جرائم حرب محتملة..
انتهاكات قانونية ومآسي إنسانية: تحديات السياسة الأميركية في ظل الحرب على غزة
بينما تقترب الحرب في غزة من إتمام عامها الأول، تتصاعد المخاوف في الشرق الأوسط من اندلاع نزاع أوسع، حيث تكشف رسائل أميركية عن صراع إدارة بايدن للمواءمة بين القلق المتزايد حول ارتفاع أعداد القتلى في غزة ودعمها العلني لإسرائيل.
مع اقتراب حرب غزة من إتمام عامها الأول، يتأرجح الشرق الأوسط على شفا حرب أوسع نطاقًا، بينما تكشف رسائل ومراسلات أميركية عن صراع إدارة بايدن في التوازن بين المخاوف الداخلية بشأن ارتفاع أعداد القتلى في غزة ودعمها العلني لإسرائيل.
في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بينما كانت إسرائيل تقصف شمال قطاع غزة وتطلب إجلاء أكثر من مليون فلسطيني، أرسلت دانا سترول، نائبة مساعد وزير الدفاع الأميركية لشؤون الشرق الأوسط آنذاك، تحذيرًا صريحًا للبيت الأبيض. في رسالة بالبريد الإلكتروني بتاريخ 13 أكتوبر، أبلغت سترول كبار مساعدي الرئيس جو بايدن أن النزوح الجماعي قد يتسبب في كارثة إنسانية وينتهك القانون الدولي، مما يعرض إسرائيل لاحتمالية اتهامات بارتكاب جرائم حرب. وأضافت أن تقييماً للجنة الدولية للصليب الأحمر "جمد الدماء في عروقها".
تظهر مجموعات من الرسائل المتبادلة عبر البريد الإلكتروني بين كبار المسؤولين في الإدارة الأميركية، من 11 إلى 14 أكتوبر، قلقًا مبكرًا في وزارة الخارجية والبنتاغون حول أن ارتفاع عدد القتلى في غزة قد يمثل انتهاكًا للقانون الدولي، مما يهدد العلاقات الأميركية مع العالم العربي. كما تكشف الرسائل عن ضغوط داخلية في إدارة بايدن لتحويل رسالتها من التضامن مع إسرائيل إلى التعاطف مع الفلسطينيين وضرورة السماح بدخول مزيد من المساعدات الإنسانية إلى غزة.
على الرغم من مرور أشهر من المفاوضات برعاية الولايات المتحدة، لا يزال التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بعيد المنال. وقد تعرض جزء كبير من غزة للدمار، بينما تلوح في الأفق خطر نشوب حرب إقليمية مع إيران، بعد الهجمات التي شنتها إسرائيل على لبنان واغتيال حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله المدعوم من طهران، والهجمات الصاروخية الإيرانية على إسرائيل.
يعتقد مسؤولون كبار في إدارة بايدن أن الضغوط التي مارسها البيت الأبيض على حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في الأيام الأولى من الحرب قد أحدثت فرقًا ومنعت وقوع كارثة أسوأ. وفي أحاديث خاصة، طلب البيت الأبيض من إسرائيل تأجيل هجومها البري لمنح منظمات الإغاثة المزيد من الوقت لإعداد المساعدات للنازحين، كما أعطى إسرائيل وقتًا أكبر للتوصل إلى اتفاق مع حماس، وفقًا لما ذكره مسؤولون في الإدارة للصحفيين في إفادات غير علنية.
ومع ذلك، قال ثلاثة مسؤولين أميركيين كبار شاركوا في عملية صنع القرار إن واشنطن كانت بطيئة في التعامل مع معاناة الفلسطينيين. ورغم أن الغزو البري تأخر في نهاية المطاف حوالي عشرة أيام، عزا المسؤولون ذلك التأخير إلى الاستعدادات العملياتية للجيش الإسرائيلي أكثر من الضغوط الأميركية. وأكد البيت الأبيض أنه قبل "تدخل الولايات المتحدة، لم يكن هناك طعام أو ماء أو دواء يدخل إلى غزة".
تجري التحقيقات بشأن ارتكاب قادة في إسرائيل وحماس جرائم حرب عقب الهجمات التي شنتها الحركة الفلسطينية. ففي يونيو/حزيران، خلصت لجنة تابعة للأمم المتحدة إلى وجود أدلة موثوقة على أن حماس وجماعات فلسطينية مسلحة أخرى ارتكبت جرائم حرب تشمل التعذيب واحتجاز رهائن، كما وجدت اللجنة أدلة على ارتكاب إسرائيل جرائم حرب نتيجة لاستخدامها قنابل ضخمة في غزة خلال الأشهر الأولى من الحرب.
