مؤسسة اليوم الثامن للإعلام والدراسات..

القوى السياسية اليمنية.. أدوات ناعمة وصلبة لتقويض هوية الجنوب الوطنية.. دراسة حالة (إخوان اليمن)

يفترض هذا البحث أن القوى اليمنية، وبخاصة جماعة الإخوان المسلمين، تستخدم أدوات القوة الناعمة والصلبة بشكل منهجي للتسلل إلى البنية الاجتماعية والسياسية والثقافية في الجنوب، بهدف تحقيق أهدافها الاستراتيجية في تقويض الهوية الجنوبية وفرض الهيمنة.

جماعة الإخوان المسلمين في اليمن - أرشيف

د. صبري عفيف
كاتب وباحث في الشؤون السياسية والأمنية، نائب رئيس التحرير ورئيس قسم البحوث والدراسات في مؤسسة اليوم الثامن للإعلام والدراسات،
هذه الدراسة تنشر بالتزامن في مجلة بريم الشهرية الصادرة عن مؤسسة اليوم الثامن للإعلام والدراسات

استعرضت  هذه الدراسة التحليلية استغلال القوى اليمنية المتنفذة، وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين، أدوات القوة الناعمة والصلبة على مدى العقود الثلاثة الماضية لتقويض الهوية الوطنية الجنوبية ومحاولتها تفكيك النسيج الاجتماعي في الجنوب. فقد نجحت هذه القوى، من خلال استراتيجيات مدروسة شملت التلاعب بالخطاب الديني وتوظيف الإعلام والتغلغل في المؤسسات الاجتماعية والإغاثية، في زعزعة استقرار المجتمع الجنوبي وتقويض أمنه ووحدته. وتخلص الدراسة إلى عدد من التوصيات الهامة.

الكلمات المفتاحية: جماعة الإخوان- القوة الناعمة- القوة الصلبة- الهوية الوطنية الجنوبية

المقدمة:

شهد الساحة الدولية حاليًا ارتفاعًا ملحوظًا في أهمية القوة الناعمة والصلبة، لا سيما في ظل العولمة المتسارعة وتزايد التفاعلات بين الدول والشعوب. فالترويج للأفكار والقيم عبر وسائل الإعلام والاتصالات الحديثة، مثل التبادل الثقافي والبرامج الإعلامية، بات أداة مؤثرة في تشكيل الرأي العام والتأثير على السياسات الداخلية والخارجية للدول. ومع ذلك، فإن الاستخدام المفرط للقوة الناعمة قد يؤدي إلى نتائج عكسية إذا لم يتم توظيفها بشكل مدروس ومراعي للخصوصيات الثقافية والاجتماعية للشعوب المستهدفة

"يمكن اعتبار القوة الناعمة قضية أمن قومي جنوبي بالغة الأهمية، خاصة في ظل حروب الجيل الرابع التي تشهدها المنطقة. فاستغلال المنصات الإعلامية ومنظمات المجتمع المدني والخطاب الديني والتربية والتعليم كأدوات للتأثير والتغيير، كما تفعل جماعة الإخوان المسلمين في اليمن، يمثل تهديداً حقيقياً للهوية الوطنية والتماسك الاجتماعي في الجنوب. وقد نجحت هذه الجماعة في توظيف التكنولوجيا الحديثة لبناء واقع سياسي جديد يخدم مصالحها.

إذا ما استحضرنا مقولة الزعيم الراحل جمال عبد الناصر القائلة: "ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة"، لوجدنا أن هذا القول ينطبق تمامًا على الصراعات المسلحة واحتلال الأراضي. إلا أن حروب الفكر والأيديولوجيا تتطلب أدوات مختلفة، فما أخذ بالفكر لا يسترد إلا بالفكر. وهذا هو حال الصراع الذي يخوضه شعب الجنوب منذ عقود، حيث استخدمت القوى اليمنية المتنفذة، وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين، أدوات القوة الناعمة والصلبة على حد سواء لتقويض الهوية الجنوبية وضم الجنوب إلى دولتهم في صنعاء. ورغم المقاومة الجنوبية المتكررة، إلا أن هذه القوى تمكنت من تحقيق بعض أهدافها من خلال استراتيجيات مدروسة شملت الإكراه الناعم والتأثير على الرأي العام الجنوبي.

بعد الوحدة اليمنية، بات واضحًا أن الجنوب تعرض لمؤامرة استهدفت طمس هويته وتدمير نسيجه الاجتماعي. وتحولت الوحدة، التي كانت حلمًا للشعبين، إلى احتلال عسكري. ورغم مقاومة شعب الجنوب المتكررة، استمرت القوى اليمنية المتنفذة، وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين، في استخدام أدوات القوة الناعمة والصلبة لتعميق الانقسامات الاجتماعية والثقافية في الجنوب. يسعى هذا البحث إلى تحديد هذه الأدوات وتحليل تأثيرها على الاستقرار السياسي في الجنوب، وكشف الروابط بينها وبين الأهداف الاستراتيجية لجماعة الإخوان المسلمين في المنطقة.

 

يهدف هذا الجزء من البحث إلى تحديد الأدوات التي تستخدمها جماعة الإخوان المسلمين لتقويض النسيج الاجتماعي في جنوب اليمن. وسيتم التركيز على الأدوات الناعمة والصلبة التي تستخدمها الحركة لتحقيق أهدافها.

الأهداف الفرعية للبحث:

معرفة ماهية القوة الناعمة والصلبة.
تحديد الأدوات الناعمة والصلبة التي تستخدمها حركة الإخوان المسلمين في اليمن.
تحليل الأثر المباشر وغير المباشر لهذه الأدوات على النسيج الاجتماعي والاستقرار السياسي في المجتمع الجنوبي.
كشف الروابط بين هذه الأدوات وبين الأهداف الاستراتيجية للحركة.
تقديم توصيات عملية لمواجهة هذه التحديات وحماية النسيج الاجتماعي والاستقرار السياسي في اليمن.

أهمية البحث:

يكمن أهمية هذا البحث في أنه يساهم في:
فهم أعمق لأدوات القوة الناعمة والصلبة التي تستخدمها جماعة الإخوان في سياستها نحو الجنوب وكشف أهدافها.
وضع حلول لمواجهة هذا التحدي، وحماية المجتمع الجنوبي من الآثار السلبية لهذه الأفعال.

أسئلة البحث:

تدور إشكالية الدراسة حول استراتيجية القوى اليمنية وأدواتها الناعمة والصلبة في تمزيق المجتمع الجنوبي، مع التركيز على دور جماعة الإخوان المسلمين. تسعى الدراسة للإجابة على الأسئلة التالية:

ما هي القوة الناعمة والصلبة وعلاقتهما بالسياسات الخارجية؟
كيف تستهدف حركة الإخوان هوية الجنوب وتراثه؟
ما هي الأدوات الناعمة والصلبة التي تتبعها حركة الإخوان المسلمين في الجنوب وكيف ساهمت تلك الأدوات في تفكيك النسيج الاجتماعي وزعزعة الاستقرار السياسي؟
ما هي الأدوات الناعمة الأكثر استخدامًا لدى الحركة لتحقيق أهدافها؟
كيف لعبت تلك الأدوات الإخوانية في تحسين صورة الإخوان في محافظات الجنوب؟
ما هي التدابير التي يمكن اتخاذها لمواجهة الأدوات الناعمة والصلبة لحركة الإخوان في الجنوب؟

فرضية البحث:

يفترض هذا البحث أن القوى اليمنية، وبخاصة جماعة الإخوان المسلمين، تستخدم أدوات القوة الناعمة والصلبة بشكل منهجي للتسلل إلى البنية الاجتماعية والسياسية والثقافية في الجنوب، بهدف تحقيق أهدافها الاستراتيجية في تقويض الهوية الجنوبية وفرض الهيمنة.

منهجية البحث

اعتمد هذا البحث على اتباع المنهج الوصفي التحليلي. جمع البيانات وتحليل الوثائق والتقارير الإعلامية المتعلقة بالجماعة كانا محورًا أساسيًا في هذا البحث، وذلك بهدف بيان مرتكزات القوة الناعمة والصلبة التي استخدمتها القوى اليمنية لتدمير بنية الدولة الجنوبية وطمس الهوية الجنوبية على مدى ثلاثة عقود.

حدود البحث

يقتصر هذا البحث على دراسة أدوات الجماعة في جنوب اليمن، ولا يشمل دراسة أدواتها في مناطق أخرى ويتوقف عند الفترة الزمنية ما بعد حرب عام 2015م ضد الجنوب.

محتويات البحث:

تكون هذا البحث من أربعة مباحث بالإضافة إلى ملخص للنتائج والتوصيات. المبحث الأول يتناول الإطار الإجرائي للبحث، ويتضمن المقدمة، المشكلة البحثية، الأهداف، والأسئلة البحثية. أما المبحث الثاني فيتناول الإطار النظري، حيث يستعرض مفهومي القوة الناعمة والقوة الصلبة، ويقدم أمثلة تطبيقية على استخدام هذه الأدوات من قبل القوى اليمنية خلال مرحلة تكوين وبناء الدولة الجنوبية. بينما يركز المبحث الثالث على الأدوات الناعمة والصلبة التي تستخدمها جماعة الإخوان المسلمين في اليمن. وأخيرًا، يقدم المبحث الرابع نتائج البحث والتوصيات، ويليه ملحق بمراجع ومصادر البحث.

