وإنسانية لبناء الثقة في المرحلة الأولى، وفي المرحلة الثانية يفترض الذهاب إلى حوار يمني لصياغة أسس فترة انتقالية جديدة كمرحلة ثالثة.
وأشار إلى “هيمنة السرديات المحبطة في الغالب على التناولات المتعلقة بموقف مجلس القيادة الرئاسي من جهود الوساطة الإقليمية والأممية لخفض التصعيد الاقتصادي، بعدما ذهبت الميليشيات الحوثية إلى خيار خلط الأوراق في المنطقة بإيعاز من النظام الإيراني”، معتبرا أنّ “الميليشيا لا تزال حتى الآن في حالة تخبط ومحاولة البحث عن ذرائع جديدة لابتزاز العالم وعسكرة البلد”.
كما أكّد أنّ لدى السلطة الشرعية التي يقودها الكثير من أدوات الضغط، إذا أصرت جماعة الحوثي على جر البلاد إلى المزيد من الصراعات والحروب.