تواجه إدارة بايدن والحملة الرئاسية لنائبة الرئيس كامالا هاريس تحديات بين مجموعتين انتخابيتين قويتين: الديمقراطيون المؤيدون لإسرائيل والتقدميون الأصغر سنًا الداعمون للفلسطينيين. وتحدثت هاريس عن اتهامات بالتواطؤ في جرائم حرب محتملة بسبب الصمت على أفعال إسرائيل ضد المدنيين.
في الوقت نفسه، قال منافس هاريس عن الحزب الجمهوري، الرئيس السابق دونالد ترامب، إنه سيحسم الحرب سريعًا إذا فاز في الانتخابات الرئاسية المقررة في نوفمبر/تشرين الثاني، دون أن يتطرق لتفاصيل كيفية تحقيق ذلك. ومع ذلك، يعتقد محللو السياسة الخارجية أنه من غير المحتمل أن تؤدي الانتخابات إلى تغيير كبير في السياسة الأميركية تجاه إسرائيل، نظرًا لدعم كلا الحزبين الطويل الأمد لها.
تشير الرسائل البريدية التي راجعتها "رويترز" إلى محاولات حثيثة داخل إدارة بايدن لتحذير البيت الأبيض من الأزمة الوشيكة، مع مقاومة مبدئية من البيت الأبيض لدعوات وقف إطلاق النار خلال الأيام الأولى من الحرب. تزايدت المخاوف داخل الإدارة بشأن صورة الولايات المتحدة في نظر حلفائها العرب بعد استهداف الغارات الجوية الإسرائيلية للمستشفيات والمدارس والمساجد في غزة.
في 11 أكتوبر، أبلغ بيل روسو، كبير مسؤولي شؤون الدبلوماسية العامة في وزارة الخارجية الأميركية، كبار المسؤولين بأن واشنطن "تفقد مصداقيتها بين الجماهير الناطقة بالعربية" لعدم تعاملها مع الأزمة الإنسانية بشكل مباشر، مع إعلان السلطات الصحية في غزة عن مقتل نحو 1200 شخص. بينما دافعت إسرائيل عن الضربات، مدعية أن حماس تستخدم المباني المدنية لأغراض عسكرية، أشار روسو إلى تقارير إعلامية عربية تتهم إسرائيل بشن "إبادة جماعية" وواشنطن بالتواطؤ في جرائم حرب.
في ذلك الوقت، كانت فرق الطوارئ تكافح لإنقاذ السكان المدفونين تحت الأنقاض بسبب الغارات الجوية الإسرائيلية، مما أدى إلى تحول تعاطف الدول من الإسرائيليين القتلى إلى المدنيين الفلسطينيين المحاصرين. حث روسو كبار المسؤولين في الوزارة على التحرك سريعًا لتغيير موقف الإدارة المعلن المتمثل في الدعم غير المشروط لإسرائيل، محذرًا من أن عدم عكس هذا المسار قد يضر بموقف الولايات المتحدة في المنطقة لسنوات قادمة.
تواصل باربرا ليف، كبيرة الدبلوماسيين المعنيين بشؤون الشرق الأوسط في وزارة الخارجية الأميركية، نقل رسالة روسو إلى مسؤولي البيت الأبيض، محذرة من أن العلاقة مع الشركاء العرب معرضة للخطر. رغم ذلك، أكد بريت ماكجورك، كبير مستشاري بايدن لشؤون الشرق الأوسط، أن الإدارة لا تنوي دعوة لوقف إطلاق النار، لكنها تؤيد دعم الممرات الإنسانية وحماية المدنيين.
وبعد يومين من رسالة روسو، في 13 أكتوبر، ألقت الطائرات الإسرائيلية منشورات على شمال غزة تأمر مليون شخص بمغادرة منازلهم. في حين أصدرت اللجنة الدولية للصليب الأحمر بيانًا ضد الأمر الإسرائيلي، مشيرة إلى أن ذلك لا يتوافق مع القانون الدولي الإنساني لأنه سيقطع الغذاء والمياه عن غزة.
وفي محادثة هاتفية، كانت سترول في 13 أكتوبر مع فابريزيو كاربوني، المدير الإقليمي للشرق الأوسط باللجنة، واضحة، مشيرة إلى أن اللجنة ليست مستعدة لتوجيه اللوم علنًا، لكنها تحذر في أحاديث خاصة من أن إسرائيل تقترب من ارتكاب جرائم حرب.
وأكد ماكجورك في رسالة بالبريد الإلكتروني أنه قد يكون من الممكن إقناع إسرائيل بتمديد مهلة إجلاء الفلسطينيين لأكثر من 24 ساعة. بينما كانت جهود الإغاثة تواجه صعوبات في تأمين طرق آمنة للخروج من غزة المكتظة بالسكان، أكدت توفرو، المسؤولة الكبيرة في البيت الأبيض، أن الوضع يتطلب شهورًا من التحضير لضمان توفير الخدمات الأساسية لأكثر من مليون شخص، محذرة من أن الوضع لن يُحل بسرعة.