المبحث الثاني: الإطار النظري

قبل الخوض في تفاصيل دور الإخوان في الجنوب، من المهم فهم مفهوم القوة الناعمة. فهي تمثل القدرة على التأثير على الآخرين وإقناعهم بقبول وجهة نظرك، وذلك من خلال الجذب الثقافي والقيم المشتركة، بدلاً من استخدام القوة العسكرية أو الاقتصادية.

أولا: القوة الناعمة، مفهومها ونشأتها

لقد شهدت السياسات العالمية اهتماماً متزايداً بالأبعاد غير الملموسة من مكونات القوة في مرحلة ما بعد الحرب الباردة كأحد أبعاد الظاهرة الدولية، ولقد ظهر هذا الاهتمام في مجال دراسة السياسة الخارجية في ضوء فشل تجارب استخدام القوة الصلبة في تحقيق أهداف السياسة الخارجية ومراجعة مفهوم القوة الصلبة والاستجابة لأنواع أخرى من القوة فرضها الواقع الدولي، وعلى أثر ذلك ظهر مفهوم القوة الناعمةSoft Power للمرة الأولى في عام 1990 على يد المفكر الأمريكي Joseph Nye   في كتابه المرجعي عن "القوة الناعمة.. معاني النجاح في السياسات الدولية"، حدد الأدميرال جوزيف ناي مفهوم القوة الناعمة، في كونها: "القدرة على الاستقطاب والإقناع، إذ بما إن القوة الخشنة تكمن في القدرة على الإجبار والإكراه، المتأتية من القوة العسكرية للدولة، أو من تفوق قدراتها الاقتصادية، فإن القوة الناعمة تتأتى من جاذبيتها الثقافية أو السياسية" أو الإعلامية، أو ما سواها.

وفي كتابه حتمية القيادة: الطبيعة المتغيرة للقوة الأمريكية Bound to Lead: TheChanging Nature of American Power ، عرف Joseph Nye القوة الناعمة بأنها القدرة على التأثير في الآخرين لتحسين وتعزيز الصورة أو المظهر الخارجي للدولة، وعلى وجه التحديد، أن القوة الصلبة للدولة، يمكن أن تشمل قوتها الاقتصادية والعسكرية. بينما قوتها الناعمة تكمن في قيمها السياسية والثقافية والأيديولوجية، وقدرتها في تكوين العادات والأعراف الدولية[1]

ويعد مفهوم القوة من المفاهيم الاساسية في علم السياسية  فلا يختلف الباحثين والمهتمين بالعلاقات الدولية على أن القوة هي الحاكم الأساسي للعلاقات بين الدول ويختلف تعريف القوة بين الباحثين نظراٌ للطبيعة المركبة  للمفهوم فيمكن تعريف القوة على انها القدرة على التأثير في سلوك الاخرين للحصول على النتائج المرغوب فيها أو القدرة على فرض السيطرة على الآخرين"[2] إلا أن جوهر المفهوم كما ذكره كارل فريدريك هو إنشاء علاقة تبعية بين طرفين يستطيع من خلاله الطرف الأول أن يجعل الطـرف الثاني يفعل ما يريد أي التصرف  بطريقة تضيف إلى مصالح مالك القوة   وقد عرف اوستن ربيني القوة ايضاٌ على أنه علاقة التبعية والطاعة من جانب وعلاقة السلطة والسيطرة من الجانب الآخر   وذلك بالإقناع والمكافأة أو بالعنف والإكراه فإذا فشل الإقناع  نستخدم المكافأة وإذا لم ينجح ذلك  غالباٌ ما نستخدم القوة العنيفة[3].

وفى الدراسة المهمة التي قدمها الباحث بجامعة الدفاع الوطني الأمريكية، توماس هامز، في مؤتمر الجيل الرابع من الحروب، الذي عقد في إمارة أبو ظبى، قال إن الإرهاب تحركه فكرة، والتكنولوجيا وحدها لا يمكنها الانتصار في الحروب، وكذلك القوات والأسلحة، وإنما هناك وسائل أخرى يتم الاعتماد عليها، منها الإنهاك السياسي لمتخذ القرار في الدول المستهدفة، والدمج بين هذه العناصر لتحقيق الهدف المنشود ألا وهو إسقاط الدولة. 

ويرى Nye بأن هناك شواهد على أن استعمال القوة العسكرية أو الاقتصادية يمكن أن يؤثر في تغيير مواقف الآخرين تجاهك، وهذا ما تقوم عليها القوة الصلبة من خلال استخدام سياسة العصا والجزرة، ولكن في الوقت نفسه يمكن إحراز الغايات التي تخدم مصالحك دون تهديدات أو عقوبات ملموسة، وأن هذه الطريقة غير مباشرة للحصول على ما تريده تسمى أحياناً بالوجه الثاني للقوة[4]

إن معايير القوة الناعمة كما ناقشها Nye والباحثون الآخرون هو: الجاذبية attraction، الإقناع    persuasion الاستقطاب  cooptation والمحاكاة  emulation  والتي تعني استقطاب الآخرين وجذبهم عبر آليات تقوم على الـتأطير والإقناع والجاذبية، وبالاعتماد بشكل أكبر على موارد ناعمة غير مادية، مثل الثقافة والقيم السياسية وشرعية السياسات الخارجية، لتحقيق النواتج المنشودة.[5] 

إن القوة الناعمة للدولة تقوم بشكل أساسي على ثلاثة مصادر وهي: الثقافة، والقيم والمبادئ السياسية، والسياسة الخارجية ويقصد بالثقافة مجموعة القيم والممارسات التي يُعرف بها المجتمع، وتشمل الأدب، الفن والتعليم. أي تتضمن الثقافة العالية High Culture والثقافة الشعبية Popular Culture.  أما المبادئ والقيم السياسية كمصدر منشئ للقوة الناعمة فهي طبيعة السياسات الداخلية وانفتاحها، والديمقراطية، وحقوق الإنسان، ومصداقية القيادات السياسية، وقيم العدالة ونظام المحاكم، وحرية الرأي والتفكير، أو بمعنى آخر كل الشؤون الداخلية، الرسمية منها وغير الرسمية، التي تعزز احترام الدولة، وفيها عنصر الجذب للآخرين.

وتعد السياسة الخارجية للدولة إحدى مصادر القوة الناعمة، فإن طريقة بناء العلاقات مع الدول الأخرى، والقيم التي تعبّر عنها الدولة في جوهر سياستها الخارجية يعد مصدراً لانجذاب الآخرين نحو تلك السياسات. كما أن جميع الدول تسعى إلى تحقيق مصالحها الوطنية من خلال سياستها الخارجية.

ظهرت نظرية القوة الناعمة بعد سقوط الاتحاد السوفيتي على يد جوزيف ناي وتم استخدامها من قبل امريكا كثيرا بعد سقوط الاتحاد السوفيتي للتأكيد على النظام احادية القطبية ونشر قيم الحرية والديمقراطية وحقوق الانسان والتخلص من الانظمة الفاشية الى الحرب الامريكية على العراق عام 2003 التي اعادت مفهوم القوة الناعمة للاستخدام بكثرة في العلاقات الدولية[6] وقد جاء ضمن هذا الاستخدام وثيقة الشرق الاوسط الكبير والتي قدمتها الولايات المتحددة الامريكية الى مجموعة الدول الثمانية الكبيرة عام 2004 فكان الهدف الظاهر منها تمكين المرأة والتحول الى المجتمع المعرفي بالوطن العربي إلا ان الهدف الخافي هو السيطرة على العقول والهيمنة على الوطن العربي لكى يسير على النمط الغربي ويتم تفكيها وفى هذا السياق تعبر ثورات الربيع العربي من ضمن استخدامات القوة الناعمة التي استطاع من خلالها مجموعة داخل مجتمع ما السيطرة على الشعب وتوجيهم من خلال الاقناع بفساد تلك الانظمة واستخدام الاعلام والتكنولوجيا في ممارسة ضغط ادى الى سقوط تلك الانظمة بدون تتدخل عسكري مباشر وتتطور مفهوم القوة في الآونة الاخيرة ليشمل على القوة الذكية والتي يعرفها "ارنسنت ويسلون" بأنها قدرة الفاعل الدولي على مزج عناصر القوة الصلبة والقوة الناعمة بطريقة تضمن تدعيم تحقيق الاهداف لهذا الفاعل بكفاءة وفعالية.[7]

وتعريف ميشيل فوكو الذى يعتبر أن القوة الناعمة هي إجباراً وإلزاماً غير مباشرين وسجال عقلي وقيمي يهدف إلى التأثير على الرأي العام  في داخل الدولة وخارجها[8]

