ألقت نظرة على الديموغرافيا خلال مائة عام..

"اليوم الثامن": التغير الديمغرافي في الجنوب نتيجة متداخلة لعوامل سياسية واقتصادية واجتماعية معقدة

شددت الدراسة على ضرورة الاستثمار في تطوير البنية التحتية والخدمات العامة، بما يتناسب مع الزيادة السكانية ويضمن تقديم خدمات متكاملة للسكان، وإدماج المجتمع الجنوبي في وضع السياسات السكانية، ليشعروا بأن هويتهم الثقافية مصانة وأنهم جزء من اتخاذ القرار

دور التغير الديمغرافي في تعزيز أو تقويض الهوية الوطنية في الجنوب العربي - أرشيف

د. صبري عفيف
كاتب وباحث في الشؤون السياسية والأمنية، نائب رئيس التحرير ورئيس قسم البحوث والدراسات في مؤسسة اليوم الثامن للإعلام والدراسات،
عدن

ألقت دراسة بحثية صادرة عن مؤسسة اليوم الثامن للإعلام والدراسات، ونشرتها مجلة بريم، الضوء على "التغير الديموغرافي في الجنوب العربي خلال مائة عام"، والتغيرات السكانية وتداعياتها على الهوية والثقافة والمجتمع، والآليات والسياسات التي اتبعتها بعض القوى اليمنية لتحقيق هذا التغيير.

وخلصت الدراسة التي أعدها – د. صبري عفيف المدير التنفيذي- إلى أن معدلات النزوح والهجرة صوب البلاد في تزايد مستمر منذ عقود، وهو ما أدلى الى احداث تغييرات في التركيبة السكانية والثقافية.

 ولفتت الدراسة إلى أن موجات الهجرة والنزوح المكثفة أدت إلى تصاعد التوترات بين السكان المحليين والجماعات الجديدة، حيث ساهم ارتفاع أعداد السكان الجدد في ضغط على الموارد والخدمات العامة، خاصة في مجالات التعليم والصحة.

وقالت الدراسة ان قوى وأحزاب يمنية سعت للتأثير على الهوية الجنوبية من خلال تغيير السياسات التعليمية والإعلامية، بما يهدف إلى تعزيز الثقافة اليمنية في الجنوب.

 وأوصت الدراسة بضرورة تبني سياسات تضمن التوازن الديموغرافي بما يحفظ الهوية الجنوبية ويعزز الاستقرار، مع التركيز على تطوير برامج تسهم في تعزيز التفاهم والتعايش بين المجتمعات المحلية والجماعات الوافدة، ومعالجة الضغط على الخدمات العامة عبر توسيع البنية التحتية في المدن والمناطق المتأثرة بموجات النزوح.

وأكدت على أهمية وجود ضمان أن تكون سياسات توطين النازحين متوافقة مع حاجة المنطقة وتحفظ التوازن الاجتماعي والسياسي.

وأشارت الدراسة إلى أن التغير الديمغرافي في الجنوب هو نتيجة متداخلة لعوامل سياسية واقتصادية واجتماعية معقدة، مثل الصراعات المسلحة، والهجرة القسرية، والسياسات الحكومية غير العادلة. هذه العوامل مجتمعة أدت إلى اختلال في التوزيع السكاني، وتغيير في التركيبة الاجتماعية والثقافية، وتفاقم الفقر والبطالة. وقد ترتب على ذلك العديد من الآثار السلبية، منها تفاقم الصراعات، وتدهور الخدمات الأساسية، وتآكل التماسك الاجتماعي، وتراجع الهوية الثقافية.  

وأكدت الدراسة أن الصراعات الطويلة بين اليمن والجنوب قد لعبت دوراً حاسماً في التغيير الديمغرافي في الجنوب، حيث أدت هذه الصراعات إلى نزوح جماعي للسكان وتغيير في التركيبة السكانية للعديد من المناطق. بالإضافة إلى ذلك، فإن السياسات الحكومية المتعاقبة، والتي غالباً ما كانت تمييزية، قد ساهمت في تفاقم هذه المشكلة. هذه السياسات أدت إلى تهميش مناطق معينة وحرمانها من الخدمات الأساسية، مما دفع بالكثير من السكان إلى الهجرة بحثاً عن حياة أفضل."

