الصراع الفلسطيني الاسرائيلي..
حرب غزة.. صراع الصورة بين حركة حماس وإسرائيل على خلفية كارثة إنسانية
تقارير أممية كشفت حجم الكارثة التي أعادت غزة 60 عاماً إلى الوراء، بينما يثير مقترح ترامب لنقل سكان القطاع إلى مصر والأردن جدلاً واسعاً، في ظل تعقيدات إنسانية وسياسية متفاقمة.
حرصت حركة حماس على تقديم صورة المنتصر سياسياً وأخلاقياً خلال إطلاق سراح أربع مجندات إسرائيليات، حيث ظهرت الرهينات وهن يرفعن أياديهن بابتسامات تعبيراً عن الفرح، وسط مشهد احتفالي ضخم في غزة. هذا العرض أثار انتقادات واسعة من مراقبين فلسطينيين أكدوا أن حماس تسعى لتحقيق "نصر الصورة" للتغطية على الخسائر الميدانية الفادحة التي لحقت بالقطاع.
الرهينات، كارينا أرئيف، دانييلا جلبوع، نعمة ليفي، وليري إلباج، أُسرن خلال هجوم نفذته حماس على قاعدة عسكرية إسرائيلية قرب حدود غزة في أكتوبر 2023. وتم إطلاق سراحهن بعد أكثر من عام من الاحتجاز، وسط استعراض عسكري لمقاتلي حماس والجهاد الإسلامي الذين حضروا بكامل لباسهم المسلح، بينما احتشد الآلاف من سكان غزة ملوحين بالعلم الفلسطيني في مظهر دعائي يهدف لإظهار قوة الحركة.
في المقابل، شهدت تل أبيب تجمع مئات الإسرائيليين في "ساحة الرهائن" وهم يشاهدون تسليم الرهينات عبر شاشات عملاقة، حيث علت الهتافات والبكاء مع إعلان الجيش الإسرائيلي إعادة الرهينات إلى عائلاتهن. نشر الجيش صوراً مؤثرة تظهر لحظات اللقاء بين الرهينات وأسرهن، وهن يحتضن آباءهن بفرح.
لكن خلف هذه الصورة الاحتفالية، يكشف تقرير صادم للأمم المتحدة حجم الدمار الذي لحق بغزة نتيجة الحرب التي استمرت 15 شهراً. ووفقاً للتقرير، أدت هذه الحرب إلى تدمير أو تضرر 70% من المباني في القطاع، مما أعاد غزة 60 عاماً إلى الوراء من التنمية. وقدّر رئيس برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، أخيم شتاينر، تكلفة إعادة الإعمار بعشرات المليارات من الدولارات، معتبراً إزالة 42 مليون طن من الأنقاض تحدياً خطيراً نظراً لوجود ذخائر وألغام غير منفجرة.
وأشار شتاينر إلى أن سكان غزة خسروا منازلهم والبنية التحتية الأساسية، بما في ذلك أنظمة المياه والصرف الصحي والخدمات الصحية والتعليمية. ورغم أهمية الإغاثة الطارئة، أضاف شتاينر أن إعادة الإعمار ستحتاج إلى سنوات طويلة ومجهودات ضخمة في ظل هشاشة اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس.
تقرير بثته قناة الجزيرة عبر برنامج "ما خفي أعظم" كشف أن رئيس حماس، يحيى السنوار، كان مدركاً تماماً لحجم الدمار الذي سببته الحرب. وأشار التقرير إلى أن السنوار كان يسعى لتحقيق مكاسب دعائية شخصية، مستغلاً الأوضاع الميدانية رغم الكارثة الإنسانية التي تعرض لها القطاع.
في ظل هذا المشهد، يبقى سكان غزة بين أنقاض منازلهم وذكريات مدخراتهم التي تلاشت، منتظرين خطوات فعلية لإعادة بناء حياتهم. ورغم ضخامة التحديات، تتطلب المرحلة المقبلة تضافر جهود محلية ودولية لمواجهة الآثار المدمرة للحرب وتحقيق الأمل لسكان القطاع الذين يعيشون في ظروف قاسية.
وتوعّد قيادي بارز في حركة حماس اليوم (الأحد) بإفشال مقترح الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب لنقل سكان قطاع غزة إلى مصر والأردن، واصفاً الخطة بأنها امتداد لسياسات التهجير القسري التي واجهها الشعب الفلسطيني على مدار عقود.
وقال باسم نعيم، عضو المكتب السياسي لحماس، لوكالة الصحافة الفرنسية: "شعبنا كما أفشل على مدار عقود كل خطط التهجير والوطن البديل سيفشل كذلك مثل هذه المشاريع". وأكد نعيم أن الفلسطينيين متمسكون بأرضهم ولن يقبلوا أي محاولات لفرض التهجير القسري تحت أي ذريعة.
من جانبها، أدانت حركة الجهاد الإسلامي بشدة مقترح ترامب، معتبرة أنه يشجع على ارتكاب "جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية". وأوضحت الحركة في بيان عبر حسابها على منصة تلغرام أن تصريحات ترامب "تندرج في إطار التشجيع على مواصلة ارتكاب جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية بإجبار شعبنا على الرحيل عن أرضه".
وكان ترامب قد صرّح بأنه طلب من العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني خلال اتصال هاتفي استقبال المزيد من الفلسطينيين من غزة، مشيراً إلى أن القطاع يمر بـ"فوضى حقيقية" بسبب الحرب الإسرائيلية على حماس. وأضاف أنه يعتزم مناقشة الأمر مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، مؤكداً أن مقترحه قد يكون مؤقتاً أو طويل الأجل.
ورغم أن واشنطن سبق أن أعلنت العام الماضي معارضتها للنزوح القسري للفلسطينيين، فإن تصريحات ترامب أثارت غضباً واسعاً بين الفلسطينيين والمنظمات الحقوقية. وأكدت هذه المنظمات أن الحرب على غزة أدت إلى نزوح جماعي وأزمة إنسانية حادة، وحذرت من تداعيات أي خطط تهدف إلى تهجير السكان من القطاع.
في الوقت ذاته، واجهت واشنطن انتقادات دولية بسبب دعمها غير المشروط لإسرائيل، مؤكدة أن هذا الدعم يأتي في إطار مساعدة حليفتها للدفاع عن نفسها ضد "جماعات مدعومة من إيران" مثل حماس في غزة، وحزب الله في لبنان، والحوثيين في اليمن.
يظل مقترح ترامب جزءاً من جدل أوسع حول كيفية معالجة الأزمات الإنسانية والسياسية المتفاقمة في قطاع غزة، وسط رفض فلسطيني قاطع لأي محاولات تهجير تحت غطاء الحلول المؤقتة أو طويلة الأمد.