ثانيا: القوة الصلبة، ظهورها ومفهومها

في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر عام 2017 ابتكرت الأوساط الفكرية والبحثية الأمريكية في العلاقات الدولية مصطلحاً جديداً سُمي بالقوة الحادة  Sharp Power ، وجاء ذلك من خلال ورقة أكاديمية أعدها الباحثان   Christopher Walker and Jessica Ludwig( في مجلة)  Foreign Affairs( بعنوان )معنى القوة الحادة، كيف تمارس الدول الاستبدادية التأثير،The Meaning of  Sharp Power, How Authoritarian States Project Influence(، والباحثان من أنصار النظرية الديمقراطية ويعملان في)  National Endowment for Democracy( الذي يمول من قبل الكونجرس الأمريكي، ومن ثم جاءت دراسات أخرى، لتوضيح مفهوم القوة الحادة[9]

جاء طرح مفهوم القوة الحادة من خلال دراسة التأثير والنفوذ للدول الاستبدادية في الميدان الدولي، وبالأخص روسيا والصين. أن هاتين الدولتين كرستا مليارات من الدولارات لزيادة نفوذهما العالمي من خلال أدوات القوة الناعمة، إلا أن استطلاعات الرأي العام ومؤشرات القوة الناعمة تشير إلى أن هذه الأنظمة الاستبدادية تعاني من عجز شديد في القوة الناعمة، على الرغم من تعاظم نشاطها على الصعيد الدولي، وقد أدى ذلك إلى تعزيز الفكرة القائلة بأن الجذب والإقناع لا يتفقان مع الاستبداد.

 وعلى المستوى الدولي لا يفوز الحكام المستبدون بكسب القلوب والعقول. ومع ذلك تواصلت هذه الدول استعراض قدر من النفوذ خارج حدودها أكبر من أي وقت مضى، وأن هذا النفوذ لا يأتي أيضاً من خلال استخدام القوة الصلبة، بالرغم من أن روسيا استخدمت القوة العسكرية بنمط متكرر في كل من جورجيا في عام 2008  وأوكرانيا في عام 2014 وفي سوريا عام 2015، إلا أن المقاتلات الروسية النفاثة والدبابات ليست هي التي تدفع طفرة النفوذ العالمي التي تشهدها موسكو، وعلى نحو مماثل، تستعرض الصين قوتها العسكرية في بحر الصين الجنوبي وعلى طول حدودها المتنازع عليه مع الهند، وأيضاً التأثير والنفوذ الصيني على الساحة الدولية يتنامى يوماً بعد يوم عن طريق استخدام أشكال أخر ى للنفوذ، ولم تستخدم روسيا والصين الأداة الاقتصادية كإحدى أدوات القوة الصلبة لفرض إرادتها وكسب النفوذ والتأثير".   

ولهذا ظهر تساؤل رئيسي لدى المنظرين والمفكرين في حقل العلاقات الدولية ودارسي ظاهرة القوة بأن هذه الأنظمة لا تعتمد أساساً على القوة الصلبة، وهي غير ناجحة في توليد القوة الناعمة، ولكنها تظل قادرة على فرض نفوذ حقيقي في الخارج، لذا أصبح من الضروري التأمل في هذه المفارقة الظاهرية. لذلك ظهر افتراض مفاده أن الحكومات الاستبدادية، التي تقمع التعددية السياسية وحرية التعبير من أجل الحفاظ على السلطة من الداخل، قد تكون ميالة إلى التصرف على نحو مختلف في الساحة الدولية. فقد تبنت هذه الأنظمة بعض أشكال القوة الناعمة بدهاء، ولكن ليس جوهرها، وأفضل وصف لما تمارسه هذه الأنظمة هو القوة الحادة. 

القوة الحادة هي القدرة على التأثير في الآخرين، للحصول على النتائج المرجوة من خلال توظيف مختلف الأدوات السياسية، والاقتصادية، والإعلامية التي تقوم على التلاعب Manipulation والإلهاء Distraction لاختراق الدولة المستهدفة بالاعتماد على الوقيعة والترهيب والضغط من أجل تشكيل اهتمامات النخب السياسية والتأثير على القوى المؤثرة، ومن ثم التأثير على عملية صنع القرار في هذه الدولة. حتى أن الأدوات الثقافية والإعلامية تخترق وتثقب وتخرز، وأن آليات القوة الحادة مثل السكين تقطع النسيج الاجتماعي وتسعى لتكريس الانقسامات الموجودة في المجتمعات. 

ثالثا: أوجه الاختلاف بين القوة الحادة والقوة الناعمة 

يرى أصحاب مفهوم القوة الحادة أن هناك حاجة لإعادة التفكير في مفهوم القوة الناعمة، لأن المفردات المقيدة لمعنى المفهوم والمستخدمة منذ انتهاء الحرب الباردة لم تعد تعبر على نحو مناسب عن التطورات المعاصرة. إن القوة الحادة هي الاعتماد على الخديعة والترهيب والضغط، في حين تستغل القوة الناعمة بريق الثقافة والقيم لتعظيم قوة دولة ما، فإن القوة الحادة تساعد الأنظمة الاستبدادية على إملاء السلوك وفرضه بالقوة داخلياً والتأثير في الرأي العام خارجياً. لا تسعى الأنظمة الاستبدادية بالضرورة إلى كسب القلوب والعقول، التي تعتبر الإطار المرجعي الموحد لجهود القوة الناعمة، لكنها تسعى بالتأكيد للتلاعب في الجماهير المستهدفة عن طريق تشويه المعلومات التي تصل إليها، وتجسد القوة الحادة الطبيعة الخبيثة والعدوانية للمشروعات السلطوية، التي لا تشبه إلى حد كبير جاذبية القوة الناعمة الحميدة، من خلال القوة الحادة، فإن القيم غير الجذابة عموماً للأنظمة الاستبدادية التي تشجع على احتكار السلطة، والرقابة والولاء بالإكراه يتم استعراضها خارجياً. وعلى عكس التأثير الحاد للقوة الصلبة، تستلزم القوة الحادة درجة من التسلل والاختراق، من خلال الاستفادة من البيئة السياسية والإعلامية المفتوحة للديمقراطيات. 

إن القوة الخشنة تقتل، لكن القوة الناعمة تقتل أيضا، بل إنها تكون، في بعض الأحيان، أخطر وأفتك من القوة الصلبة، بمقياس النتائج السياسية والتداعيات الاقتصادية، وعلى صعيد عدم القدرة على مواجهتها، حيث مفاعيلها أشد وطأة وتأثيرا.

رد البروفيسور  Joseph Nye في دراستين على أوجه التشابه والاختلاف بين القوة الناعمة والقوة الحادة، إذ يرى أنه أحياناً يستخدم مصطلح القوة الناعمة، التي يقصد بها القدرة على التأثير في الآخرين بطريق الجذب والإقناع بدلاً من القوة الصلبة التي تنطوي على الإجبار والعقوبة، لوصف أي ممارسة لنفوذ لا تنطوي على استخدام القوة المادية. 

فالقوة الحادة تختلف عن القوة الناعمة بالرغم من تواجد أهداف متطابقة بينهما، فكلتاهما تحاولان تغيير الرأي العام في الدولة المستهدفة من خلال التأثير عليها والحصول على المخرجات المطلوبة، وتعتمدان على أدوات مماثلة لإحداث التأثير وهي: الثقافة والمعتقدات، القيم، والسياسات، وتشاركان في وسائل التأثير كالأدوات الإعلامية، الدبلوماسية العامة، المؤسسات الثقافية والتعليمية ، والخ...

وعلى الرغم من كل هذا هناك اختلاف جذري بين القوة الحادة والقوة الناعمة والتي قوامها عنصر الإكراه Coerciveness فالقوة الناعمة تعتمد على الجذب Attraction بدلاً من الإكراه أو الدفع Coercion or Payment كوسيلة للإقناع، في حين أن القوة الحادة، على النقيض منها،

تعتمد على الإلهاء والتلاعب وأنها تثقب وتخترق وتخرز البيئة السياسية والمعلوماتية في البلدان المستهدفة، بدلاً عن جذب وإقناع جمهورها. 

كذلك تختلف القوة الحادة عن القوة الناعمة من حيث الأهداف. فإن هدف القوة الحادة ليست تحسين صورة الدولة في مجتمع الدولة المستهدفة، وأن آلياتها وتقنياتها تهدف إلى شيء آخر، وهي التدخل في العملية السياسية للدولة المستهدفة، وانتهاك استقرارها السياسي، وتشكيل تهديد على أمنها الوطني. 

كنتيجة لذلك تتمتع القوة الحادة بمميزات مشتركة مع كل من القوة الناعمة والقوة الصلبة، ولكنها تختلف عن القوة الناعمة بسبب تواجد عنصر الإكراه وعن القوة الصلبة من ناحية مصادرها غير الملموسة. وينظر إلى القوة الحادة على أنها شيء ما بينهما، ولكن بدقة أكبر، وهي شيء فريد من نوعه ويمكن لأي دولة أن تمارس القوة الناعمة أو القوة الحادة، ولكن لا تستطيع أن تمارس كلتاهما معاً، لأنه يصعب الجمع بين أهداف يتطلب الجذب واستخدام القوة الناعمة، واستخدام استراتيجية العرقلة والتدخل في الشؤون الداخلية. 

