خلافات عميقة بين القوى الكبرى..

رفض أمريكا وبريطانيا توقيع إعلان قمة باريس يثير تساؤلات حول مستقبل الذكاء الاصطناعي

خلافات عميقة بين الولايات المتحدة والصين حول مستقبل هذه التكنولوجيا، حيث رفضت الولايات المتحدة الانضمام إلى الجهود العالمية لتنظيم هذا القطاع، مما يهدد بتقويض المساعي الدولية للوصول إلى اتفاق مشترك حول قواعد تطوير واستخدام الذكاء الاصطناعي.

خلافات أمريكية صينية تعرقل التعاون الدولي في مجال الذكاء الاصطناعي

برلين

أثار رفض الولايات المتحدة وبريطانيا التوقيع على الإعلان الختامي لقمة باريس للذكاء الاصطناعي، التي عُقدت بمشاركة 60 دولة بما في ذلك فرنسا والصين والهند واليابان، تساؤلات حول إمكانية تحقيق تعاون دولي منسق في مجال تنظيم وتطوير هذه التكنولوجيا المتقدمة. وجاء الرفض الأمريكي والبريطاني في ظل تجاذبات سياسية واضحة بين واشنطن وبكين، خاصة بعد الجدل الذي أثاره برنامج الذكاء الاصطناعي الصيني "ديب سيك".  

وكان الإعلان الختامي للقمة قد نص على ضرورة أن يكون الذكاء الاصطناعي "مفتوحًا وشاملًا وشفافًا وأخلاقيًا وآمنًا وجديرًا بالثقة"، مع التأكيد على أهمية جعله مستدامًا للناس والكوكب. إلا أن الولايات المتحدة وبريطانيا، رغم مشاركتهما في أعمال القمة، امتنعتا عن التوقيع على الوثيقة النهائية، مما أثار انتقادات وتحليلات حول دوافع هذا القرار.  

وقال متحدث باسم رئيس الوزراء البريطاني إن بلاده "لن تنضم إلا إلى المبادرات التي تخدم المصالح الوطنية للمملكة المتحدة"، مشيرًا إلى أن الإعلان الختامي لم يكن قويًا بما يكفي بشأن قضايا الأمن ولم يعكس نهج بريطانيا كدولة رائدة في مجال الذكاء الاصطناعي. 

من جهتها، لم تقدم الولايات المتحدة تفسيرًا مباشرًا لرفضها التوقيع، لكن نائب الرئيس الأمريكي، جيه دي فانس، انتقد خلال كلمته في القمة "التنظيم المفرط" للتكنولوجيا في أوروبا، وحذر من التعاون مع الصين.  

وأكد فانس أن "التنظيم المفرط لقطاع الذكاء الاصطناعي يمكن أن يقتل صناعة تحويلية"، داعيًا إلى أنظمة تنظيمية دولية تعزز الابتكار بدلاً من خنقه. كما وجه انتقادات غير مباشرة للاتحاد الأوروبي، مشيرًا إلى أن قوانين مثل "اللائحة العامة لحماية البيانات" و"قانون الخدمات الرقمية" قد تعيق التطور التكنولوجي.  

من جانبها، قالت مصادر حكومية بريطانية إن قرار المملكة المتحدة بعدم التوقيع لم يكن محاولة لكسب ود الولايات المتحدة، بل يعكس رغبة لندن في الحفاظ على نهجها المستقل في تنظيم الذكاء الاصطناعي. إلا أن نائبًا من حزب العمال البريطاني أشار إلى أن بريطانيا قد تكون مجبرة على اتباع النهج الأمريكي لتجنب عزلتها في هذا المجال الحيوي.  

وأثار قرار بريطانيا انتقادات من جماعات حقوقية وتكنولوجية، حيث حذر أندرو دودفيلد، رئيس قسم الذكاء الاصطناعي في منظمة "فول فاكت"، من أن هذا القرار قد "يقوض مصداقية المملكة المتحدة كقائد عالمي في الابتكار الآمن والأخلاقي."  

من ناحية أخرى، وجه فانس انتقادات لاذعة للصين، محذرًا من مخاطر الشراكة مع الأنظمة "الاستبدادية"، وقال: "إذا بدت الصفقة جيدة للغاية لدرجة يصعب تصديقها، فتذكر أنك أنت المنتج." وأكد أن إدارة ترامب ستضمن حماية تقنيات الذكاء الاصطناعي وأشباه الموصلات الأمريكية من السرقة وسوء الاستخدام، في إشارة واضحة إلى المنافسة مع الصين.  

يأتي رفض التوقيع على الإعلان الختامي في وقت تشهد فيه العلاقات الأمريكية – الصينية توترات متزايدة، خاصة في مجال التكنولوجيا المتقدمة، مما يعكس التحديات الكبيرة التي تواجه الجهود الدولية لتنظيم الذكاء الاصطناعي بشكل متوازن بين الابتكار والأمن.  

وفي ختام القمة، بدا واضحًا أن التجاذبات السياسية والاستراتيجية بين القوى الكبرى ستظل عائقًا أمام تحقيق تعاون دولي فعّال في مجال الذكاء الاصطناعي، مما يترك الأسئلة حول مستقبل هذه التكنولوجيا الحيوية مفتوحة على مصراعيها.