 ويعد التغير الديمغرافي في الجنوب من أبرز القضايا التي أثرت بشكل مباشر على الاستقرار السياسي والاجتماعي في المنطقة. ترتبط هذه التحولات الديمغرافية بالصراعات الطويلة بين اليمن والجنوب، والتي امتدت لعقود من الزمن، حيث تم استخدام استراتيجيات التوطين وإعادة التوزيع السكاني كوسيلة لتعزيز النفوذ والسيطرة السياسية في الجنوب. 

وأشارت الدراسة الديمغرافية إلى أن سياسات التوطين كانت وسيلة فعالة للهيمنة السياسية في الجنوب، حيث تم تنظيم هجرات واسعة من اليمن إلى الجنوب بهدف تغيير التركيبة السكانية، خاصة بعد التوحيد الذي حصل في عام 1990. ساعدت هذه السياسات في تحقيق تأثير سياسي واقتصادي للنخبة الحاكمة، مما أدى إلى تغيير ميزان القوى بين الشمال والجنوب لصالح الحكومة المركزية.

وتمثل الهجرات المنظمة من اليمن إلى الجنوب تهديدًا للهوية الثقافية الجنوبية، حيث يسود اعتقاد واسع بين المجتمعات الجنوبية بأن الهوية الثقافية الأصلية للمنطقة مهددة بفعل التدفق السكاني المستمر. يعد هذا التهديد جزءاً من خطة أوسع لتغيير التركيبة السكانية في الجنوب، مما يخلق توترات اجتماعية وسياسية كبيرة بين السكان الأصليين والوافدين. ويزيد هذا من مخاوف الجنوبيين من فقدان التراث الثقافي والهوية التي تعزز الانتماء لمجتمعهم.

 وتسببت التحركات السكانية الناتجة عن سياسات التوطين في ضغوط كبيرة على البنية التحتية في الجنوب، بما في ذلك القطاعات الصحية والتعليمية. فقد أدى ارتفاع عدد السكان إلى تحديات تتعلق بتوفير الخدمات الأساسية للسكان، وتفاقمت المشكلات نتيجة لعدم كفاية المرافق العامة لاستيعاب هذا العدد المتزايد من السكان، مما أدى إلى تدهور مستوى الخدمات وتأثر جودة الحياة.

إن استراتيجيات إعادة التوزيع السكاني ودورها في الصراع الاجتماعي، حيث ساهمت سياسات إعادة التوزيع السكاني في تفاقم الصراع الاجتماعي في الجنوب، حيث أدت التحركات السكانية المنظمة إلى نشوب توترات بين السكان الأصليين والوافدين من الشمال. يرى الجنوبيون أن هذه التحركات تسهم في طمس الهوية الجنوبية، وتعمل على تغيير التوزيع السكاني بما يخدم مصالح سياسية واقتصادية معينة، مما أدى إلى زيادة النزاعات الداخلية حول الموارد والهوية.

 ولتحقيق توازن ديمغرافي مستدام يعزز من الاستقرار الاجتماعي والسياسي في الجنوب، يوصي التقرير بتبني مجموعة من الاستراتيجيات منها مطالبة الحكومة بضرورة ضمان تعزيز سياسات التوطين بما يضمن احترام الهويات الثقافية للسكان الأصليين، والعمل على تقليل الهجرات العشوائية.

وشددت الدراسة على ضرورة الاستثمار في تطوير البنية التحتية والخدمات العامة، بما يتناسب مع الزيادة السكانية ويضمن تقديم خدمات متكاملة للسكان، وإدماج المجتمع الجنوبي في وضع السياسات السكانية، ليشعروا بأن هويتهم الثقافية مصانة وأنهم جزء من اتخاذ القرار.

وطالبت بضرورة السعي للتعاون مع المنظمات الدولية لتحقيق حلول مستدامة للتحديات الديمغرافية، وتقديم الدعم اللازم للحد من النزاعات الناتجة عن السياسات السكانية.

وتعد استراتيجيات التوطين وإعادة التوزيع السكاني في الجنوب من القضايا الحساسة التي أثرت بشكل كبير على التركيبة السكانية في المنطقة. هذه السياسات، التي تهدف إلى تعزيز النفوذ السياسي، أسهمت في خلق تحديات كبيرة، أبرزها تهديد الهوية الثقافية وزيادة التوترات الاجتماعية. ومن المهم تبني سياسات شاملة ومتوازنة تسهم في تحقيق الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي، والحفاظ على الهوية الجنوبية ضمن بيئة تعزز من الانتماء والتكامل بين مختلف المجتمعات المحيطة.