  • رابعا: بعض تطبيقات القوى الناعمة للقوى اليمنية في الجنوب

إن معايير القوة الناعمة كما ناقشها Joseph Nye وباحثون آخرون هي: الجاذبية، الإقناع، الاستقطاب، والمحاكاة. والتي تعني استقطاب الآخرين وجذبهم عبر آليات تقوم على الـتأطير والإقناع والجاذبية، وبالاعتماد بشكل أكبر على موارد ناعمة غير مادية، مثل الثقافة والقيم السياسية وشرعية السياسات الخارجية، لتحقيق النواتج المنشودة. 

لقد كانت الأدوات الثقافية اليمنية إحدى أهم الوسائل لتصدير فكرة اليمننة وطمس الهوية الجنوبية، فعند الحديث عن تصدير مفهوم الثورة الواحدة والشعب الواحد في عدن، يمكن التطرق إلى مقاربتين رئيستين في هذا الشأن، المقاربة الأولى: هي تصدير فكرة اليمن، التي كانت تهدف إلى إحداث تغيرات كبرى في البنية السياسية والاجتماعية والثقافية في محافظات الجنوب. أما الثانية: تسمى دولة الأصل، حسب نظرية الفكر الزيدي، وتقوم على فكرة تصدير أن اليمن واحدة وأن صنعاء هي الأصل وأن عدن والجنوب هي الفرع، محاولين التركيز على قيم الثورة باسم فكرة القومية العربية الواحدة."

 إن المقاربة الأوّلى، أيّ تصدير فكرة الشعب الواحد والهوية الواحدة بالقوة لم تكن متاحة أبان الاستقلال، ولكن الشيء الواضح كان إدراك الجمهورية القوى اليمنية الدخيلة على الثورة الجنوبية المجيدة 14 أكتوبر 1963م لأهمية القوة الناعمة في نشر رسالتها وأفكارها ومشروعها الاستراتيجي، كما وضحته الاحداث منذ مفاوضات الاستقلال حتى اللحظة، لقد أدركت القوى اليمنية أن الوسائل الهائلة التي يمكن من خلالها أن تنجح مشروعها هو تصدير فكرة القومية على حساب الهوية الوطنية الجنوبية الجامعة. 

ولذلك الهدف أنشأت عدد من المؤسسات وأصدرت عدد من القرارات التي سهلت العمل بهدوء ومن أبرزها:

أولا: التهيئة لتأسيس أول اتحاد أدباء والكتاب اليمنيين عام 1970م وتم اشهاره عام 1971م وافتتح له مقر رئيس في العاصمة الجنوبية عدن عام 1972م بحضور أدباء وشعراء يمنين وفي مقدمتهم أحمد قاسم دماج والبردوني، انتخب أول رئيس له من اليمن وهو عبدالله البردوني، أن تأسيس هذه المؤسسة الثقافية والأدبية في العاصمة الجنوبية عدن كانت أحد القوى الناعمة في تصدير اليمننة للجنوب.

لقد كان المقصود من تأسيس هذه الاتحاد هو تصدير اليمننة الثقافية ونشر أهدافها وتعاليمها وخطابها إلى شعب الجنوب وكذلك كانت رسالة للإقليم والعالم، أي أن هذه المرحلة كانت مرحلة تحويل جميع الإمكانيات المتاحة إلى ثقافة، أي أن الإمكانيات التي كانت تقدم سابقاً بصيغة أيديولوجية، سيتم عرضها على شكل صيغة ثقافية، لذلك في هذه المرحلة ركز رجال الدولة اليمنية الدخيلة على العاصمة الجنوبية عدن على أن أبرز مميزات ثورة يمننة الجنوب هو البعد الثقافي لها، أي أن القوى اليمنية في عدن تحاول تصدير الثورة الثقافية لطمس وتدمير الهوية الوطنية الجنوبية. 

وتتالت هذه المؤامرات بمراحل وأبعاد مختلفة، حيث كانت المرحلة الأولى مرحلة تصدير الهوية اليمنية الجامعة بشكل مباشر، وفي المرحلة الثانية، وهي مرحلة تهميش وطمس الهوية الجنوبية العربية، وتحولت العناصر الكامنة للقوة الناعمة اليمنية التي كانت في صيغة أيديولوجية سياسية في قيادة الثورة إلى عناصر ثقافية، أما في المرحلة الثالثة فيلاحظ أن الأيديولوجيا المتحولة إلى ثقافة، تقوم من خلال تطويق ثقافة الآخر، بإعادة تحويلها إلى أيديولوجيا مرة أخرى ، فعلى سبيل المثال، الهوية السياسة لشعب الجنوب قامت القوى الناعمة لليمن بزراعة الهوية السياسية اليمنية في الجنوب العربي بتحايل وصناعة التاريخ المزيف واستخدام الدين الإسلامي ذريعة لكي يتم تثبيت الهوية السياسية اليمنية في الجنوب العربي فالهوية الأصلية والحقيقية وألام هي الجنوب العربي ولكن نجحت خطة اليمنيين والمتيمننين إلى أنْ تم تغيير مسمى الدولة إلى جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية في 30 نوفمبر 1967م ورغم أن تلك القوى السياسية اليمنية ام تستطع ان تطمس لفظة الجنوب التي تعد الكلمة الجامعة لهذا الشعب واستمر هذا المسمى لسنوات حتى عام 1968م،  ثم تغيره  إلى جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، وكانت الجمهورية الوليدة في عام 1968م_1990م.

لقد كانت القوة الناعمة للقوى اليمنية في المراحل الأولى من الثورة الجنوبية يشكلون قاعدة أيديولوجية متكئين على أفكار قومية كقوة ناعمة سعت القوى اليمنية لطمس الهوية الجنوبية، وفي المرحلة الثانية وأثناء بناء الدولة الجنوبية اتكئوا على أفكار ايدلوجية عالمية كقوة ناعمة اكثر اتساعا وتأثيرا من خلال شعار الاشتراكية، وظهر هذا التوجه على أنه اتجاه يهدف إلى التأثير في المجتمعات العربية، أما في المرحلة الثالثة ومع تولي القوى اليمنية السلطة والحكم وصارت مقاليد الأمور في الجنوب تحت سيطرتهم، فقد جرى تحفيزهم من أجل إقامة حكم مشابه لذلك الذي أقامته الدول الاتحادية في روسيا والالتزام بمبدأ الاشتراكية، لإعادة استدعاء الجانب الأيديولوجي للثقافة اليمنية.

لقد عملت القوى اليمنية على إلزام القوى الرئيسية في الجنوب إطاعة التوجهات الجديدة، وإنه من الواضح أن عناصر القوة الناعمة اليمنية بدأت تنفذ استراتيجية تغير الهوية السياسية ومن ثم تلتها الثقافية والاجتماعية، وعملت تلك القوى رفع عدد من المبادئ والقيم السياسية كمصدر منشئ للقوة الناعمة فهي طبيعة السياسات الداخلية وانفتاحها، والديمقراطية، ونصرة الشعوب المظلومة، ومقاومة القوى الاستبدادية والرجعية ليظهروا  مصداقية القيادات السياسية، وقيم العدالة ونظام المحاكم، أو بمعنى آخر إدارة كل الشؤون الداخلية لدولة، الرسمية منها وغير الرسمية، التي تعزز احترام الدولة، وفيها عنصر الجذب للآخرين.

المبحث الثالث: أدوات القوة الناعمة والصلبة لجماعة الاخوان في الجنوب 


المحور الأول: أدوات القوة الناعمة

 

