دور سعودي جديد في سوريا..
الأمير فيصل بن فرحان يزور دمشق.. صفحة جديدة في العلاقات السعودية السورية
السعودية تقول «لا يوجد سقف محدد» للمساعدات التي ترسلها إلى دمشق عبر جسرين؛ بري وجوي، إذ ستبقى مفتوحة حتى تحقيق أهدافها على الأرض في سوريا باستقرار الوضع الإنساني، وفق توجيهات قيادة المملكة؛ للتخفيف من معاناة المتضررين.
وصل وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، الجمعة، إلى دمشق في زيارة هي الأولى من نوعها منذ سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر 2024، حيث التقى قائد الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع. وتأتي الزيارة في إطار جولة إقليمية شملت بيروت، وسط مؤشرات على سعي السعودية لتعزيز نفوذها الإقليمي في مرحلة ما بعد انهيار النفوذ الإيراني في سوريا ولبنان.
ويعتقد المراقبون أن المملكة ستراعي في دورها الإقليمي، الذي يمكن أن يتشكل في لبنان وسوريا، عدم استفزاز إيران بأي شكل، وأنها ستستمر في الحوار معها حتى لو أثار ذلك حفيظة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي اختار ممارسة ضغوط قصوى على طهران.
صحيح أن لبنان دون نفوذ حزب الله سيكون أفضل للسعوديين، وهو يتماشى مع النصائح التي سبق أن أسدتها الرياض للمسؤولين اللبنانيين، لكن السعودية ستظل تتعامل مع المشهد اللبناني باحتراز، وفي ذهنها أن هؤلاء المسؤولين يمكن أن يغيروا مواقفهم إذا استعاد حزب الله وحركة أمل نفوذهما، وهو ما يجعل الحضور السعودي حذرا ويركز على تقديم الدعم للبنان من أجل إعادة بناء المؤسسات وخاصة العسكرية والأمنية، وضخ أموال لتنشيط الاقتصاد والسياحة من دون التزامات بعيدة المدى.
وكانت الرياض قد لعبت دورا محوريا، عبر مبعوثها الخاص الأمير يزيد بن فرحان، في حل معضلة الشغور الرئاسي الذي عانى منه لبنان لأكثر من عامين، والضغط من أجل انتخاب جوزيف عون. وقال وزير الخارجية السعودي في حديثه في منتدى دافوس الثلاثاء إن بلاده تعتبر انتخاب رئيس لبناني بعد فراغ دام أكثر من عامين شيئا إيجابيا للغاية. وأعرب عن أمله في تشكيل حكومة لبنانية جديدة “في المستقبل غير البعيد.”
ويميل السعوديون في تحركهم الإقليمي إلى تقديمه في صورة السعي لمساعدة اللبنانيين والسوريين على الخروج من المحنة، بهدف خفض سقف الرهانات على حيز التحرك السعودي وعدم إثارة ضجة حوله. لكن متابعين للشأن السعودي يشيرون إلى أن الحذر السعودي المبالغ فيه، وعدم الرغبة في الاستثمار السياسي المعلن للدعم والمساعدات، قد يفقدان الرياض فرصة المبادرة في التوقيت المطلوب.
وليس معروفا ما إذا كان حيز التأثير الإقليمي الذي تبحث عنه السعودية سيشمل دولا أخرى غير لبنان وسوريا، مثل الأردن الذي مازال ينتظر دعما سعوديا فعالا لمساعدته على الخروج من الأزمة الاقتصادية وحماية أمنه القومي من تأثيرات حرب غزة.
ويتساءل المتابعون عن مدى قدرة الرياض على الاستفادة من ارتباك الدور الإيراني في العراق وسعي حكومة محمد شياع السوداني إلى دعم استقلالها عن نفوذ إيران والفصائل الموالية لها، مشيرين إلى تراجع الاهتمام السعودي بالعراق عقب بدء الحوار مع إيران في السنتين الأخيرتين.
أما بالنسبة إلى سوريا فإن السعودية لا تريد أن تتخلف عن موجة التضامن مع السوريين ودعمهم، كما لا تريد ترْك الملعب السوري أمام تركيا وقطر للتحرك بحرية أكبر، مع معرفتها بأن السوريين محتاجون إلى دعم عاجل وواسع، وإذا لم تساهم في هذا الدعم أو جاءت متأخرة فستجد أن الملف بات بعيدا عنها وفي أيدي الأتراك والقطريين.
وهذه أول زيارة يقوم بها وزير الخارجية السعودي إلى سوريا منذ سقوط نظام بشار الأسد في الثامن من ديسمبر 2024 ووصول فصائل متشددة معارضة إلى الحكم في سوريا. وأعربت السلطات السورية الجديدة عن رغبتها في فتح صفحة جديدة في العلاقات مع السعودية التي زارها وزير الخارجية أسعد الشيباني مطلع يناير الجاري في أول زيارة خارجية له.
وخلال مقابلة مع قناة العربية السعودية في ديسمبر توقع قائد الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع أن يكون للمملكة العربية السعودية “دور كبير جدا” في سوريا حيث يمكن أن تستفيد من “فرص استثمارية كبرى” بعد سقوط نظام الأسد. وقال “بالتأكيد السعودية سيكون لها دور كبير في مستقبل سوريا. الحالة التنموية التي نسعى إليها أيضا سيكونون (السعوديون) أيضا شركاء فيها.”
وكشف أنه ولد في السعودية حيث كان يعمل والده في ذلك الوقت، وعاش فيها بضع سنوات في بداية حياته. ودعت السعودية في وقت سابق من يناير إلى رفع العقوبات عن سوريا، في ختام اجتماع لوزراء خارجية ودبلوماسيين من الشرق الأوسط وأوروبا مخصص لمناقشة الوضع في سوريا.
وقال الأمير فيصل بن فرحان آنذاك “أكدت أهمية رفع العقوبات الأحادية والأممية المفروضة على سوريا،” محذرا من أن “استمرارها سيعرقل طموحات الشعب السوري الشقيق في تحقيق التنمية وإعادة البناء.” وتأمل الإدارة الجديدة خصوصا في الحصول على دعم المملكة في إعمار سوريا التي دمّر اقتصادها وبنيتها التحتية بفعل نزاع استمر أكثر من 13 عاما.
وقطعت السعودية، على غرار دول خليجية أخرى، علاقاتها الدبلوماسية مع سوريا وأغلقت سفارتها في فبراير 2012، احتجاجا على استخدام دمشق القوة في قمع احتجاجات شعبية اندلعت عام 2011 وسرعان ما تحولت إلى نزاع مدمر.
وقدمت السعودية إلى جانب قطر، خصوصا في السنوات الأولى للنزاع، دعما للمعارضة السياسية والمسلحة، ودعت إلى ضرورة تغيير الحكم في سوريا، لكنّ تغييرا طرأ على العلاقات بين البلدين في السنوات الأخيرة، وعادت الزيارات واللقاءات بين مسؤولي دمشق والرياض. وأعلن البلدان استئناف علاقاتهما الدبلوماسية الكاملة في أكتوبر 2023، قبل أن تسمي الرياض سفيرا في دمشق في مايو 2024.