على الرغم من أن جماعة الإخوان المسلمين في اليمن لم تستبعد استخدام القوة في تحقيق أهدافها، إلا أنها اعتمدت بشكل أساسي على القوة الناعمة. ويرجع ذلك إلى عدة أسباب، منها فشل التجارب السابقة في استخدام القوة الخشنة، والأثر السلبي لهذه التجارب على سمعة الحركة.
وفي هذا السياق فقد أدركت جماعة الاخوان أن القوة الناعمة هي الطريق الأفضل الذي يجب أن تسلكه، لاسيما بعد أن بدأت تفقد سلطتها في اليمن، والقوة الناعمة من أفضل الأسلحة السياسية العسكرية إذ أنك تستطيع السيطرة على الآخرين وأن تجعلهم يتضامنون معها دون أن تفقد قدراتها العسكرية.
ومن ثم فإن سلوك هذا الطريق سيوفر على جماعة الاخوان الكثير من التضحيات التي تقدمها في حال استخدمت القوة الخشنة، وفي ذات الوقت فإن النتائج المتحققة جراءها ستكون أفضل بكل تأكيد سواء على المستوى السياسي وهو ربما الأهم أو على المستوى الفكري والعقائدي الذي ليس إلا وسيلة لتحقيق فكرة الولاء والتبعية لقيادات الجماعة. 
لقد عززت جماعة الإخوان فرع اليمن من قوتها الناعمة على مدار العشرة السنوات الماضية، في العاصمة عدن ومحافظات الجنوب الأخرى، بعد أن فقدت نفوذها في اليمن بالتزامن مع جهودها الإصلاحية المتواصلة في شتى المجالات على مدار سنوات طويلة، من أجل ترسيخ قوة عناصرها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
ركزت جماعة الإخوان في اليمن على تعزيز قوتها الناعمة من خلال:
• بناء المؤسسات: استثمرت الجماعة في بناء مؤسسات إعلامية وثقافية ودينية لتعزيز نفوذها.
• التغلغل في المجتمع: سعت الجماعة إلى التغلغل في المجتمع من خلال تقديم الخدمات الاجتماعية والاقتصادية.
• استغلال الهوية: استغلت الجماعة الهوية اليمنية والتراث الزيدي والإخواني لتقوية ارتباطها بالمجتمع.
الأهداف الاستراتيجية للقوة الناعمة الإخوانية في اليمن:
• توحيد اليمن :وإقامة الخلافة: تحقيق مبدأ اليمن الواحد وإعادة الفرع إلى الأصل.
• فرض الهيمنة: جعل صنعاء هي المركز السياسي والاقتصادي للمنطقة.
• تعزيز التبعية: ترسيخ تبعية مناطق اليمن والجنوب لأبناء الهضبة الزيدية.
• نشر الأيديولوجيا: نشر الأيديولوجيا الإخوانية والتشديد على القيم الإسلامية.

جدول رقم(1) : يوضح معدل حضور أدوات القوة الناعمة في محافظات الجنوب من وجهة نظر المبحوثين الذي تم استطلاع آراءهم حول مدى حضور أدوات القوة الناعمة لجماعة الاخوان في الجنوب.

مما سبق تبين أن أدوات القوة الناعمة لدى مجموعة الاخوان فرع اليمن التي فرضت سياسة الهيمنة ضد شعب كان الخطاب الديني متصدرا لتلك الأدوات بنسبة (26%) بينما جاء في المرتبة الثانية الاعلام والتكنولوجيا بنسبة (22%) وفي المرتبة الثالثة والرابعة كانتا أداتي منظمات المجتمع المدني والادب والثقافة والتراث بنسبة (15%) لكل واحد منهما. بينما جاءت أداة التوغل في مؤسسات الدولة في المرتبة الخامسة بنسبة( 11%) وفي المرتبة قبل الأخيرة جاءت أداة التعليم العالي والعام بنسبة(6%) وأخيرا جاءت أدوات أخرى بنسبة(5%).   

 

أولا: الخطاب الديني:

يعد الخطاب الديني أحد أهم الأدوات التي تستخدمها الجماعات المتطرفة، بما فيها بعض التيارات المتشددة ضمن حركة الإخوان المسلمين، لتبرير أعمالها العنيفة وتجنيد الشباب. في السياق اليمني المعقد، يلعب الخطاب الديني دوراً حاسماً في تشكيل الوعي الجماعي وتوجيه السلوكيات، خاصة في ظل الصراع المستمر والانقسامات الطائفية والمذهبية والمناطقية والقبلية.
لقد اعتمدت جماعة الاخوان فرع اليمن الخطاب الديني في محاربة خصومها وفرض توجهاتها السياسية والفكرية والأيدلوجية في المجتمع الجنوبي وصارت الفتاوى الدينية سلاحا مشهرا للتحريض والعنف فهي بمثابة أوامر واجبة التنفيذ يتلقاها أعضاء الحزب وأتباعه دون حاجة الى إصدار بيان أو توجيه رسمي من الحزب، وقد أصدر رموز ومشايخ ورجال الدين في حزب الإصلاح فتاوى كثيرة منها:
1- فتوى عدم جواز الوحدة مع الجنوب عام 1989م .
2- فتوى تجريم دستور دولة الوحدة ومقاطعة الاستفتاء عليه عام 1991م .
3- فتوى معارضة قانون منع حيازة السلاح المتوسط والثقيل وتجريم الاتجار به.
4- فتوى معارضة قانون منع حمل السلاح في المدن معتبرين أن السلاح جزءا من الشخصية اليمنية.
5- فتوى تكفير أبناء الجنوب وإجازة شن الحرب على الجنوب عام 1994م والتي مازالت سارية حتى اليوم.
6- فتاوى لتكفير الحراك السلمي الجنوبي وقادته ومؤيديه وإباحة دمائهم.
7- فتاوى تتعلق بالوجود الإماراتي في اليمن ضمن التحالف العربي لدعم الشرعية وتدعو الى قتل الإماراتيين ومن يتحالف معهم أي (أعضاء وأنصار المجلس الانتقالي الجنوبي ) .
8- فتوى هدم مقابر أولياء الله الصالحين ومنع إقامة الاحتفالات الشعبية السنوية في ذكراهم بالقوة في محافظات الجنوب دون غيرها.
9- فتوى تحريم دور العرض السينمائية العامة والقيام بتحويل بعضها محلات تجارية لاسيما في عدن.
10- فتاوى كثيرة بتكفير قوات الحزام الأمني وقوات النخبة الشبوانية والحضرمية وإهدار دماء منتسبيها .
11- فتاوى بإباحة نهب أموال وأصول مؤسسات الدولة والممتلكات الشخصية للخصوم السياسيين من قبل أتباع الحزب أثناء الصراعات والحروب الأهلية تحت مبرر إنها غنائم
إلى جانب ذلك، صدرت فتاوى عديدة من رموز ورجال دين في حزب الإصلاح، تكفّر أدباء وشعراء وصحفيين ومفكرين وأساتذة جامعات ونشطاء اجتماعيين وحقوقيين وسياسيين، بسبب اختلاف أعمالهم وأفكارهم مع أيديولوجيا وسياسات الحزب. وعلى رأس هؤلاء المستهدفين كان المفكر العربي الجنوبي أبو بكر السقاف.
نتيجة لهذه الفتاوى، اضطر العديد من المثقفين والسياسيين والنشطاء الجنوبيين إلى الهجرة إلى بلدان عربية وأجنبية خوفًا على حياتهم وحياة عائلاتهم. وتجسيدًا لذلك، اغتيل الشهيد حسن الحريبي في صنعاء عام 1991، كما تعرض الأستاذ عمر الجاوي لمحاولة اغتيال بعد إصدار فتوى بتكفيره. كانت هذه الحوادث بمثابة أولى عمليات الاغتيال السياسية بعد إعلان مشروع الوحدة اليمنية.

ثانيا: النشاط الإعلامي وتوظيف تكنولوجيا المعلومات

وتعد الدعاية الإعلامية ووسائل الإعلام والحرب النفسية من أهم مصادر القوة الناعمة لتنظيم الاخوان بشكل عام فيعمل على تهويل وتخويف وتعظيم قوّته من جهة وإظهاره بالمظهر الأخلاقي الحسن ووصفه بأنه يمثل روح الإسلام الحقيقي والمناوئ للعادات والتقاليد الدخيلة على الإسلام، وقد لوحظ  تلك المكانية في ثورة الربيع العربي التي ترافقه تلك الماكنة الإعلامية والدعاية والحرب النفسية التي اتّبعتها وسائل إعلام محلية وعربية إقليمية وغير إقليمية ووسائل إعلام عالمية، لأسلوب التضخيم والمبالغة وهو جزء مهم في كسب الحرب ونشر الشائعات في وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي.
تعد الماكينة الإعلامية للإخوان المسلمين في اليمن أحد أهم أدواتها في تشكيل الرأي العام والتأثير على السلوكيات المجتمعية، ويتبادر لدينا سؤالا هو كيف استخدمت حركة الإخوان وسائل الإعلام لتشويه صورة الجنوب وتقويض هويته" وخاصة في ظل الصراع الدائر، وكيف لعب هذه الماكينة دوراً محورياً في تحريض العنف وتقويض النسيج الاجتماعي؟، اجابة على هذين التساؤلين، سنستعرض مجموعة من الأساليب والتقنيات التي تستخدمها جماعة الإخوان المسلمين في الجنوب للتأثير على الرأي العام وتشويه صورة الجنوب. تعتمد الجماعة بشكل كبير على وسائل الإعلام التقليدية والحديثة لنشر الدعاية وترويج أفكارها، مستغلة شعارها المزعوم بالحياد عن الشرق والغرب لتبرير تدخلها في الشؤون الداخلية للبلاد.
عند تتبع العلاقات الإقليمية لهذا التنظيم، يتضح أن قطر وتركيا تقدمان بشكل روتيني "القوة الناعمة" لدعم جماعة الإخوان المسلمين في دول عدة، بما في ذلك مصر واليمن وليبيا والسودان. وبالإضافة إلى ذلك، تزود هاتان الدولتان الخلايا الإرهابية المرتبطة بالإخوان في اليمن بالتمويل والدعم اللوجستي. تستثمر قطر بشكل كبير في بناء شبكة إعلامية واسعة تابعة للإخوان، تشمل قنوات فضائية وصحف ومواقع إلكترونية، وذلك بهدف الترويج لأيديولوجية الجماعة وتشويه سمعة خصومها. ولتعزيز هذا الدور، تقوم قطر بإرسال كوادر من حزب الإصلاح إلى دورات تدريبية إعلامية في الدوحة وتركيا، بهدف تمكينهم من إدارة الحملة الإعلامية لصالح الجماعة والوصول إلى السلطة.
ومما سبق تبين أن جماعة الاخوان تستغل هذه الشبكة الإعلامية وسائل التواصل الاجتماعي بشكل مكثف لنشر الدعاية والتأثير على الرأي العام، حيث تقوم بترويج الأخبار الكاذبة والشائعات، وتحريض المتابعين على الكراهية والعنف، وتشويه سمعة الخصوم السياسيين.
1- القنوات الفضائية. 
أبرز القنوات الفضائية اليمنية الاخوانية التي تدعمها قطر والتي باتت مؤخرا تستهدف المجلس الانتقالي الجنوبي وأهدافه المشروعة وكذلك استهداف التحالف العربي بقيادة السعودية والامارات العربية المتحدة هي:
- قناة سهيل الفضائية
وهي الناطق الرسمي لحزب الإصلاح اليمني " اخوان اليمن " بدأت بثها الرسمي في 10 يناير 2010م، وسياستها الإعلامية موالية للإخوان المسلمين، ويتم اتهامها من قبل شباب الثورة اليمنية بالمساهمة في سرقة الثورة لصالح الاخوان المسلمين في اليمن.
- قناة يمن شباب
قناة تم تأسيسها اثناء ما سمي ثورة الربيع العربي بدعم كامل من قبل قطر، وبإشراف مباشر من الاستخبارات القطرية والمسؤول عليها الإصلاحي وسيم القرشي، وهي تنفذ سياسة حزب الإصلاح والاخوان المسلمين في اليمن.
وخلال الاحداث الأخيرة التي شهدتها اليمن بعد عاصفة الحزم تحيزت القناة لحزب الإصلاح وتنظيم الاخوان على حساب قضايا الوطن.
- قناة بلقيس الفضائية :
قناة تم تأسيسها في 2014 بدعم من دولة قطر وتديرها بشكل مباشر الناشطة الإصلاحية توكل كرمان، وتشرف عليها الاستخبارات القطرية.
ويتهمها ناشطون من جنوب اليمن بمعادة قضيتهم والانحياز الكامل لحزب الإصلاح، ومهاجمة قوات التحالف في اليمن.
- قناة رشد :
قناة تم تأسيسها في عام 2012 وبدعم قطري، ويديرها الشيخ عبدالوهاب الحميقاني المتهم بدعم وتمويل الإرهاب، والمصنف ضمن القائمة السعودية الإماراتية المصرية كأحد الممولين للإرهاب، وهي مركزة على الاوضاع في الجنوب  ومتخصصة في مهاجمة الأجهزة الأمنية لصالح الجماعات الإرهابية المتشددة.
وأسس حزب الاصلاح اليمني فرع الاخوان المسلمين باليمن، بدعم قطر شبكة اعلامية فضائية وعشرات المواقع الالكترونية تقوم بكيل الاتهامات لكل من يخالف توجهات الحزب الضيقة وترويج الاكاذيب لا سيما ضد جنوب اليمن ودول التحالف العربي .
2- منصات التواصل الاجتماعي  
"تعتمد جماعة الإخوان المسلمين على استراتيجية مدروسة لاستغلال منصات التواصل الاجتماعي لتحقيق أهدافها. تستهدف هذه الاستراتيجية خلق حالة من الانقسام والاضطراب في المجتمع المستهدف، وذلك من خلال نشر الشائعات والأخبار الزائفة، وتحريض مختلف الفئات الاجتماعية ضد بعضها البعض. وتستغل الجماعة الظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة، مثل الفساد والفقر، لتأجيج المشاعر السلبية لدى الناس وتوجيهها نحو الأهداف التي تريد تحقيقها. كما تعمل على استغلال الهويات المناطقية والقبلية لخلق انقسامات عميقة في المجتمع.
وتهدف هذه الاستراتيجية في النهاية إلى إضعاف مؤسسات الدولة وتقويض تماسك المجتمع، مما يسهل على الجماعة تحقيق أهدافها السياسية. وتستخدم الجماعة في ذلك مجموعة متنوعة من الأدوات، مثل: 
• نشر الأخبار الزائفة والشائعات: يتم نشر أخبار كاذبة وشائعات بهدف إثارة البلبلة والشكوك بين الناس.
• تحريض الكراهية والعنف: يتم تحريض مختلف الفئات الاجتماعية ضد بعضها البعض بهدف خلق حالة من الصراع والعنف.
• تضخيم الخلافات: يتم تضخيم الخلافات القائمة بين مختلف المكونات الاجتماعية والسياسية في المجتمع.
• تكوين شبكات من المؤثرين: يتم بناء شبكات من المؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي لنشر الرسائل المطلوبة.
وباستخدام هذه الأساليب، تسعى جماعة الإخوان المسلمين إلى تحقيق أهدافها في التسلط على السلطة وتغيير النظام السياسي والهيمنة على الجنوب وثرواته.

ثالثاً: الأدوات الأدبية الثقافية:  


لقد كانت الأدوات الثقافية إحدى أهم الوسائل لتصدير ثقافة اليمننة في الجنوبي، وفي هذا المجال قامت القوى اليمنية بتوظيف حركة ثقافية واسعة داخل الجنوب للوصول إلى أهدافها المنشودة، وقامت بتأسيس مؤسسات ثقافية مختلفة. 
إن الصورة التي قدمتها البرامج التلفزيونية الدرامية والسينمائية والفنية الاخوانية طوال ثلاثة عقود من الزمن تركت انطباع سلبي في ذهن المُشاهد الجنوبي، وبالتالي تُساهم في رسهم للصورة الذهنية تجاه القضايا المُناهضة لقضية شعبنا سواء أكانت في الجانب التاريخي أم الاجتماعي أم الثقافي أم الديني أم الفني؛ وهذا من شأنه يؤثر على سلوكياتهم، فضلًا عن أن المُشاهد يضع نفسه لا شعوريًا في موضع الفنانين ويتقبلون الطريقة التي يتصرفون بها والحلول التي تُعرض لمشاكلهم. 
• الأثر الثقافي 
لقد استُغلت الأدوات الثقافية كسلاح ناعم لفرض الهوية اليمنية الشمالية على الجنوب، حيث سعت القوى اليمنية إلى طمس الهوية الثقافية المميزة للجنوب واستبدالها بهوية موحدة. وقد تم ذلك من خلال إنشاء مؤسسات ثقافية وإنتاج محتوى إعلامي يروج لفكرة الوحدة القسرية، مما أدى إلى تآكل الهوية الجنوبية وتشكيل وعي جماعي سلبي تجاه قضيتهم.
دور الإعلام الثقافي في التشكيل النفسي
لعبت وسائل الإعلام الثقافي، ولا سيما الدراما والسينما، دورًا حاسمًا في تشكيل الوعي الجماهيري في الجنوب. فقد تم استغلال هذه الوسائل لنشر روايات تاريخية وصور نمطية تعزز الهوية اليمنية الشمالية وتقلل من شأن الهوية الجنوبية. وقد ساهم هذا في ترسيخ انطباع سلبي لدى الجماهير الجنوبية حول هويتهم وتاريخهم، مما أثر بشكل مباشر على سلوكياتهم وأفكارهم.
استراتيجية تعزيز الهوية الثقافة اليمنية
استخدمت القوى اليمنية الثقافة كأداة لتحقيق أهداف استراتيجية، تتمثل في توحيد اليمن تحت سيطرتها الثقافية والسياسية. وقد تم ذلك من خلال إنتاج محتوى إعلامي يهدف إلى تهميش الهوية الجنوبية وتشويه صورتها، وبالتالي تقويض أي مقاومة لهذا المشروع.
رابعا: منظمات المجتمع المدني  
يعتبر النشاط الخيري والإنساني أحد الركائز التي يعتمد عليها تنظيم الإخوان المسلمين وواجهته السياسية في اليمن حزب التجمع اليمني للإصلاح في التغلغل داخل نسيج المجتمع ومد جذوره في أوساط الجماهير، وفضلاً عن ذلك اتخاذه غطاء لممارسة أنشطة غير مشروعة ولا علاقة لها بالهدف النبيل للعمل الخيري والإنساني.
وفي هذا الصدد يمتلك حزب الإصلاح عددا كبيرا من المنظمات من أهمها: جمعية الإصلاح الخيرية وجمعية الإحسان وجمعية الحكمة، وهي منظمات يتم من خلالها شراء الولاءات والأصوات في الانتخابات واستقطاب الفئات الفقيرة الى عضوية الحزب ومناصريه خروجا عن القانون الخاص بالجمعيات والمنظمات الأهلية والاجتماعية الذي يحرم اتخاذ العمل الخيري والإنساني وسيلة للعمل الحزبي والسياسي.
جمعية الإصلاح الاجتماعية الخيرية، جمعية رحمة الخيرية، مؤسسة الهداية التنموية، جمعية بيت الزكاة الخيرية، مؤسسة نماء للتمويل الأصغر، جمعية بيت الزكاة الخيرية، مؤسسة Cssw YemenK جمعية محو الأمية، مؤسسة الأمل للتنمية الاجتماعية ، مؤسسة الشقائق، مؤسسة بناء، مركز البر الخيرية بمحافظة ذمار، مؤسسة الحق، مركز الخير، مؤسسة رفقاء ، مؤسسة قرة العين، الجمعية الاجتماعية للتنمية، مؤسسة الألفية، مؤسسة يمنات، المنتدى الإنساني، جمعية رحمة الخيرية...."
وقد أكدت عدد من التقارير أن معظم جمعيات الاخوان في اليمن تندرج تحت بند العمل الخيري، عملية تجنيد وتفريخ مقاتلين؛ هدفهم تنفيذ ما يطلب منهم، وبدا ذلك واضحاً، في أكثر من عملية إرهابية، ثبت أنّ منفذها جري تجنيده داخل أحد تلك الجمعيات. 
خامسا: التعليم العالي والعام 
يعاني النظام التعليمي العالي والعام في الجنوب من تدهور كبير في العقود الثلاثة الماضية، لكن الحرب المستمرة شكلت فصلاً إضافيًا في تدهور هذا النظام، والمؤسف جدا أن جماعة الاخوان المسامين فرع اليمن استفادت من هذا الانهيار وسعت ان تستعيد نشاطها بعد أن طردت من صنعاء ومحافظات اليمن في محافظات الجنوب ساعية في تنفيذ استراتيجيتها وهي تسيس التعليم العالي والعام وهذه المشكلة تعود من جديد بعد فترة طويلة من انقطاعها عن مؤسساتنا التعليمية. 
1- الاستثمار في مجال التعليم 
وخلال العشرة السنوات من عمر الحرب ظهرت شبكة المدارس الاخوانية الأكثر انتشارًا وتأثيرًا في محافظات الجنوب لاسيما العاصمة عدن حيث بلغت عدد المدارس 212 مدرسة أهلية معظمها تتبع جماعة الاخوان، وفي المسار نفسه التعليم العالي حيث أصبحت الجامعات الإسلامية في محافظة الجنوب تنافس الجامعات الحكومية وهذا ينذر بكارثة كبيرة قد يتعرض لها الجنوب في المستقبل القريب. 
وفقا لدراسة قامت مؤسسة اليوم الثامن في عام 2023م تشير إلى استثمار جماعة الإخوان بنصيب الأسد من كعكة استثمار التعليم الأساسي والثانوي وفي العاصمة عدن فقط ما نسبته 38 % من الطلاب في العاصمة عدن يدرسون في مدارس أهلية وخاصة معظمها تأسست منذ ما بعد العام 2015م.
وطبقا لمصادر علمية فإن قرابة12000آلاف طالب وطالبة يتلقون تعليمهم في جامعات ومراكز خاصة ويصل متوسط ما يدفعونه من أموال للحصول على التعليم في تلك المراكز نحو 40 مليون دولار سنويا.
- التعليم المؤدي الى التحريض الديني
بعد العام 1994، سيطر جماعة الإخوان على وزارة التعليم، وجرى فتح معاهد ومدارس وجامعات دينية متطرفة حشد إليها الطلاب من جميع مناطق الجنوب والبيضاء ومارب وتعز اليمنية، وخلال 17 عاما تم إنشاء جيل بأكمله ذي نزعة متطرفة تميل للعنف والتطرف والإرهاب، وفي 2014م واندلاع الحرب ضد الجنوب خرج هؤلاء لإقامة دولة إسلاميّة بحسب مفهومها للإسلام، وكان هذا هو الظهور الأول لتلك الجماعات بشكل علني، فأصدر تنظيم داعش تعليمات لعملياته في عدن، بمداهمة من وصفهم بالعملاء والخونة، وجرت اغتيالات لقوات الأمن، وعمليات انتحارية استهدفت مقر حكومة خالد بحاح، وقوات التحالف وغيرها سقط من جراء هذه العمليات الالاف الجرحى والشهداء من أبناء الجنوب.
وعندما بدأ الأمن في جنوب اليمن، وخصوصاً عدن، يستعيد قوته، فرّت الجماعات الإرهابية إلى مناطق أكثر وعورة، مثل: أبين وشبوة، وحتى مأرب والبيضاء، وظهرت منشورات تعلن مبايعة خليفتها الجديد، وتأسيس ما عرف بولاية اليمن.
ويمكن تلخيص الآثار السلبية لاستخدام القوة الناعمة من قبل الإخوان في عدن:
1- التطرف والإرهاب: قد يؤدي استخدام الخطاب الديني المتشدد إلى انتشار التطرف والعنف.
2- الانقسام المجتمعي: قد يؤدي إلى تعميق الانقسامات الطائفية والمذهبية في المجتمع.
3- التدخل في الشؤون الداخلية: قد يتسبب في تدخل قوى خارجية في الشؤون الداخلية للبلاد.
4- تأخير عملية البناء: قد يعطل عملية البناء والتعمير، ويؤخر تحقيق التنمية المستدامة.

المحور الثاني: الأدوات الصلبة لجماعة الإخوان في اليمن

 القوة الصلبة، تشير إلى التكتيكات القسرية: تهديد، أو استخدام القوات المسلحة، أو الضغوط الاقتصادية، أو العقوبات، أو الاغتيالات، أو الخداع، أو غيرها من أشكال التخويف. ترتبط القوة الصلبة عمومًا. وأنماط القوة الصلبة التي انتهجها تنظيم الاخوان المسلمين لممارسة سياسة الهيمنة ضد الجنوب، يمكن تصنيفها بشكل عام إلى الآتي:
 

جدول رقم (2) يوضح معدل تكرار رأي افراد العينة حول شيوع استخدام أدوات القوة الصلبة لفرض الهيمنة على شعب الجنوب

من الجدول أعلاه بين أن أداة القوة العسكرية نالت المرتبة الأولى بنسبة ( 42%) بينما جاءت في المرتبة الثانية أداة القوة الاقتصادية بنسبة( 37%) وفي المرتبة الثالثة جاءت أداة القوة الدبلوماسية والسياسية بنسبة( 21%) وهذا يدل على أن جماعة الاخوان المسلمين فرع اليمن كانت لها حضورا مهيمنا على المجال العسكري والاقتصادي أكثر من المجال السياسي والدبلوماسي وهذا يؤكد طبيعة الحركة ذات التكوين العنيف.   

. القوة العسكرية:

وتعني: التهديد باستخدام القوة: إظهار القدرة العسكرية كوسيلة للردع أو تغيير سلوك، وكذلك تنظيم العروض العسكرية والمناورات لإظهار القوة العسكرية وتأثيرها النفسي، وأما استخدامها للتدخل في شؤون الداخلية؛ لتحقيق أهداف سياسية. وقد استخدمت الجماعة كل أنواع القوة العسكرية ضد دولة وشعب الجنوب.

- الاغتيالات: 

- الحرب النفسية:

- المواجهة المباشرة في صيف 94م 

- وحرب التنظيمات الإرهابية حتى اللحظة. 

2. القوة الاقتصادية:

وتعني: فرض الحصار والعقوبات الاقتصادية من خلال عدد من الإجراءات نحو فرض قيود على التجارة والاستثمارات والخصخصة والنهب والتعطيل والتدمير بغرض تنفيذ العقاب والهيمنة المطلقة أو استخدام المساعدات المالية كوسيلة للتأثير وكسب الولاءات سواء أكانت لأشخاص أم مؤسسات؛ لغرض تنفيذ سياسات معينة. وقد تجلت معظم تلك السياسات لدى جماعة الاخوان ضد شعب الجنوب:

- الخصخصة والنهب والتدمير للمؤسسات الإنتاجية والتجارية في الجنوب.

- فرض قيود وشروط تعرقل عملية الاستثمار للرأس المال الجنوبي

- كسب الولاءات الشخصية والمؤسسية 

- استخدام أدوات اقتصادية مثل إغراق الأسواق بالسلع المنافسة للصناعات المحلية

3. القوة السياسية والدبلوماسية:

ويعني الضغط السياسي والدبلوماسي، من خلال استخدام القنوات السياسية والدبلوماسية لممارسة الضغط على القيادات السياسية والمكونات الجنوبية؛ لتحقيق أهداف سياسية. وقد تجلى هذا النمط لدى جماعة الاخوان في الاتي:

  • تضييق الخناق على المعارضين السياسيين الجنوبين في الداخل والخارج.  
  • بناء التحالفات السياسية بغرض التهميش والاقصاء.
  •  التدخل في الشؤون الداخلية للمكونات الجنوبية السياسية والثورية وعرقلة التغييرات السياسية داخل بنية المجتمع الجنوبي. 

الأثر على النسيج الاجتماعي والاستقرار السياسي

  1. تمزيق النسيج الاجتماعي وزعزعة الاستقرار السياسي.
  2. تعميق الانقسامات الحزبية والمناطقية والقبلية.
  3. نشر ثقافة الكراهية والعداء بين مختلف فئات المجتمع الجنوبي.
  4. تقويض الثقة بين المواطنين وقياداتهم السياسية والأمنية.
  5. تهديد الاستقرار السياسي في الجنوب والمنطقة. 
  6. زعزعة الأمن والاستقرار في العاصمة عدن ومحافظات الجنوب الأخرى.
  7. عرقلة جهود استعادة مؤسسات الدولة الجنوبية.
  8. إضعاف المؤسسات الحكومية في العاصمة عدن.

الخاتمة:

تبين لنا مما سبق أن جماعة الإخوان المسلمين من أبرز القوى الفاعلة في الساحة اليمنية، وخاصة في مدينة عدن، حيث استخدمت مجموعة متنوعة من أدوات القوة الناعمة للتأثير على الرأي العام وتوجيه الأحداث لصالحها. فهي تسعى إلى دور ريادي في الجنوب من خلال استراتيجية الهيمنة التي تنبع مصادرها من المبادئ الرئيسة لجماعة الاخوان الدولية، وتوظف جميع أدواتها الناعمة والصلبة؛ لتحقيق هذه الأهداف. وقد تبين أن القوى اليمنية استخدمت أدوات القوة الناعمة والصلبة معا كسلاح ناعم لترويج فكرة الوحدة اليمنية وطمس الهوية الجنوبية. تم ذلك من خلال مقاربتين رئيسيتين: الأولى هي فرض نموذج ثقافي يمني واحد على جميع مناطق البلاد، والثانية هي تأكيد على أن صنعاء هي المركز الحضاري وأن الجنوب هو جزء تابع لها، وسعت إلى طمس الهوية الجنوبية بالقوة العسكرية وفرض نموذج ثقافي موحد يركز على الهوية اليمنية الشمالية، ويقلل من شأن التنوع الثقافي في الجنوب.

التوصيات:

تعد القوة الناعمة والصلبة من أهم الأدوات التي تستخدمها الدول في تحقيق أهدافها الخارجية. وتعتمد فعالية هذه الأدوات على مجموعة من العوامل المتداخلة، بما في ذلك السياق السياسي والثقافي والاقتصادي. وفيما يلي بعض التوصيات لتعزيز استخدام هاتين القوتين في السياسات الخارجية:

أولا: تعزيز القوة الناعمة:

  • الاستثمار في الثقافة والتعليم:
  • دعم الإنتاج الثقافي والفني في الجنوب، وتشجيع التبادل الثقافي مع الدول الصديقة.
  • تطوير نظام تعليمي عالي الجودة يركز على المهارات اللغوية والثقافية.
  • دعم البرامج التي تروج للصورة الإيجابية للبلاد في الخارج.
  • دعم المنظمات غير الحكومية العاملة في مجالات التنمية والتعاون الدولي.
  • تشجيع الحوار بين المجتمع المدني والحكومة.
  • تعزيز مشاركة المجتمع المدني في صياغة السياسات الخارجية.
  • استخدام وسائل الإعلام المختلفة لنشر رسائل إيجابية عن البلاد.
  • تنظيم الفعاليات الثقافية والرياضية الدولية.
  • تعزيز التعاون مع وسائل الإعلام الأجنبية.
  • تسويق المواقع الأثرية والتاريخية والثقافية.
  • تسهيل إجراءات الحصول على التأشيرات السياحية.
  • تطوير البنية التحتية السياحية.
  • الاستثمار في التكنولوجيا العسكرية وتدريب القوات المسلحة.
  • تطوير صناعة دفاعية وطنية.
  • المشاركة في العمليات العسكرية الدولية ضمن التحالفات.
  • تشجيع الاستثمار الأجنبي المباشر.
  • تنويع مصادر الدخل.
  • تطوير البنية التحتية.
  • إبرام اتفاقيات التجارة الحرة.
  • المشاركة في المنظمات الاقتصادية الدولية.
  • مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة.
  • حماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية.
  • بناء علاقات قوية مع المجتمع المدني:
  • تعزيز الدبلوماسية العامة:
  • تطوير السياحة الثقافية:

ثانيا: تعزيز القوة الصلبة:

  • بناء جيش قوي وحديث:
  • تعزيز الاقتصاد الوطني:
  • تطوير العلاقات الاقتصادية مع الدول الأخرى:
  • الحفاظ على الأمن والاستقرار الداخلي:

تحقيق التوازن بين القوة الناعمة والصلبة:

  • الربط بين القوتين:يجب أن تكون القوة الناعمة والصلبة متكاملتين، حيث تدعم كل منهما الأخرى.
  • التكيف مع التغيرات:يجب أن تكون السياسات الخارجية مرنة وقادرة على التكيف مع التغيرات في البيئة الدولية.
  • الاستفادة من التكنولوجيا:يجب الاستفادة من التكنولوجيا الحديثة في تعزيز القوة الناعمة والصلبة.
  • التركيز على المصالح الوطنية:يجب أن تكون جميع السياسات الخارجية موجهة نحو تحقيق المصالح الوطنية.

المصادر والهوامش

قائمة المصادر والمراجع: أبو حلاوة، كريم. (2016). سياسيات القوة الذكية ودورها في العلاقات الدولية. مركز دمشق للأبحاث والدارسات.

  1.   عبد العزيز، حامد بن. (2006). أثر القوة في العلاقات الدولية. رسالة ماجستير، كلية الدراسات الاقتصادية والاجتماعية، جامعة الخرطوم.
  2. عبدو، باسم. (ن.د). القوة الناعمة والقوة الصلبة. جريدة النور، العدد 716. متاح على الرابط: [تمت إزالة عنوان URL غير صالح] الناعمة-والقوة-الصلبة#.VwhhUaz41m
  3. جلال معوض، علي. (2019). مفهوم القوة الناعمة وتحليل السياسة الخارجية. الإسكندرية: مركز الدراسات الاستراتيجية. 
  4. حسام الدين. (2013). القوة الناعمة والدور في العلاقات الدولية. مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية.
  5. الاستراتيجية الامريكية في المنطقة مشروع الشرق الأوسط الكبير. (2004). مركز الكاشف للدراسات الاستراتيجية. 
  6. Nye, Joseph S. (1990). Bound to Lead: The Changing Nature of American Power. New York: Basic Books. 
  7. Nye, Joseph S. (2004). Soft Power: The Means to Success in World Politics. New York: Public Affairs. 
  8. Walker, Christopher. (2018, فبراير 1). "The Point of Sharp Power". Project Syndicate. تم الوصول إليه في 6 مارس 2019، متاح على: https://bit.ly/3b3mDlf
  9. تقرير: حزب الإصلاح (إخوان اليمن).. مصدر الإرهاب والعربدة في اليمن
  10. موقع شبوة برس 
  11. مصادر :  ([1] Joseph S. Nye, Bound to Lead: The Changing Nature of American Power, (New York: Basic Books, 

1990), p.28.

[1] -( حسام الدين ، القوة الناعمة والدور في العلاقات الدولية ، مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية،2013

[1] ) كريم أبو حلاوة، سياسيات القوة الذكية ودورها في العلاقات الدولية، مركز دمشق للأبحاث والدارسات، 2016، ص5

[1] )Joseph S. Nye, Soft Power: The Means to Success in World Politics, (New York: Public Affairs, 

2004), p. 5.

[1]) علي جلال معوض) 2019(. مفهوم القوة الناعمة وتحليل السياسة الخارجية، الطبعة الأولى) الإسكندرية: مركز الدراسات الاستراتيجية ،2019(، ص 22.

[1]) الاستراتيجية الامريكية في المنطقة مشروع الشرق الاوسط الكبير، 2004، مركز الكاشف للدراسات الاستراتيجية ص 3

[1] (حامد بن عبد العزيز ، أثر القوة في العلاقات الدولية رسالة ماجيستير، كلية الدراسات الاقتصادية والاجتماعية، جامعة الخرطوم ،2006

[1]) باسم عبدو ، القوة الناعمة والقوة الصلبة ، جريدة النور العدد 716 متاح على الرابطة http://www.an-nour.com/الأولى/خيط-من-نور/item/1770-القوة-الناعمة-والقوة-الصلبة#.VwhhUaz41mx 

[1] Christopher Walker, “The Point of Sharp Powe”, Project Syndicate, Feb 1, 2018, ( accessed March 6, 2019, available at: https://bit.ly/3b3mDlf  10 Ibid.

[1]) تقرير: حزب الإصلاح (إخوان اليمن).. مصدر الإرهاب والعربدة في اليمن https://www.aljaridapost.com/site/?p=12797

[1] https://shabwaah-press.info/news/44076#:(